عرض مشاركة مفردة
مستر مستر غير متصل    
عضو نشيط جدا  
المشاركات: 725
#11  
الوضع الإداري
مقدمة:
لقد أوجب الله تعالى على من يتولى أمر المسلمين أن يجعل من أولى مهماته حسن تصريف أحوال الناس وحسن إدارة شؤونهم وإيصال الحقوق إليهم، وحيث أن الدولة في هذا العصر لا يستقيم أمرها ولا يمكن أداء حقوق الأفراد وواجباتهم لبعضهم البعض إلا وفق تنظيم إداري ييسر الأساليب التي يتوصل بها إلى تلك الحقوق والواجبات، فإن العناية بالتنظيم الإداري والأجهزة الإدارية أمر حيوي لتحقيق نهضة المجتمع وتيسير سبل العيش لأفراده، ولذا نعرض فيما يأتي بعض الأصول التي شهدت لها الشريعة المطهرة في ما يتعلق بالتنظيم الإداري كي تكون مرجعاً يستهدى به في الإصلاح بهذا الخصوص:
الأصل الأول: الأمانة والعلم هي معيار أحقية تلك الوظيفة:
دلت آيات القرآن العظيم والأحاديث الشريفة على أن مقياس الجدارة في تولي الوظائف هو القوة والأمانة قال تعالى "إن خير من استأجرت القوي الأمين"، وقال" قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم". وكان عليه الصلاة والسلام يعين لتولي المهام من يعهد فيه القدرة والكفاءة حيث ولّى أسامة بن زيد على جيش الشام مع صغر سنه، وولّى معاذاً على اليمن وجعل له الصلاة والصدقة، وأرسل علياً رضي الله عنه إلى اليمن، وكان يفاضل بين أصحابه رضي الله عنهم في القيام بالمهام بحسب قدراتهم فكان يقول فيما رواه الترمذي وغيره "أقضاهم علي، وأفرضهم زيد بن ثابت وأقرؤهم أُبي وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل". وولّى خالد بن الوليد رضي الله عنه قيادة جيش المسلمين وجعله قائداً على من هو أسبق منه إسلاماً. ولم يعين أبا ذر رضي الله عنه مع سبقه في الإسلام على الإمارة وبيّن له أن السبب هو ضعفه عن ذلك. فهذه الأدلة تبين أن الأمانة والقوة والعلم بمهام العمل هي معيار تولية المنصب. فضلاً عن أن الإسلام حرم تولية المنصب لمن لا يستحقه محاباة له ففي الحديث "من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولّى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين فقد خان الله ورسوله" رواه الحاكم وصححه.

الأصل الثاني: سياسة الإدارة تقوم على تسيير الإجراءات وسرعة الإنجاز والإتقان:
إن واقع الإدارة يبين أن هدفها تحقيق مصالح الناس ولذا يجب أن تتميز السياسة الإدارية بما يؤدي إلى تحقيق ذلك بأيسر سبيل وأقصر وقت، وقد أكد عليه الصلاة والسلام على الإحسان في كل شيء فقال "إن الله كتب الإحسان على كل شيء" ولذا فإن الإحسان في أداء العمل مطلوب شرعاً. وهذا يقتضي تيسير الإجراءات على الناس. وكذلك أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بإتقان العمل بقوله "إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه". ولذا فإن سياسة الإدارة في الدولة الشرعية يجب أن تقوم على تيسير الإجراءات وسرعة الإنجاز وإتقان في العمل.
الأصل الثالث: وجوب محاسبة ومراقبة أداء الموظفين لأعمالهم:
ثبت بالسنة وإجماع الصحابة أهمية قيام من يتولى الأمر بتفقد أحوال عماله وولاته ومن يعينهم للمهام، فقد قام عليه الصلاة والسلام بالإنكار على عامله ابن اللتبية لقبوله الهدية أثناء عمله حيث قال "ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول هذا لكم وهذا أهدي إليّ فهلا جلس في بيت أبيه أوأمه فينظر أيُهدى إليه أم لا. والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة.." وكان عمر رضي الله عنه شديد المراقبة للولاة وقد عين محمد بن مسلمة للكشف عن أحوال ولاته، وكان يجمع الولاة في موسم الحج لينظر فيما عملوه ويصغي إلى شكاوي الرعية منهم، وبلغ من شدة مساءلته لهم رضي الله عنه أنه كان يعزل كل من يتذمر منه رعيته حتى لو كان من خيار الصحابة رضي الله عنهم ويقول " هان شيء أصلح به قوماً أن أبدلهم رجلاً مكان رجل". ولهذا يجب على ولي الأمر تفقد أحوال ولاته وعملهم ومحاسبتهم على كل تصرف يسخط المسلمين منهم.

