عرض مشاركة مفردة
بو عبدالرحمن بو عبدالرحمن غير متصل    
مبدع متميز  
المشاركات: 5,287
#1  
( بقعــة السمـاء ..... في الأرض ..!! )
قلت : كلما رأيت المسجد أو سمعت النداء للصلاة ،
تجيش نفسي بمشاعر رائعة لا أستطيع التعبير عنها .
قال : تلك علامة خيرية فيك ، فوجب عليك أن تستثمرها وتنميها
قبل أن تتلاشى فلا تجدها بين يديك ..
بادرِ الفرصةَ واحذرْ فوتها *** فبلوغ العزّ في نيلِ الفرصْ

أدهشني كلام صاحبي بل هز قلبي فبادرت أسأله :
وكيف لي أن استثمرها على الوجه المطلوب ؟
قال : أن تخطو الخطوة التالية ، فتسعى إلى تعمير المساجد ..!
قلت وقد ارتسمت على وجهي علائم إحباط :
وهل لي طاقة بذلك ؟؟.. أنا لا أملك إلا ما يسد حاجتي ؟!

فضحك صاحبي وقال :
وهل تحسب أن تعمير المسجد يكون ببنائه فقط ؟
قلت : فكيف إذن ؟
قال : تعمير المسجد في الحقيقة إنما يكون بإحياء رسالته ،
والسعي لاقتباس فوائده ، وجني ثمراته ..
فالمسجد ليس سوى محطة رائعة يشحن الإنسان المؤمن قلبه فيها
شحناً غير عادي ، حتى يتوهج الإيمان فيه فيغدو كالكوكب الدري ..

قلت وقد شعرت بارتياح شديد:
آه .. ولذا كانت الصلاة في أوقات متفرقة على مدار اليوم ..
ليبقى المدد مستمراً .. ويبقى التوهج متنامياً ...

ابتسم صاحبي وقال : هو كذلك يا أخي ..
كلما تشتت الإنسان في دنياه ، وأصابه ضنك الحياة ،
ارتفع صوت النداء للصلاة ، يذكّره بأن له موعداً مع ربه سبحانه ،
ليجدد له طاقته ، وليشحن له ( بطارية ) قلبه ، ويصقل له روحه ،
فإذا أقبل على المسجد وفي حسه مثل هذه المعاني ،
وصلى بهذه الروح : نفض عنه غبار يومه ، وصقل صدأ قلبه ..
ووجد أن نفسه قد اجتمعت وزكت ورقت ، وأن قلبه قد صفا وطهر وعذُب ،
وما بين ركوع وسجود وابتهال وتضرع ، وتلاوة قرآن
وتدبر لأقوال الصلاة وحركاتها ، يصقل روحه صقلاً عجيباً
مهما تكاثفت عليها أكدار الحياة .فلا يخرج من المسجد إلا وقد تلألأت روحه ،
وأشرق قلبه ، فيستقبل الحياة جديداً عليها كأنه يلقاها تواً للساعة !!
ومثل هذا الإنسان يواجه أحداث الحياة بروح جديدة دائماً ،
روح مليئة بأنوار السماء تعينه على مواجهة تيارات الحياة المتلاطمة وفتنها !!

قلت : عجيب واللهِ هذا الذي تقوله يا صاحبي ! بل أنت تنثر على قلبي كنوزأ والله .

قال : بل العجيب والله ، أن أكثر الخلق لا يعرفون هذه المعاني
مع أنها من بديهيات الدين ، فالنصوص كثيرة جداً تؤكد هذا وتقرره ،
ولكن أكثر الناس لا يعقلون !
قلت وعيناي محملقتان فيه : زدني إذن ، ولك مني الشكر ، ومن الله الأجر .

قال : ثق أنك في قلب المسجد تخوض في بحر من أنوار سماوية خالصة ،
لأن أجواء المسجد ملائكية معطرة ، مملوءة بذكر الله سبحانه ،
ورحمات الله تتنزل تترى تترى بلا انقطاع ،
حتى وأنت تجلس منتظراً الصلاة عاقداً يديك على ركبتيك
تتأهب للنهوض إلى الصلاة ، فكيف إذا ملأت وقت انتظارك بالذكر الكثير ،
والدعاء الخاشع ، وتلاوة القرآن لكتاب الله ؟ ذاك نور على نور على نور ..!

