سوالف للجميع (http://www.swalif.com/forum/index.php)
-   سـوالـف الـسـيـاسـيـة (http://www.swalif.com/forum/forumdisplay.php?f=65)
-   -   مذكرة النصيحة المقدمة للملك فهد عام 1413 هـ (http://www.swalif.com/forum/showthread.php?t=98782)

مستر 28-06-2001 05:12 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز وفقه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد: فنحمد إليكم الله تعالى القائل: "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" والقائل: " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" والقائل: " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين"، والذي أوجب على عباده العلماء بيان الحق للناس وعدم كتمانه والدعوة إليه في قوله تعالى: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه" ونصلي ونسلم على عبده ورسوله محمد القائل: الدين النصيحة، قالوا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
امتثالاً لأمر الله تعالى بالتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق ، واستجابة لما سبق أن وجهتم به أبناءكم وإخوانكم طلبة العلم من الحث على النصح والتواصي بالحق والكتابة فيه، وبناء على ما علمه أبناء هذا البلد الكريم من توجيهات خادم الحرمين الشريفين ـ وفقه الله للخير ـ في الكلمة التي وجهها للأمة بمناسبة صدور الأنظمة الثلاثة، وقد ذكر فيها: " أن عماد النظام الأساسي مصدره الشريعة الإسلامية، وأن العلاقة بين المواطنين وبين ولاة أمرهم في هذه البلاد قائمة على أسس راسخة من تقاليد عريقة من الحب والتراحم والعدل.. فلا فرق بين حاكم ومحكوم فالكل سواسية أمام شرع الله، الكل سواسية في حب هذا الوطن والحرص على وحدته وسلامته وعزته وتقدمه.. والعلاقة بين الحاكم والمحكوم محكومة أولاً وأخيراً بشرع الله كما جاءت في كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.."، واستناداً إلى ما احتواه النظام من مواد تنص على " أن الحكم في المملكة يستمد سلطته من كتاب الله وسنة رسوله، وهما الحكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة".." وأن الحكم يقوم على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية..."و" إن مجلس الملك وولي عهده مفتوحان لكل مواطن لأنه من حق كل فرد مخاطبة السلطات العامة فيما يعرض لهم من الشئون"، وانطلاقاً من مسئولية النصح لولاة الأمور نتقدم بهذه النصيحة لولاة الأمر، وهي تتضمن عرضاً لبعض القضايا الملحة في بلادنا في هذه المرحلة مع مقترحات لمعالجة تلك القضايا وإصلاحها بمشيئة الله على نحو يكفل ما سعى إليه الجميع من حكام هذه البلاد وعلمائها من خير ورشد للبلاد وأهلها.
سماحة الشيخ:
إن هذه النصيحة جهد عدد من أبناءكم من طلبة العلم والدعاة وأساتذة الجامعات، وقد وقع عليها ما يزيد على المائة من أبنائكم من العلماء والدعاة وأساتذة الجامعات، وقرأها وصحح ما فيها عدد من كبار المشائخ وطلبة العلم، كما قرأها وزكاها عدد من العلماء المشهود لهم بالخير والصلاح، وقد أرفقنا بها تزكيات من كل من: فضيلة الشيخ عبد الله الجبرين، وفضيلة الشيخ سفر الحوالي، وفضيلة الشيخ سلمان العودة، وفضيلة الشيخ عبد الله الجلالي ، وفقهم الله جميعاً لكل خير.
يهدف أبناؤكم من تقديم هذه النصيحة التعاون على البر والتقوى والقيام بالشورى وواجب النصيحة، ويتوسمون منكم النظر فيها وتسديد نقصها وإصلاح ما قد يكون فيها من قصور أو خطأ لأن هذه النصيحة جهد معرض للقصور والزلل، وما كان فيها من صواب فمن الله، وما كان فيها من خطأ فنحن عنه راجعون، ثم نرجو من سماحتكم بعد ذلك تزكيتها ورفعها إلى خادم الحرمين الشريفين.
نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل هذا العمل نصرة لدينه وإعلاء لكلمة الحق ، وأن ينفع به ولاة الأمر بهذه البلاد وأهلها، وأن يحقق به الصلاح والخير إنه سميع مجيب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


مستر 28-06-2001 05:13 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
خادم الحرمين الشريفين وفقه ا لله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:-
فلقد استمعنا وسائر أبناء هذا البلد الكريم إلى الكلمة الشاملة التي وجهتموها بمناسبة صدور الأنظمة الثلاثة والتي ذكرتم فيها : "أن عماد النظام الأساسي مصدره الشريعة الإسلامية... وأن العلاقة بين المواطنين وبين ولاة أمرهم في هذه البلاد قائمة على أسس راسخة من تقاليد عريقة من الحب والتراحم والعدل... فلا فرق بين حاكم ومحكوم فالكل سواسية أمام شرع الله، الكل سواسية في حب هذا الوطن والحرص على وحدته وسلامته وعزته وتقدمه... والعلاقة بين الحاكم والمحكوم محكومة أولاً وأخيراً بشرع الله كما جاءت في كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم".
كما اطلعنا جميعاً على ما احتواه النظام من مواد بالغة الأهمية والتي تنص على " أن الحكم في المملكة يستمد سلطته من كتاب الله وسنة رسوله وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة"..."وأن الحكم يقوم على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية..."و"إن مجلس الملك وولي عهده مفتوحان لكل مواطن لأنه من حق كل فرد مخاطبة السلطات العامة فيما يعرض لهم من الشئون".
خادم الحرمين الشريفين :
امتثالاً لأوامر الله بالتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق، واستجابة لما جاء في توجيهاتكم لأبناء أمتكم وما أمرتم به من أنظمة، وانطلاقاً من مسئولية النصح لولاة الأمور، نتقدم إليكم بهذه النصيحة التي تتضمن عرضاً لبعض القضايا الملحة لواقع بلادنا في هذه المرحلة كما يضمن بها اقتراحات تهدف إلى تحقيق معالجة هذه القضايا وإصلاحاً بما يكفل تحقيق ما يسعى إليه الجميع حاكماً ومحكوماً من خير ورشد لهذه البلاد وأهلها.
وفقكم الله لما يحبه و يرضاه ، إنه ولي ذلك والقدير عليه.

مستر 28-06-2001 05:14 PM

مقدمة النصيحة
 
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم: " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"، والقائل " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"، والصلاة والسلام على رسول الله القائل :" الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"، وعلى آله وصحبه أئمة الهدى والدين وعلى التابعين بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن المسلم - وهو يشاهد التبدل والتغير في أحوال الأمم والشعوب في ظل العقائد المنحرفة التي تؤمن بها ومناهج الحياة الوضعية التي تقاد بوساطتها، وما يتبع ذلك من مآس وآلام وظلم وإفساد في الأرض واستعباد الناس بعضهم بعضاً- يدرك يقيناً حاجة البشرية جمعاء إلى دين الإسلام الذي أمله الله تعالى لعباده وأرسل به رسوله عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولما كان المسلمون في هذه البلاد هم أهل بيت الله تعالى وأهل مسجد نبيه صلى الله عليه وسلم وشرف الله تعالى بلادهم بأن جعل فيها مهبط وحيه ومبعث رسوله عليه الصلاة والسلام وجعل لغتهم هي لغة كتابه الكريم المحفوظ، فإن هذا الشرف العظيم يرتب عليهم أمانة كبرى ومسئولية عظمى أمام ربهم تعالى من قيام بواجب الدعوة إلى دين الله ، وتحكيم شرعه عز وجل، والوفاء بميثاقه تعالى من النصح بالحق والتواصي به، وهداية الناس لهذا الدين والعمل على إصلاح أحوالهم به، ونصرة إخوانهم من المسلمين وعونهم، وأن يكون المسلمين في هذه البلاد قبل غيرها كما أراد تعالى لهم خير أمة أخرجت للناس وكما اختار لهم أن يكونوا شهداء على الناس.
كما أن ما من الله به على أهل هذه البلاد، لما استجابوا لأمر ربهم بالإيمان بعقيدة التوحيد وتحقيق الشرع، من نعمة الوحدة والتآلف بينهم والتمكين لهم في الأرض، والأمن وجلب الثمرات والخيرات من كل حدب وصوب -بعد أن كانوا متفرقين، خائفين وفي ضنك من العيش - يحتم عليهم قادة وشعوباً القيام بواجب الشكر لله عز وجل لحفظ هذه النعم وذلك بإقامة أركان الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال عز وجل "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور". وإن تخاذل المسلمين حكاماً أو محكومين في هذه البلاد عن القيام بهذه الواجبات العظيمة وإعراضهم عن الالتزام بشرعه سيؤدي بلا شك إلى أن يكون مآلهم-عياذاً بالله- إلى ما حذر الله تعالى عباده منه من حصول نقمته وتحول عافيته وتبدل الأمن خوفاً، ورغد العيش كرباً كما قال عز وجل :" وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون"،بل قد يؤدي إلى ما أنذر الله عز وجل به المقصرين في جناب حقه من استبدالهم بمن يقوم بحق الله تعالى خير قيام كما قال عز وجل:" وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم"، وإن في تبدل واقع الشعوب في هذا العصر من حال إلى حال وزوال الدول العظيمة ووقوع الحرب بين أبناء الشعب الواحد بأقصر زمن لما أعرضوا عن ذكر ربهم لعبرة لأولي الألباب.
ومن هذه المنطلقات والأصول الشرعية الجلية، وإدراكاً للواجب الشرعي على المسلمين جميعاً من ضرورة المراجعة لما هم عليه من أحوال وإصلاح ما فسد منها وتغيير ما خالف الشرع، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم في ذلك والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى دين الله، ووفاء بميثاق الله تعالى على كل مسلم بإبلاغ العلم الشرعي وعدم كتمانه، جرى إعداد هذه النصيحة تبصرة ونصحاً.ولقد اشتملت هذه النصيحة على مختارات من القضايا الكبرى التي إذا عولجت علاجاً صحيحاً شرعياً من ولاة الأمر تيسر بعد ذلك -بإذن الله- معالجة سائر المسائل التي دونها في الأهمية والخطورة، وتضمنت عرضاً ونصائح لسبل الإصلاح لهذه القضايا ذات العلاقة بما يأتي:
-دور العلماء والدعاة -الأنظمة واللوائح -القضاء والمحاكم -حقوق العباد
-الوضع الإداري -المال والاقتصاد -المرافق الاجتماعية -الجيش
-الأعلام -العلاقات الخارجية
ولقد كان منطلقنا فيما كتب من نصيحة تتعلق بهذه القضايا الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون الكتاب والسنة المرجع لكل أمر فيها، حيث أن كل نصيحة وإرشاد يتعلق بهذه القضية وكل اختلاف أو تنازع بين الناس بشأن هذه القضايا أو غيرها يجب أن يرد إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام كما قال الله تعالى:" فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً"، وقال عز وجل :" فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً"، والواجب على المسلم -حاكماً أو محكوماً- إذا تبين له حكم الله ورسوله الاتباع والانقياد له، فلا يجوز له أن يتجاوزه،قال عز وجل:" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" وقال:" إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون". لهذا فقد جعلنا لكل موضوع في هذه النصيحة مقدمة تأصيلية شرعية يُستهدى بها، ثم قمنا برصد واقعه وتحقيق المناط وتشخيص الحال قدر الوسع ثم بيان النصائح -بناء على ذلك- للتوصل إلى سبل الإصلاح المنشود.
وإننا إذ نؤكد على الحرص على الاحتكام إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم منا جميعاً في كافة القضايا المعروضة بهذه النصيحة، نبين كذلك أنه ما كان في هذه النصيحة من بعض أمور ربما تكون موضع اجتهاد فإننا إنما أوردناها حرصاً على مصلحة شرعية نراها راجحة ولغلبة الظن بصحة وقوة أدلتها الشرعية، ونأمل أن يكون في الأخذ بها تحقيق لهذه المصلحة، ولذا فإنه ما كان في هذه الأمور الاجتهادية من صواب فهو من الله تعالى وتوفيقه، وما كان من خطأ وزلل، فمن الشيطان ونحن عنه راجعون.
وختاماً ندعو الله تعالى أن تجد هذه النصيحة الإصلاحية صدى طيباً وقبولاً من ولاة أمر المسلمين، ومن كل الغيورين على دين الله المخلصين، الراغبين بصدق في إصلاح أحوال أمتهم وبلادهم، الذين يسعون لأن يكون شرع الله تعالى مهيمناً وأن تكون هذه الأمة كما وصفها الله عز وجل خير أمة أخرجت للناس، كما نسأل الله تعالى العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعز دينه، ويعلي كلمته، وينصر أوليائه، ويذل أعداءه، وأن يجمع شمل المسلمين على الحق، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يرينا وإخواننا من المسلمين والمسلمات الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يجنبنا جميعاً الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.


مستر 28-06-2001 05:16 PM

دور العلماء والدعاة
 
مقدمة :
لقد أوجب الله على آحاد الأمة وجماعاتها وعلى الدولة المسلمة القيام بالدعوة إلى الإسلام وإبلاغه إلى الناس البلاغ المبين، وذلك بعرض الإسلام عقيدة وشريعة وسلوكاً على أمم الأرض عرضاً واضحاً وصادقاً بالقول والعمل، قال الله تعالى "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين"،وقال تعالى"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"، وقال عزوجل "هذا بلاغ للناس ولينذروا به"، وقال عزوجل " فلذلك فادع واستقم كما أمرت" وقال عزوجل " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني"، وقال صلى الله عليه وسلم" نضّر الله امرأ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع".
وجعل الله عزوجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير من أعظم الواجبات الشرعية على الدولة والأفراد والجماعات، قال تعالى" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"، وقال تعالى " الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر"، وقال صلى الله عليه وسلم" من رأي منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال" والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم" وقال صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
ولما كان حمل الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتطلب نشر العلم الشرعي والفقه بالدين، حث الشارع على طلب العلم الشرعي بالأدلة المستفيضة وأوجب قيام من يكفي من أفراد الأمة بذلك قال تعالى" يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" وقال عزوجل " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم" كما أمر تعالى بأن يرد كل أمر معضل إلى العلماء بشرعه وأمره فقال عزوجل "ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم" وقال " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"...إلى غير ذلك من الآيات، وقد شرع صلى اله عليه وسلم بسنته العملية من هجرة وجهاد وتطبيق أحكام الشرع قيام الحاكم وولاة الأمر بهذه الواجبات العظيمة من إبلاغ ودعوة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ونشر للعلم، كما سار على ذلك المنهج خلفاؤه الراشدون وصحابته رضي الله عنهم جميعاً من بعده.
ولقد نص النظام الأساسي -في فقرته الثالثة والعشرين- على واجب الدولة في حمل الدعوة بأن قرر أن " الدولة تحمي عقيدة الإسلام وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقوم بواجب الدعوة إلى الله".
وإن ما سبق ذكره يستلزم أن يكون للعلماء والدعاة في الدولة المسلمة مكانة لا تعدلها مكانة،وأن يكونوا في مقدمة أهل الحل والعقد والأمر والنهي، وإليهم ترجع الأمة -حكاماً ومحكومين- لبيان الحكم الشرعي لسائر أمور دينهم ودنياهم. كما أن ذلك يقتضي أن يكون ما يقوم به الدعاة والعلماء من نشر للعلم الشرعي وإرشاد للخلق ودعوة للحق، واجباً يتحتم التسهيل له، وتوفير كل مساندة له، وتقديمه على سائر نشاطات الدولة، حيث أن الدعوة إلى الإسلام هي العمل الأصلي للدولة.

واقع دور الدعاة والعلماء حالياً :
إن المتأمل للواقع يجد أحوالاً يلزم تغييرها حتى يمكن للدعاة والعلماء القيام بدورهم المنوط بهم على الوجه المطلوب شرعاً، ونعرض هذه الأحوال للبيان والنصح ولكي يسهل إصلاحها فيما يأتي:
1) ضعف دور العلماء في الحياة العامة، وهامشية هذا الدور في قطاعات بالغة الأهمية في حياة الأمة مثل الأنظمة، والإعلام، ونشاطات المرافق الثقافية والاقتصادية والعلمية والتربوية، حيث لا يُطلب الرأي الشرعي للعلماء في كثير من الأعمال التي تقوم بها قطاعات الدولة وأجهزتها، وقلّ أن يُستشاروا في قرارات داخلية أو خارجية مهمة تتطلب معرفة بأحكام الشريعة وقواعد الإسلام التفصيلية حتى تكون موافقة للحكم الشرعي، وربما لا يُستجاب لفتاويهم إذا تعارضت مع توجهات قائمة لتلك القطاعات والأجهزة بل ربما لا يُسمح بنشرها، وكل ذلك ينبئ وقد يؤدي إلى فصل الدين عن واقع حياة الناس وعزله عن التأثير في أمر معاشهم وما يترتب على ذلك من أثر خطير يهدم الأصل الذي قامت له من الدعوة للإسلام وتطبيق أحكامه.
2) ربط العلماء بمؤسسات ودوائر حكومية، مما أدى إلى الحد من استقلاليتهم، وتقييدهم في فتاويهم وتعليمهم، وإبعادهم عن واقع الحياة اليومي واعتبارهم جهة تابعة لا متبوعة.
3) الحساسية المفرطة من قبل بعض الجهات الرسمية تجاه النصح والتوجيه والنقد الهادف البناء المقدّم من العلماء والدعاة وأهل الرأي الشرعي للمسئولين في الدولة وأجهزتها المختلفة، مما أدى إلى التضييق على الدعوة وظهور أساليب لم تكن معروفة في سلف هذه الدولة من فصل الدعاة أو عزلهم أو منعهم من القيام بواجبهم في كثير من الأحيان.
4) قصر ما يذاع أو يكتب أو يبث من العلماء والدعاة في وسائل الإعلام على المواعظ العامة والقضايا الجزئية، وإحكام الرقابة على كل ما يذاع أو ينشر بهذا الصدد حتى لا يتصادم والواقع الفاسد في المجتمع.
5) سعي الجهات المسؤولة إلى حصر رسالة المسجد ومواضيع خطب الجمع على الوعظ العام، ومنعها من التعرض للقضايا العامة في واقع المسلمين وبيان الحكم الشرعي، وكذلك تحجيم الندوات والمحاضرات العامة التي تعالج قضايا الساعة ومراقبة كل ما يقال أو ينشر في هذا المجال.
6) ضعف الدور الدعوي ونشر العلم الشرعي في كثير من مرافق الدولة كأجهزة الإعلام، والسفارات، والمؤسسات التعليمية والجامعات، التي يُفترض أن تجعل بناء الشخصية المسلمة ونشر العلم الشرعي أهم أعمالها.