الواقع الإداري:
عند إمعان النظر في واقع الأوضاع الإدارية في هذه البلاد نلاحظ الأمور التالية:
1) أن التنظيم الإداري في كثير من جوانبه لم يتطور بما تتطلبه حاجات الناس، فالنظام المالي ونظام الميزانية ونظام التقاعد مثلاً لم تطرأ عليها ـ منذ أن وضعت ـ تعديلات جوهرية تتناسب مع متطلبات التطور والنمو الذي حدث في كثيرمن المرافق والخدمات. وقد تسبب ذلك في تعطيل كثير من المصالح والحاجات، وهي في أساسها قد اقتبست من بلاد أخرى تختلف ظروفها وإمكاناتها عما تطورت إليه الظروف والأحوال في هذه البلاد.
2) أن أكثر النظم الإدارية مركزية وفردية والمرجع في أكثر القرارات يكون لقرار رئيس المؤسسة أو المصلحة الحكومية الفردي، بل وفي كثير من الأمور البسيطة والخاصة بأفراد يتطلب القرار فيها رفعها إلى مقام ولي الأمر (مثل الإذن بالمشاركة في المؤتمرات العلمية الدولية. أو إرسال الدعاة إلى الخارج، أو عقد الندوات واللقاءات العلمية..الخ) ولا يخفى ما في ذلك من شغل لولي الأمر والمسئولين عما هو أهم من مصالح المسلمين.
3) لا تطبق معايير لتغيير كبار الموظفين في الدولة حسب القدرة والكفاءة ومراجعة إنجازاتهم وأدائهم واستبدالهم عند الحاجة والضرورة. فمن الملاحظ أن في الدولة وزراء ومسؤولين كباراً يشغلون مناصبهم منذ عشرات السنين، ومنهم من أصابه الكبر والمرض، مع أن في البلاد كثيراً من ذوي الخبرة والكفاءة، ولديهم من العلم والخبرة والتجربة والأهلية ما يمكنهم من القيام بهذه الأعمال على الوجه المطلوب.
4) إطلاق ألقاب التفخيم على كبار المسؤولين والموظفين وأصحاب الجاه والتداول الرسمي لها في المعاملات مما لا يوجد له أساس شرعي. بل إن كثيراً من هذه الألقاب يحوي مبالغة قد تؤدي إلى المدح المذموم شرعاً.
5) يلاحظ التوجه الإقليمي والفئوي في بعض الجهات والمصالح الحكومية، فعندما يكون رئيس الجهة من منطقة أو مدينة أو إقليم معين، فإنه يحرص على أن يكون معظم مساعديه والموظفين المهمين لديه من المنطقة أو الإقليم أو المدينة أو القرية التي ينتمي إليها. وفي هذا تكريس للإقليمية والعنصرية وإضاعة لمبدأ السواسية بين الناس الذي هو حق من الحقوق الأساسية التي كفلها الإسلام لهم، مع ما في ذلك من مفسدة وخطر على مستقبل الأمة ووحدتها.
6) استفاضة الأخبار والمعلومات عن حالات للرشوة والفساد المالي والعمولات بين عدد من كبار المسؤولين لم يتم اتخاذ الإجراءات التي يوجبها الشرع في حق هؤلاء المتهمين. بينما تنشر الصحف يومياً أسماء وصور الذين يصدر ديوان المظالم أحكاماً بحقهم بسبب ارتكابهم لأعمال الرشوة والتزوير من عامة وضعفاء الناس وخاصة من الوافدين.ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحذرنا "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد". ومن المفارقات أنه في البلاد الكافرة إذا تبين أن أحداً من كبار المسؤولين ارتكب مخالفة ولو بسيطة فإنه يعرض للتساؤلات والمحاكمات والعقاب والإقالة، لأن الأمر في شأنه يعتبر أكبر منه لدى الموظف العادي. بل إن الجهات التي أنشئت بهدف مراقبة ومكافحة هذه الأمور قد تكف يدها عندما يتعلق الأمر بمسؤول كبير، وتُعطي لها الحرية عندما يكون موضع التهمة موظف صغير.
7) انتشار حالات للمحسوبية والواسطة، فإنه يكاد يكون من المسلَّم به بين أغلب الناس أن تسهيل إنجاز المعاملات وسرعة نيل الحقوق يحتاج واسطة من صديق أو قريب يسهل ذلك، أما من ليس له واسطة فإن مصالحهم قد تتعطل في أحيان كثيرة.
