عرض مشاركة مفردة
مستر مستر غير متصل    
عضو نشيط جدا  
المشاركات: 725
#13  
المال والاقتصاد
مقدمة:
إن المال أمانة بيد الأمة، فأصل ملكه لله تعالى وليس للعباد فيه إلا التصرف على النحوالذي يرضي الله،فقد قال الله تعالى "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه". وتقريراً لأهمية المال سمّاه الله قياماً وهو ما يقيم الإنسان وذلك في قوله تعالى "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً"، وذكر بعض أهل العلم أن من السفه الجهل بالأحكام المتعلقة بالمال.
والدولة نائب أمين ووكيل عن الأمة في المال العام، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري "إني والله لا أعطي أحداً ولا أمنع أحداً،وإنما أنا قاسم أضع حيث أمرت" وقال رجل لعمر بن الخطاب يا أمير المؤمنين لو وسعت على نفسك في النفقة من مال الله تعالى، قال له عمر " أتدري ما مثلي ومثل هؤلاء؟ كمثل قوم كانوا في سفر فجمعوا منهم مالاً وسلموه إلى واحد ينفقه عليهم، فهل يحل لذلك الرجل أن يستأثر عنهم من أموالهم؟" (السياسة الشرعية).
وصيانة للمال حرم الشارع الإسراف والتبذير، قال تعالى " ولا تبذر تبذيراً، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وكان الشيطان لربه كفوراً"، والتبذير هو الإسراف في الإنفاق في غير حق. كما أن الكتاب والسنة بيّنا الأحكام المتعلقة بالمال العام كيلا يستغل في الوصول إلى الكسب المحرم وظلم الناس، ولئلا يعبث بالمال العام. ومن ذلك تحريم الله الغلول قال تعالى " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة"، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام "هدايا العمال غلول" والعمال هم ولاة الأمور من الحكام والسلاطين والمسؤولين والموظفين. وقال صلى الله عليه وسلم " ما بال الرجل نستعمله على العمل مما ولانا الله فيقول هذا لكم وهذا أهدي إلي، فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيُهدى إليه أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ منه شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته.."رواه البخاري. وقال الرسول عليه الصلاة والسلام محذراً " إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار" رواه البخاري، فقوله "يتخوضون في مال الله" أي يتصرفون فيه بالباطل. وقال عليه الصلاة والسلام " من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول" حديث صحيح، وقال "من كان لنا عاملاً فلم يكن له زوجة فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً، ومن اتخذ غير ذلك فهو غال أوسارق" حديث صحيح.
ومن الواجب على الدولة المسلمة أن تصون مواردها لتنال الأجيال القادمة منها حظها، وهذا عمر رضي الله عنه يقول "لولا آخر الناس ما فتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر" رواه البخاري، وحينما طلب منه أن يقسم سواد العراق أبى وقال " فما لمن جاء بعدكم من المسلمين؟" رواه أبو عبيد في كتاب الأموال.
وحيث أن مقصود الولاية سياسة الدنيا بالدين صار من الواجب الشرعي على من تولى أمور المسلمين تحقيق ما أمر به الله تعالى في كتابه وسنة رسوله من الأحكام، ومن ذلك ما يتعلق بالأموال اكتساباً وصرفاً، ومنع كل ما حرم الله من المعاملات المالية، ومن أعظم ذلك الربا الذي قال الله فيه "يمحق الله الربا ويربي الصدقات، والله لا يحب كل كفار أثيم"، وقال "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مابقي من الربا إن كنتم مؤمنين،فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله..".
ولا ريب أن الاقتصاد ركيزة أساسية من ركائز التنمية، ودعامة من دعائم المجتمع والدولة، وقد أولى الإسلام هذه الحقيقة أهمية قصوى فحدد نظام بيت المال لضبط أموال الدولة، وحدد الحلال والحرام في المعاملات.

واقع المال والاقتصاد:
إن المتأمل للواقع الاقتصادي والمالي لهذه البلاد يلاحظ ما يأتي:
1) كثرة وقوع المخالفات الشرعية في موارد بيت المال، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:
أ ـ شراء السندات الربويه من البنوك العالمية والخزينة الأمريكية، ويمثل ذلك معظم استثمارات المملكة من الاحتياطي.
ب ـ بيع السندات الربوية على البنوك المحلية وغيرها.
ج ـ الاقتراض بالربا الصريح من البنوك العالمية.
د ـ فرض الرسوم والجمارك، وكثير منها من المكوس المحرمة شرعاً.
هـ ـ إضافة الزكاة إلى دخل الدولة العام، وعدم فصلها من أموال الدولة مما يؤدي إلى عدم صرفها في الأصناف المنصوص عليها شرعاً.
