عرض مشاركة مفردة
مستر مستر غير متصل    
عضو نشيط جدا  
المشاركات: 725
#7  
واقع الأنظمة من خلال بعض الأمثلة والشواهد
بتطبيق القضايا الكلية السابقة على الأنظمة حالياً يظهر مايلي :
1) إن كثيراً من الأنطمة تتضمن أحكاماً تشريعية مستمدة من مصادر قانونية عربية أو غربية في بلاد أخرى لا تحكّم الشرع فنظام الأوراق التجارية مستمد عن معاهدة جنيف للأوراق التجارية، ونظام الشركات نصت مذكرته التفسيرية على أنه مستمد من "الصالح من أحكام أنظمة الدول الأخرى"، ونظام العمل والعمال مستمد من الاتفاقيات والأنظمة الدولية العمالية، ونظام مكافحة التزوير يتشابه في كثير من مواده وتعابيره مع القوانين الأوروبية وعلى الأخص الألمانية والفرنسية... وهكذا. وهذه المصادر لا يجوز الرجوع إليها، لأخذ الأحكام التشريعية منها لأن ما نقل واستمد منها من أحكام تشريعية لم يُستنبط من أدلة الشرع ويُعد تحكيماً لغير الشرع.
2) نصت معظم الأنظمة القائمة على تشكيل لجان وهيئات لها صلاحيات القضاء وملزمة وفق أحكام ومواد النظام، حيث يوجد ذلك على سبيل المثال في نظام العمل والعمال، ونظام الأوراق التجارية، ونظام المحكمة التجارية، ونظام الشركات، ونظام مكافحة الغش التجاري، ونظام العقوبات العسكري، ونظام محاكمة الوزراء، ونظام مكافحة الرشوة،إلى غير ذلك من أنظمة، كما جعلت بعض الأنظمة أعضاء هذه اللجان من القانونيين، كما في نظام التعدين والذي نص على أن أحكامه مخصص لها هيئة من القانونيين العالميين، وكل هذا مخالف للشرع نظراً لأنه جعل القضاء وفق أحكام النظام وأدى إلى عزل القضاء الشرعي عن النظر في هذه الجوانب من حياة الناس، هذا فضلاً عن التضارب بين أحكام القضاء وتلك الأنظمة.
3) اعتبرت بعض الأنظمة الشريعة الإسلامية مصدراً احتياطياً للتشريع والقضاء ومثال ذلك المادة التاسعة من نظام هيئة تسوية المنازعات لدول مجلس الخليج العربي، والمادة (185) من نظام العمل والعمال.
4) أجازت بعض الأنظمة أموراً محرمة لمن يتعلق بهم ذلك، نحو إباحة إصدار سندات قرض للشركات المساهمة، وإباحة عقود التسهيلات الائتمانية وحسابات الفوائد بالبنوك، وهي جميعاً في حقيقة أمرها وثائق ربوية. ونحو التمييز بين المسلمين في مواد بعض الأنظمة باعتبار الموطن الإقليمي مخالفة بذلك أحكام دار الإسلام. ونحو إسقاط الحقوق وعدم سماع الدعاوى بالتقادم كما في نظام العمل والعمال ونظام الإوراق التجارية بعد مضي مدد معينة. ونحو الإذن بالتجسس وتفتيش البيوت المحرم شرعاً في اللائحة التنظيمية للتحقيق والادعاء للمتهمين وغير المتهمين بهدف إثبات الجرم، مع أن الأصل براءة الذمة وأنه لا يجوز التجسس أو انتهاك حرمة البيوت بالآيات القرآنية القطعية، ولم يُستثن في ذلك إلا استنقاذ حرمة محقق هلاكها ويفوت استدراكها كقتل نفس أو انتهاك عرض كما فصّل الفقهاء.
5) قيدت بعض الأنظمة بعضاً مما أباح الله تعالى ورسوله بإذن الدولة أو ألزمت ما لم يلزم به شرع الله، على غير الأحوال المأذون بها شرعاً، وذلك نحو الإلزام بأنواع شركات معينة وإبطال الشركات التي لا تتفق مع أشكال الشركات المحددة بالنظام، ونحو نظام التستر الذي يحرّم كل أعمال الشراكة والعقود المجمع على إباحتها شرعاً بين المواطنين وغيرهم من المسلمين إذا تمت بخلاف تعليمات الدولة ويعاقب على ذلك، وكان له الأثر السيء على الاقتصاد المحلي حيث أدى إلى تسرب مدخرات غير المواطنين إلى الخارج وعدم الاستفادة منها محلياً، ونحو نظام استثمار المال الأجنبي الذي يمنع المسلمين من الشراكة والتجارة المباحة مع بعضهم البعض إلا بترخيص الدولة وإذنها. ونحو إلزام رب العمل بما لم يلزم به الشرع ولم يتفق عليه المتعاقدان في نظام العمل والعمال كالإلزام بعلاج العامل ونفقته ومعاشه التقاعدي وتأمينه اجتماعياً (فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله). ونحو منع البنوك من مزاولة الأعمال التجارية والزراعية والصناعية والعقارية المباحة مما يؤدي إلى قصر عملها على التعامل الربوي.. إلى غير ذلك من أمثلة.
6) أقرت بعض الأنظمة الاحتكارات والامتيازات غير المشروعة نحو قصر استغلال مرافق الطرق الطويلة على شركة بعينها أو المنع من الطيران التجاري لغير الخطوط السعودية، ونحو منع غير البنوك من وجوه أخذ المال من أهله على غير الوجه المأذون به شرعاً.
