عرض مشاركة مفردة
أبو يحى أبو يحى غير متصل    
عضو نشيط جداً  
المشاركات: 361
#3  

مـقـدمــــــــة

لا خفاء أن السياسة علم واسع جداً يتفرع الى فنون كثيرة ومباحث دقيقة شتى، وقلما يوجد إنسان يحيط بهذا العلم، كما أنه قلما يوجدإنسان لا يحتك فيه .

وقد وجد في كل الأمم المترقية علماء سياسيون تكلموا في فنون السياسة ومباحثها استطراداً في مدونات الأديان والحقوق أو التاريخ أو الأخلاق أو الأدب. ولا تعرف للأقدمين كتب مخصوصة فى السياسة لغير مؤسسي الجمهوريات من الرومان واليونان، وإنما لبعضهم مؤلفات سياسة أخلاقية ككليلة ودمنة، رسائل "غوريغوريوس" ومحررات سياسية دينية كنهج، البلاغة، وكتاب الخراج .

وأما في القرون المتوسطة فلا تؤثر أبحاث مفصلة في هذا الفن لغير علماء الإسلام، فهم ألفوا فيه ممزوجاً بالأخلاق، كالرازي والطوسي الغزالي والعلائى وهي طريقة الفرس، وممزوجاً بالأدب كالمعري والمتنبي وهي طريقة العرب، وممزوجاً بالتاريخ كابن خلدون وابن بطوطة وهى طريقة المغاربة .

وأما المتأخرون من أهل أوروبا ثم أمريكا فقد توسعوا في هذا العلم وألفوا فيه كثيراً، واشبعوه تفصيلا ًحتى إنهم أفردوا بعض مباحثه فى التأليف بمجلدات ضخمة، وقد ميزوا مباحثه إلى سياسة عمومية، سياسة خارجية، وسياسة إدارية، وسياسة اقتصادية، وسياسة حقوقية الخ. وقسموا كلا منها إلى أبواب شتى وأصول وفروع .

وأما المتأخرين من الشرقيين ، فقد وجد من الترك كثيرون ألفو في أكثر مباحثه تآليف مستقلة، ممزوجة مثل أحمد جودة باشا، وكمال بك، وسليمان باشا، وحسن فهمي باشا، والمؤلفون من العرب قليلون ومقلون، والذين يستحقون الذكر منهم فيما نعلم رفاعة بك، وخير الدين باشا التونسي وأحمد فارس، وسليم البستاني، والمبعوث المدني .

ولكن يظهر لنا الآ ن أن المحررين السياسيين من العرب قد كثروا، بدليل مايظهر من منشوراتهم فى الجرائد والمجلات فى مواضيع كثيرة، ولهذا لاح لهذا العجز أن أذكر محضراتهم على لسان بعض الجرائد العربية بموضوع هو أهم المباحث السياسية، وقل من طرق بابه منهم الى الآن .

فأدعوهم إلى ميدان المسابقة فى خير خدمة ينيرون بها أفكار إخوانهم الشرقيين وينبهونهم، لا سيما العرب منهم، لما هم عنه غافلون، فيفيدونهم بالبحث والتعليل وضرب الأمثال والتحليل ( ما هو داء الشرق وما دواؤه؟).

ولما كان تعريف علم السياسة بأنه هو " إدارة الشؤون المشتركة بمقتضى الحكمة " يكون بالطبع أول مباحث السياسة وأهمها بحث (الاستبداد)أي التصرف فى الشؤون المشتركة بمقتضى الهوى .

وإنى أرى أن المتكلم فى الاستبداد عليه أن يلاحظ تعريف وتشخيص " ماهو الاستبداد ؟ ماسببه؟ ماسيره؟ ما إنذاره ؟ ما دواؤه؟ و كل موضوع من ذلك يتحمل تفصيلات كثيرة وينطوى على مباحث شتى من أمهاتها : ماهى طبائع الاستبداد ؟ لماذا يكون المستبد شديد الخوف؟ لماذا يستولى الجبن على رعية المستبد؟ ما تأثير الاستبداد على الدين ؟على العلم ، على المجد ، على المال ، على الخوف .على الترقي ، على التربية ، على العمران من هم أعوان المستبد ؟ هل يتحمل الاستبداد ؟ كيف يكون التخلص من الاستبداد ؟ بماذا ينبغى استبدال الاستبداد ؟.

قبل الخوض في هذه المسائل يمكننا أن نشير الى النتائج التى تستقرعندها أفكار الباحثين فى هذا الموضوع، وهى نتائج متحدة المدلول مختلفة التعبير على حسب اختلاف المشارب والأنظار في الباحثين وهي :

يقول المادي : الداء القوة والدواء المقاومة .

ويقول السياسي : الداء استعباد البرية والدواء استرداد الحرية .

ويقول الحكيم : الداء الداء القدرة على الاعتساف والدواء الاقتدار على الاستنصاف .

ويقول الحقوقي : الداء تغلب السلطة على الشريعة والدواء تغلب الشريعة على السلطة .

ويقول الرباني : الداء مشاركة الله فى الجبروت والدواء توحيد الله حقاً.

وهذه أقوال أهل النظر . وأما أهل العزائم :

فيقول الأبيّ : الداء مد الرقاب للسلاسل والدواء الشموخ عن الذل .

ويقول المتين : الداء وجود الرؤساء بلا زمام والدواء ربطهم بالقيود الثقال .

ويقول الحر: الداء التعالى على الناس باطلاً والدواء تذليل المتكبرين .

ويقول المفادى : الداء حب الحياة والدواء حب الموت .

* * * * *

أبو يحى غير متصل قديم 30-03-2006 , 02:56 PM    الرد مع إقتباس