قلت في عجب : هذا كله قبل الصلاة ..فكيف بالصلاة نفسها ؟
ابتسم صاحبي وقال :
الصلاة كلها ذكر كما قال تعالى ( وأقم الصلاة لذكري ) ..
وعليك أن تذكر ذلك وأنت فيها ، ليحضر قلبك معها ،
وإلا فما جدوى أن يدور لسانك بما لا تعرف ما معناه ، ولا فيما يدور !!

ثم أن حركات الصلاة كلها ، ذات رسائل موجهة إلى القلب :
تغرس في جذوره معنى العبودية لله تعالى ، ومعنى الأدب بين يدي الله سبحانه ،
ومعان شتى : كالتواضع والمساواة وعدم التكبر على مسلم ،
واللين في أيد إخوانك المؤمنين ، وضرورة الصف الواحد ..وضرورة المتابعة
وأهمية النصيحة ولو للقائد نفسه ، ودروس كثيرة جداً جداً

قلت في فرح :
إذن في قلب هذه الأجواء لابد أن يزهر قلبك وينقدح شرره حتى يضيء .
قال : الله أكبر .. هو كذلك ، المهم أن يحضر قلبك معك فيها ،
ولذا فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
أرحنا بها يا بلال .. فهو يجد راحة قلبه حين يكون متلبساً فيها ..
ولذا كانت الصلاة قرة عينه .. فهل الصلاة قرة عين لنا ...!؟ هذا هو السؤال الصعب .

قلت وأنا أطأطئ رأسي :
وأكثر الناس اليوم يقولون بلسان الحال : أرحنا منها يا إمام !!!
وما أن ينتهي منها حتى يطيرون خارج المسجد كأنهم طيور كانت في قفص !!!!

قال : هذه مصيبة والله !!
فالصلاة معراج روح المؤمن ليلج من خلالها إلى السماء ،
هي رحلة قلبية فريدة لساعة ليست من ساعات الدنيا ، لأنها من زاد الآخرة ..!!
هي لحظات لكنها تغسل هذا القلب غسلاً عجيباً ،
لأنه فيها يكون في كنف الله ، ، وبين يديه ،
فإذا صدق في وقفته تلك ملأ الله قلبه بأنوار السماء ولابد ،
وهل يمكن أن يردك الكريم عن بابه وقد أقبلت عليه طامعاً فيما عنده ؟
هل يعقل أن تدخل على الله جل الله وتحسن الأدب معه ،
ثم أنت تخرج من حضرته كما دخلت ... ذلك والله سوء ظن بالله ، فافهم .

قلت وأنا اشعر بنشوة عجيبة في قلبي :
لقد شوقتني والله للصلاة بروح جديدة ،
وأجدني مشدوداً الآن إلى الإقبال على النوافل فضلاً عن فرائضها
لعلي أصل إلى الاغتراف من هذه المعاني السماوية العجيبة التي تتحدث عنها .

قال : لله در القائل :
عندما صليتُ في محرابـهِ *** عرفتُ أني نلت شيئاً لم يُنــلْ
هزتِ الأفراحُ قلبي فانتشى *** راقصاً والدمعُ من عيني هملْ

وخير من ذلك أن تستعرض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
حول الصلاة لتجد فيضا من معاني السماء يغرسها في قلبك ،
فإذا تشربها قلبك جيداً ... فقد ولدت فيه الأفراح إذن ..
وما عليك إلا أن تجدد هذه الأفراح مع كل نداء ..
لتبقى مشدودا إلى السماء لا تنفك عنها .. وبالله التوفيق ..
= = =
فإن أصبنا فلا عــجبٌ ولا غــررُ ** وإن نقصنا فإن الناس ما كملوا
والــكاملُ الله في ذاتٍ وفي صفةٍ ** ونــاقص الذات لم يكمل له عملُ

[COLOR=red]ســـوالف الأصــــدقـاء [/COLOR]

بو عبدالرحمن غير متصل قديم 10-06-2003 , 02:41 AM