عرض مشاركة مفردة
الالم المهاجر الالم المهاجر غير متصل    
عضو نشيط جدا  
المشاركات: 236
#8  
القذافي.
يتبع الموضوع السابق

تبلغ خطوط الأنابيب أربعة آلاف كيلومتر، حيث تبعد مدينة طرابلس عن واحة الكفرة ألف وخمسمائة كيلومتر تقريباً، أما المسافة بين مدينة بنغازي وواحة الكفرة فهي ثمانمائة وخمسين كيلومتر تقريباً، والمسافة بين واحة الكفرة ومدينة سرت حوالي ستمائة كيلو متر، هذا بالإضافة إلى ألف كيلو متر من الخطوط الموجودة في واحة تازربو والتي تقع شمال واحة الكفرة بمائتين كيلومتر تقريباً والتي تنقل المياه في نفس الاتجاه.

المشكلة ليست فقط في طول هذه الخطوط، ولكن أيضا في نوع الأنبوب حيث يفترض أن يكون كل أنبوب من الإسمنت المسلح المعالج (6) والمحمي بطريقة تحفظه من التآكل والحرارة والصدأ والتسرب وضغط المياه وغيرها من العوامل المؤثرة، وقد تم بناء مصنعين أحدهما في منطقة السرير والآخر في منطقة البريقة لإعداد هذا النوع من الأنابيب (7) ، ويتراوح قطر الأنبوب من نصف متر إلى أربعة أمتار، وسمكه من 40 مليمتر إلى 60 مليمتر، وفي بعض المناطق يحتاج الأنبوب إلى دفنه في خندق عمقه حوالي سبعة أمتار والى تغطيته بطبقة من الأسمنت المسلح، وكل ذلك ينعكس بداهة على تكلفة إعداده من سبعة آلاف دولار إلى أربعة عشر ألف دولار.

الشركات المنفذة والشركات الاستشارية

المنفذ الرئيسي للمشروع هي اتحاد شركات دوانغا D. A. C وقد قامت بأغلب أعمال المشروع، وهي مجموعة شركات كورية وغربية، و تندرج تحتها عشرات الشركات، وهي ليست من الشركات ذات السمعة العالية، كما أنـها تواجه الإفلاس حالياً رغم الأرباح الهائلة التي جنتها من المشروع؟! والتي تصب في صالح الاقتصاد الكوري والمستثمرين الأجانب في تلك الشركة، أما الشركة التي قامت بأعمال الحفر فهي شركة برازيلية مفلسة سيئة السمعة اسمها بروسبيترو، وتم التعاقد معها لأسباب غير معروفة؟، ومن ثم حصلت الشركة على هذه الفرصة الخيالية، وبعد أن حققت الكثير من المكاسب عادت للإفلاس!؟.

أما الشركة الاستشارية التي عينها المهندس القذافي لتقوم بأعمال التصميم والتخطيط و لتراقب أعمال تنفيذ العقد فهي شركة إنجليزية تملكها عائلتان يهوديتان تسمى شركة براون روت Brown & Root، تقاضت أتعابـها بنظام الساعة في المرحلة الأولى، مما جعل قيمة أتعابـها عالية جدا، أما مقابل استشاراتـها في المرحلة الثانية فقد بلغت مائة وخمسين مليون جنيه، والأسوأ من ذلك كله أن هذه الشركة ليست متخصصة في هذا المجال!، ولا تتحمل أي مسئولية تنتج عن إشرافها لا في مواجهة الطرف المتعاقد، ولا في مواجهة المقاول في حين أن الاستشاري المتخصص والمعين من قبل المقاول ليعمل لصالحه يتحمل كامل المسئولية عن إشرافه وبمقابل أربعين مليون جنيه؟.

وللعلم فإن هذه الشركات تتقاضى مقابل أتعابـها بالنفط بدلاً من العملة، ومع تدني أسعار النفط فإنه يحسب بسعر بخس، وقد تضاعفت أرباح الشركات بفضل الإعفاءات من دفع الضرائب والجمارك والرسوم وغيرها من الامتيازات التي تمنح لها من وقت لآخر بموجب قرارات استثنائية.

إضافة لذلك فإن هذه الشركات مارست أعمالها بدون رقابة ولاإشراف عليها ولا متابعة لمدى توفر الشروط والمواصفات الفنية المنصوص عليها في العقد، ولذا ظهرت كثير من العيوب في الأداء والتنفيذ علاوة على أخطاء التصميم.

مشاكل المشروع:

بعد انتهاء المرحلة الأولى في 30/8/1991م بفترة وجيزة ظهرت عدة مشاكل كان أهمها مشكلة تشقق الأنابيب، وتم استدعاء عدد كبير من الخبراء والشركات العالمية المتخصصة للتفتيش، وأشيع أنه لم يتم الاتفاق فيما بينها على سبب محدد للتشققات، وتمت تغطية الموضوع بالزعم أن هذه التشققات غير خطيرة ويمكن تشغيل المنظومة بضغط أقل جداً من المفترض عند التصميم، وأن المشروع جديد جداً وضخم جداً ومعقد جداً وغيرها من الأعذار و التلبيسات التي لا تخدم إلا المستفيدين من البقرة الحلوب، ولكن أقرب سبب محتمل للتشققات هو الخطأ في تصميم الأنابيب، يدل عليه إعادة تصميمها في المرحلة الثانية!.