مستر 28-06-2001 05:17 PM

سبيل الإصلاح :
 
وبعد عرض هذه الأحوال القائمة فإننا سعياً لإصلاحها ننصح بما يأتي:
أولاً : لتعزيز دور العلماء والدعاة وتمكينهم من القيام بواجبهم الشرعي نقترح:
1) رفع كل القيود والتعليمات التي تقيد نشاط الدعاة والعلماء، والسماح لهم بالتأليف والنشر والإفتاء والخطابة والمحاضرة وتسجيل الأشرطة وعقد الندوات والحلقات العلمية، دون حاجة إلى ترخيص أو إذن رسمي من وزارة الإعلام أو الأوقاف أو غيرهما، وأن يجعل القضاء الشرعي هو الجهة الوحيدة التي يناط بها النظر في أي مخالفة تنسب إلي الدعاة أو العلماء أو غيرهم وهو الجهة الوحيدة التي تقرر فيما إذا كانت المخالفة تستوجب العقوبة، وأن يقتصر دور الجهات الرسمية في رفع الدعاوى أمام القضاء في ذلك.
2) فسح المجال لإنشاء هيئات وجمعيات مستقلة للعلماء والدعاة وتشجيع ذلك، ووضع لائحة إجرائية تسهل ذلك في الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء، وأن يكون الإشراف عليها وتوجيهها وقيادتها من علماء الأمة المشهود لهم بالعلم والصلاح، وتخول هذه الهيئات صلاحية تبني النشاطات الدعوية في البلاد ونشر العلم في المرافق المختلفة، وأن تعمل الدولة على إفساح المجال لها لتقديم كل ما تستطيعه من خير لهذه الأمة.
3) تعزيز دور هيئة كبار العلماء باختيار العلماء ذوي الفضل والمشهورين بالقدرة والاجتهاد الذين صار لهم القبول من أفراد الأمة، وذلك بناء على ترشيح جهات شرعية، كقضاة المحاكم، وأعضاء لجنة الافتاء والإرشاد ومجلس القضاء الأعلى وأساتذة الكليات الشرعية، وأن تكون المفاضلة بينهم على أساس العلم والدين والورع والقوة في ذات الله وتجربتهم الشرعية، وأن تكون عضويتهم بهذه الهيئة غير قابلة للعزل إلا بسبب شرعي وبموجب حكم شرعي أخذاً بما رجح في الفقه الإسلامي من عدم عزل القضاة ومن في حكمهم إلا لعذر شرعي، لأنهم بالولاية يصيرون ناظرين للمسلمين على سبيل المصلحة لا عن الإمام ( الاحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء الحنبلي).
4) لتحقيق دور العلماء في إرساء قواعد الشرع وأحكامه يجب أن تعرض جميع الأنظمة والمعاهدات قبل إقرارها على هيئة كبار العلماء للتأكد من مطابقتها لقواعد الشريعة الإسلامية.
5) تعزيز دور الأوقاف الإسلامية واستقلاليتها للقيام بواجبها الشرعي من توفير النفقات في أوجه الخير والأعمال الصالحة من دعوة أو نشر للعلم الشرعي، وذلك بأن يُفصل ما يُستحصل من غلات الأوقاف المخصصة لنشر العلم الشرعي أو الدعوة أوالإنفاق على المرافق الدعوية كالمساجد عن ميزانية الدولة، وأن ترتبط بجمعية خيرية للأوقاف مستقلة يُديرها مجلس شرعي من القضاة أو العلماء يتولى المتابعة والإشراف على قيام النظّار الشرعيين للوقف أو القاضي الشرعي بجمع النفقات لهذه الأوقاف وحفظ ميزانيتها، والانفاق منها في و جوه الخير بحسب شروط الواقفين.
6) إصدار التعليمات لكل قطاعات الدولة ووسائل الإعلام والتعليم والنشر بتمكين العلماء والدعاة من أداء واجبهم الشرعي، والأخذ بنصائحهم، كما يجب أن يشجع الدعاة لبيان الحق والدعوة إليه في كل المجالات وفي التجمعات العامة وفي المناسبات التي تمر بالأمة وفي الصحف والمجلات.
7) فتح المجال أمام الدعاة والعلماء خارج البلاد -ممن عرف بسلامة المعتقد وصدق الاتجاه وصواب المنهج- لإلقاء المحاضرات وإقامة الندوات والمؤتمرات والحلقات العلمية والمنتديات، وتسهيل إجراءات قدومهم بما يحقق التفاعل والتعاون بين علماء البلاد وإخوانهم من العالم الإسلامي.
ثانياً : لتحقيق قيام الدولة بالواجب الشرعي في الدعوة في الداخل والخارج وتعزيزه ننصح بما يأتي:
1) أن تُعد السفارات والقنصليات بالخارج دوراً للدعوة إلى الإسلام وإبلاغه للأمم ورعايا الدول الأخرى ورعاية شؤون المسلمين، وهذا يوجب تدعيم السفارات بالدعاة المؤهلين والعلماء المتفرغين وحسن اختيار السفراء والقناصل للقيام بواجب تبليغ الإسلام والدعوة إليه.
2) إنشاء محطات إذاعية وتلفزيونية خاصة للدعوة إلى الإسلام وتعليم أحكامه باللغات العالمية، وتخصيص أوقات مناسبة من البث الحالي للإذاعة والتلفزيون الرسميين لذلك، على أن تجعل الإشراف على برامج الدعوة وإبلاغ الإسلام وتعليمه للهيئات الدعوية والشرعية والمتخصصين في ذلك، وأن يعمل على زيادة البث زمانياً ومكانياً والاستفادة من التقنية الحديثة في ذلك لكي تبلغ الدعوة جميع أقطار المعمورة.
3) الاهتمام بتعليم أبناء الأقليات الإسلامية وتمكينهم من القيام بدور قيادي لنشر الإسلام والدعوة إليه في بلادهم عن طريق زيادة المنح الدراسية لهم في كل جوانب المعرفة، وفي العلوم الشرعية خاصة، وكذلك عن طريق فتح المعاهد والمدارس والكليات الشرعية في بلاد المسلمين المختلفة وتخصيص موارد ثابتة دائمة للإنفاق عليها.
4) لضمان قيام مرافق الدولة المختلفة بأعمالها على هد ي الشرع وإرشاد منسوبيها فيما يتعلق بعملهم من أحكام شرعية، يجب أن يجعل في كل جهاز حكومي في الداخل أو الخارج إدارة متخصصة في الشؤون الشرعية تتولى تقديم المشورة الشرعية والتأ كد من مطابقة قرارات هذه الأجهزة والمرافق لأحكام الشرع والقيام بالنصح والتوجيه لمنسوبيها في ذلك، وأن ترتبط هذه الأجهزة بجهات شرعية كالرئاسة العامة للبحوث والإفتاء والإرشاد أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو وزارة العدل.
5) أن تُدعم مؤسسات الدعوة وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مالياً ومعنوياً ووظيفياً بأن يُعاد النظر في أنظمة وكوادر هذه الهيئات، وأ ن يُكثف توظيف حملة الشهادات الشرعية فيها واستقطاب الكفاءات الدعوية والقضائية المتميزة لها، وأن تُخوّل لها الصلاحيات المناسبة وتُوفر لها الإمكانات والتجهيزات اللازمة من وسائل نقل أو تقنية حديثة لتمكينها من القيام بدورها لبيان الحق والدعوة إليه.
6) أن يُهتم بالمناطق النائية والقرى والأرياف بدعوة أهلها وتعليمهم أمور دينهم وإرشادهم وأن يُبعث إليهم بالوفود واللجان وأن تُخصص لذلك ميزانية خاصة في الهيئات الدعوية والمرافق التعليمية حتى يتحقق البلاغ وينشر العلم في كل المناطق.
7) إنشاء صحف ودوريات علمية متخصصة في شؤون الدعوة والعلوم الشرعية، ودعم الموجود منها مالياً وإدارياً، والحرص على استقلالها.

مستر 28-06-2001 05:18 PM

الأنظمة واللوائح
 
مقدمة :
إنه مما علم من دين الإسلام بالضرورة وجوب الاحتكام إلى شرع الله وتحكيمه في جميع شؤون الفرد والأسرة والدولة وفي علاقة الأمة بالدولة، وفي علاقة الدولة والأمة بغيرهما من الدول والأمم، كذلك من المعلوم وجوب أن يكون شرع الله وحده هو المهيمن على ما سواه وأن تتحقق سيادة الشرع التامة على أعمال الدولة وأنظمتها وتصرفاتها ولوائحها ومعاهداتها وكافة جوانب الحياة فيها.
ولعل مما يبشر بالخير أن يصرّح العديد من ولاة الأمر في مناسبات شتى بأنه استناداً إلى ذلك سيجري مراجعة أنظمة ولوائح البلاد وتنقيتها وإلغاء كافة ما يخالف الشرع منها، وأن ينص النظام الأساسي على أن الشريعة الإسلامية هي الحاكمة على كل أنظمة الدولة، ولذا رأينا قياماً بواجب النصح أن نبيّن قضايا كلية تتعلق بواقع الأنظمة وسبل إصلاحها وكيفية إسنادها إلى الشرع، مع الإشارة إلى بعض الشواهد والأمثلة على بعض المخالفات الموجودة حالياً في العديد من الأنظمة القائمة بهدف العمل على تعديلها أو إلغائها واستبدال الأنظمة الشرعية بها.
أولاً : أنواع الأنظمة :
إن النظر في الأنظمة واللوائح والأوامر يظهر جلياً أنها تحتوي على نوعين من الأحكام أو المواد.
النوع الأول منها: المواد أو الأحكام التشريعية وهي المواد التي تنص على أحكام تكليفية سواء بالإلزام (الوجوب) أو المنع (التحريم) أو الإذن والتجويز (الإباحة)، أو بنص على بيان أسباب هذه الأحكام التكليفية وشروطها واستثناءاتها وموانعها وصحتها وفسادها أو بطلانها. فهذا النوع من مواد الأنظمة يتعلق بأفعال المكلفين الأصلية والحكم عليها. وقد أطلق علماء الأصول في الشريعة على هذا النوع اسم خطاب التكليف وخطاب الوضع. ولكن الملاحظ أنه لا يوجد في الأنظمة القائمة حكم بالاستحباب أو الكراهية حيث أنها متعلقة بالثواب والعقاب الأخروي وهو ما لا تجعله الأنظمة موضع نظر عند سَن أحكامها.
النوع الثاني: المواد أو الأحكام الإجرائية وهذه هي المواد التي تنص على أحكام تتعلق بوسائل مادية وأساليب تنفذ بها الأحكام التشريعية مما لم يرد نص شرعي عليها بعينها، وليست مقصودة لذاتها بل هي وسائل لغيرها. وهو ما أطلق عليه علماء أصول الشريعة أحياناً اسم المصلحة المرسلة.
فعلى سبيل المثال: إن جباية الزكاة من أموال مخصوصة، وتحديد من تجب عليه، وتوزيعها على أصناف مخصوصة من الناس كل ذلك يعد أحكاماً تشريعية حيث أن الحكم بوجوب جباية الزكاة من قبل الدولة، وعدم جواز دفعها لغير أهلها، وشروط وجوب الزكاة من حول ونصاب، وما يمنع من دين ونحو ذلك، كل هذا يعد أحكاماً تشريعية لأفعال المكلفين بالتكليف أو الوضع.
أما الوسائل المستخدمة لتنفيذ هذا الحكم التشريعي من وسائل النقل والسجلات الخطية أو المغناطيسية، وكيفية اتصال الجباة بالناس إما بالذهاب إليهم أودعوة الناس إلى تسديد زكاتهم بدائرة الزكاة بالكتابة إليهم بالبريد المسجل، والفترة التي يجري بها ذلك من أول الحول أو وسطه أو آخره كل هذه الأمور تُعد أحكاماً إجرائية تتعلق بأسلوب ووسيلة تنفيذ هذا الحكم التشريعي.
ومثال آخر: إن اشتراك الناس في الطرق والمنافع العامة وإباحة حق الانتفاع لهم بالسير فيها، ومنع اختصاص أحد دون أحد في ذلك، يُعد أحكاماً تشريعية. أما كيفية تنفيذ هذه الأحكام بوسائل وأساليب متنوعة كالأرصفة، وعلامات المرور ولوحاته، والخطوات الإجرائية اللازمة للتثبت من أهلية قادة المركبات عليها كل ذلك يُعد أحكاماً إجرائية.
ومثال ثالث: ينص نظام الشركات في مادة (2) على أن أحكام النظام تسري على الشركات المحددة به التي تشمل شركة التضامن، وشركة التوصية البسيطة والمحاصة، والمساهمة..إلخ، ثم ينص النظام على بطلان كل شركة لا تتخذ الأشكال المذكورة مع عدم المساس بالشركات المعروفة في الفقه الإسلامي، فهذه المادة تعد حكماً تشريعياً لأنها حكمت على فعل المكلفين في شراكة بالصحة إذا وافق الهيئة أو الشكل الذي حددته لأنواع الشركات، وحكمت بالبطلان على ما يخالف ذلك كما ألزمت بأنواع معينه من أفعال المكلف إذا أراد عقد شركة وهي أشكال الشركة المحددة بالنظام.
وفي مادة (12) نص النظام على أن جميع العقود والمخالصات والإعلانات وغيرها من أوراق الشركة يجب أن تحمل اسمها وبيان نوعها ومركزها الرئيسي. ونص النظام في مادة (123) على أن مجلس الشركة المساهمة يُعٍد في نهاية كل سنة مالية جرداً لأصول الشركة ويُعٍد ميزانية الشركة وحساب الأرباح والخسائر، وحددت مادة (124) طرق تبويب الميزانية وحساب الأرباح والخسائر، فهذه المواد (رقم 124،123،12) التي تتضمن تعريف وسائل مادية وإجراءات تنفذ بها الشركة أعمالها تُعد أحكاماً إجرائية ..وهكذا.
ومن ذلك يتضح أن كل نظام يحوي في مواده النوعين من الأحكام السابق ذكرهما وهما الأحكام التشريعية والأحكام الإجرائية. ولذا يجب إدراك هذا عند الحكم شرعاً على الأنظمة، حيث أن الحكم على أي نظام إنما يكون بعد المعرفة لنوع أحكامه وبحسب مصادرها، فالأحكام التشريعية -سواء كانت خطاب بالتكليف أو الوضع- فالحكم فيها لله تعالى وحده، أما الأحكام الإجرائية فلولي الأمر وضعها والتدخل في تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية. وهذا ما سيجري تفصيله لاحقاً في التالي.
ثانياً : الأحكام التشريعية يجب استنباطها من أدلة الشرع، ويحرم أخذها من غيره :
إن سيادة الشرع الإسلامي تقتضي أن تكون جميع الأحكام التشريعية مستنبطة باجتهاد صحيح من أدلة الشرع وهي الكتاب والسنة والإجماع وما دلت عليه من قواعد شرعية وطرق استنباط الأحكام بالقياس وغيره كما هو مفصل في كتب الأصول، فقد أوجب تعالى الرجوع إلى كتابه وسنة رسوله في كل أمر وجعل ذلك شرط الإيمان، قال تعالى" ألا له الخلق والأمر" وقال عزوجل " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم" وقال"وأن احكم بينهم بما أنزل الله" وقال "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وقال "ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم" وقال "وما كان لمؤمن ولامؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" إلى غير ذلك من الآيات. وقال عليه الصلاة والسلام" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وجعل تعالى الرجوع والتحكيم لغير شرعه ضلالاً مبيناً وسمّى كل شرع غير شرعه طاغوتاً قال تعالى " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً".
وأجمعت الأمة على وجوب تحكيم شرع الله والانقياد له وأنه لا يسع أحداً الخروج عليه ولهذا قاتل سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم من ارتد عنه بمنع الزكاة.
إن الحكم التشريعي يجب أن يقتصر مصدره وأدلته على أدلة الإسلام، وقبول أي مصدر غير الإسلام للأحكام التشريعية يعد تحاكماً إلى الطاغوت كما نص عليه القرآن. ويحرم فعله سواء وافق الطاغوت الشرع أم خالفه لأن الواجب على المسلم الكفر بالطاغوت على كل حال،ولذا فإن الرجوع إلى أي قانون تشريعي كالقانون الجنائى الفرنسي لأحكام العقوبات، أوالقانون المدني المصري لأحكام الشركات مثلاً والحكم بها بين الناس لا يجوز مطلقاً سواء وافقت الشرع أم خالفته لأن الرجوع إليها تحكيم للطاغوت وإيمان به ويحصل به الضلال البعيد، والكفر والفسق أوالظلم عياذاً بالله لمن فعل ذلك.
ثالثاً : الأحكام الإجرائية يجب ألا تخالف الشرع وتؤخذ بحسب تحقيقها للمقاصد المشروعة:
دل الكتاب على أن الانتفاع بالوسائل المادية في الكون مباح لتسخيرها من الله تعالى لخلقه وامتنانه عليهم بها قال تعالى "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً"، وقال تعالى "ألم تروا أن الله سخر لكم مافي السموات وما في الأرض". كما دلت السنة وفعل الخلفاء الراشدين على أن الأحكام الإجرائية والأحكام الدنيوية المحضة جائزة على وجه العموم إذا لم يرد دليل خاص بتحريم فرد منها وإذا لم يترتب على فعلها فوات مصالح أكبر أو حصول مفاسد أعظم، وذلك نحو ما ثبت في حديث تأبير النخل في قوله عليه الصلاة والسلام " أنتم أعلم بأمر دنياكم" ونحو حفر الخندق اقتباساً من عمل الفرس كسياسة دفاعية، واستخدام المنجنيق، ووضع عمر رضي الله عنه الديوان اقتباساً من غير المسلمين لتنظيم أمور العطاء إجرائياً..إلى غير ذلك من أمثلة، ولهذا متى ثبت كون الحكم إجرائياً فإن أي وسيلة وأسلوب ينفذ به الحكم التشريعي المستنبط من أدلة الشرع يجوز اقتباسها بحسب تحقيقها للمقاصد الشرعية على أحسن وجه، مع الحرص على تبسيط هذه الإجراءات وتيسيرها والرفق بالناس إذا تعلقت بالدولة، وهذه الوسائل والإجراءات هي ما أطلق عليه علماء أصول الشريعة أحياناً اسم " المصلحة المرسلة" باعتبار أنه لم يرد دليل خاص لها وإنما تندرج تحت الحكم التشريعي العام الذي تعد وسيلة وأسلوباً لتنفيذه.
رابعاً : تنفيذ المباح أو الإلزام به:
شاع بين الناس أنه لا يجوز للدولة مطقاً المنع والإلزام بأمر مباح بحجة المصلحة العامة استناداً إلى كون الشرع قد خير المكلف في المتاح بين الفعل والترك. ولقد نجم عن هذا الظن الفاسد تحريم ما أحل الله ورسوله وإيجاب ما لم يوجب تعالى وإلزام الرعية بذلك وعقابهم على مخالفته دون قيد شرعي منضبط أو إذن من الشارع بذلك. ولقد أنكر تعالى على من حرم ما أحل عزوجل أعظم الإنكار وسمّى من فعل ذلك على وجه التشريع مشركاً قال تعالى"سيقول الذين أشركوا لوشاء الله ماأشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء" وقال عزوجل " قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً،قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون"، وقال تعالى "قد خسر الذين قتلوا أولادهم بغير علم وحرموا ما رزقهم الله"... إلى غير ذلك من آيات، وقد نهت الشريعة أن يلزم الإنسان نفسه بأن يمتنع عن فعل مباح، قال تعالى" يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك"،حتى لو كان ذلك الامتناع بقصد التعبد، نحو إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم على من ألزموا أنفسهم بترك أكل اللحم أو نكاح النساء، وعلى من نذر ألاّ يجلس ولا يستظل، فإذا كان هذا في حق المكلف الفرد الذي قصده مصلحة دنيوية أو التعبد بترك المباح، فكيف يحل للدولة أن تحرم بعض المباح عموماً أو أن تعلق فعله على إذنها وترخيصها على وجه الإطلاق. وإنما دلت الأدلة الشرعية التفصيلية أنه لا يجوز للدولة التدخل بالإلزام أو المنع من فرد من أفراد المباح مؤقتاً في أحوال مخصوصة مقيدة بقواعد شرعية منضبطة نعرضها في ما يلي لكي يزول الالتباس في هذا الباب:
الحالة الأولى : أن يكون المباح مؤدياً إلى ضرر أو إلى حرام فللدولة أو الإمام التدخل في هذه الحالة لمنع حصول الضرر والمحرم، وذلك نحو منع من كان مريضاً بالإيدز أو الجذام المعدي -عياذاً بالله- من الزواج لمنع نقل العدوى، ونحو منع من كف أو ضعف بصره من قيادة المركبات في الطرق للضر الحاصل. وهذه القاعدة ثابتة بأحاديث منع الضرر والإضرار وقاعدة منع مايوصل إلى حرام نحو المنع من سب آلهة المشركين إذا ظن أنهم يسبون الله عدواً بغير علم، ونحو منع الرسول عليه الصلاة والسلام في أول الأمر المسلمين من ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث لضرر المجاعة، ونحو فعل عثمان رضي الله عنه بالإلزام بالمصحف الإمام بلهجة قريش عند خشية المحرم من فرقة المسلمين وفتنتهم في الأمصار إذا لم يفعل ذلك، ونحو منع عمر رضي الله عنه بعض الصحابة من الخروج من المدينة للضرر الحاصل بذهاب أهل الفقه والاجتهاد الذين يرجع إليهم في النوازل ومعضلات الأمور من قاعدة الإسلام. وموضوع الضرر أو المحرم هذا أمر يمكن أدراكه والتحقق من واقعه وليس أمراً مبهماً كالمصلحة العامة، ولهذا إذا تدخلت الدولة لمنع أمر مباح أصلاً بحجة الضرر أو حصول المحرم، فإن عليها إثبات الدليل على وجود الضرر أو الحرام حتى يكون عملها وفق الشرع في ذلك.
الحالة الثانية : أن يكون أمر المباح متعلقاً بشؤون الدولة الخاصة بها كشؤون جيشها وموظفيها ونحوه فلها حينئذ الإلزام والمنع لمن يتعلق به ذلك من موظفيها وجنودها لتحقيق مقصد شرعي وذلك كإلزام موظفي الدولة بدوام مخصوص أو إلزام جنودها بلبس معين ونحوه. ومن هذا الباب كان عمر رضي الله عنه يقاسم عماله أموالهم ويشترط عليهم في ذلك، ومنع عماله من وضع أبواب أو حجب مغلقة دون رعيتهم، ومنع بعض قادة ة جيوشه وولاته من نكاح الكتابيات لئلا يُقتدي بهم في ذلك.
الحالة الثالثة : تنظيم المرافق والأموال العامة، حيث ثبت بالسنة أن ما كان من مرافق المسلمين يشتركون فيه نحو الماء والكلأ والنار والطرق العامة، وما كان من الأموال العامة كالفيء فإن تنظيمه متروك للدولة لتحقيق المقصد الشرعي بعدم اختصاص أحد به دون أحد، ولها عندئذ الإلزام أو المنع من بعض أفراد المباح على هذا الوجه الشرعي. حيث أن النبي عليه الصلاة والسلام حمى النقيع، واسترجع إقطاع أبيض بن حمال لمنجم الملح لحاجة الناس إليه، ووزع أبوبكر رضي الله عنه أموال الفيء بالتساوي بين الناس، بينما وزعها عمر رضي الله عنه بحسب الأسبقية في الإسلام، وأمر الرسول عليه الصلاة والسلام بجعل الطريق سبعة أذرع لتنظيم السير فيه، وقضى بحكمه في السيل بأن يُرسٍل الأعلى على الأسفل، وحمى عمر رضي الله عنه الشرف والربذة..إلى غير ذلك من أمثلة تدل على أن للإمام أو الدولة التدخل لتنظيم المرافق والأموال العامة التي يشترك فيها المسلمون لتحقيق مقصد شرعي.
الحالة الرابعة : تنفيذ فروض الكفاية المنوطة بالدولة، حيث جعل الشرع تنفيذ بعض فروع الكفاية منوطاً بالدولة كجمع الزكاة والجهاد ونحو ذلك. فللدولة حينئذ وضع تنظيم إجرائي لتنفيذ هذه الفروض المناطة بها، ومن ذلك أن عثمان رضي الله عنه كان يحدد شهراً معيناً لجمع الزكاة كما ورد في الموطأ.
ومن هذا العرض للشواهد الشرعية التي تبين الأحوال المخصوصة التي أذن الشارع للدولة بالتدخل فيها بالمنع أو بالإلزام من بعض أفراد المباح بهدف تحقيق مقصود شرعي يظهر جلياً أن الأصل في غير هذه الأحوال أن ليس للدولة تحريم المباح والمنع منه، أو إيجابه، أوقصر فعله على من حصل على ترخيص منها، لأن الإباحة حكم من خالق العباد وربهم تعالى، ومتى ثبت بالدليل الشرعي إباحة الفعل فليس لمخلوق المنع أو الإلزام به على وجه الإطلاق، كمايدل على ذلك حديث عدي بن حاتم في تفسير قوله تعالى " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله...." الآية.