7) فرضت بعض الأنظمة رسوماً ومكوساً دون استدلال شرعي يجيز ذلك، وأمثلة هذه كثيرة نحو رسوم الجمارك على المسلمين، ونحو رسوم المرور والبلديات ورسوم الجوازات والرخص وغير ذلك من وجوه أخذ المال من أهله على غير الوجه المأذون به شرعاً.
8) قررت بعض من الأنظمة عقوبات على من يخالف أحكامها، وقد غلب على هذه العقوبات ما تقرر بالقوانين الوضعية التي استمدت منها إذ قصرت العقوبات في أغلب الأحوال على السجن أو الغرامة المالية. ولم تأخذ هذه الأنظمة عقوبات التعزير الأخرى التي جاء بها الشرع، ولقد ترتب على هذا فساد كبير، فعقوبة السجن أدت إلى ازدحام السجون وزيادة الكلفة على الدولة في أمر المساجين، وضياع من يعولهم السجين بحبسه عن الكسب، وتعليم السوء من بعض المساجين لبعض، كما أن عقوبة الغرامة المالية يحصل بها إجحاف للفقير ولا يرتدع بها الغني وقد تؤدي إلى أكل المال بالباطل.
سبيل الإصلاح :
بتأصيل ما ذكر يظهر أن الواجب الشرعي مراجعة الأنظمة القائمة مراجعة شاملة لتنقيحها وإلغاء كل مخالفة للشرع بها وكذلك العمل على وضع أنظمة شرعية بديلة لما يتعسر تنقيحه منها. وننصح بهذا الصدد بما يلي:
1) مراجعة الأنظمة القائمة بالنظر في كل مادة منها على حدة، وإبطال كل مادة تشريعية منها لا يشهد لها دليل شرعي باستنباط واجتهاد صحيح.
2) مراجعة الأنظمة لإلغاء كل إلزام بمباح أو منع منه في غير الأحوال المخصوصة التي بّينها الشارع، وللتحقق من ذلك يتحتم أن يعرض كل إلزام بمباح أو منعه - مما يظن أنه من الأحوال التي يجوز لولي الأمر التدخل فيها -على ذوي الفقه الشرعي لإصدار حكم خاص بجواز ذلك أو عدمه.
3) إلغاء كل اللجان ذات الصلاحيات القضائي في الأنظمة، وإحالة جميع القضايا واختصاصات هذه اللجان إلى المحاكم الشرعية.
4) إنشاء محكمة شرعية عليا للنظر في الدعاوى التي تُرفع بشأن مخالفة الأنظمة واللوائح للشرع لتحقيق جعل الشريعة حاكمة على جميع الأنظمة، ولإبطال وإلغاء ما ثبت مخالفته للشرع منها، ويمكن للبدء في ذلك أن يُخوّل مجلس القضاء الأعلى هذه الصلاحيات.
5) تغيير العقوبات المنصوص عليها بالأنظمة بعقوبات التعزير الشرعية وترك ذلك لقضاة الشرع الذين هم حرس على حسن تطبيقه ومنع الخروج عنه.
6) تحويل الأقسام الأكاديمية والتعليمية للأنظمة في الجامعات ومعهد الإدارة إلى أقسام تُعنى بالدراسة المتخصصة للفقه الشرعي وأصول استنباط أحكامه ودراسة فقه الشريعة المقارن، واستقطاب الطلبة الموهوبين لتخريج فقهاء متميزين منها، وللاستفادة من الثروة التشريعية الفقهية العظيمة لدى المسلمين في وضع الأنظمة. وأن تقتصر دراسة القوانين الغربية على الدراسات العليا للمتضلعين بالفقه الشرعي بأن تدرس كما تدرس عقائد الكفر لدحضها وبهدف نقضها وبيان فسادها وما يخالف الشرع منها.
كما ننصح عند إصدار أنظمة جديدة بما يلي:
7) أن يوضع لكل نظام أو لائحة مذكرة فقهية شرعية تبين الأدلة الشرعية التي استنبطت منها مواد النظام إن كانت أحكاماً تشريعية، أو تبين كون المواد أحكاماً إجرائية لا تخالف الشرع تندرج تحت حكم تشريعي مشروع وتعد وسائل لتنفيذه ويتحقق بها المقصود المطلوب.
8) عدم الرجوع عند وضع أحكام الأنظمة التشريعية إلى أنظمة الدول الأخرى للاقتباس منها لكونها أنظمة لاتحكم الشرع أصلاً ولأنها في مجملها مشاقّة لأحكام الله ورسوله.
9) يجب أن تكون اللجان التي يعهد إليها اقتراح الأنظمة التشريعية ـ عند الضرورة إلى ذلك ـ لجاناً شرعية تقتصر عضويتها على من استكملوا أهلية الفقه والاجتهاد لاستنباط الأحكام سواء كانوا من أهل البلاد أو من غيرهم من علماء الشرع في بلاد المسلمين. فإن تعذر ذلك فلا بد أن تقتصر عضوية اللجان على ذوي القدرة على الفتوى والرجوع إلى كتب الفقه المعتبرة واستخراج الأحكام منها. ويمكن لهذه اللجان أن تستعين بأهل الخبرة من فنيين وإداريين وغيرهم لبيان الواقع وتفصيله ـ عند الحاجة ـ ولكن دون أن يُجعل لهؤلاء الخبراء غير الشرعيين دوراً في وضع الأحكام التشريعية وبيانها.


مستر غير متصل قديم 28-06-2001 , 05:20 PM    الرد مع إقتباس