أما أهم مشاكل المرحلة الثانية فهي مشكلة صدأ معظم مضخات المياه التي تكفل تدفق المياه بشكل مستمر؛ هذه المضخات تم شراؤها من شركة دنمركية متخصصة وبتكلفة عالية جداً، وقد حذرت الشركة من الاستخدام الزائد لمادة الكلور الذي يستخدم في تنقية المياه، إلا أن إدارة تشغيل وصيانة النهر الصناعي لم تلق بالاً لذلك التحذير، وقامت بتكليف مجموعة من العمال بتفريغ كميات الكلور في الآبار دون إشراف فني مما أدى إلى صدأ وتلف تلك المضخات.

ثم حدثت مشكلة أخرى وهي عندما حصل تآكل في أنابيب إحدى مناطق الجنوب نتيجة للتربة والملوحة العالية أدى إلى تسرب المياه في المنطقة دون أن يستطيع المهندسون السيطرة عليها إلى حد طفح المياه بتلك المنطقة، ونظراً لوجود عيب بالتصميم أصلاً، حيث أنه لا توجد محابس موزعة بشكل جيد على طول خط الأنابيب بحيث يتم منع تدفق المياه في حالة حصول أي عطل، فاضطر القائمون على المشروع إلى توقيف تدفق المياه من منبعها، وتزامن هذا مع احتفال دعي إليه عدد من الضيوف ليروا إنجازات الثورة فاضطروا لإلغاء البرنامج.

وتفيد الأخبار الواردة بأنه تم التعاقد مع شركة أمريكية متخصصة لإصلاح هذه الأعطال، ولم يمكن معرفة قيمة العقد، ولكنه يأتي ضمن سياسة الاستجداء القذافية للحصول على الرضا الأمريكي الغالي.

وقد اكتشف مؤخرا أن مياه منطقة الجنوب الغربي (جبل الحساونة) تحتوي على نسبة عالية من مادة ثاني أكسيد الكربون المضرة بخط الأنابيب فضلا عن الاستهلاك البشري، ولذا تم بناء أبراج تنقية (محطات تحلية ) عند الآبار للتخلص من هذه المادة.

كما اكتشف أيضا وجود مادة النترات السامة في الأنابيب، وقد ظهرت عدة حالات مرضية بين عامة الناس، ومن ثم أجريت عدة تحاليل للمياه أكدت وجودها إلا أن القائمين على المشروع تحت ضغط المهندس الأكبر مازالوا يراوغون ويرفضون الاعتراف بنتائج التحاليل.

هذه أهم مشاكل المشروع وما خفي كان أعظم، والأسوأ بعد كل هذه الشقاء والنكد أنه لا توجد دراسات للاستفادة الصحيحة من كميات المياه بعد وصولها، بل كان المشروع حقيقة بمثابة استنـزاف للمياه الجوفية بدون مقابل وبدون تعويض للفاقد من المخزون الجوفي، وكان حرقاً وإتلافاً للمال العام مع سبق الإصرار والترصد، وقطعاً للطريق أمام الجيل القادم الذي سيضطر إما إلى دفع نفقات هائلة في إصلاح المشروع؛ وإما إلى إنـهائه وبناء محطات تحلية ليدفع عن نفسه غائلة العطش، في حين لم يتبق من الخزانة العامة شيء، ويؤدي إلى تـهجير سكان الواحات الجنوبية إلى الشمال، وما يخلفه ذلك من آثار اجتماعية واقتصادية وسياسية عديدة لا يعلمها إلا الله.

الإعلان المبكر للوفاة والتنصل من المسئولية:

في خطاب الانقلاب السنوي سنة 1992م قال القذافي إن مياه النهر الصناعي لا تكفي وأن الليبيين قي المستقبل سيموتون بالعطش، وأن الحل النهائي لهم هو الهجرة إلى البلاد التي بـها مصادر المياه مثل مصر وتشاد، وأنه سيمنح كل عائلة تقرر الهجرة من البلاد عشرة آلاف دولار باعتبارها حصتها من النفط (8) ، بل قال إن وجود العرب في شمال إفريقيا كان غلطة تاريخية (9) ، وأن دول المغرب العربي ليس لها مستقبل وستكون هناك كوارث على هذه الشعوب أساسها العطش.