مستر 28-06-2001 05:20 PM

واقع الأنظمة من خلال بعض الأمثلة والشواهد
 
بتطبيق القضايا الكلية السابقة على الأنظمة حالياً يظهر مايلي :
1) إن كثيراً من الأنطمة تتضمن أحكاماً تشريعية مستمدة من مصادر قانونية عربية أو غربية في بلاد أخرى لا تحكّم الشرع فنظام الأوراق التجارية مستمد عن معاهدة جنيف للأوراق التجارية، ونظام الشركات نصت مذكرته التفسيرية على أنه مستمد من "الصالح من أحكام أنظمة الدول الأخرى"، ونظام العمل والعمال مستمد من الاتفاقيات والأنظمة الدولية العمالية، ونظام مكافحة التزوير يتشابه في كثير من مواده وتعابيره مع القوانين الأوروبية وعلى الأخص الألمانية والفرنسية... وهكذا. وهذه المصادر لا يجوز الرجوع إليها، لأخذ الأحكام التشريعية منها لأن ما نقل واستمد منها من أحكام تشريعية لم يُستنبط من أدلة الشرع ويُعد تحكيماً لغير الشرع.
2) نصت معظم الأنظمة القائمة على تشكيل لجان وهيئات لها صلاحيات القضاء وملزمة وفق أحكام ومواد النظام، حيث يوجد ذلك على سبيل المثال في نظام العمل والعمال، ونظام الأوراق التجارية، ونظام المحكمة التجارية، ونظام الشركات، ونظام مكافحة الغش التجاري، ونظام العقوبات العسكري، ونظام محاكمة الوزراء، ونظام مكافحة الرشوة،إلى غير ذلك من أنظمة، كما جعلت بعض الأنظمة أعضاء هذه اللجان من القانونيين، كما في نظام التعدين والذي نص على أن أحكامه مخصص لها هيئة من القانونيين العالميين، وكل هذا مخالف للشرع نظراً لأنه جعل القضاء وفق أحكام النظام وأدى إلى عزل القضاء الشرعي عن النظر في هذه الجوانب من حياة الناس، هذا فضلاً عن التضارب بين أحكام القضاء وتلك الأنظمة.
3) اعتبرت بعض الأنظمة الشريعة الإسلامية مصدراً احتياطياً للتشريع والقضاء ومثال ذلك المادة التاسعة من نظام هيئة تسوية المنازعات لدول مجلس الخليج العربي، والمادة (185) من نظام العمل والعمال.
4) أجازت بعض الأنظمة أموراً محرمة لمن يتعلق بهم ذلك، نحو إباحة إصدار سندات قرض للشركات المساهمة، وإباحة عقود التسهيلات الائتمانية وحسابات الفوائد بالبنوك، وهي جميعاً في حقيقة أمرها وثائق ربوية. ونحو التمييز بين المسلمين في مواد بعض الأنظمة باعتبار الموطن الإقليمي مخالفة بذلك أحكام دار الإسلام. ونحو إسقاط الحقوق وعدم سماع الدعاوى بالتقادم كما في نظام العمل والعمال ونظام الإوراق التجارية بعد مضي مدد معينة. ونحو الإذن بالتجسس وتفتيش البيوت المحرم شرعاً في اللائحة التنظيمية للتحقيق والادعاء للمتهمين وغير المتهمين بهدف إثبات الجرم، مع أن الأصل براءة الذمة وأنه لا يجوز التجسس أو انتهاك حرمة البيوت بالآيات القرآنية القطعية، ولم يُستثن في ذلك إلا استنقاذ حرمة محقق هلاكها ويفوت استدراكها كقتل نفس أو انتهاك عرض كما فصّل الفقهاء.
5) قيدت بعض الأنظمة بعضاً مما أباح الله تعالى ورسوله بإذن الدولة أو ألزمت ما لم يلزم به شرع الله، على غير الأحوال المأذون بها شرعاً، وذلك نحو الإلزام بأنواع شركات معينة وإبطال الشركات التي لا تتفق مع أشكال الشركات المحددة بالنظام، ونحو نظام التستر الذي يحرّم كل أعمال الشراكة والعقود المجمع على إباحتها شرعاً بين المواطنين وغيرهم من المسلمين إذا تمت بخلاف تعليمات الدولة ويعاقب على ذلك، وكان له الأثر السيء على الاقتصاد المحلي حيث أدى إلى تسرب مدخرات غير المواطنين إلى الخارج وعدم الاستفادة منها محلياً، ونحو نظام استثمار المال الأجنبي الذي يمنع المسلمين من الشراكة والتجارة المباحة مع بعضهم البعض إلا بترخيص الدولة وإذنها. ونحو إلزام رب العمل بما لم يلزم به الشرع ولم يتفق عليه المتعاقدان في نظام العمل والعمال كالإلزام بعلاج العامل ونفقته ومعاشه التقاعدي وتأمينه اجتماعياً (فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله). ونحو منع البنوك من مزاولة الأعمال التجارية والزراعية والصناعية والعقارية المباحة مما يؤدي إلى قصر عملها على التعامل الربوي.. إلى غير ذلك من أمثلة.
6) أقرت بعض الأنظمة الاحتكارات والامتيازات غير المشروعة نحو قصر استغلال مرافق الطرق الطويلة على شركة بعينها أو المنع من الطيران التجاري لغير الخطوط السعودية، ونحو منع غير البنوك من وجوه أخذ المال من أهله على غير الوجه المأذون به شرعاً.
7) فرضت بعض الأنظمة رسوماً ومكوساً دون استدلال شرعي يجيز ذلك، وأمثلة هذه كثيرة نحو رسوم الجمارك على المسلمين، ونحو رسوم المرور والبلديات ورسوم الجوازات والرخص وغير ذلك من وجوه أخذ المال من أهله على غير الوجه المأذون به شرعاً.
8) قررت بعض من الأنظمة عقوبات على من يخالف أحكامها، وقد غلب على هذه العقوبات ما تقرر بالقوانين الوضعية التي استمدت منها إذ قصرت العقوبات في أغلب الأحوال على السجن أو الغرامة المالية. ولم تأخذ هذه الأنظمة عقوبات التعزير الأخرى التي جاء بها الشرع، ولقد ترتب على هذا فساد كبير، فعقوبة السجن أدت إلى ازدحام السجون وزيادة الكلفة على الدولة في أمر المساجين، وضياع من يعولهم السجين بحبسه عن الكسب، وتعليم السوء من بعض المساجين لبعض، كما أن عقوبة الغرامة المالية يحصل بها إجحاف للفقير ولا يرتدع بها الغني وقد تؤدي إلى أكل المال بالباطل.
سبيل الإصلاح :
بتأصيل ما ذكر يظهر أن الواجب الشرعي مراجعة الأنظمة القائمة مراجعة شاملة لتنقيحها وإلغاء كل مخالفة للشرع بها وكذلك العمل على وضع أنظمة شرعية بديلة لما يتعسر تنقيحه منها. وننصح بهذا الصدد بما يلي:
1) مراجعة الأنظمة القائمة بالنظر في كل مادة منها على حدة، وإبطال كل مادة تشريعية منها لا يشهد لها دليل شرعي باستنباط واجتهاد صحيح.
2) مراجعة الأنظمة لإلغاء كل إلزام بمباح أو منع منه في غير الأحوال المخصوصة التي بّينها الشارع، وللتحقق من ذلك يتحتم أن يعرض كل إلزام بمباح أو منعه - مما يظن أنه من الأحوال التي يجوز لولي الأمر التدخل فيها -على ذوي الفقه الشرعي لإصدار حكم خاص بجواز ذلك أو عدمه.
3) إلغاء كل اللجان ذات الصلاحيات القضائي في الأنظمة، وإحالة جميع القضايا واختصاصات هذه اللجان إلى المحاكم الشرعية.
4) إنشاء محكمة شرعية عليا للنظر في الدعاوى التي تُرفع بشأن مخالفة الأنظمة واللوائح للشرع لتحقيق جعل الشريعة حاكمة على جميع الأنظمة، ولإبطال وإلغاء ما ثبت مخالفته للشرع منها، ويمكن للبدء في ذلك أن يُخوّل مجلس القضاء الأعلى هذه الصلاحيات.
5) تغيير العقوبات المنصوص عليها بالأنظمة بعقوبات التعزير الشرعية وترك ذلك لقضاة الشرع الذين هم حرس على حسن تطبيقه ومنع الخروج عنه.
6) تحويل الأقسام الأكاديمية والتعليمية للأنظمة في الجامعات ومعهد الإدارة إلى أقسام تُعنى بالدراسة المتخصصة للفقه الشرعي وأصول استنباط أحكامه ودراسة فقه الشريعة المقارن، واستقطاب الطلبة الموهوبين لتخريج فقهاء متميزين منها، وللاستفادة من الثروة التشريعية الفقهية العظيمة لدى المسلمين في وضع الأنظمة. وأن تقتصر دراسة القوانين الغربية على الدراسات العليا للمتضلعين بالفقه الشرعي بأن تدرس كما تدرس عقائد الكفر لدحضها وبهدف نقضها وبيان فسادها وما يخالف الشرع منها.
كما ننصح عند إصدار أنظمة جديدة بما يلي:
7) أن يوضع لكل نظام أو لائحة مذكرة فقهية شرعية تبين الأدلة الشرعية التي استنبطت منها مواد النظام إن كانت أحكاماً تشريعية، أو تبين كون المواد أحكاماً إجرائية لا تخالف الشرع تندرج تحت حكم تشريعي مشروع وتعد وسائل لتنفيذه ويتحقق بها المقصود المطلوب.
8) عدم الرجوع عند وضع أحكام الأنظمة التشريعية إلى أنظمة الدول الأخرى للاقتباس منها لكونها أنظمة لاتحكم الشرع أصلاً ولأنها في مجملها مشاقّة لأحكام الله ورسوله.
9) يجب أن تكون اللجان التي يعهد إليها اقتراح الأنظمة التشريعية ـ عند الضرورة إلى ذلك ـ لجاناً شرعية تقتصر عضويتها على من استكملوا أهلية الفقه والاجتهاد لاستنباط الأحكام سواء كانوا من أهل البلاد أو من غيرهم من علماء الشرع في بلاد المسلمين. فإن تعذر ذلك فلا بد أن تقتصر عضوية اللجان على ذوي القدرة على الفتوى والرجوع إلى كتب الفقه المعتبرة واستخراج الأحكام منها. ويمكن لهذه اللجان أن تستعين بأهل الخبرة من فنيين وإداريين وغيرهم لبيان الواقع وتفصيله ـ عند الحاجة ـ ولكن دون أن يُجعل لهؤلاء الخبراء غير الشرعيين دوراً في وضع الأحكام التشريعية وبيانها.