2) المخالفات الشرعية في الصرف من بيت المال، ومن ذلك ما يأتي:
أ ـ صرف الأموال العامة بآلاف الملايين على الدول والأحزاب أوالنظم التي تحكم بغير ما أنزل الله على شكل هبات أو قروض لا يصل منها شيء يذكر للمسلمين المستحقين في تلك البلاد، ولا مصلحة ظاهرة في دعمها أصلاً، والشواهد في ذلك عديدة مما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والعالمية.
ب ـ الصرف المبالغ فيه على المجالات التي تعد غير ذات أولوية كإنشاء الملاعب الرياضية الفارهة، والمعارض الدولية.
3) نقص ميزانية بعض المؤسسات والوزارات عن القدر الكافي لتسديد متطلباتها للصرف على الخدمات الضرورية مثل:
أ ـ التعليم: حيث لا تزال توجد مناطق بلا مدارس، ومدارس بلا مرافق ولا أثاث، ومدارس في مبان مستأجرة غير لائقة، فضلاً عن النقص في الوسائل التعليمية، وقلة الدورات والبرامج التي تعنى بتطوير مهارات المدرسين والمديرين في التعليم العام وترفع كفاءاتهم والنقص في المدارس الخاصة بتحفيظ القرآن الكريم. أما الجامعات فتعاني من تدني المستوى العام وبالأخص دعم البحث العلمي وتوفير المراجع الحديثة.
ب ـ الصحة: حيث تواجه المستشفيات والمراكز الصحية الآن صعوبة في توفير الكوادر الفنية والأجهزة والأدوات، وتعاني بعض المناطق من عدم وجود خدمات صحية كافية.
ج ـ الطرق: حيث لا تزال بعض المناطق النائية تفتقر إلى طرق مناسبة، والطرق بين المدن الكبرى بعضها لا يزال غير مزدوج مما أهلك أنفساً كثيرة، إضافة إلى انعدام الخدمات أو تدني مستواها في كثير من الطرق على الرغم من مسيس الحاجة إلى هذا النوع من المواصلات، ولا يوجد أيضاً اهتمام بخطوط السكة الحديدية، إذ لا يزال الخط القديم بين الرياض والدمام هو الخط الوحيد على الرغم من سعة المملكة وشديد حاجتها إلى ذلك.
د ـ نقص مخصصات الضمان الاجتماعي فما يصرف منه الآن للأسر المحتاجة ضئيل جداً لا يكاد يكفي قوتهم الضروري.
4) استنزاف الموارد العامة الحيوية للأجيال كالمياه الجوفية باستخراجها بمعدل خطير ودون تحقيق مصالح راجحة تبرر ذلك. واستنزاف الثروات الاستراتيجية لهذا البلد كالنفط بزيادة ضخه وتصديره مع تدني سعره وتخزينه خارج البلاد.
5) غياب الرقابة الشرعية المستقلة على تحصيل أموال الدولة وصرفها.
6) ضياع جزء كبير من أموال الدولة بسبب الاختلاسات والعمولات الكبيرة.
7) دعم وتشجيع التعامل المالي المحرم بأشكال متعددة منها:
أ ـ تشجيع إنشاء المؤسسات الربوية المؤذنة بحرب الله ورسوله، والسماح بانتشارها حتى غزت القرى فضلاً عن المدن.
ب ـ اعتبار البنوك الربوية مؤسسات نظامية، وحمايتها بلوائح وأنظمة.
ج ـ الاعتراف بالعقود الربوية الباطلة شرعاً، والإلزام بها عن طريق لجان خاصة لها صلاحيات الحكم والقضاء مثل "لجنة فض ا لمنازعات المصرفية" في مؤسسة النقد.
د ـ ضمان استمرار المؤسسات الربوية عن طريق مؤسسة النقد، ودعم المصارف الربوية التي أوشكت على الإفلاس بتحويل رؤوس أموال ورواتب إليها.
هـ ـ تشجيع المواطنين على التعامل مع البنوك الربوية عن طريق صرف المرتبات والقروض من خلالها، وإتاحة تداول أسهمها.
و ـ منع نشر فتاوى العلماء وأقوالهم في حكم البنوك في وسائل الإعلام بينما تتمتع البنوك الربوية بحرية النشر فيها.
ز ـ منع قيام المصارف الإسلامية التي تقدم بديلاً شرعياً مما أوقع الأمة في الحرج والمشقة.
ح ـ السماح بقيام شركات على أساس باطل أو تقوم بأعمال تعاقدية محرمة كشركات التأمين وصناديق السندات الربوية.
8) احتكار بعض أصحاب النفوذ أنواعاً من التعامل التجاري والمهن والمقاولات، ووضع أنظمة ولوائح وأوامر تعزز ذلك. يضاف إلى ذلك محاباتهم وحرمان التجار الآخرين من المنافسة المتكافئة. ومن أمثلة ذلك:
أ ـ حصول البعض على النصيب الأكبر من مناقصات الدولة.