وكعادة القذافي في التنصل من المسئولية؛ قال في اجتماع له مع مدراء المشروع بكل وقاحة أنه لا علاقة له بشيء مما حدث وأن المشروع مشروعكم، وهو مشروع فاشل، وقد سبق له النصيحة دون فائدة!؟، وهذا الإنكار ليس غريباً عن القذافي فقد سبق له إنكار علمه بالمسيرة الوحدوية الكبيرة في عام 1973، وأنكر علمه بدخول الجيش الليبي إلى تشاد عام 1980م، وأنكر علمه بإعدام الأبرياء في شهر رمضان المبارك في المدينة الرياضية في بنغازي عام 1987م، على كل حال فقد أمر وسائل إعلامه بعدم تسميته بمهندس النهر الصناعي، وإلغاء بث مشاهد ومناظر من النهر الصناعي في التلفزيون كانت تعرض يومياً قبل نشرة الأخبار، وإلغاء الأغاني التي يمجد فيها النهر الصناعي ومهندسه، وكلها تصور القذافي وهو يضع حجر الأساس أو يوجه المهندسين أو يشرف على العمل، وتم استبدال تلك المناظر بعرض صور لمصنع الحديد والصلب في مصراتة، والذي يحتوي على قصص أخرى من الفساد، أو استبدالها بعرض صور لمشروع السكك الحديدية المزمع إقامتها، وهي كارثة أخرى ولكنها لن تفوق كارثة النهر الصناعي!.

لعله من تمام المعرفة بـهذا المشروع أن يعلم القارئ الكريم أن عدداً من المهندسين الأفاضل ممن جمعوا بين التخصص والخبرة والنـزاهة والأمانة كانوا يشتغلون بالمشروع بإخلاص وكفاية يقللون من خسائره ما استطاعوا، ويمنعون الشركات الأجنبية التي تتنافس على هذه القصعة الملأى بالغش والتلاعب، إلا أن هؤلاء الأفاضل الكرام سجنوا منذ حملات الاعتقال الرهيبة في مايو 1995م وعذبوا أشد التعذيب حتى الآن، ، بل ويخشى احتمال وفيات بعضهم، نذكر منهم:

1 - الدكتور جمال توفيق الورفلي، أستاذ الكيمياء بكلية العلوم، جامعة بنغازي، ومستشار بإدارة النهر الصناعي، وعضو جمعية البيان للعلوم، ومستشار بمدرسة المتفوقين.

2 - المهندس توفيق بن عمران.

3 - المهندس مصطفى محمد الشريف الخبير المتخصص في المعادن.

4 - المهندس سليمان المسماري.

5 - المهندس عارف بدر الكاديكي.

6 - المهندس إدريس حسين الشعافي.

7 - المهندس أحمد أبو سنينة.

8 - المهندس خالد عبد المنعم الزياني.

وهؤلاء ضمن آلاف من السجناء الذين تجاوز مدة سجن بعضهم سنوات سجن مانديلا صديق القذافي، والذين تنتشر بينهم الأمراض المتعددة، وفي أسوأ أحوالهم من حيث التعذيب والإذلال اليومي (10) ، ولكي يتصور القارئ أوضاعهم فإن السجين يلقى في السجن بدون تـهمة ولا محاكمة ولا زيارة، ولا يعرف عنه أهله وذووه شيئاً حتى مكان اعتقاله، بل يزجر ويهان من يتجرأ ويسأل عنه، إذا لم يعتقل، وأكثر السـجناء من أبناء الصحوة الإسـلامية على اخـتلاف توجهاتـهم .



الهوامش:



1 - أعمال ندوة النمو الحضري عام 92م جامعة بنغازي.

2 - مقال الجريمة الكبرى إهدار المال و الماء ،محمد شعبان، مجلة الإنقاذ عدد 43 يوليو 1993.

3 - مقال قراءة في خطاب سبتمبر1992م ، سالم نوح، مجلة الانقاذ عدد42 نوفمبر 1992م.

4 - زار القذافي ذات مرة أحد مواقع المشروع في الصحراء فأمر بإحداث فتحة في الأنابيب ليتسنى للإبل الشرب من النهر إذا مرت من ذلك المكان، فتم له ما يريد، ولكن من يدفع الحساب!.

5 - هو محمد المنقوش والذي كان يتولى العديد من المناصب، وتولى فيما بعد أمانة اللجنة الشعبية العامة.

6 - يتركب الأنبوب من طبقات متعددة من الإسمنت المسلح والقطران والحديد غير قابل للصدأ.

7 - ليت شعري ماذا سيستفاد من هذه المصانع بعد فشل المشروع.

8 - لم يتم توزيع عائدات النفط على الشعب المسكين، بل تم جلب و توزيع ونشر الفقر وأمراض الإيدز والسل والملاريا وغيرها.

9 - لا تنس أنه القائد المسلم فضلاً عن كونه أمين الوحدة العربية ورائد القومية العربية!

10 - أفادت وكالة الأنباء الليبية بإطلاق سراح ألف سجين في ذكرى الانقلاب 1/9/2000م، مؤكدة أن الزنادقة لا يشملهم هذا العفو، ووصف الزنادقة استعمله القذافي ووسائل إعلامه للإشارة إلى الإسلاميين!، ألا لعنة الله على من تزندق!

الالم المهاجر غير متصل قديم 23-07-2001 , 02:16 PM    الرد مع إقتباس