مستر 28-06-2001 05:21 PM

القضاء والمحاكم
 

مقدمة :
عظمت الشريعة الإسلامية شأن القضاء الشرعي،حيث جعلت الشرع والقضاء صنوان، فالدين الإسلامي كما جعل الشرع هو الحاكم على أفعال البشر وهو مصدر أنظمة الحياة، جعل القضاء جهة الإلزام بأحكام التشريع في إزالة التنازع، ورفع المظالم، ومنع التجاوزات، ولذا لا يمكن إقامة أحكام الشرع في واقع الحياة إلا بوجود القضاء الشرعي المهيمن والفاصل لكل نزاع بين الأفراد والأمة والدولة، قال تعالى " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً". وإنفاذ مقتضى هذه الآية يوجب الرد إلى الله والرسول، ويحتم وجود القضاء الشرعي المبين للحكم الشرعي الملزم به بما يقطع النزاع، وقد جعل تعالى الخضوع والامتثال والقبول لحكم الله تعالى ورسوله حال المؤمنين فقال تعالى "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا". ونفى تعالى الإيمان عن المعرض عن حكمه وشرعه لفصل النزاع فقال عزوجل " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم". ووصف تعالى المنافقين بالإعراض عن الانقياد لحكمه قال تعالى "وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون، وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين، أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا، أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون". ولذا فإن العناية بالقضاء في الدولة، وحصر الحكم في القضاء بشرع الله من أعظم واجبات الدولة المسلمة، وينبغي اعتباره لذلك من أهم مرافق الدولة، لأن عدل الشرع وحكمه يبسط من خلاله، وتحفظ حقوق العباد، ويسود الأمن، وقد أكد النظام الأساسي هذه الأهمية للقضاء حيث جعل "القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم إلا الشريعة الإسلامية".
وقبل بيان واقع القضاء والمحاكم في هذه البلاد، نريد أن نذكر مسلّمات مقررة شرعاً تتعلق بالقضاء، لكي تكون أساساً لكثير من القضايا المتعلقة بالقضاء وسبل الإصلاح المقترحة في ذلك :
أولاً: إن ثمة فرقاً جوهرياً بين أمرين: أولهما توزيع عمل القضاء الشرعي بين مجالس قضائية متخصصة، وهو ما يسمى في كتب الفقه الشرعي "التولية على خصوص العمل" والأمر الثاني توزيع العمل القضائي بين المحاكم الشرعية واللجان النظامية التي تحكم وفقاً للأنظمة والمبادئ المقننة لها. فأما الأمر الأول فجائز قطعاً لأن جميع القضايا في المجالس القضائية الشرعية يفصل فيها بشرع الله، وإنما أجاز الشارع تخصيص القاضي الشرعي بحسب نوع القضية، أي تخصيص نوعي للقضاة. وأما الأمر الثاني الذي هو توزيع قضايا النزاع ـ سواء بين الناس أو بين الناس والدولة ـ بين المحاكم الشرعية وبين اللجان النظامية والقانونية فإن مقتضاه عزل الشرع المطهر عن الفصل في القضايا التي تختص بها تلك اللجان النظامية.
ولقد اختلط هذان الأمران على الكثيرحيث ساد لدى الكثير مفهوم مؤداه أن اختصاص القاضي الشرعي عند توليته بقضايا معينة يسوغ ويبيح إيجاد جهات أخرى لا تقضي وفق النظر الشرعي كاللجان والهيئات النظامية أوالقانونية.وهذا المفهوم يخالف الكتاب والسنة والإجماع، حيث أن الأدلة الشرعية فصلت في أن الكتاب والسنة حاكمان على كل شيء، وأن ولاية القضاء الشرعي عامة في جميع الأمور، وأنه لا يجوز إخراج أي نزاع عن الرد إليهما، قال تعالى "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله"، وقال " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول". فالعموم بهذه الآية لجمع النزاعات جنساً ومقداراً يقطع ويدل على أنه لا أمر مطلقاً يخرج عن النظر الشرعي هذا، فضلاً عن أن عزل الشرع عن بعض القضايا مخالفة عظيمة لقواعد الإسلام الذي حرم التحاكم إلى غير شرعه، وجعل الرجوع إلى الشرع هو مقتضى الإيمان بالله ورسوله، ومقتضى تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
أما مفهوم تخصيص القاضي الشرعي بأنواع القضايا فهذا أمر مبسوط في كتب الفقه الإسلامي وغايته ومقصوده حسن اختيار القاضي الشرعي بما يناسب القضية، حيث أن أنواع أحكام القضايا التي ينظر فيها القاضي الشرعي تعددد إلى قضاء للزجر عن الحدود والجنايات، أوالحسبة في منع المخالفات والجرائم المضرة بحق الجماعة، أو لإزالة النزاع في العقود والمعاملات، أو لرفع المظالم عموماً سواء الواقعة من ذوي السطوة والهيبة كالدولة والحكام أومن غيرهم، وكل نوع من هذه القضايا يتطلب صفات معينة في القاضي الشرعي إضافة إلى الشروط الضرورية من إسلام وفقه وعدالة، فقضاء المظالم مثلاً يتطلب أن يكون القاضي متصفاً بالهيبة والقوة لأنه يجري الأحكام على ذوي الشوكة الذين يجرؤون على الظلم والتعدي، وأن يكون مجتهداً لإنه يفصل في القضايا المعضلة، وقضاء الحسبة يتطلب أن يكون القاضي متصفاً بالفطنة والقدرة على البحث والتقصي لأن عمله هو إزالة المخالفات العامة في المجتمع...وهكذا.
ولهذا يجب أن يدرك الفرق العظيم بين عزل الشرع عن بعض القضايا، وبين تخصيص القاضي الشرعي في أنواع من القضايا، حيث أن تخصيص القاضي الشرعي إنما يقصد به حسن اختيارالقاضي، ولكن لا يجوز أن يجعل ذلك ذريعة لعزل القضاء الشرعي عن أي قضية لما في ذلك من زلزلة لقواعد الإسلام ومخالفة عظيمة لها.
ثانياً: إن كون القضاء شرعياً في كافة القضايا والنزاعات لا ينافي الاستعانة بالموثوقين من أهل الخبرة في معرفة الواقع، إذ أن القضاء الشرعي يقتضي أمرين: الأول منهما هو معرفة الواقع الذي يطلق عليه علماء الأصول تحقيق المناط، ومعرفة الواقع هذا يتطلب رأي أهل الخبرة بحسب القضية، فإن كان هندسياً يرجع فيه إلى أهل الهندسة، وإن كان طبياً روجع فيه أهل الطب..وهكذا. والأمر الثاني هو بيان حكم الشرع في هذا الواقع، وهذا البيان لا يجوز أن يصدر إلا عن فقيه بأحكام الشرع، ذي معرفة بأدلته الشرعية، متأمل للحكم بالشرع، وإلا كان حكماً مستنداً إلى جهل، ولهذا لا يجوز أن يعارض وجوب جعل القضاء شرعياً الحاجة إلى معرفة الواقع من أهل الخبرة، حيث أن دور أهل الخبرة محدد ببيان واقع الحال وليس له تجاوز ذلك إلى الحكم على أفعال العباد بالإلزام أو المنع أو الإبطال أو غير ذلك حيث أن هذا قصْرعلى الشرع وحده.
ثالثاً: إن تولي عمل القضاء أمر في غاية الخطورة لأثره البالغ على حياة الناس وإنفاذ أحكام الإسلام، ولذا وضعت الشريعة ضوابط وشروطاً لازمة في كل من يتولى هذا المنصب حيث شرطت في القاضي ـ الإسلام والبلوغ والعقل ـ بالإضافة إلى توفر الفقه والعلم الشرعي وإدراك تنزيل الأحكام على الوقائع، لأن عمل القاضي هو الإخبار عن حكم الله على وجه الإلزام، وغير الفقيه سيقضي عن جهل ويكون حكمه لذلك حكماً بغير ما أنزل الله تعالى. كما أن العدالة شرط أساسي في القاضي حيث اشترطت الشريعة ذلك في الشاهد فلزومها في القاضي المؤتمن على إجراء الأحكام التي تحفظ بها الحقوق ويفصل بها النزاع أولى وأعظم. ولهذا فإن تولي أي عمل ذي اختصاص قضائي سواء للحسبة أو لفصل النزاع في المعاملات والعقود، أو للزجر عن الجرائم في الحدود والتعزيرات، أولرد المظالم يحرم شرعاً أن يتولى القيام به من لا يكون فقيهاً بالشرع عالماً بأحكامه عدلاً تتوافر فيه شروط القاضي الشرعي.

واقع القضاء والمحاكم :
وبعد عرض هذه المسلّمات المقررة بالشرع نبين مشاهدات عن الواقع القضائي على ضوء ماذكر في القضاء والمحاكم، ويتلخص أهمها في ما يأتي:
1) وجود ازدواجية في القضاء باختلاف الجهات المنوط بها صلاحية الحكم أو فصل النزاع أوالتعزير،حيث يوجد في أجهزة الدولة ـ بالإضافة إلى المحاكم الشرعية ـ مايزيد على ثلاثين لجنة ذات اختصاص قضائي تستند في أحكامها إلى الأنظمة التي تشكلت بموجبها تلك اللجان، وقد نجم عن ذلك مخالفات شرعية خطيرة نذكر منها:
أ ـ عزل القضاء الشرعي عن النظر في كثير من القضايا المالية وفصل النزاع في المعاملات، وقضايا التعزير والمخالفات،وكثيراً من القضايا الكلية والعامة كنزاعات الوزارات والمؤسسات العامة فيما بينها، والنزاعات مع البنوك، والنزاعات الدولية وقضايا الطيران والملاحة.
ب ـ إلزام الناس بالإعراض عن التحاكم إلى القضاء الشرعي المتمثل بالمحاكم الشرعية واللجوء إلى اللجان النظامية ودفعهم لطلب ما لا يحل لهم شرعاً أوالامتناع عما يجب عليهم شرعاً أداؤه. والأمثلة على ذلك كثيرة في القضايا العمالية والقضايا المصرفية والتجارية.
ج ـ تناقض الأحكام الصادرة في القضية الواحدة بسبب اختلاف جهة القضاء فيها، وضياع حقوق الناس وإطالة أمد النزاع في كثير من القضايا للالتباس الحاصل في تحديد جهة الاختصاص بين المحاكم الشرعيةواللجان.
د ـ امتناع بعض اللجان المنوط بها صلاحيات قضائية في كثير من الأحيان أو مسئولي المراجع التي ترتبط بها هذه اللجان عن قبول دعاوى تعد من اختصاصها ورفضها دون حكم قضائي.
هـ ـ ظهور الحاجة إلى تعلم القوانين الوضعية والتفقه فيها بدلاً من الفقه الشرعي، وإقرار تعلم هذه القوانين الوضعية رسمياً في معهد الإدارة وأقسام الأنظمة بالجامعات، بل أصبح المختصون بالقوانين الوضعية يتمتعون بالمزايا الوظيفية التي تُمنح لأهل الاختصاصات النادرة، كما أصبحت المكاتب القانونية ظاهرة لا يُستغنى عنها.
ز ـ ظهور أحكام قضائية مخالفة للشرع صراحة، نحو كثير من أحكام لجنة الأوراق المصرفية وبعض أحكام لجنة الأوراق التجارية ولجان التعزير على سبيل المثال.
ح ـ إنشاء لجان قضائية في بعض الجهات للتظلمات التي تقدم ضد الجهات نفسها نحو لجان التظلم من تعويضات شركات الكهرباء في هذه الشركات، ووجود لجان يكون القاضي هو المدعي العام في نفس الوقت أويرتبطان بمرجع واحد، مما ترتب عليه تحكيم الخصم وأن يكون ممثل المتظلم منه أو أجيره هو القاضي المختص بفصل النزاع.
2) إلزام القضاء الشرعي بأنظمة وتعليمات تضعف من استقلال القضاء وسريان أحكامه على الجميع وتخالف بذلك مبدأ سيادة الشرع على الجميع. ومن أمثلة ذلك:
أ ـ القيود التي تصدر من جهات تنفيذية كالإمارات والداخلية والبلديات بعدم نظر المحكمة الشرعية في أنواع من القضايا أواشتراط الإذن المسبق أو الإحالة إلى القضاء من تلك الجهات قبل النظر فيها. والأمثلة في ذلك عديدة ،نحوإلزام القضاء الشرعي بعدم قبول قضايا الديات في مواجهة بيت المال إذا كان المتسبب أجنبياً، ونحو عدم توثيق العقارات التي لم تُخطط لمن كانت بحوزتهم بناء على طلب وزارة الشؤون البلدية والقروية، أومنع النظر في إثبات الإعسار التجاري، أو منع النظر في إثبات إعسار الأفراد إلا بعد طلب الإمارات ذلك..إلى غير هذا من أمثلة.
ب ـ ادعاء بعض جهات الدولة عدم اختصاص القضاء الشرعي في قضية ما، من أجل منع القضاء الشرعي من النظر في تلك القضية أو لإلغاء الحكم الصادر فيها، أو تبرير عدم إحالتها إليه. وامتناع بعضها عن المثول أمام المحاكم الشرعية ومطالبتها بإلغاء الأحكام الصادرة عنها بعد صدوره، وهذا كثيراً ما يقع في أحكام التعزير حيث تُرَدُّ أحكام القضاء الشرعي على أفراد متهمين بالرشوة والتزوير بحجة عدم الاختصاص.
ج ـ إلزام وزارة العدل والمحاكم الشرعية بكثير من التعاميم الصادرة عن وزارة الداخلية مما أفقد القضاء استقلاليته وحاكميته في القضايا التي تتعلق بتلك التعاميم نحو التعميم الصادر بمنع المحاكم الشرعية من إثبات إعسار المطالب بدين تجاري إنفاذاً لنظام المحكمة التجارية، ونحو قرار وزارة الداخلية عام 1406هـ بعدم إحالة القضايا التجارية والعمالية إلى المحاكم الشرعية.
د ـ منع المحاكم الشرعية من نظرالدعاوى المقامة على جهات حكومية إلا بعد الإذن بذلك، ومنع النظر في قضايا ترفع لدى المحاكم أو ديوان المظالم بحجة أنها من قضايا السيادة كالدعاوى التي تقدم ضد أجهزة الجوازات أو المباحث أوغيرها.
3) افتقار المحاكم الشرعية في كثير من المناطق للإمكانات التي ترفع من مستوى أدائها وكفاءتها مقارنة بغيرها من القطاعات. والأمثلة على ذلك عديدة منها: عدم توفر المباني اللائقة بهذا المرفق العظيم، فمعظم مباني المحاكم الحالية سيئة التصميم والإنشاء والتأثيث. والنقص الشديد في تدريب وعدد الموظفين والكتّاب والسكرتارية المساعدة لأعمال القضاء، وعدم توفر مراكز لتدريب موظفي المحاكم أوالأجهزة الحديثة التي ترفع من كفاءة إدارات المحاكم كأجهزة الحاسب الآلي وأجهزة التخزين والاتصالات الحديثة.
4) التأخير الملحوظ في إنفاذ الأحكام القضائية التي اكتسبت صفة القطعية الصادرة من ديوان المظالم ضد بعض أجهزة الدولة أو وزاراتها، وكذلك الصادرة بإعادة الحقوق لأهلها إذا ما تعلقت هذه الأحكام بأجهزة الدولة أو بعض كبار المتنفذين فيها.


مستر 28-06-2001 05:22 PM

سبيل الإصلاح :
 
وإصلاحاً لهذه الأحوال، ننصح بما يأتي:
أولاً : للانقياد لما أوجب تعالى ولمنع الازدواجية وتوحيد جهة التقاضي وإزالة المخالفات الشرعية الناجمة عن ذلك والمبينة فيما سبق ننصح بالتالي:
1) إلغاء جميع اللجان ذات الاختصاص القضائي في أجهزة الدولة وإحالة صلاحياتها إلى المحاكم الشرعية لبسط هيمنة الشرع على كل الأقضية بالدولة.
2) الإنفاذ الفوري لما جاء بالنظام الأساسي بجعل المحاكم الشرعية مختصة بكل أنواع النزاع والجرائم ـ سواء كانت النزاعات عمالية، أو تجارية أو مصرفية أو غير ذلك ـ وسواء كانت أنواع الجرائم من الحدود والجنايات أو من الجرائم السياسية أومن جرائم التعزير كالرشوة والتزوير، أو من المخالفات كالمرور أو مخالفات الموظفين.
3) قصر اختصاص ديوان المظالم بحسب الفقه الشرعي على القضايا التي ترفع ضد الدولة أو الموظفين فيها الناجمة عن صلاحياتهم وولايتهم بالدولة، وإحالة كافة اختصاصاته الجزائية والتأديبية إلى المحاكم الشرعية، وتعديل نظامه بحيث يوافق ما جاء في النظام الأساسي بألا يكون على قضاته سلطان إلا للشريعة الإسلامية، وتعديل صلاحيات واختصاصات الديوان بما يجعله متفقاً مع قضاء المظالم المعروف في الفقه وإلغاء كل أثرللقوانين من نظامه ودوائره.
ثانياً: لتحقيق وضمان استقلال القضاء وضمان سرعة إنفاذ أحكامه وحماية الحقوق نقدم الاقتراحات التالية:
1) رفع جميع القيود التي تحول دون تقديم كل أنواع القضايا والدعاوى إلى المحاكم الشرعية مباشرة دون وساطة أو اشتراط إحالة أي جهة كانت، سواء كان المدعي عليه الدولة أو غيرها، وسواء كانت الدعوى خاصة أودعوى حسبة، وسواء كان موضوع النزاع معروضاً على أجهزة حكومية أو عدم ذلك.
2) مراجعة الأنظمة والتعليمات المبلغة للقضاة حالياً من قبل لجنة تشكل من هيئة كبار العلماء أو مجلس القضاء الأعلى بهدف إلغاء جميع التعليمات التي تخالف الشرع، أوتحد من صلاحية القضاء الشرعي في النظر في بعض القضايا.
3) مراجعة نظام القضاء، والنظام الإداري للقضاء وإعادة صياغته بما يتفق مع ما جاء في النظام الأساسي من استقلالية القضاة وعدم وجود سلطان عليهم إلا الشريعة، وبما يحقق سرعة إنجاز القضايا ومعاملات الناس.
4) حصر إصدار التعليمات الموجهة للقضاة بمجلس القضاء الأعلى فقط وتوجيه أجهزة الدولة من إمارات ووزارات بالتزام ذلك.
5) تعزيز صلاحيات مجلس القضاء الأعلى بما يمكن من حفظ استقلال القضاء وحمايته من كل مايخالف الشرع أو فرض غير سلطة الشريعة الإسلامية عليه، وبما يضمن تنفيذ الأحكام القضائىة وسريانها على الكافة، وذلك بما يلي:
أ ـ أن يعرض على مجلس القضاء الأعلى الأنظمة واللوائح التي تتعلق بمرفق القضاء قبل إقرارها وأن يراعى فيها توصية المجلس، أو أن يخول المجلس صلاحية إصدار الأنظمة ذات العلاقة بأعمال القضاء.
ب ـ أن يكون الترشيح لعضوية المجلس من قبل المجلس نفسه أو هيئة كبار العلماء وأن يقتصر ذلك على القضاة الذين حازوا على درجة عالية من الفقه والاجتهاد الشرعي والقوة، وألا يُعفى من جرى تعيينه إلا لسبب شرعي.
ج ـ أن يخول المجلس صلاحية مخاطبة جهات الدولة بشأن إنفاذ الأحكام القضائية القطعية ومساءلة من يتسبب في عدم إنفاذها وإحالته إلى القضاء للنظر في زجره، وإبداء الملاحظات عن التصرفات التي قد تؤدي إلى عرقلة أعمال القضاء أو التعدي على استقلال القضاء والمتابعة في ذلك، والكتابة عن كل تقصير في ذلك، ولتحقيق ما ذكر يمكن تكوين جهاز خاص يرتبط بمجلس القضاء الأعلى يتولى أعمال المتابعة لتنفيذ الأحكام القضائية وقبول التظلمات من عدم إنفاذ الأحكام القضائية القطعية، ويرفع تقاريره وتوصياته دورياً إلى المجلس لكي يقوم المجلس باتخاذ الإجراء المناسب.
د ـ تشكيل مجلس علمي قضائي يرتبط بمجلس القضاء الأعلى يتولى دراسة الأنظمة القضائية ودراسة القضايا والنوازل المعاصرة التي تحتاج إلى نظر واجتهاد وإعداد بحوث شرعية تفصيلية لها يستعين بها القضاة في أحكامهم، ويستفاد في ذلك من بحوث هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء والمجامع الفقهية.
ثالثاً : لضمان قيام القضاة بواجبهم نحو تحقيق العدل والتجرد، ورفع مستوى أداء أعمالهم، ننصح بما يأتي:
1) تعديل نظام القضاء بأن ينص على عدم عزل إي قاض إلا لسبب شرعي موجب، ويكون قرار العزل من جهة قضائية وإجماع القضاة الذين يناط بهم صلاحية الإعفاء أوالعزل. ويكون القرار مسبباً ومبيناً للأدلة الشرعية الموجبة للعزل وذلك أخذا بما رجح في الفقه الإسلامي من عدم عزل القضاة إلا لعذر شرعي، لأنهم بالولاية يصيرون ناظرين للمسلمين على سبيل المصلحة لا عن الإمام (الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء الحنبلي).
2) إيجاد دورات شرعية للقضاة دورية يقدمها علماء شرعيون ذوو أصالة واجتهاد شرعي وأهل تجربة وأهلية من القضاة. وتتولى وزارة العدل ـ بالتعاون مع الكليات الشرعية ـ الإشراف عليها وتعرض فيها أحكام الفقه ذات العلاقة وآداب القضاء وتبين فيها قواعد الأحكام وأصول تنزيلها وأدلة الأحكام الشرعية لدي المذاهب الفقهية الإسلامية المختلفة ومقارنة أدلتها وذلك بهدف رفع المستوى الفقهي للقضاة.
3) لضمان حسن اختيار القاضي بما يناسب القضية. يمكن أن يشكل ضمن المحاكم الشرعية مجالس قضائية تختص بأنواع القضايا: جنائية، أو تجارية،أو إدارية، أو قضايا الحسبة كالمرور ومخالفات الغش التجاري أو غير ذلك. ويكون قضاة هذه المجالس من القضاة الشرعيين بالمحاكم الشرعية الذين تتوافر فيهم القدرات والاطلاع بما يناسب أنواع هذه القضايا.
4) لضمان حسن معرفة القضاة بالواقع،يتم تدعيم المحاكم الشرعية بعدد من المستشارين ذوي الاختصاص بالمعارف الفنية والعلمية والهندسية والإدارية لتقديم الخبرة بشأن تحقيق المناط وبيان الواقع، وأن يخصص ضمن ميزانية كل محكمة مبالغ للاستعانة بذوي الخبرة لتقديم الاستشارات العلمية والفنية والإدارية والطبية أو غير ذلك إلى القضاة إذا ما اقتضت الحاجة ذلك.
5) عقد اجتماعات دورية للقضاة بكل منطقة تعرض فيها القضايا المشكلة التي واجهتهم ويتم من خلالها تبادل الرأي الشرعي بشأنها لزيادة الاطلاع والإحاطة وتمحيص الاجتهاد.
6) جمع الأحكام القضائية الصادرة من محاكم المملكة ومحاكم التمييز في القضايا المختلفة كل عام وطباعتها في كتب ـ بعد استبعاد أسماء الأعيان منها ـ وتكون معروضة للقضاة وطلبة العلم لاطلاعهم واستفادتهم.
7) تزويد كل قاض بأمهات الكتب الفقهية الإسلامية وكتب الأحاديث والتفسير عند تعيينه، وتخصيص ميزانية لذلك ضمن ميزانية المحاكم لتوفير ما يستجد من كتب وبحوث في ذلك لتسهيل اطلاع القضاة عند الحاجة إليها، وإنشاء مجلة خاصة بالقضاء في وزارة العدل تقدم ما يحقق تطوير إمكانات القضاة.
8) تدعيم المحاكم الشرعية بالعدد الكافي من القضاة والموظفين والحرص على حسن اختيار المسؤولين في الجهات التي ترتبط بها المحاكم ووزارة العدل، وتدعيم المحاكم بما تحتاجه من مبان لائقة وتجهيزات وأجهزة ومستلزمات حديثة تسهل إجراء الأعمال.
رابعاً : لبسط هيمنة الشرع على الكافة وضمان حقوق العباد وفق النظر الشرعي تظهر الحاجة إلى إنفاذ ما يلي:
1) إنشاء محكمة شرعية عليا يكون قضاتها من علماء الشرع المتميزين بالفقه والقوة والاجتهاد، تكون بمثابة محكمة شرعية نهائية يرجع إليها في القضايا الكلية وكل ما يضمن هيمنة الشرع وسيادته على الأمة والدولة، بحيث يكون من صلاحياتها: النظر في دعاوي المخالفات الشرعية في الأنظمة واللوائح والتعليمات والتجاوزات والتعديات المخالفة للشرع في أعمال أجهزة الدولة، وتفسير وتعديل مواد النظام الأساسي ونصوص الأنظمة، والنظر في أمور الضرائب والرسوم وفق أحكام الشرع ونحو ذلك. ويكون التقدم بالدعوى وحق إقامتها لكل مسلم بالدولة سواء كانت دعوى حسبة أو دعوى خاصة.
2) أيضاً لأهمية قضاء الحسبة في منع وإزالة ما يضر بحق الجماعة، يجب أن تخصص مجالس قضائية ضمن المحاكم الشرعية للنظر في قضايا الحسبة كالمرور ومخالفات الغش التجاري، ومخالفات ترك الواجبات الشرعية كالتقصير في أداء الصلاة أو كشف العورات المحرمة أو غير ذلك، ويجعل له عدد كاف من القضاة الشرعيين المتميزين بالفقه الشرعي، وبالمعرفة والإحاطة بالواقع، وأن يرتبط بهم نواب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الناحية التنفيذية ـ لا الإدارية ـ بحيث ترفع القضايا مباشرة من الهيئة إلى قضاة المحكمة الشرعية المختصين بقضايا الحسبة للحكم فيها، ويتولى هؤلاء القضاة توجيه أعضاء الحسبة بحسب الآداب الشرعية في الاحتساب. كما يجب أن يرتبط بقضاة الحسبة مركز خاص للشرطة لتنفيذ أوامر قاضي الحسبة وأحكامه في المخالفات التي يتم الحكم فيها فورياً في مكان حصول المخالفة.
3) لضمان تمكين القضاء الشرعي من حراسة وحفظ حقوق العباد ومنع التجاوزات على حقوق الإنسان الشرعية، يجب أن تبسط هيمنة القضاء الشرعي على رجال الشرطة والأمن وأعضاء الهيئات ومن في حكمهم، وذلك بأن تقصر إصدار أحكام السجن أو التوقيف على ذمة التحقيق أو دخول المنازل أوالقيام بعمل يترتب عليه إهدار حق من حقوق الانسان المقررة شرعاً من قبل أجهزة الضبط الجنائي أو رجال الهيئة أو غيرهم من المنفذين ـ يقصر كل هذا على صدور حكم بها من قاض شرعي بذلك، وأن يمنع كل ذلك إلا بحكم القضاء الشرعي. كما يجب لضمان هذه الحقوق أن يخصص قضاة للعمل خارج وقت الدوام وفي الإجازات كي يرجع إليهم لإصدار الأحكام العاجلة عند الاقتضاء.