ب ـ الهيمنة على وكالات الشركات الأجنبية.
ج ـ الامتيازات التي تعطى لبعض الشركات والمؤسسات.
د ـ قصر بعض النشاطات التجارية على تراخيص يصعب الحصول عليها لغير أهل النفوذ كاستيراد الماشية وأجهزة الاتصال ومكاتب الخدمات العامة.

سبيل الإصلاح:
إننا ـ قياماً بالواجب الشرعي ـ ننصح بما يأتي:
1) إيقاف جميع المساعدات والقروض والهبات الخارجية عن الدول والأنظمة والأحزاب الكافرة التي لا تحكم شرع الله وتحارب الدعاة إليه أو تضطهد الأقليات المسلمة بها، وتركيز المساعدات على إغاثة المسلمين وإعانتهم وفق هدف نصرتهم وتقويتهم، ووفقاً لأحقيتهم في المساعدة مما أفاء الله على هذه البلاد من ثروات.
2) إيقاف جميع أشكال الصرف علي المجالات التي تعد شكلاً من أشكال الإسرف والتبذير أو لا تعد من ذوات الأولوية كملاعب الرياضة والمعارض الفارهة ونحوها.
3) التوقف الفوري عن الاقتراض الربوي لأن في ذلك إثقالاً لكواهل الأجيال القادمة، والتساهل في هذا الباب قد يصيب هذه البلاد بما أصاب بعض البلدان من أزمات اقتصادية طاحنة وانتهاك لسيادتها، وربما لن تكفي موارد الدولة من النفط وغيره لسداد تلك الديون مع فوائدها المركبة.
4) إيقاف استثمار الدولة عن طريق الربا واستبداله بالاستثمار عن طريق وسائل الاستثمار المشروعة، خاصة في بلاد المسلمين أو في الداخل.
5) المحافظة على الثروة النفطية والمائية وغيرها من الثروات الاستراتيجية وتحديد الانتاج وفق سياسة تحقق مقاصد شرعية للأمة وأجيالها، والسعي إلى رفع سعر النفط بما تسمح به أوضاع السوق العالمية.
6) إعطاء الخدمات الضرورية كالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي والطرق ما تستحقه من أولوية وزيادة الإنفاق عليها بما يضمن الارتقاء بها.
7) إخضاع جميع أوجه التحصيل والصرف للمال العام وغيرها من الثروات للرقابة الدقيقة، ويمكن أن يتأتى ذلك بتوسعة صلاحيات ديوان المراقبة العامة ومنحه استقلالية تشبه استقلالية القضاء، وربطه بمجلس الشورى.
8) إيجاد برنامج عملي للقضاء على ظاهرة الربا بالترتيب الآتي:
أ ـ الإذن بإنشاء المصارف الإسلامية وتأمينها ودعمها.
ب ـ تبيين حرمة الربا والتحذير منه، ومنع البنوك الربوية من استعمال وسائل الإعلام لنشر الإعلانات الربوية وإيقاف أي شكل من أشكال الدعم للبنوك الربوية.
ج ـ عدم الترخيص لأي بنك ربوي جديد وتصفية المعاملات الربوية القائمة ووضع موعد نهائي للبنوك لتعديل أوضاعها أو تصفيتها.
9) منع جميع أشكال الاحتكار، وإلغاء جميع الامتيازات التي ليس لها وجه شرعي، وضمان التكافؤ في التنافس بين الناس، وقصر تقييد التراخيص في الأحوال الجائزة شرعاً على معايير موضوعية منضبطة يتكافأ أمامها كل الناس، والرقابة على ذلك منعاً لحصول المحاباة.
10) المحافظة على بقاء أموال المسلمين من الرعية والوافدين داخل البلاد، وتسهيل جلبها من الخارج بفتح سبل التعاون والتملك وتشجيع إقامة المشاريع والشركات المختلفة عقارية وصناعية وزراعية وخدمات والمباحة شرعاً بينهم داخل البلاد، وإزالة التمييز بينهم والقيود على ذلك في كافة الأنظمة واللوائح.
11) منع إضاعة أموال الأمة وإيجاد الضوابط اللازمة لمنع الاختلاسات والهبات والعمولات، وإحالة المتهمين إلى القضاء الشرعي.
12) وضع سياسة رقابية لمراجعة مصادر الاثراء لمن يتولى الوظائف العليا بالدولة خلال فترة عملهم، والاقتداء بسنة عمر رضي الله عنه في محاسبة الولاة مالياً.
13) فصل أموال الزكاة عن بقية أموال الدولة، وقصر صرفها على مصارفها المحددة شرعاً.

مستر غير متصل قديم 28-06-2001 , 05:29 PM    الرد مع إقتباس