عرض مشاركة مفردة
رااحيل رااحيل غير متصل    
عضو نشيط جدا ( رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ )  
المشاركات: 171
#4  
(2)
بسم الله الرحمن الرحيم

إن لحظات الوداع لحظاتٌ لا تُنسى ..، ولوعتها لوعةٌ لا تبلى .. حرقة الوداع تُلهب الأحشاء ..، ودموعه تحرق الوجنات بحرارة العبرات ..

لم يُبكني إلا حديث فراقكم *** لما أسرّ به إليَّ مودعِّي
هو ذلك الدر الذي أودعتمُ *** في مسمعي أجريته من مدمعي

وما اشقاه من حزن حين يكون الوداع وداع أبدي في هذه الدنيا فلا اجتماع ولا لقاء إلا في الدار الآخره
حينها تسرح الذاكرة وتذهب إلى أبعد الحدود لتكسر الحواجز والقيود وتنطلق لترتحل مع الموت تعيشه خطوه خطوه
سفرنا لن يطول طويلاً فلن أسرح بكم بعيداً مع ذاكرتي (مع حبي الشديد أن اشارككم بكل حرف يجول الآن في الذاكره) وإنما هي رحلة وأيما رحله كتبتها يوماً وأعيدها اليوم علها تكون ذكرى لمن اعتبر


[COLOR=darkblue] فاليوم هو يوم وفاة والده فقد كان ينتظر خروجه من غرفة العمليات وهو لا يعلم أن ملك الموت كان أيضاً ينتظر حكم رباني ليأخذ روح والده فإرادة الله ومشيئته تقهر ارادة العباد [/COLOR]
القي بحسده المتهاكل على كرسيه..وبدأ يكتب ويداه ترتجفان

[COLOR=darkred]"" ... كانت ليلة كئيبة , تسلب النوم من الأحداق, ننتفض حزناً تارة وتارة أخرى نخلد إلى المضجع في سكون غريب.
الليلة لن ينام والدي على فراشه, فقد تركه بارداً في هذه الأمسية الشتويه وثمة ريح عاصفه تهز أشجاراً قد غرسها قبل وفاته فتحدث أغصانها تناغماً حزيناً مع خلجاتنا المضطربة لوعه.
ثيابه, حذاؤه , الجريدة التي كان يقرؤها وكوب الشاي الذي ترسب في قاعه بقايا السكر ما زال ينسج مع الهواء بقايا شهقة الموت.
اختلفت الحياة في ومضة عين ورحل ذاك الطيب عن مسكنه وفارق الأهل والولد إلى مكان موحش غريب كئيب, ما أقصر الدنيا وما أغفل الإنسان عن كبوة الموت
رحل والدي آخذاً معه كل سرور البيت وأنسه وخلف لنا الوحشة والحزن الكبير..
انتكست رؤوسنا وطأطأت وجوهنا النظره أعناقنا لوعه, وانطفأ قنديل البيت وعلت سماؤه غمامة سوداء كئيبه ,,حتى أني كرهت اجتماعنا الذي لا طعم له ولا نكهة بلا والدي..
بقيت طوال الليل ساهراً، مطرقاً أقرأ القرآن وأنا أتذكر تلك الجثة الهامده البارده التي لا حراك فيها أكاد لا أصدق هل هذا هو والدي؟؟ هل هو ذاك الرجل الذي كان يملأ البيت حيويه وحياة راقد الآن على المغتسل تقلبه أيدي الرجال عرياناً وثمة آخر يشرع في اعداد كفنه بينما أنا واقف متسمر تداعب أنفي روائح السدر والكافور
الماء, قطع من القماش الأبيض لفائف بيضاء ,, مكان غريب يختلف عن العالم الذي نعيشه وأناس قد التقى عندهم إحساساً متناقضاً يجمع الموت بالحياه...

وأنا أتذكر كل هذه المشاهد أتمتم قائلاً: (ربي ارحمني صريعاً على الفراش تقلبني أيدي أحبتي ,, وتفضل عليَ ممدوداً على المغتسل تقلبني صالح جيرتي ,, وتحنن عليَ محمولاً قد تناولت الأقرباء أطراف جنازتي ,, وجد عليَ منقولاً قد نزلت بك وحيداً في حفرتي,, وارحم في ذلك البيت غربتي حتى لا أستأنس بغيرك يا سيدي)

ياااااه
يجب أن نتقلد الموت كقلادة في أعناقنا ونحسب لذلك الموقف الرهيب ألف حساب فملك الموت زائرنا وإن خذلناه اليوم فغداً أو بعد غد يخذلنا ويفجع قلوبنا كما يفعل كل يوم وليله

حزن يطفق بقلبي عندما أتذكر أني بيدي هاتين دفنت والدي وسويت قبره
(يا صاحب الألطاف الخفيه ألطف بنا في هذه الكربة العظيمه)
[/COLOR]
[COLOR=darkblue]لملم أوراقه ليدفنها في قلبه كما دفن والده إلا أن أوراقه قد تحولت إلى بياض من جديد فدموعه كانت أقوى من حبر قلمه إلا أن وقفاته مع الموت لن تمحى من ذاكرة السنين[/COLOR]

[COLOR=red]وقفه:[/COLOR] في غرفة العمليات كان نقاب الأطباء أبيض.... لون المعاطف أبيض.... تاج الحكيمات أبيض.... الملاءات ,, لون الأسره ,, أربطة الشاش والقطن ,, قرص المنوم ,, أنبوبة المصل ,, كوب اللبن ..!! كل هذا يشيع بقلبي الوهن ...... كل هذا البياض يذكرني بالكــــــــــــــفن


[COLOR=darkblue]المرجع:[/COLOR] [COLOR=red]ذاكرة انسان[/COLOR]

رااحيل غير متصل قديم 14-08-2004 , 07:32 PM