مستر 28-06-2001 05:25 PM

حقوق العباد
 
مقدمة:
لقد أكدت الشريعة الإسلامية على كرامة الإنسان وعلى حفظ حقوقه الشرعية في مبادئها العامة وتوجيهاتها الأخلاقية، كما جاءت كذلك بأرقى النظم والأحكام التفصيلية العملية لضمان هذه الحقوق وإقامتها في المجتمعات الإنسانية ومنع كل تعد عليها. ونعرض فيما يلي أصولاً وقواعد مقررة في الشرع تتعلق بحقوق العباد للاستهداء بها في إصلاح الأحوال وبيان الحق وتطبيق الشرع في ذلك.
الأصل الأول: مصدر حقوق العباد هو الشرع وحده
لقد كفلت الشريعة الإسلامية حقوق العباد بأن قصرت الحكم بالإباحة والتحريم والتشريع لأفعال البشر على حكم الله تعالى لا غير. ولم تجعل لأحد الحق في أن يحل أو يحرم أو يمنع حقوقاً أو يسلبها إلا بإذن الله تعالى وفي حدود شرعه وبالاجتهاد والاستنباط الصحيح من أدلة شريعته، قال عزوجل " إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم"، وقال تعالى " قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون"، وقال " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله".
وبتقرير أن الشرع وحده مصدر الحقوق، ضمان لحقوق العباد، ومنع من أن يكون منح الحقوق أوسلبها تبعاً للمصالح الآنية ورغبات النفوس وأهوائها، وبجعل الحقوق منوطة بالتحديد الشرعي منع لتسلط فئة على أخرى أو طبقة اجتماعية على غيرها أوالحكام على المحكومين، كما أن ذلك يجعل الاحتكام ـ عند تضارب المصالح والرغبات ـ مقتصراً على هذا المرجع الثابت وهو الشرع الإسلامي الذي لا يتبدل ولا يتغير باختلاف العصور والأحوال، والذي لا يختص بالرجوع إليه أحد من المسلمين دون أحد.
وبتقرير هذا الأصل يتبين كمال دين الإسلام الذي حدد للعباد مصدراً نهائياً لحقوقهم ذا سيادة عليا عليهم جميعاً هو شريعة الله تعالى وأحكامه وجعل استمداد الأحكام الحقوقية مبنياً على ما جاء بالأدلة الشرعية. وهذا بخلاف ما وقع فيه التشريع الوضعي من ربط مصدر الحقوق بجمعية تأسيسية لوضع الدستور أو هيئة تشريعية لوضع القوانين ابتداء، مما يجعل الدستور والقانون من وضع السلطة الحاكمة، وتكون النتيجة الحتمية لذلك هو تقييد الحقوق وفقاً لما تراه السلطة المهيمنة. وهذا الحال يؤدي في كثير من الأحيان إلى انتهاك كرامة الأفراد باسم القانون وسلبهم حقوقهم بالقواعد الاستثنائية وقواعد الطوارئ والقوانين العرفية ثم فقدان حقوقهم الإنسانية في نهاية المطاف.
ويترتب على هذا الأصل كذلك أمر في غاية الأهمية هو أن الدولة الشرعية التي ترفع لواء العقيدة الإسلامية وتطبق شريعة الإسلام يلزمها الرجوع إلى شرع الله وحده لإقرار حقوق الناس فلا يسعها أن تقرر حقوقاً للمواطنين أو للوافدين بها استمداداً مما يخالف الشرع.
الأصل الثاني: كل ما أمر أو أذن به الشرع يُعد حقاً ثابتاً للمكلف.
إن جعل الشريعة وحدها مصدر حقوق العباد يجعل للمكلف الحق في القيام بكل فعل مباح أو مندوب أو واجب بالشرع، فإذا قرر الشرع مثلاً وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو إبداء الرأي والنصيحة في حدود الشرع، أو إذا أباح أو ندب الشرع للفرد ممارسة فعل أو قول أوتصرف من بيع أوشراء، فإن هذا الإقرار من الشرع يجعل كل هذه الأفعال مشروعة أبداً، فلا يجوز لأحد كائناً من كان أن يمنع ذلك إلا بمقتضى شرعي. قال عزوجل "تلك حدود الله فلا تقربوها"، وقال"وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه".. إلى غير ذلك من آيات تلزم بالوقوف عند حدود الله التي شرعها لعباده.
الأصل الثالث: كل انتهاك للحقوق المشروعة محرم شرعاً:
أكدت الشريعة الإسلامية أيضاً علي صيانة حقوق العباد حيث حرم الشرع انتهاك حقوق الإنسان المشروعة وكفل حرمة دمه وماله وعرضه ومنع كل اعتداء على ذلك. كما جاءت كذلك بالتشريعات الأخلاقية الراقية التي تضمن إقامة هذه الحقوق بتحريم الظلم والحسد والغيبة وغمط الناس والحث على المكارم الأخلاق، قال تعالى "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً" ويقول عليه الصلاة والسلام "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" وقال عليه الصلاة والسلام "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام".
وحرم الشرع التجسس على المسلمين مطلقاً، قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا". وأكدت السنة المطهرة على منع تجسس الدولة على الرعية، وقال عليه الصلاة والسلام "إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم"، وقال عليه الصلاة والسلام " من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صُب في أذنيه الآنك"وقال " من تتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته" وفي رواية قال "ومن يتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته".
ولقد أكدت الشريعة على ضمان خصوصيات الفرد بأن جعلت للبيوت حرمة ومنعت الاطلاع عليها أو دخولها بغير إذن أهلها، قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون". ويقول عليه الصلاة والسلام "لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح". ولهذا لا يختلف الفقهاء على حرمة التجسس وحرمة دخول البيوت بغير إذن أهلها ولم يستثنوا في ذلك إلا حالة واحدة فُصلت في كتب الفقه وآداب الحسبة وهي منع وقوع جرم يؤدي إلى هلاك حرمة يفوت استدراكها واستنقاذها كانتهاك عرض أو قتل نفس أو إتلاف مال، وذلك لتعارض حرمة الفرد والبيت مع حرمة النفس والعرض والمال. أما ما عدا ذلك فالأصل حرمة بيوت المسلمين وخصوصياتهم ووجوب إنفاذ النصوص القطعية التي جاءت بتحريم التجسس على الناس ومنع دخول البيوت إلا بإذن أهلها أو بإذن الشارع في ذلك.
حرمت الشريعة أيضاً التعذيب مطلقاً في غير العقوبات الشرعية، قال عليه الصلاةوالسلام "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا"، وحفظ الإسلام كذلك حقوق المسلم بأن أسقط كل ما ينجم عن الإكراه للمسلم صوناً له من ضياع حقه عن طريق الاعتداء والإكراه له، قال عليه الصلاة والسلام "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". ومنعت الشريعة كذلك من إنزال العقاب على جرم إلا بعد ثبوته بالبينة الشرعية ووفق الدليل الشرعي. وبينت السنة أن حبس المتهم على سبيل الاحتياط للتحقق في أمره قبل إحالته إلى القضاء لا يكون إلا لمدة يسيرة لما روى الترمذي وحسنه وروى البيهقي عن بهز بن حكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم "حبس رجلاً ساعة من نهار ثم خلى سبيله". كما حرصت الشريعة على قاعدة براءة الذمة حتى تثبت إدانة المرء شرعاً، بأن جعلت الأصل براءة الذمة، وأكدت على درء الحدود بالشبهات وعلى أن خطأ الإمام في العفو خير من خطئه في العقوبة.
فكل هذه الأحكام العملية تصون حقوق العباد وتحرم كل انتهاك وسلب لها من غير وجه شرعي.
الأصل الرابع: الدولة الشرعية مسؤولة في الجملة عن إيصال الحقوق إلى أهلها ورعايتها.
أوجبت الأدلة الشرعية كذلك تأمين حقوق الإنسان بأن جعلت الدولة مسؤولة تجاه رعاية شؤون كافة رعيتها وحمايتهم وإيصال الحقوق إليهم والعدل بينهم وحرمت عليها كل حيف أو جور بين أفراد رعيتها بسبب الطائفة أو الجنس أواللون أو القبيلة أو غير ذلك. فالإسلام لم ينصب الدولة لحفظ الحريات للأغنياء وذوي الثروات من المرابين والمحتكرين كما في الأنظمة الرأسمالية أو للحكم نيابة عن طبقة أو فئة كالأنظمة الماركسية المستبدة، إنما نصبها لإقامة أحكام الشريعة الإسلامية، ويقتضي ذلك مسؤولية الدولة المباشرة عن رعاية شؤون أفراد الرعية وإيصال حقوقهم إليهم والعدل ومنع التظالم والجور بينهم في ذلك. قال تعالى "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"، ويقول " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي"، وثبت كل ذلك أيضاً بالسنة العملية والقولية حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته"، وقال " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة". وأكد الشرع على تحريم الجور والحيف بين المسلمين، قال عليه الصلاة والسلام " من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله"، وقال " إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد". وكل هذه الأحكام الشرعية تدل قطعاً على مسؤولية الدولة تجاه رعيتها وواجبها في إيصال الحقوق لأهلها والعدل بينهم في ذلك.
وبناء على هذا العرض للأصول والقواعد الشرعية المتعلقة بحقوق العباد يظهر جلياً أن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة تؤكد على كرامة الفرد وتضمن حقوقه بالعيش الكريم وتصون هذه الحقوق على أكمل مثال وأحسن وجه، والمتأمل الناظر في التاريخ يجد أن تسلط أي دولة على رعاياها بالإيذاء أوالتعذيب أوالغش أوالتجسس وانتهاك حقوقهم والتقصير في إيصالها إليهم يؤدي إلى تمزيق المجتمع ومنع الاتقياء وأهل الصلاح من العمل على حفظه وصيانته مما قد يؤدي بالنهاية إلى انهيار الدولة أو خضوعها لأعدائها أو زوال آثارها بالكلية. ولهذا يذكر علماء الاجتماع كابن خلدون رحمه الله هذا الأمر العظيم قائلاً " إن الحاكم إذا كان قاهراً باطشاً بالعقوبات منقباً عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم شملهم الخوف والذل ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة فتخلقوا بها وفسدت بصائرهم وأخلاقهم، وربما خذلوه في مواطن الحروب والمدافعات ففسدت الحماية بفساد النيات فتفسد الدولة ويخرب السياج".

مستر 28-06-2001 05:26 PM

الوضع الإداري
 
مقدمة:
لقد أوجب الله تعالى على من يتولى أمر المسلمين أن يجعل من أولى مهماته حسن تصريف أحوال الناس وحسن إدارة شؤونهم وإيصال الحقوق إليهم، وحيث أن الدولة في هذا العصر لا يستقيم أمرها ولا يمكن أداء حقوق الأفراد وواجباتهم لبعضهم البعض إلا وفق تنظيم إداري ييسر الأساليب التي يتوصل بها إلى تلك الحقوق والواجبات، فإن العناية بالتنظيم الإداري والأجهزة الإدارية أمر حيوي لتحقيق نهضة المجتمع وتيسير سبل العيش لأفراده، ولذا نعرض فيما يأتي بعض الأصول التي شهدت لها الشريعة المطهرة في ما يتعلق بالتنظيم الإداري كي تكون مرجعاً يستهدى به في الإصلاح بهذا الخصوص:
الأصل الأول: الأمانة والعلم هي معيار أحقية تلك الوظيفة:
دلت آيات القرآن العظيم والأحاديث الشريفة على أن مقياس الجدارة في تولي الوظائف هو القوة والأمانة قال تعالى "إن خير من استأجرت القوي الأمين"، وقال" قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم". وكان عليه الصلاة والسلام يعين لتولي المهام من يعهد فيه القدرة والكفاءة حيث ولّى أسامة بن زيد على جيش الشام مع صغر سنه، وولّى معاذاً على اليمن وجعل له الصلاة والصدقة، وأرسل علياً رضي الله عنه إلى اليمن، وكان يفاضل بين أصحابه رضي الله عنهم في القيام بالمهام بحسب قدراتهم فكان يقول فيما رواه الترمذي وغيره "أقضاهم علي، وأفرضهم زيد بن ثابت وأقرؤهم أُبي وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل". وولّى خالد بن الوليد رضي الله عنه قيادة جيش المسلمين وجعله قائداً على من هو أسبق منه إسلاماً. ولم يعين أبا ذر رضي الله عنه مع سبقه في الإسلام على الإمارة وبيّن له أن السبب هو ضعفه عن ذلك. فهذه الأدلة تبين أن الأمانة والقوة والعلم بمهام العمل هي معيار تولية المنصب. فضلاً عن أن الإسلام حرم تولية المنصب لمن لا يستحقه محاباة له ففي الحديث "من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولّى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين فقد خان الله ورسوله" رواه الحاكم وصححه.

الأصل الثاني: سياسة الإدارة تقوم على تسيير الإجراءات وسرعة الإنجاز والإتقان:
إن واقع الإدارة يبين أن هدفها تحقيق مصالح الناس ولذا يجب أن تتميز السياسة الإدارية بما يؤدي إلى تحقيق ذلك بأيسر سبيل وأقصر وقت، وقد أكد عليه الصلاة والسلام على الإحسان في كل شيء فقال "إن الله كتب الإحسان على كل شيء" ولذا فإن الإحسان في أداء العمل مطلوب شرعاً. وهذا يقتضي تيسير الإجراءات على الناس. وكذلك أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بإتقان العمل بقوله "إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه". ولذا فإن سياسة الإدارة في الدولة الشرعية يجب أن تقوم على تيسير الإجراءات وسرعة الإنجاز وإتقان في العمل.
الأصل الثالث: وجوب محاسبة ومراقبة أداء الموظفين لأعمالهم:
ثبت بالسنة وإجماع الصحابة أهمية قيام من يتولى الأمر بتفقد أحوال عماله وولاته ومن يعينهم للمهام، فقد قام عليه الصلاة والسلام بالإنكار على عامله ابن اللتبية لقبوله الهدية أثناء عمله حيث قال "ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول هذا لكم وهذا أهدي إليّ فهلا جلس في بيت أبيه أوأمه فينظر أيُهدى إليه أم لا. والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة.." وكان عمر رضي الله عنه شديد المراقبة للولاة وقد عين محمد بن مسلمة للكشف عن أحوال ولاته، وكان يجمع الولاة في موسم الحج لينظر فيما عملوه ويصغي إلى شكاوي الرعية منهم، وبلغ من شدة مساءلته لهم رضي الله عنه أنه كان يعزل كل من يتذمر منه رعيته حتى لو كان من خيار الصحابة رضي الله عنهم ويقول " هان شيء أصلح به قوماً أن أبدلهم رجلاً مكان رجل". ولهذا يجب على ولي الأمر تفقد أحوال ولاته وعملهم ومحاسبتهم على كل تصرف يسخط المسلمين منهم.

