عرض مشاركة مفردة
ميس الريم ميس الريم غير متصل    
كاتب فعال  
المشاركات: 1,650
#11  

هذه الحكاية ..اهدتني إياها كاتبتها لنشرها في هذه الزاوية

نورة وآخرين ....أيتام ليسوا كغيرهم .


يا لطفولتهم البائسة ...
رسم ذات مرة أحد الرسامين صورة لطفل بائس حزين ...فاشتهرت صورته ...
وجعلت منه رساما مغموراَ..
على الرغم من أن تلك الصورة لم تنقل لنا قصة ذلك الصبي الشقي...
ولم تشر إلى أي نوع من الظلم قد تعرض له ...
غير أن دموعه التي أنطقها الرسام بحرفية عالية ..
وهي تتساقط من عينيه ..
كانت كصورة ثلاثية الأبعاد .. توحي لمن يتأملها صنوفا من العذاب قد مر بها الصبي الصغير...

ليت ذلك الرسام كان معي .. في المكان الذي ذهبت إليه والتقيت فيه بعدد من الأيتام الصغار ..
ليته التقى بهم لينقل صورهم للعالم ...
ويرسم كل ما فيها من تعابير ظاهرة للعيان عن معاناة عاشوها في حياتهم ..
حياة لم تتجاوز سنوات بعدد اليد الواحدة...أو اكثر بقليل ..

وجوه شاحبة ..أجسام هزيلة كأجسام الأشباح ..ذبول كذبول الأزهار الصغيرة قبل تفتحها...
كيف اغتيلت الضحكات والابتسام من على شفاههم ؟؟!! ...
وكيف سرقت البراءة من عيونهم...تلك العيون ..
لن ترى فيها سوى سهاماَ عدوانية تحاصرك وأنت تحدق في وجوههم ..
تتهمك وتجعل منك شريكا مع من كان سببا في آلامهم و عذابهم ..
لقد غُدِرَ بهم ...وتم رفضهم من المجتمع ...وانتهى بهم المطاف إلى ((دار رعاية الأيتام ))

****
لفتت انتباهي ...ليست كغيرها من الأطفال ...ربما لأنها لازالت تتمسك بقليل من الأمل !! في أن تلتقي بيد تربت على كتفيها وتمسح الدموع من على خدها ..
تلتقي بمن يعوضها عما فقدته من حب وحنان ..
كان لها حضن دافئ ومطمئن ..فأبت بعض النفوس الدنئة إلا أن تنتزعها من ذلك الحضن وتسحقه بكل ما أوتيت من وحشية ..وخسة ..

اقتربت منها ..وكنت حذرة خوفا من أن تهرب مني ....
لكنها فاجأتني حين اقتربت مني أكثر ..
نظرت إلى كيس الهدايا في يدي ..
عرفت ما كانت تريده أخرجت لها هدية صغيرة وأعطيتها لها ...
قبل أن تمسكها سألتها ...ما اسمك يا وردتي الصغيرة ..أجابتني ..نورة ..أخذت الهدية وانصرفت بهدوء غير مبالية بشيء آخر سواها ..

فضول شديد دفعني لطلب ملف نورة ..قدمته لي الموظفة المسئولة ..
أخذته معي للمنزل ..وكنت أتعجل الوقت لأتفرغ لقراءته ..
ومعرفة ولو جزء بسيط عن حياة تلك الوردة الصغيرة الذابلة ..نورة

وقرأت الآتي ...

في بيت قديم متهالك حيث يمتزج البؤس .. والعجز .. والألم والحرمان .. عاشت أم نورة ...
بيت خلا إلا من بعض الأثاث البسيط التالف و أم مقعدة ضريرة لا حول لها ولا قوة ....

طلبها يوما أحد الأغنياء للزواج بعد أن أعجب بجمالها الباهر ...
وصغر سنها واشترط أن يكون زواجا سريا ....
ولأنها ما كانت " أو لم تكن " تحلم بأبعد من ثري ..
ينقلها من البؤس الذي تجرعته في كل دقيقة من حياتها ..
إلى حياة الترف والرفاهية ... وافقت على الزواج منه مع ذلك الشرط الجائر بحقها.

لم يمض الكثير من عمر زواجهما غير المتكافئ ..
لتكتشف أن ذلك الحلم الوردي الذي طالما راودها ...
ما كان سوى سراب بقيعان سرعان ما انتهى وتلاشى ..
لتجد أمامها رجل جمعت الأيام فيه مساوئ الأخلاق كلها ....
لا هم له سوى الجري وراء المحرمات و ارتكاب الكبائر
فمن تعاطي المخدرات و إدمان للكحول ... إلى تعلقه بالنساء ...
بخله وطمعه ..ثم عصبيته ..كلها صفات حطمت أحلام أم نورة الوردية ...
ولونت حياتها بألوان داكنة وكئيبة ..أكثر مما كانت عليه ..

