عرض مشاركة مفردة
مستر مستر غير متصل    
عضو نشيط جدا  
المشاركات: 725
#3  
مقدمة النصيحة
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم: " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"، والقائل " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"، والصلاة والسلام على رسول الله القائل :" الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"، وعلى آله وصحبه أئمة الهدى والدين وعلى التابعين بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن المسلم - وهو يشاهد التبدل والتغير في أحوال الأمم والشعوب في ظل العقائد المنحرفة التي تؤمن بها ومناهج الحياة الوضعية التي تقاد بوساطتها، وما يتبع ذلك من مآس وآلام وظلم وإفساد في الأرض واستعباد الناس بعضهم بعضاً- يدرك يقيناً حاجة البشرية جمعاء إلى دين الإسلام الذي أمله الله تعالى لعباده وأرسل به رسوله عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولما كان المسلمون في هذه البلاد هم أهل بيت الله تعالى وأهل مسجد نبيه صلى الله عليه وسلم وشرف الله تعالى بلادهم بأن جعل فيها مهبط وحيه ومبعث رسوله عليه الصلاة والسلام وجعل لغتهم هي لغة كتابه الكريم المحفوظ، فإن هذا الشرف العظيم يرتب عليهم أمانة كبرى ومسئولية عظمى أمام ربهم تعالى من قيام بواجب الدعوة إلى دين الله ، وتحكيم شرعه عز وجل، والوفاء بميثاقه تعالى من النصح بالحق والتواصي به، وهداية الناس لهذا الدين والعمل على إصلاح أحوالهم به، ونصرة إخوانهم من المسلمين وعونهم، وأن يكون المسلمين في هذه البلاد قبل غيرها كما أراد تعالى لهم خير أمة أخرجت للناس وكما اختار لهم أن يكونوا شهداء على الناس.
كما أن ما من الله به على أهل هذه البلاد، لما استجابوا لأمر ربهم بالإيمان بعقيدة التوحيد وتحقيق الشرع، من نعمة الوحدة والتآلف بينهم والتمكين لهم في الأرض، والأمن وجلب الثمرات والخيرات من كل حدب وصوب -بعد أن كانوا متفرقين، خائفين وفي ضنك من العيش - يحتم عليهم قادة وشعوباً القيام بواجب الشكر لله عز وجل لحفظ هذه النعم وذلك بإقامة أركان الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال عز وجل "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور". وإن تخاذل المسلمين حكاماً أو محكومين في هذه البلاد عن القيام بهذه الواجبات العظيمة وإعراضهم عن الالتزام بشرعه سيؤدي بلا شك إلى أن يكون مآلهم-عياذاً بالله- إلى ما حذر الله تعالى عباده منه من حصول نقمته وتحول عافيته وتبدل الأمن خوفاً، ورغد العيش كرباً كما قال عز وجل :" وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون"،بل قد يؤدي إلى ما أنذر الله عز وجل به المقصرين في جناب حقه من استبدالهم بمن يقوم بحق الله تعالى خير قيام كما قال عز وجل:" وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم"، وإن في تبدل واقع الشعوب في هذا العصر من حال إلى حال وزوال الدول العظيمة ووقوع الحرب بين أبناء الشعب الواحد بأقصر زمن لما أعرضوا عن ذكر ربهم لعبرة لأولي الألباب.
ومن هذه المنطلقات والأصول الشرعية الجلية، وإدراكاً للواجب الشرعي على المسلمين جميعاً من ضرورة المراجعة لما هم عليه من أحوال وإصلاح ما فسد منها وتغيير ما خالف الشرع، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم في ذلك والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى دين الله، ووفاء بميثاق الله تعالى على كل مسلم بإبلاغ العلم الشرعي وعدم كتمانه، جرى إعداد هذه النصيحة تبصرة ونصحاً.ولقد اشتملت هذه النصيحة على مختارات من القضايا الكبرى التي إذا عولجت علاجاً صحيحاً شرعياً من ولاة الأمر تيسر بعد ذلك -بإذن الله- معالجة سائر المسائل التي دونها في الأهمية والخطورة، وتضمنت عرضاً ونصائح لسبل الإصلاح لهذه القضايا ذات العلاقة بما يأتي:
-دور العلماء والدعاة -الأنظمة واللوائح -القضاء والمحاكم -حقوق العباد
-الوضع الإداري -المال والاقتصاد -المرافق الاجتماعية -الجيش
-الأعلام -العلاقات الخارجية
ولقد كان منطلقنا فيما كتب من نصيحة تتعلق بهذه القضايا الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون الكتاب والسنة المرجع لكل أمر فيها، حيث أن كل نصيحة وإرشاد يتعلق بهذه القضية وكل اختلاف أو تنازع بين الناس بشأن هذه القضايا أو غيرها يجب أن يرد إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام كما قال الله تعالى:" فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً"، وقال عز وجل :" فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً"، والواجب على المسلم -حاكماً أو محكوماً- إذا تبين له حكم الله ورسوله الاتباع والانقياد له، فلا يجوز له أن يتجاوزه،قال عز وجل:" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" وقال:" إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون". لهذا فقد جعلنا لكل موضوع في هذه النصيحة مقدمة تأصيلية شرعية يُستهدى بها، ثم قمنا برصد واقعه وتحقيق المناط وتشخيص الحال قدر الوسع ثم بيان النصائح -بناء على ذلك- للتوصل إلى سبل الإصلاح المنشود.
وإننا إذ نؤكد على الحرص على الاحتكام إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم منا جميعاً في كافة القضايا المعروضة بهذه النصيحة، نبين كذلك أنه ما كان في هذه النصيحة من بعض أمور ربما تكون موضع اجتهاد فإننا إنما أوردناها حرصاً على مصلحة شرعية نراها راجحة ولغلبة الظن بصحة وقوة أدلتها الشرعية، ونأمل أن يكون في الأخذ بها تحقيق لهذه المصلحة، ولذا فإنه ما كان في هذه الأمور الاجتهادية من صواب فهو من الله تعالى وتوفيقه، وما كان من خطأ وزلل، فمن الشيطان ونحن عنه راجعون.
وختاماً ندعو الله تعالى أن تجد هذه النصيحة الإصلاحية صدى طيباً وقبولاً من ولاة أمر المسلمين، ومن كل الغيورين على دين الله المخلصين، الراغبين بصدق في إصلاح أحوال أمتهم وبلادهم، الذين يسعون لأن يكون شرع الله تعالى مهيمناً وأن تكون هذه الأمة كما وصفها الله عز وجل خير أمة أخرجت للناس، كما نسأل الله تعالى العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعز دينه، ويعلي كلمته، وينصر أوليائه، ويذل أعداءه، وأن يجمع شمل المسلمين على الحق، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يرينا وإخواننا من المسلمين والمسلمات الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يجنبنا جميعاً الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.


مستر غير متصل قديم 28-06-2001 , 05:14 PM    الرد مع إقتباس