الواقع الإداري:
عند إمعان النظر في واقع الأوضاع الإدارية في هذه البلاد نلاحظ الأمور التالية:
1) أن التنظيم الإداري في كثير من جوانبه لم يتطور بما تتطلبه حاجات الناس، فالنظام المالي ونظام الميزانية ونظام التقاعد مثلاً لم تطرأ عليها ـ منذ أن وضعت ـ تعديلات جوهرية تتناسب مع متطلبات التطور والنمو الذي حدث في كثيرمن المرافق والخدمات. وقد تسبب ذلك في تعطيل كثير من المصالح والحاجات، وهي في أساسها قد اقتبست من بلاد أخرى تختلف ظروفها وإمكاناتها عما تطورت إليه الظروف والأحوال في هذه البلاد.
2) أن أكثر النظم الإدارية مركزية وفردية والمرجع في أكثر القرارات يكون لقرار رئيس المؤسسة أو المصلحة الحكومية الفردي، بل وفي كثير من الأمور البسيطة والخاصة بأفراد يتطلب القرار فيها رفعها إلى مقام ولي الأمر (مثل الإذن بالمشاركة في المؤتمرات العلمية الدولية. أو إرسال الدعاة إلى الخارج، أو عقد الندوات واللقاءات العلمية..الخ) ولا يخفى ما في ذلك من شغل لولي الأمر والمسئولين عما هو أهم من مصالح المسلمين.
3) لا تطبق معايير لتغيير كبار الموظفين في الدولة حسب القدرة والكفاءة ومراجعة إنجازاتهم وأدائهم واستبدالهم عند الحاجة والضرورة. فمن الملاحظ أن في الدولة وزراء ومسؤولين كباراً يشغلون مناصبهم منذ عشرات السنين، ومنهم من أصابه الكبر والمرض، مع أن في البلاد كثيراً من ذوي الخبرة والكفاءة، ولديهم من العلم والخبرة والتجربة والأهلية ما يمكنهم من القيام بهذه الأعمال على الوجه المطلوب.
4) إطلاق ألقاب التفخيم على كبار المسؤولين والموظفين وأصحاب الجاه والتداول الرسمي لها في المعاملات مما لا يوجد له أساس شرعي. بل إن كثيراً من هذه الألقاب يحوي مبالغة قد تؤدي إلى المدح المذموم شرعاً.
5) يلاحظ التوجه الإقليمي والفئوي في بعض الجهات والمصالح الحكومية، فعندما يكون رئيس الجهة من منطقة أو مدينة أو إقليم معين، فإنه يحرص على أن يكون معظم مساعديه والموظفين المهمين لديه من المنطقة أو الإقليم أو المدينة أو القرية التي ينتمي إليها. وفي هذا تكريس للإقليمية والعنصرية وإضاعة لمبدأ السواسية بين الناس الذي هو حق من الحقوق الأساسية التي كفلها الإسلام لهم، مع ما في ذلك من مفسدة وخطر على مستقبل الأمة ووحدتها.
6) استفاضة الأخبار والمعلومات عن حالات للرشوة والفساد المالي والعمولات بين عدد من كبار المسؤولين لم يتم اتخاذ الإجراءات التي يوجبها الشرع في حق هؤلاء المتهمين. بينما تنشر الصحف يومياً أسماء وصور الذين يصدر ديوان المظالم أحكاماً بحقهم بسبب ارتكابهم لأعمال الرشوة والتزوير من عامة وضعفاء الناس وخاصة من الوافدين.ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحذرنا "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد". ومن المفارقات أنه في البلاد الكافرة إذا تبين أن أحداً من كبار المسؤولين ارتكب مخالفة ولو بسيطة فإنه يعرض للتساؤلات والمحاكمات والعقاب والإقالة، لأن الأمر في شأنه يعتبر أكبر منه لدى الموظف العادي. بل إن الجهات التي أنشئت بهدف مراقبة ومكافحة هذه الأمور قد تكف يدها عندما يتعلق الأمر بمسؤول كبير، وتُعطي لها الحرية عندما يكون موضع التهمة موظف صغير.
7) انتشار حالات للمحسوبية والواسطة، فإنه يكاد يكون من المسلَّم به بين أغلب الناس أن تسهيل إنجاز المعاملات وسرعة نيل الحقوق يحتاج واسطة من صديق أو قريب يسهل ذلك، أما من ليس له واسطة فإن مصالحهم قد تتعطل في أحيان كثيرة.
8) التسيب الإداري بشكل ملحوظ في أداء الأعمال وإنجاز حاجات الناس، ولعل أهم أسباب ذلك غياب النموذج والقدوة في رؤسائهم وفقدان المراقبة والمتابعة لهم فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
9) تكدس الموظفين في بعض المناطق وبعض الإدارات ونقص عددهم في أماكن أخرى مع الحاجة الماسة لهم فيها مما يؤثر سلباً على إنجاز معاملات الناس وقضاء حاجاتهم.

سبيل الإصلاح:
إن مثل هذه الظواهر تمثل عوامل وهن وتعطيل لمصالح الناس وإعاقة لنمو البلاد وتقدمها وأمنها، وإن سبل إصلاح مثل هذه الأمور متيسر وممكن بعون الله إذا صدقت النية وصحت العزيمة، ومن أجل ذلك ننصح بما يلي:
1) مراجعة جميع الأنظمة المالية والإدارية الحالية من قبل أشخاص يوثق بعلمهم وإخلاصهم وخبرتهم، وتطويرها بما تتطلبه احتياجات النمو والتطور السريع، وتيسيرها ليكون الهدف الأساسي منها هو تيسير شؤون الناس وضمان حقوقهم وواجباتهم، وأن تبنى هذه الأنظمة على الأساس الشرعي، وأن تهدف السياسة الإدارية إلى تيسير الإجراءات والسرعة في الإنجاز والإتقان في ا لأداء.
2)أن تكون الإدارة لا مركزية نظاماً، بأن توزع الصلاحيات لكل مسؤول من أصغرموظف إلى الأكبر في تدرج المسؤولية، بحيث يؤدي كل منهم واجبه ويمارس صلاحياته وفق النظام، كما يحرص على اختصار خطوات اتخاذ القرارات وإجراءاتها حسب أهمية القرار وعموميته ومساسه بمصالح الناس.
3) اختبار الكفاءات والقادرين من أبناء الأمة، خاصة في المناصب الكبيرة لا سيما أن انتشار التعليم في كافة أنحاء المملكة يسر إمكانية الحصول على المؤهلين منهم فيها، ولتحقيق ذلك يمكن أن يترك الترشيح للمناصب ذات العلاقة المباشرة بجمهور الناس وقضايا المنطقة ومشاكلها لمشورة أهل الحل والعقد بالمنطقة، وذلك نحو مناصب وكلاء الإمارات، ورؤساء البلديات ومديري الجامعات ووكلائهم ونحوهم.
4) وضع سياسة رقابية لمصادر الإثراء لكبار الموظفين أثناء فترة عملهم ومعاقبة من يثبت استغلاله لسلطة الوظيفة وحصوله على دخل غير شرعي، سواء بالرشوة أ و استغلال النفوذ أو الاختلاس أو المحاباة والمحسوبية بعد محاكمته محاكمة شرعية، وذلك بصرف النظر عن وظيفته ومكانته ، إذ أن العقاب ينبغي أن يكون أشد كلما كبرت الوظيفة والمسؤولية المترتبة عليها لأن المفسدة في ذلك أعظم.
5) وضع لوائح إجرائية لتغيير كبار المسؤولين والموظفين واستبدالهم بغيرهم دورياً، وكذلك استبدالهم إذا ظهرعليهم الوهن وضعف الأداء،وتشجيع التبادل في المناصب والوظائف لتجديد النشاط وتبادل الخبرات وإعطاء الفرصة لظهور كفاءات جديدة من وقت لآخر تسهم في مسيرة النمو والعطاء.
6) إزالة المظاهر الجاهلية في التعصب الإقليمي والفئوي في وظائف الدولة إذ أن الوظيفة العامة ليست ملكاً للموظف الكبير يحابي بها أقرباءه وبني قريته ومدينته ومنطقته وإنما هي أمانة في عنقه يعين عليها من تتوافر فيه الكفاءة والأمانة والخبرة، وينبغي لتحقيق ذلك تشكيل هيئة قضائية شرعية مستقلة بديوان المظالم يمكن تقديم دعاوى التظلم إليها مباشرة من كل فرد جرى التمييز ضده أو منع من نيل حقه المشروع بسبب الفئة أوالإقليم أو العصبية.
7) حذف ألقاب التفخيم التي ما أنزل الله بها من سلطان وليس لها أساس شرعي والاكتفاء بالمخاطبة بأحب لقب وأحسنه وهو أخوة الإسلام أوالمسمّى الوظيفي للفرد.

مستر 28-06-2001 05:28 PM

المرافق الاجتماعية
 
مقدمة:
لقد جاء الدين الإسلامي بالرحمة والعدل وقصد إلى تكريم الإنسان، وهدف إلى محاربة الفقر وألا يكون المال دُولة بين الأغنياء، كما هدف إلى تحقيق الحاجات الأساسية للعيش بمستوى لائق لجميع أهل الإسلام، ونبين فيما يأتي قضايا شرعية في هذا الباب:
أولاً: وجوب قيام الدولة الإسلامية والمسلمين فيها بكفاية الحاجات الأساسية للرعية:
لضمان كفاية أفراد الأمة في حاجاتهم الأساسية أمر الدين بالعمل وحض عليه وأعلى مكانته، كما شرع لمن يحتاجون إلى الرعاية من الكبار والصغار والنساء وغيرهم نظاماً متكاملاً للنفقة عليهم من الموسرين من أقاربهم نسباً ومن عصابتهم وأزواجهم، وأوجب على سائر أفراد الأمة الالتفات إلى أهل الحاجات وتفقدهم ورفع حاجاتهم، قال تعالى "والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم" وقال صلى الله عليه وسلم "وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تعالى" رواه الإمام أحمد في المسند وصححه أحمد شاكر.
بالإضافة إلى ذلك، أوجب الشرع على الدولة المسلمة السعي لتحقيق حاجات الناس الأساسية، فترعى الفقراء والمساكين وأهل الحاجات من موارد بيت المال العامة، ومن مورد خاص لذلك هو الزكاة التي تجمعها من المسلمين قال الله تعالى " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"، ولقد شرع الإسلام أن يعطى الفقير والمسكين ما يخرجهما من الحاجة إلى الغنى، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "إذا أعطيتم فأغنوا" (الأموال لأبي عبيد). وكان عمر يحلف على أيمان ثلاثة "والله ما أحد أحق بهذا المال من أحد، وما أنا أحق به من أحد، ووالله لئن بقيت لأوتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو يرعى مكانه" (رواه أحمد في المسند). والحاجات الأساسية هي المأكل واللباس والسكن، قال صلى الله عليه وسلم "من توفي من المؤمنين فترك ديناً أوكلاً أو ضياعاً فعليّ وإليّ" متفق عليه. والكل والضياع: العيال، وقال ابن حجر "من مات ولم يترك شيئاً فإن نفقتهم في بيت مال المسلمين" كما أنه من الحاجات الأساسية الزواج للمحتاجين إليه، ولذا فقد قال بعض أهل العلم "إن من تمام الكفاية ما يأخذه الفقير ليتزوج إذا لم تكن له زوجة واحتاج للنكاح".
وفي بيان بعض أهل الحاجات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ـ أو قال سداداً من عيش،ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش ـ فما سواها من المسألة سحت، يأكلها صاحبها سحتاً" (رواه مسلم وأبو داود والنسائي)، وروى أبوعبيد في كتاب الأموال في باب الفرض للذرية من الفئ وإجراء الأرزاق عليهم عن ابن عمر قال كان عمر لا يفرض للمولود حتى يفطم. قال ثم أمر منادياً ينادي "لاتعجلوا أولادكم الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام.قال: وكتبنا بذلك في الآفاق، بالفرض لكل مولود في الإسلام"، ولذا يجب على الدولة شرعاً القيام بكفاية أصحاب الحاجات العاجزين عن الكسب والذين ليس لهم من يسد حاجتهم من أهل نفقتهم.
ثانياً: وجوب مراعاة المصالح الشرعية وتحري العدل في توزيع المال العام:
لقد تقدم عند الحديث عن المال والاقتصاد أن المال العام أمانة لايجوز صرفها إلا في الأوجه الشرعية، ومن ذلك أنه يجب العدل بين المسلمين في العطاء من بيت المال وعدم محاباة أحد لجنسه أو قبيلته أو أسرته لأن ذلك من الظلم ومن صرف المال في غير حقه مما يؤدي إلى وجود الضغائن في قلوب المعدمين المحرومين حينما يرون فئة تختص بالعطاء وتثري بلا جهد ولا مشقة، وإن كانت هناك أولوية في العطاء فهي لأصحاب الحاجات قبل غيرهم كما تجلى ذلك من خلال آيات سورة الحشر في قوله تعالى "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم". بل لقد خص تعالى الفقراء والمساكين بحق من خمس الغنائم والفئ كما قال تعالى في سورة الأنفال "واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل".
ثالثاً: وجوب عناية الدولة الإسلامية بالمرافق العامة للمسلمين:
ومن الحاجات الأساسية التي يجب على الدولة الإسلامية رعايتها التعليم الأساسي الذي يخرج الناس من عماية الجهل إلى نور العلم ويعلمهم أساسيات دينهم فلقد تظافرت الأدلة من القرآن والسنة على وجوب طلب العلم واستفاضت الأخبار في السيرة النبوية بإرسال القرّاء والفقهاء لتعليم الناس الدين بل لقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم تعليم القراءة والكتابة عوضاً عن فداء أسارى بدر.
ومن المرافق التي لابد أن ترعاها الدولة وتأخذ الأولوية في زيادة الإنفاق المرافق الصحية وتوفير الأمن، وذلك لما يحصل من ضرر عظيم على الأمة عند اختلالها، وتسهيل سبل المواصلات وقولة عمر رضي الله عنه "لوعثرت بغلة في سواد العراق لخشيت أن أسأل عنها يوم القيامة" من الشواهد العظيمة على ذلك.

واقع المرافق الاجتماعية:
إن المتأمل لأحوال الناس في مجتمعاتنا يدرك ما يأتي:
1) عدم الإنفاق على أصناف كثيرة من أهل الحاجة ممن يجب سد حاجتهم من بيت مال المسلمين، ومن أمثلة ذلك:
أ ـ أسر كثيرة في المدن الكبرى والقرى لاتجد ما يسد حاجتها من المطعم والملبس والمسكن حتى بلغت حالتهم حداً قريباً من حال رعايا بلاد العالم الفقيرة، إذ تجمع لهم الملابس من المساجد ومن المحسنين.
ب ـ هناك مناطق في المملكة تعيش دون حد الفقر، فمساكن أهلها ملاجئ من القش والصفيح،ولاتسأل عن معاشهم وتعليمهم وصحتهم.
ج ـ هناك سجناء يمكثون في السجون شهوراً طويلة بسبب ديون لا تزيد في معظم الحالات عن بضعة آلاف من الريالات.. أما حال نسائهم وذراريهم من بعدهم فلا يعلم بها إلا الله.
د ـ وجود أهل عاهات وعاجزون عن العمل ولهم ذرار، ومرتباتهم ـ إن وجدت ـ تعجز عن توفير ضروريات أسرهم. مما أدى إلى انحراف بعض أفراد أسرهم، ولقد أثبتت الدراسات الاجتماعية ذلك حيث أن أكبر أسباب انحراف الأحداث وتعاطي المخدرات هو عجز الأسرة عن الوفاء بحاجات الصغار الضرورية.
ّهـ ـ هناك شباب يعجزون عن الزواج بسبب قلة ذات اليد، وهذا مما يعرضهم للفتن أو يدفعهم إلى طرق أبواب المحسنين.
و ـ شح ما تقدمه دوائر الضمان الاجتماعي، فلا يكفي ذلك للوفاء بضرورات الحياة، بالإضافة إلى أنه ليس كل مستحق يمكنه الحصول عليه.
2) قلة العناية في احتياجات المرافق العامة الحيوية للمجتمع كالتعليم والصحة والطرق والمساجد في البناء والتأثيث والكوادر، فأكثر المساجد ـ مثلاً ـ شيدها الأهالي ويقومون على رعايتها، وتفتقر كثير من القرى والهجر إلى المساجد ذات المستوى المعماري اللائق، فلا دورات مياه فيها ولا مساكن للأئمة والمؤذنين.
3) هناك مظاهر تدل على خلل في بناء الحياة الاجتماعية تتمثل فيما يأتي:
أ ـ بناء المباني الضخمة الفارهة من بيت مال المسلمين لخدمة أفراد معدودين.
ب ـ صرف المخصصات المالية لبعض الأسر والعوائل، ودفع نفقاتها وتعويضات استهلاكها للخدمات من بيت المال بلا مسوغ شرعي.
ج ـ إقطاع الأراضي الشاسعة لفئات من أولي الجاه والسلطان للمتاجرة بها وبيعها على المحتاجين بأسعار مرتفعة لإقامة مساكن عليها.
هذا، وإنه لمن المستقر عند كثير من الأمم ـ مسلمهم وكافرهم ـ العناية بالنواحي الاجتماعية وأن ذلك سبب في أمن ورخاء البلاد والعباد، وعلى سبيل المثال هذه بريطانيا تصرف مساعدات لكل الأطفال مهما كانت جنسياتهم أو مستوى دخل أسرهم، كما تقوم أيضاً بكفالة المتعطلين عن العمل وإن كانوا أصحاء حتى يجدوا عملاً. ولذا ينبغي أعطاء هذه الجوانب أهمية بالغة وإصلاح كل خلل فيها.
سبيل الإصلاح:
لعلاج تلك الأوضاع التي أشرنا إلى شئ منها ننصح بما يلي:
1) تعديل أنظمة الضمان الاجتماعي ووضع قواعد جديدة تكفل قيام الدولة بمسؤوليتها على أكمل وجه تجاه كل فرد من مواطنيها والمقيمين فيها بحيث تضمن قيام أهل النفقة شرعاً بواجبهم، وأن تتكفل بحاجات الأفراد الأساسية من مأكل ومشرب ومطعم ومسكن سواء أكان في المدينة أو القرية أو البادية إذا عجز هو وأهل نفقته عن ذلك.
2) إعادة النظر في مخصصات المحتاجين، بحيث تزاد إلى مستوى يخرج بالمحتاج من حد المسكنة.
3) تيسير سبل العمل وتوفير وظائف للقادرين على الكسب وتسهيل الحصول على الوظائف للخريجين عن طريق:
أ ـ زيادة الانفاق الحكومي والسعي إلى استقطاب رؤوس الأموال من الخارج في المشاريع الصناعية والزراعية وغيرها التي ينجم عنها توفير وظائف للخريجين في البلاد.
ب ـ السعي في وضع خطط تعليمية جديدة تركز على تكوين خريجين للوظائف الفنية والمهنية والتخصصية التي تحتاجها البلاد وزيادة الإنفاق على هذه القطاعات.
ج ـ إعادة تأهيل الخريجين الذين لا تتوفر لهم وظائف في تخصصاتهم الحالية.
د ـ تشجيع تسهيل إجراءات قيام الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم بين أفراد الرعية ومع غيرهم الذين يتوفر لديهم فائض مالي لزيادة النمو الانتاجي وتوفير فرص عمل إضافية في القطاع الخاص.
هـ ـ الاستفادة من القطاعات العسكرية في توفير فرص عمل وتزويد الخريجين بالمهارات والخبرات اللازمة للوظائف التقنية والفنية بما يرفع مستوى تأهيلهم.
و ـ الاستفادة من تجارب الغير في محاربة البطالة وتوفير فرص العمل بما يتفق مع أحكام الشرع.
4) وضع إجراءات ميسرة تمكن كل ذي حاجة (كالفقراء والمساكين والمنقطعين وأصحاب الجوائح والحمالات والديات والمعسرين) من إثبات حاجتهم شرعاً ثم الحصول على ما يخصص لهم.
5) وضع مخصص مالي شهري أودوري لكل طفل حتى يبلغ لإعانة أهله على نفقته.
6) تيسير السلف والمعونات للراغبين في الزواج من المحتاجين بمبالغ مناسبة.
7) زيادة الانفاق على المرافق الأساسية كالتعليم والصحة والطرق والسكن والمساجد كي تساير الزيادة في النمو السكاني والحرص على أن لا تتعرض المخصصات المالية لهذه المرافق للتخفيض بأي حال من الأحوال.
8) إيقاف مظاهر الخلل الاجتماعي نحو:
أ ـ تشييد المباني الفارهة من بيت مال المسلمين.
ب ـ المنح والإقطاعات العقارية إلا للمحتاجين من ذوي الدخل المحدود أو من لا يتوفر لهم سكن.
ج ـ المخصصات المالية للأسر الغنية، وصرف المبالغ من بيت مال المسلمين للاستهلاك الشخصي لغير المحتاجين إلى ذلك.