8) التسيب الإداري بشكل ملحوظ في أداء الأعمال وإنجاز حاجات الناس، ولعل أهم أسباب ذلك غياب النموذج والقدوة في رؤسائهم وفقدان المراقبة والمتابعة لهم فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
9) تكدس الموظفين في بعض المناطق وبعض الإدارات ونقص عددهم في أماكن أخرى مع الحاجة الماسة لهم فيها مما يؤثر سلباً على إنجاز معاملات الناس وقضاء حاجاتهم.

سبيل الإصلاح:
إن مثل هذه الظواهر تمثل عوامل وهن وتعطيل لمصالح الناس وإعاقة لنمو البلاد وتقدمها وأمنها، وإن سبل إصلاح مثل هذه الأمور متيسر وممكن بعون الله إذا صدقت النية وصحت العزيمة، ومن أجل ذلك ننصح بما يلي:
1) مراجعة جميع الأنظمة المالية والإدارية الحالية من قبل أشخاص يوثق بعلمهم وإخلاصهم وخبرتهم، وتطويرها بما تتطلبه احتياجات النمو والتطور السريع، وتيسيرها ليكون الهدف الأساسي منها هو تيسير شؤون الناس وضمان حقوقهم وواجباتهم، وأن تبنى هذه الأنظمة على الأساس الشرعي، وأن تهدف السياسة الإدارية إلى تيسير الإجراءات والسرعة في الإنجاز والإتقان في ا لأداء.
2)أن تكون الإدارة لا مركزية نظاماً، بأن توزع الصلاحيات لكل مسؤول من أصغرموظف إلى الأكبر في تدرج المسؤولية، بحيث يؤدي كل منهم واجبه ويمارس صلاحياته وفق النظام، كما يحرص على اختصار خطوات اتخاذ القرارات وإجراءاتها حسب أهمية القرار وعموميته ومساسه بمصالح الناس.
3) اختبار الكفاءات والقادرين من أبناء الأمة، خاصة في المناصب الكبيرة لا سيما أن انتشار التعليم في كافة أنحاء المملكة يسر إمكانية الحصول على المؤهلين منهم فيها، ولتحقيق ذلك يمكن أن يترك الترشيح للمناصب ذات العلاقة المباشرة بجمهور الناس وقضايا المنطقة ومشاكلها لمشورة أهل الحل والعقد بالمنطقة، وذلك نحو مناصب وكلاء الإمارات، ورؤساء البلديات ومديري الجامعات ووكلائهم ونحوهم.
4) وضع سياسة رقابية لمصادر الإثراء لكبار الموظفين أثناء فترة عملهم ومعاقبة من يثبت استغلاله لسلطة الوظيفة وحصوله على دخل غير شرعي، سواء بالرشوة أ و استغلال النفوذ أو الاختلاس أو المحاباة والمحسوبية بعد محاكمته محاكمة شرعية، وذلك بصرف النظر عن وظيفته ومكانته ، إذ أن العقاب ينبغي أن يكون أشد كلما كبرت الوظيفة والمسؤولية المترتبة عليها لأن المفسدة في ذلك أعظم.
5) وضع لوائح إجرائية لتغيير كبار المسؤولين والموظفين واستبدالهم بغيرهم دورياً، وكذلك استبدالهم إذا ظهرعليهم الوهن وضعف الأداء،وتشجيع التبادل في المناصب والوظائف لتجديد النشاط وتبادل الخبرات وإعطاء الفرصة لظهور كفاءات جديدة من وقت لآخر تسهم في مسيرة النمو والعطاء.
6) إزالة المظاهر الجاهلية في التعصب الإقليمي والفئوي في وظائف الدولة إذ أن الوظيفة العامة ليست ملكاً للموظف الكبير يحابي بها أقرباءه وبني قريته ومدينته ومنطقته وإنما هي أمانة في عنقه يعين عليها من تتوافر فيه الكفاءة والأمانة والخبرة، وينبغي لتحقيق ذلك تشكيل هيئة قضائية شرعية مستقلة بديوان المظالم يمكن تقديم دعاوى التظلم إليها مباشرة من كل فرد جرى التمييز ضده أو منع من نيل حقه المشروع بسبب الفئة أوالإقليم أو العصبية.
7) حذف ألقاب التفخيم التي ما أنزل الله بها من سلطان وليس لها أساس شرعي والاكتفاء بالمخاطبة بأحب لقب وأحسنه وهو أخوة الإسلام أوالمسمّى الوظيفي للفرد.

مستر غير متصل قديم 28-06-2001 , 05:26 PM    الرد مع إقتباس