وفي ظل تلك الظروف السيئة أبصرت نورة الحياة ..
هبة ربانية علها تخفف عن والدتها المسكينة بعضا من همومها ...
فتكون سلوتها وملاذها الذي إليه تهرب كلما داعبتها أو نظرت إليها ...
ما اهنأ تلك الصغيرة بحنان أمها..دون أن تعلم ما تخفيه لها الأقدار. وما أهنأ الأم بها.


مرارا وتكرارا حاولت الأم أن تطلب من زوجها الانتقال للعيش في بيئة أفضل ...
لخاطر تلك الصغيرة على الأقل ..
لكن طلباتها وأمانيها لم تكن سوى زفرات وحسرات تزيد من آلامها وعذابها.
.وتزيد من مرضها الذي بدأت تعاني منه .

..........

في إحدى الليالي المظلمة ..
دخل والد نورة على زوجته وهو يعاني من حالة سكر شديدة ...
تذمرت المسكينة من تلك الحالة المزرية ...
لكن سرعان ما بدأ صراخه يعلو دون سبب...
وفجأة حمل معه نورة دون أن تعلم الأم إلى أين ؟؟
أو لماذا فعل ذلك ؟؟

طال غياب ذلك الوحش ...وطال غياب نورة !!
بقيت أياما طويلة وهي تبكي بحرقة لفراق قرة عينها آملة أن يرق قلبه فيعود بها .

لكن أيا من ذلك لم يحدث ..اشتد بها الحزن ...
وازداد عليها المرض حتى ماتت في ذلك البيت الكئيب حسرة وألما ...
...وتركت أمها العجوز الضريرة ...لتروي هذه الأحداث ..

....
وفي بيت والد نورة ...حيث أخذها لتعيش مع زوجته الأجنبية ...
بدأت سلسلة العذابات تتوالى على تلك الصغيرة

فزوجة والدها لم تعرف الرحمة طريقا إلى قلبها ...
كم نامت نورة بجوعها وعطشها .. وكم تقرح جسدها الطري من شدة الإهمال وتراكم الأوساخ ..

وكم مرضت وارتفعت حرارتها فلم تجد من يسهر بجانبها ..ليعتني بها

وكم حاولت أن تفهم سبب الضرب الوحشي والعنيف الذي تناله باستمرار ....
كم أحرقت جسدها بالنار عندما كانت تخطئ كغيرها من الأطفال ..
والكثير الكثير من الذكريات المؤلمة التي لن تنساها تلك الطفلة البريئة ...

وإن نستها جميعها فمحال أن تنسى تلك الجريمة الوحشية...
التي كادت أن ترتكب بحقها وهي لم تتجاوز عامها السادس بعد

كان والد ها مسافرا إلى إحدى دول شرق آسيا كعادته ....
وبلا رحمة او خوف من ربها ...
اتفقت زوجته القاسية مع أحد الذئاب البشرية على بيع جسد نورة له ....
مقابل حفنة من المال عن كل ليلة..
لم ينقذ تلك الصغيرة سوى صوت صراخها الذي سمعه أحد المارة خلف نافذتها المنطفئة ...
وأبلغ على أثره مركز الشرطة

اقتحم رجال الأمن المكان ..
وأخرجوا الصغيرة منه وهي في حالة يرثى لها من الذعر والهلع..
فاقتادت تلك المجرمة إلى مركز الشرطة مع من كان معها من عبدة الشيطان ..
......
يا إلهي .. أحسست بارتباك وحيرة شديدة ...
وتعطلت قدرتي على التفكير من هول ما قرأت ... كدت أصرخ بصوت عالٍ ...
هل هكذا وحوش ...تعيش بيننا !!!

أودعت نورة دار رعاية الأيتام بعد أن أُبلغ المركز أنه
لا تتوافر عنها أية بيانات أو مكان تؤخذ له...
سوى بيت جدتها العجوز الضريرة المقعدة.

رحلت نورة إلى تلك الدار ...وهي لا تحمل معها سوى خلفية ماض معتم وموحش ....
لمستقبل مجهول وكئيب.

مسكينة أنت يا نورة ....

ومسكين كل من كان يعيش حياة كحياتك البائسة .
هل ستكون الأيام القادمة كفيلة بأن تتصالح معها ...فتنسى كل ماجرى لها ؟؟
ربي ارحمها ...وارحم من كان في مثل مكانها ...ربي فاض الظلم ...
وانتشر الفساد في البر والبحر ...فأنقذ عبادك من ظلم أنفسهم ومن ظلم الآخرين لهم ...





//ميس الريم :(

ميس الريم غير متصل قديم 18-02-2006 , 02:02 AM    الرد مع إقتباس