مستر 28-06-2001 05:29 PM

المال والاقتصاد
 
مقدمة:
إن المال أمانة بيد الأمة، فأصل ملكه لله تعالى وليس للعباد فيه إلا التصرف على النحوالذي يرضي الله،فقد قال الله تعالى "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه". وتقريراً لأهمية المال سمّاه الله قياماً وهو ما يقيم الإنسان وذلك في قوله تعالى "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً"، وذكر بعض أهل العلم أن من السفه الجهل بالأحكام المتعلقة بالمال.
والدولة نائب أمين ووكيل عن الأمة في المال العام، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري "إني والله لا أعطي أحداً ولا أمنع أحداً،وإنما أنا قاسم أضع حيث أمرت" وقال رجل لعمر بن الخطاب يا أمير المؤمنين لو وسعت على نفسك في النفقة من مال الله تعالى، قال له عمر " أتدري ما مثلي ومثل هؤلاء؟ كمثل قوم كانوا في سفر فجمعوا منهم مالاً وسلموه إلى واحد ينفقه عليهم، فهل يحل لذلك الرجل أن يستأثر عنهم من أموالهم؟" (السياسة الشرعية).
وصيانة للمال حرم الشارع الإسراف والتبذير، قال تعالى " ولا تبذر تبذيراً، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وكان الشيطان لربه كفوراً"، والتبذير هو الإسراف في الإنفاق في غير حق. كما أن الكتاب والسنة بيّنا الأحكام المتعلقة بالمال العام كيلا يستغل في الوصول إلى الكسب المحرم وظلم الناس، ولئلا يعبث بالمال العام. ومن ذلك تحريم الله الغلول قال تعالى " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة"، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام "هدايا العمال غلول" والعمال هم ولاة الأمور من الحكام والسلاطين والمسؤولين والموظفين. وقال صلى الله عليه وسلم " ما بال الرجل نستعمله على العمل مما ولانا الله فيقول هذا لكم وهذا أهدي إلي، فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيُهدى إليه أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ منه شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته.."رواه البخاري. وقال الرسول عليه الصلاة والسلام محذراً " إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار" رواه البخاري، فقوله "يتخوضون في مال الله" أي يتصرفون فيه بالباطل. وقال عليه الصلاة والسلام " من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول" حديث صحيح، وقال "من كان لنا عاملاً فلم يكن له زوجة فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً، ومن اتخذ غير ذلك فهو غال أوسارق" حديث صحيح.
ومن الواجب على الدولة المسلمة أن تصون مواردها لتنال الأجيال القادمة منها حظها، وهذا عمر رضي الله عنه يقول "لولا آخر الناس ما فتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر" رواه البخاري، وحينما طلب منه أن يقسم سواد العراق أبى وقال " فما لمن جاء بعدكم من المسلمين؟" رواه أبو عبيد في كتاب الأموال.
وحيث أن مقصود الولاية سياسة الدنيا بالدين صار من الواجب الشرعي على من تولى أمور المسلمين تحقيق ما أمر به الله تعالى في كتابه وسنة رسوله من الأحكام، ومن ذلك ما يتعلق بالأموال اكتساباً وصرفاً، ومنع كل ما حرم الله من المعاملات المالية، ومن أعظم ذلك الربا الذي قال الله فيه "يمحق الله الربا ويربي الصدقات، والله لا يحب كل كفار أثيم"، وقال "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مابقي من الربا إن كنتم مؤمنين،فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله..".
ولا ريب أن الاقتصاد ركيزة أساسية من ركائز التنمية، ودعامة من دعائم المجتمع والدولة، وقد أولى الإسلام هذه الحقيقة أهمية قصوى فحدد نظام بيت المال لضبط أموال الدولة، وحدد الحلال والحرام في المعاملات.

واقع المال والاقتصاد:
إن المتأمل للواقع الاقتصادي والمالي لهذه البلاد يلاحظ ما يأتي:
1) كثرة وقوع المخالفات الشرعية في موارد بيت المال، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:
أ ـ شراء السندات الربويه من البنوك العالمية والخزينة الأمريكية، ويمثل ذلك معظم استثمارات المملكة من الاحتياطي.
ب ـ بيع السندات الربوية على البنوك المحلية وغيرها.
ج ـ الاقتراض بالربا الصريح من البنوك العالمية.
د ـ فرض الرسوم والجمارك، وكثير منها من المكوس المحرمة شرعاً.
هـ ـ إضافة الزكاة إلى دخل الدولة العام، وعدم فصلها من أموال الدولة مما يؤدي إلى عدم صرفها في الأصناف المنصوص عليها شرعاً.
2) المخالفات الشرعية في الصرف من بيت المال، ومن ذلك ما يأتي:
أ ـ صرف الأموال العامة بآلاف الملايين على الدول والأحزاب أوالنظم التي تحكم بغير ما أنزل الله على شكل هبات أو قروض لا يصل منها شيء يذكر للمسلمين المستحقين في تلك البلاد، ولا مصلحة ظاهرة في دعمها أصلاً، والشواهد في ذلك عديدة مما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والعالمية.
ب ـ الصرف المبالغ فيه على المجالات التي تعد غير ذات أولوية كإنشاء الملاعب الرياضية الفارهة، والمعارض الدولية.
3) نقص ميزانية بعض المؤسسات والوزارات عن القدر الكافي لتسديد متطلباتها للصرف على الخدمات الضرورية مثل:
أ ـ التعليم: حيث لا تزال توجد مناطق بلا مدارس، ومدارس بلا مرافق ولا أثاث، ومدارس في مبان مستأجرة غير لائقة، فضلاً عن النقص في الوسائل التعليمية، وقلة الدورات والبرامج التي تعنى بتطوير مهارات المدرسين والمديرين في التعليم العام وترفع كفاءاتهم والنقص في المدارس الخاصة بتحفيظ القرآن الكريم. أما الجامعات فتعاني من تدني المستوى العام وبالأخص دعم البحث العلمي وتوفير المراجع الحديثة.
ب ـ الصحة: حيث تواجه المستشفيات والمراكز الصحية الآن صعوبة في توفير الكوادر الفنية والأجهزة والأدوات، وتعاني بعض المناطق من عدم وجود خدمات صحية كافية.
ج ـ الطرق: حيث لا تزال بعض المناطق النائية تفتقر إلى طرق مناسبة، والطرق بين المدن الكبرى بعضها لا يزال غير مزدوج مما أهلك أنفساً كثيرة، إضافة إلى انعدام الخدمات أو تدني مستواها في كثير من الطرق على الرغم من مسيس الحاجة إلى هذا النوع من المواصلات، ولا يوجد أيضاً اهتمام بخطوط السكة الحديدية، إذ لا يزال الخط القديم بين الرياض والدمام هو الخط الوحيد على الرغم من سعة المملكة وشديد حاجتها إلى ذلك.
د ـ نقص مخصصات الضمان الاجتماعي فما يصرف منه الآن للأسر المحتاجة ضئيل جداً لا يكاد يكفي قوتهم الضروري.
4) استنزاف الموارد العامة الحيوية للأجيال كالمياه الجوفية باستخراجها بمعدل خطير ودون تحقيق مصالح راجحة تبرر ذلك. واستنزاف الثروات الاستراتيجية لهذا البلد كالنفط بزيادة ضخه وتصديره مع تدني سعره وتخزينه خارج البلاد.
5) غياب الرقابة الشرعية المستقلة على تحصيل أموال الدولة وصرفها.
6) ضياع جزء كبير من أموال الدولة بسبب الاختلاسات والعمولات الكبيرة.
7) دعم وتشجيع التعامل المالي المحرم بأشكال متعددة منها:
أ ـ تشجيع إنشاء المؤسسات الربوية المؤذنة بحرب الله ورسوله، والسماح بانتشارها حتى غزت القرى فضلاً عن المدن.
ب ـ اعتبار البنوك الربوية مؤسسات نظامية، وحمايتها بلوائح وأنظمة.
ج ـ الاعتراف بالعقود الربوية الباطلة شرعاً، والإلزام بها عن طريق لجان خاصة لها صلاحيات الحكم والقضاء مثل "لجنة فض ا لمنازعات المصرفية" في مؤسسة النقد.
د ـ ضمان استمرار المؤسسات الربوية عن طريق مؤسسة النقد، ودعم المصارف الربوية التي أوشكت على الإفلاس بتحويل رؤوس أموال ورواتب إليها.
هـ ـ تشجيع المواطنين على التعامل مع البنوك الربوية عن طريق صرف المرتبات والقروض من خلالها، وإتاحة تداول أسهمها.
و ـ منع نشر فتاوى العلماء وأقوالهم في حكم البنوك في وسائل الإعلام بينما تتمتع البنوك الربوية بحرية النشر فيها.
ز ـ منع قيام المصارف الإسلامية التي تقدم بديلاً شرعياً مما أوقع الأمة في الحرج والمشقة.
ح ـ السماح بقيام شركات على أساس باطل أو تقوم بأعمال تعاقدية محرمة كشركات التأمين وصناديق السندات الربوية.
8) احتكار بعض أصحاب النفوذ أنواعاً من التعامل التجاري والمهن والمقاولات، ووضع أنظمة ولوائح وأوامر تعزز ذلك. يضاف إلى ذلك محاباتهم وحرمان التجار الآخرين من المنافسة المتكافئة. ومن أمثلة ذلك:
أ ـ حصول البعض على النصيب الأكبر من مناقصات الدولة.
ب ـ الهيمنة على وكالات الشركات الأجنبية.
ج ـ الامتيازات التي تعطى لبعض الشركات والمؤسسات.
د ـ قصر بعض النشاطات التجارية على تراخيص يصعب الحصول عليها لغير أهل النفوذ كاستيراد الماشية وأجهزة الاتصال ومكاتب الخدمات العامة.

سبيل الإصلاح:
إننا ـ قياماً بالواجب الشرعي ـ ننصح بما يأتي:
1) إيقاف جميع المساعدات والقروض والهبات الخارجية عن الدول والأنظمة والأحزاب الكافرة التي لا تحكم شرع الله وتحارب الدعاة إليه أو تضطهد الأقليات المسلمة بها، وتركيز المساعدات على إغاثة المسلمين وإعانتهم وفق هدف نصرتهم وتقويتهم، ووفقاً لأحقيتهم في المساعدة مما أفاء الله على هذه البلاد من ثروات.
2) إيقاف جميع أشكال الصرف علي المجالات التي تعد شكلاً من أشكال الإسرف والتبذير أو لا تعد من ذوات الأولوية كملاعب الرياضة والمعارض الفارهة ونحوها.
3) التوقف الفوري عن الاقتراض الربوي لأن في ذلك إثقالاً لكواهل الأجيال القادمة، والتساهل في هذا الباب قد يصيب هذه البلاد بما أصاب بعض البلدان من أزمات اقتصادية طاحنة وانتهاك لسيادتها، وربما لن تكفي موارد الدولة من النفط وغيره لسداد تلك الديون مع فوائدها المركبة.
4) إيقاف استثمار الدولة عن طريق الربا واستبداله بالاستثمار عن طريق وسائل الاستثمار المشروعة، خاصة في بلاد المسلمين أو في الداخل.
5) المحافظة على الثروة النفطية والمائية وغيرها من الثروات الاستراتيجية وتحديد الانتاج وفق سياسة تحقق مقاصد شرعية للأمة وأجيالها، والسعي إلى رفع سعر النفط بما تسمح به أوضاع السوق العالمية.
6) إعطاء الخدمات الضرورية كالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي والطرق ما تستحقه من أولوية وزيادة الإنفاق عليها بما يضمن الارتقاء بها.
7) إخضاع جميع أوجه التحصيل والصرف للمال العام وغيرها من الثروات للرقابة الدقيقة، ويمكن أن يتأتى ذلك بتوسعة صلاحيات ديوان المراقبة العامة ومنحه استقلالية تشبه استقلالية القضاء، وربطه بمجلس الشورى.
8) إيجاد برنامج عملي للقضاء على ظاهرة الربا بالترتيب الآتي:
أ ـ الإذن بإنشاء المصارف الإسلامية وتأمينها ودعمها.
ب ـ تبيين حرمة الربا والتحذير منه، ومنع البنوك الربوية من استعمال وسائل الإعلام لنشر الإعلانات الربوية وإيقاف أي شكل من أشكال الدعم للبنوك الربوية.
ج ـ عدم الترخيص لأي بنك ربوي جديد وتصفية المعاملات الربوية القائمة ووضع موعد نهائي للبنوك لتعديل أوضاعها أو تصفيتها.
9) منع جميع أشكال الاحتكار، وإلغاء جميع الامتيازات التي ليس لها وجه شرعي، وضمان التكافؤ في التنافس بين الناس، وقصر تقييد التراخيص في الأحوال الجائزة شرعاً على معايير موضوعية منضبطة يتكافأ أمامها كل الناس، والرقابة على ذلك منعاً لحصول المحاباة.
10) المحافظة على بقاء أموال المسلمين من الرعية والوافدين داخل البلاد، وتسهيل جلبها من الخارج بفتح سبل التعاون والتملك وتشجيع إقامة المشاريع والشركات المختلفة عقارية وصناعية وزراعية وخدمات والمباحة شرعاً بينهم داخل البلاد، وإزالة التمييز بينهم والقيود على ذلك في كافة الأنظمة واللوائح.
11) منع إضاعة أموال الأمة وإيجاد الضوابط اللازمة لمنع الاختلاسات والهبات والعمولات، وإحالة المتهمين إلى القضاء الشرعي.
12) وضع سياسة رقابية لمراجعة مصادر الاثراء لمن يتولى الوظائف العليا بالدولة خلال فترة عملهم، والاقتداء بسنة عمر رضي الله عنه في محاسبة الولاة مالياً.
13) فصل أموال الزكاة عن بقية أموال الدولة، وقصر صرفها على مصارفها المحددة شرعاً.

مستر 28-06-2001 05:30 PM

الجيش
 

مقدمة:
لا شك أن الإسلام يوجب على الدولة أن تكون قوية مهيبة الجانب عزيزة بعزة الله لها حامية ثغورها وأمنها بنفسها دون الاعتماد على أحد، قال الله تعالى "وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة" وقال "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين" فضلاً عن أن الشرع يوجب على الدولة القيام بواجب الجهاد وجعله ذروة سنام الإسلام. وهذا يتطلب أن يكون الجيش قادراً على تحقيق ذلك.
واقع الجيش:
لقد جاءت أزمة الخليج لتكشف أن هناك عدداً من الملاحظات تتعلق بواقع الجيش والقوات المسلحة نبين أهمها فيما يلي:
أولاً: عدم تناسب ضخامة ميزانية القطاعات العسكرية مع عدد أفراد القوات المسلحة وإمكاناتها فميزانية القطاعات العسكرية لا تكاد تضاهيها ميزانية عسكرية أخرى في المنطقة بل ربما فاقت ميزانية عدد من الدول المتقدمة في العالم في الوقت الذي لا تتوافر أعداد الأفراد أوالتجهيزات التي تتوافر لتلك الدول من الناحية الكمية.
ثانياً: إن عدد أفراد القوات المسلحة قليل جداً إذا ما قورن بسعة المملكة العربية السعودية وطول امتداد حدودها، الأمر الذي لا يمكّن جيشنا بعدده القليل من القيام بحماية الحدود الطويلة والدفاع عن المرافق الحيوية المستهدفة فضلاً عن القيام بواجب الجهاد الشرعي.
ثالثاً: جرى بعد أزمة الخليج توقيع معاهدات أمن وحماية مع دول لا يوثق بها، كما قامت الحاجة إلى إبقاء كثير من عتاد دول أجنبية وقواتها في أرض المملكة مما قد يؤثر على سيادتها.
رابعاً: ظهر جلياً للطامعين والحاقدين الذين يعملون الآن على تقوية جيوشهم وتكثير عددها بكل ما يستطيعون ضعف قدرات المملكة العسكرية وعدم قدرتها على حماية أمنها بنفسها مما يغري الأعداء والطامعين بالعدوان متى أتيحت لهم الفرصة لذلك.
خامساً: عدم وجود تغيير ملموس في واقع التسليح والتجنيد على الرغم من الأحداث العظيمة التي عصفت بالبلاد والأمة مع زيادة الإنفاق على أمور ليست بذات أولوية ملحة أو ليست بخطورة إعداد جيش ذي قوة وشوكة يضمن حماية أمن الأمة ومرافقها.
سادساً : منذ الانتهاء من توحيد البلاد وتوطيد أمنها الداخلي لم يظهر للجيش أي دور جهادي لنشر دعوة التوحيد ونصرة المظلومين من المسلمين عدا فترة قصيرة رابطت فيها قواتنا في الأردن أمام العدو اليهودي، مع أن القيام بهذا من أعظم الواجبات التي تناط بالجيش الإسلامي.
سابعاً: غياب التربية الجهادية في الأمة بحيث تكون الأمة بأجمعها جيشاً جهادياً وقت الحاجة.
ثامناً: جرى التركيز في تطوير القوات المسلحة على استيراد التقنية المتقدمة والاهتمام بالنوعية دون التوسع في تطوير القوات المسلحة من حيث الكمية وإيجاد صناعة عسكرية متقدمة محلياً في كافة احتياجات القوات المسلحة من طائرات مقاتلة وصواريخ ودبابات ومنوعات وما تحتاجه هذه التجهيزات من قطع للغيار أو بدائل.
تاسعاً: عدم تخصيص موارد كافية من ميزانية القطاعات العسكرية لإجراء البحوث العلمية والتطبيقية اللازمة لاستيعاب التقنية العسكرية الحديثة أو تطويرها بما يلائم احتياجات البلاد وعدم الاستفادة الكافية من خبرات العلماء والمختصين في تحقيق ذلك.
عاشراً: ضعف استيعاب الكليات العسكرية للأعداد المتقدمة للالتحاق بها.
حادي عشر: إحالة عدد من منسوبي القوات المسلحة إلى التقاعد في سن مبكرة أو في مرحلة بلوغ الأشدّ في التجربة والخبرة رغم الحاجة الشديدة إلى خبرتهم العسكرية وإنفاق الدولة الكثير على تدريبهم وإعدادهم وصعوبة توفير البديل عنهم.
سبيل الإصلاح:
وبعد أن سقنا هذه الملاحظات لزاماً علينا أن ننصح بما يأتي:
أولاً: امتثالاً لقول الله تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"، الذي هو عام في كل ما يتقوى به على حرب العدو مما هو آلة للغزو والجهاد، وأداء للمسؤولية التي ناطها الله تعالى بالراعي تجاه الرعية من حفظ الأمن وسد الثغور والسهر على مصالحها وحفظ أموالها وأعراضها، فإنه يجب أن ينشأ جيش قوي يليق بهذه البلاد المقدسة من حيث عدده وعدته حتى يتناسب مع سعة هذه المملكة وطول حدودها وعدد سكانها،ومع الواجبات الشرعية المنوطة بالقوات المسلحة لهذه البلاد بحيث لا يقل عدده عن نصف مليون جندي على أقل تقدير.
ثانياً: أن نفرض التدريب العسكري فرضاً على كل قادر على حمل السلاح، كما هو الشأن في دول كثيرة كإسرائيل العدو الأصلي المجاور أزالها الله من بلاد الإسلام، وأن يسارع في وضع خطط وتفاصيل الإعداد لذلك أهل الخبرة والمشورة والاختصاص.
ثالثاً: أن يُعتنى بالجيش الاحتياطي المكون من كل قادر على حمل السلاح ، شأننا في ذلك شأن دول كثيرة، وذلك بأن يطلب من جميع أفراده حضور دورات عسكرية سنوية لزيادة تأهيلهم عسكرياً والتدريب على ما يستحدث من أسلحة وخطط.
رابعاً: تنويع مصادر السلاح وعدم الاعتماد على دولة معينة في شراء الأسلحة منها.. تعطينا متى تشاء وتمنعنا متى تشاء وتستغلنا وقت المحن وتساومنا عند الشدائد، وتحارب غيرنا معروفة في ذلك.
خامساً: بناء صناعة عسكرية متقدمة لتدعيم الجيش بأحدث الأسلحة وأكثرها تطوراً وتقنية وأن يحرص على تطبييق المواصفات العالية المطلوبة في هذ ا التصنيع.
سادساً: الاستفادة من خبرة علماء هذه البلاد واستقطاب الكفاءات والعلماء من سائر البلاد الإسلامية الأخرى في بناء الصناعات العسكرية المتقدمة ونقل التقنية الحديثة وتوظيفها في بناء القوات المسلحة.
سابعاً: أن تعهد إلى أهل الكفاءة والأمانة والشجاعة إدارة هذا المرفق الحيوي الهام والتخطيط له، فحماية الثغور وتحقيق أمن البلاد والعباد يجب ألا يجامل فيه.
ثامناً: إذكاء روح الجهاد والإيثار وحب التضحية في أبناء هذه الأمة وذلك عن طريق مناهجها التعليمية والإعلامية ومن خلال دورات تُعد لهذه التربية بين الحين والآخر.
تاسعاً: المحاسبة الدقيقة وفق ضوابط الشرع عن كل تقصير في هذا المرفق الحيوي الهام ووضع تنظيم يضمن مراقبة الصرف وحسن الإنفاق على قطاعاته المختلفة.
عاشراً: إلغاء كافةالارتباطات والمعاهدات العسكرية التي تتعارض مع عقيدة الولاء والبراء، والأحكام الشرعية والتي تُخِلُّ بسيادة الدولة واستقلالها في إدارة شئون القوات المسلحة وتسليحها.
حادي عشر: عدم الاعتماد على أية قوة عسكرية خارجية مهما كانت في الدفاع عن البلاد وحماية أمنها، أن تقتصر الاستعانة عند الحاجة لذلك على قوات وجيوش إسلامية.


الإعلام
مقدمة:
لما كان إبلاغ رسالة الإسلام إلى الناس كافة ودعوتهم إليه من أعظم الواجبات في الدولة الإسلامية التي تقوم على أساس عقيدة الإسلام فإنه من الضروري أن يكون للإعلام دورحيوي في المجتمع الإسلامي، وأن يُعتنى به العناية البالغة لتحقيق أهداف رسالة الإسلام من تعبيد الناس لربهم واتباعهم للدين الذي ارتضاه عز وجل لهم. ولهذا دلّت آيات الكتاب والسنة على أحكام شرعية عديدة تبين مقاصد الإعلام المشروعة وتحدد الوسائل العلمية لتحقيق تلك المقاصد كما بينت ما يحرم من مقاصد إعلامية ووسائل. ونعرض ذلك فيما يأتي كي نستهدي به عند تقويم واقع الإعلام في هذه البلاد وما يتوخى من إصلاح وتطوير له على هدي الشرع الحنيف.
مقاصد الإعلام الإسلامي:
إن المطلع على الأدلة الشرعية من الكتاب وسنة النبي صلى الله عليه وسلم يجد جلياً أن من أعظم مقاصد الإعلام في الشرع:
أ) إبلاغ دين الإسلام إبلاغاً مبيناً تقوم به الحجة ويرتفع به ظلمة الجهل كما قال تعالى "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته"، وقال تعالى " وما على الرسول إلا البلاغ المبين"، وقال عز وجل "الذين يبلغون رسالات ربهم ويخشونه"...إلى غير ذلك من الآيات. وأخرج الإمام أحمد عن ابن عباس قال "لما أنزل الله "وأنذر عشيرتك الأقربين" أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد ثم نادى فاجتمع إليه الناس، من رجل يجئ إليه ومن رجل يبعث رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوافي الموسم يتبع الحجاج في منازلهم بعكاظ ومجنة وذي مجاز يدعوهم". وأخرج ابن اسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقف على منازل القبائل من العرب فيقول "يا بني فلان إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً". كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم إرساله الرسل للملوك والوفود من القراء خارج المدينة فهذه الأدلة تبين أن من أعظم مقاصد الإعلام الشرعية إبلاغ الرسالة ودعوة الناس إلى دين الحق وتعليمهم أمور دينهم.
ب) بناء الشخصية الإسلامية وتزكيتها حيث تجلى ذلك في خطبه صلى الله عليه وسلم في الأعياد والجمع والحج التي اشتملت على الحث على القيام بالواجبات الشرعية والتذكير بها والبشارة للمطيع والإنذار للمخالف للشرع، ومن أعظم ما نقل في ذلك خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وما اشتملت عليه من التعاليم الشاملة والعظيمة.
ج) إصلاح الرأي العام وتوجيهه كما ثبت في قصة كسوف الشمس، روى النسائي قال "كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يجري حتى أتى المسجد فلم يزل يصلي حتى انجلت، قال إن الناس يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء وليس كذلك، إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد أو حياته ولكنهما آيتان من آيات الله عز وجل" وفي رواية أن الشمس خسفت على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام فبعث منادياً "الصلاة جامعة" فاجتمعوا...الحديث" ، وقد كان هذا ديدنه صلى الله عليه وسلم أن يجمع الناس ويخطب فيهم مبيناً وموجهاً لهم كلما دهمهم خطب أو عرضت لهم معضلة والدليل ما ثبت عنه في غزوة بدر وأحد والخندق وبعد غزوة حنين.
د) كشف الحقائق وفضح دعاوى أعداء الإسلام وبيان سبيل المجرمين لتحذير الناس من سلوك طريقهم أو اتباعهم نحو الآيات الكثيرة التي نزلت في شأن أبي لهب والوليد بن المغيرة وغيرهما من أعداء الدعوة وفي الرد على شبهات المنافقين واليهود، ونحو أمر الرسول عليه الصلاة والسلام لحسان بن ثابت رضي الله عنه بهجو كفار قريش لمحاربتهم الدعوة، والذود عن الإسلام.
هـ) نصرة قضايا المسلمين والتعريف بها والحث على التكاتف والتناصر بين المسلمين، فقد روى مسلم عن جرير بن عبد الله قال"كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعّر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة...إلى آخر الآية إن الله كان عليكم رقيباً" والآية الأخرى التي في آخر الحشر "يا أيها الذي آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد"، تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال ولو بشق تمرة". فهذا الحديث يبين إعلام النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالخير الذي يحث على التعاون وسد خلة الفقر فيهم والتكاتف والتناصر على البر والتقوى.
وأخيراً لا ينافي مقاصد الإعلام الشرعية الترويح المباح بما يتفق مع القيم الإسلامية والأحكام الشرعية حيث كان عليه الصلاة والسلام يقر اجتماع الصحابة وتناشدهم الشعر في الأماكن العامة، وأذن لعائشة بالاطلاع على الحبشة عند إنشادهم ولعبهم، قالت عائشة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد". وكذلك ما جاء في الأحاديث الشريفة من قصص وأخبار تدل على إباحة الترويح المباح كمقصد إعلامي.

مستر 28-06-2001 05:32 PM

المقاصد الممنوعة شرعاً :
 
لا يستريب أحد من المسلمين أن كل ما يخالف الشرع لا يجوز اعتباره أو عمله فضلاً عن أن يكون مقصوداً لذاته ولذا بينت الشريعة الإسلامية الكاملة ما لا يجوز أن يقصد من مقاصد إعلامية فمن ذلك:
أ) كل دعوة إلى المحرم أو الرذيلة أو الإفساد في الأرض أو المعاصي أو الطعن في دين الإسلام وأهله، قال تعالى "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم"، وقال "وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، ولو شاء ربك مافعلوه فذرهم وما يفترون". وكذلك ما ثبت من الوعيد الشديد في حق الدعاة للفتن الذين يقودون الناس إلى جهنم.
ب) كل ما ينجم عنه الفرقة وإضعاف وحدة الصف والإرجاف قال تعالى "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم".
ج) نقل الخبر الذي يضر بالمسلمين إلى أعداء المسلمين كما جاء في سبب نزول آيات سورة الممتحنة.
د) كل ما يؤدي إلى الإساءة إلى المسلم في عرضه بغير حق نحو ما نزل من آيات بالوعيد الشديد لمن افترى حديث الإفك قال تعالى "إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل أمرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم".
هـ)الدعوة إلى العصبية أو الجاهلية أو الدعوات الباطلة قال عليه الصلاة والسلام "ليس منا من دعا بدعاء الجاهلية".
و) المدح المذموم وهو ما يدعو إلى فتنة الممدوح وما يكون مشتملاً على ما لايتصف به الممدوح وما ليس من كسبه حيث جاء في الحديث "إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب" لعظيم الفتنة بأقوالهم.

الوسائل العلمية للإعلام الإسلامي:
إن الشريعة مثلما بينت المقاصد المشروعة والممنوعة فلقد بينت كذلك أحكاماً تتعلق بالعديد من الوسائل التي تتحقق من خلالها المقاصد الشرعية والوسائل التي تمنع ظهور المقاصد المخالفة للشرع. فمن الوسائل التي شرعها الإسلام لتحقيق مقاصده المطلوبة مشروعية الخطبة في صلاة الجمعة وفي العيدين ويوم عرفة وغيرها من مناسبات الاجتماع المشروعة مثل صلاة الاستسقاء والكسوف، فما من فرصة لاجتماع الناس إلا ويشرع فيها التذكير والتوجيه. ومن الوسائل المشروعة الأذان الذي هو بمثابة إعلام بدخول وقت الصلاة وإعلام بالدعوة إليها. فضلاً عن العديد من الوسائل الإعلامية التي أباحها الشرع نحو الشعر والخطابة وكتابة الرسائل وبعث المنادين الذين يتلون على الملأ الأحكام والقضايا العامة. ومن البديهي أن الوسائل الإعلامية المباحة لاتقتصر على ما ذكر من وسائل بل إن من مقتضيات الرسالة أن يستخدم المسلمون أحدث وأرقى وأجود ما توصلت إليه التقنية الحديثة في ذلك من وسائل الاتصال المقروءة والمسموعة والمرئية الواسعة الانتشار وفقاً للقاعدة الشرعية "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" وقاعدة "للوسائل حكم المقاصد".
أما من حيث الوسائل التي تمنع بها المقاصد الإعلامية المخالفة للشرع فعديدة جداً منها ماثبت من وجوب قيام الإنسان بالرقابة الذاتية على ما يتلفظه ويعلنه، قال تعالى " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"، وفي الحديث المتفق عليه "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب". ومن الوسائل وجوب التثبت في خبر الفاسق قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا"، ومنها وجوب الرد إلى الله والرسول وأولي العلم والاختصاص قال تعالى "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم".
كما أن الشريعة عنيت بزجر كل من يقوم بالإعلام المخالف لمقاصد الشرع زجراً بالغاً حيث شرعت حداً للقذف في العرض، وأهدر الرسول عليه الصلاة والسلام دم من كان من المشركين ينشد في هجوه محارباً لدعوته، كما عاقب عمر رضي الله عنه الحطيئة عند هجائه للزبرقان.
ومما سبق من تأصيل شرعي يظهر جلياً أنه يجب على المجتمع الإسلامي أن تكون كل صور الخطاب الإعلامي من حديث أو خبر أو قصة أو أقصوصة أوبرنامج إعلامي مستمدة من الإسلام تصوراتها وقيمها ومثلها وموازينها، أو أن تسعى لتحقيق مقاصد الإعلام الشرعية بأن تعمل على دعوة الناس إلى دين ربهم وإبلاغه إليهم وتكوين الشخصية الإسلامية في أفرادهم وإصلاح الرأي العام في مجتمعهم وكشف الحقائق وفضح سبيل المجرمين وتوجهاتهم وبيان تهافت سياستهم وأقوالهم، بالإضافة إلى تحقيق المقصد المباح من ترويح أو تسلية للنفوس. كما يجب أن تكون كل تلك الصور الإعلامية مجانبة كل مقصد محرم للإعلام من نشر الرذيلة والفحش أو إيذاء المؤمنين أو بث الفرقة وتمزيق الوحدة، وأن يسعى في الإعلام المطلوب لدولة الإسلام من الاستفادة من الوسائل التي شرعها الإسلام لإعلام الناس من خطب ولقاءات في العبادات والمساجد والحج، وأن يستفاد بأقصى ما يمكن مما يستجد من وسائل وأساليب مادية حديثة لتحقيق المقاصد الشرعية للإعلام.

الواقع الإعلامي:
بعد هذا التأصيل الشرعي نستعرض فيما يأتي واقع الحال لإعلامنا:
1) المبالغة في المدح المذموم شرعاً مما يرسخ النفاق والكذب في المجتمع، وتقديس الأشخاص والذوات، مخالفاً بذلك ما ثبت شرعاً من قصر التقديس والتعظيم على الله تعالى وحده.
2) إعطاء تصور زائف وغير صحيح في فهم حقيقة الدين وأحكامه الشاملة، بحصر الخطاب الإعلامي ـ فيما يتعلق بالدين ـ في جوانب العبادات والسلوكيات الفردية دون الأحكام التي تعالج قضايا الأمة والمجتمع، ودون ربط كل أعمال الحياة بالتصور الإسلامي والعقيدة الإسلامية وكليات الدين.
3) تحجيم وظيفة المنابر الشرعية كخطب الجمع والأعياد،ووسائل الإعلام والمحاضرات والندوات العامة، وذلك بالسعي لمنع الخطباء ذوي الوعي الشرعي والعلم بالواقع، وأصحاب النصيحة والرأي الشجاع من تسنم هذه المنابر، ومحاولة حصرهذه المنابر على من لا يحسن القيام بحق الكلمة وواجب البلاغ المبين.
4) يظهر للمتابع لوسائل الإعلام أن المحور الذي تدورعليه البرامج الإعلامية المقدمة هو تغطية زمن البث بالحشو ببرامج تغيب فيها الأهداف الصحيحة، وتعجز عن تحقيق المقاصد الإعلامية الشرعية، كإصلاح الرأى العام أو بناء الشخصية الإسلامية في الناس، أو كشف الحقائق للأمة وتوعيتها.
5) تعطيل القدرات الإبداعية بسلسلة من القيود والتعليمات الثقيلة على الوسائل الإعلامية التي تحجر على إبداء الرأي المشروع، أو الصدع بكلمة الحق وتبليغ رسالة الإسلام في القضايا الكبرى للأمة إذا خالفت توجهات أصحاب القرار في هذه المؤسسات.
6) الإقلال من البرامج الدينية في وسائل الإعلام، حيث لا تعطى هذه البرامج إلا نسبة قليلة من زمن البث.
7) احتكار كافة وسائل البث الإعلامي من صحافة وإذاعة وتلفزة لأجهزة ومؤسسات عامة أو شبه عامة، ومنع أفراد المجتمع من حقهم الشرعي في إصدار وامتلاك وسائل البث الإعلامي المختلفة لنشر العلم الشرعي والنافع والدعوة والإبلاغ.
8) حجب الخبر الصادق في وسائل الإعلام الرسمية، وتبديل الحقائق أو عرضها بطريقة منتقاة مبتورة مما أفقد الثقة بكل الوسائل الإعلامية، حتى شاع بين الناس أنه لتكذيب خبر ما يكفي وصفه بأنه "رسمي". كما أدى إلى اتجاه الناس لوسائل الإعلام المعادية في الدول الكافرة للحصول على الأخبار والحقائق التي يرغبون في معرفتها والاطلاع عليها ومنحها ثقتهم.
9) التركيز المستمر في البرامج الإعلامية، على استمراء القيم والأخلاقيات والعادات الغربية الباطلة المخالفة للشرع، وتقديمها باعتبارها نموذجاً يحتذى والإشادة برموز وقيادات ونجوم هذه المجتمعات، واعتبارهم قدوات ومثلاً عليا، مما يؤدي ـ عياذاً بالله ـ إلى كسر الحاجز الاعتقادي والسلوكي بين هذه الأمة وبين الكفر والنفاق والشرك وأهله.
10) إبراز الشرائح الاجتماعية ذات الدور الهامشي في الحياة، حيث يحتل الرياضيون والفنانون، والمغنون وأشباههم الذين جعلوا اللهو همّاً مركزياً لهم..مساحات واسعة في وسائل الإعلام المحلي، ويتناول الحديث عنهم كافة أعمالهم ونشاطاتهم بما في ذلك أدق التفاصيل عن حياتهم اليومية، ونشاطاتهم الاجتماعية، حتى تمكن هؤلاء من أذهان الشباب، وصار حلم الشاب في المستقبل أن يكون رياضياً أو فناناً، بينما تغيب عن هذه الوسائل شرائح أكثر أهمية وأعظم دوراً كالعلماء والمفكرين والدعاة والمصلحين وذوي الكفاءات والانجازات.
11) إعطاء البرامج الترفيهية، وموضوعات اللهو والعبث الغالبية من أوقات البث، مع كثرة البرامج التي تفسد السلوك والعقائد والأخلاقيات، أو تعد في أحسن الأحوال تافهة مضيعة للوقت والمال والجهد وتصنع الاهتمامات الهامشية والزائفة وتصد عن معالي الأمور.
12) التضييق الشديد على المؤسسات الإعلامية والتسجيلات الإسلامية بمنع إصدار التصاريح أو تحويلها، والرقابة المشددة عليها.. في الوقت الذي يسمح فيه لكثير من مجلات التبرج والسفور بدخول البلاد ويسهل فتح وانتشار محلات التسجيل والفيديو الهابطة والمنافية للقيم الإسلامية والتي تحبذ الفحش والرذيلة وتدعو إلى نزع الحياء عن المرأة والأسرة المسلمة.
13) الإكثار من برامج الأطفال التي تعتمد على التصديق بالمستحيل والسحر والأساطير والتمرد، الأمر الذي من شأنه أن يزرع قيماً خطيرة في نفوس الأطفال في سن مبكرة مما يكون له أكبر الأثر في تنشئتهم.
14) قلة البرامج الهادفة للأسرة والمرأة المسلمة.
15) تركيز وسائل الإعلام والصحافة على مجاراة وسائل الإعلام الغربية في الطعن والقدح في الدعاة المسلمين والحركات والمؤسسات الإسلامية والتشكيك فيها ورميها بالأصولية والتطرف للتنفير منها والإساءة إليها حتى وصل الحال بهذه الأجهزة ـ والعياذ بالله ـ إلى الفرح بانتصار العلمانيين على هذه الحركات والشماتة بالمصائب والمآسي التي تصيب المسلمين.
16) قصور وسائل الإعلام المحلية عن مخاطبة المسلمين في العالم وإيصال الصوت الإسلامي لكل مكان وخصوصاً المناطق الشديدة الاحتياج كالأقليات الإسلامية والجمهوريات الإسلامية حديثة الاستقلال.
17) الاعتماد الكلي في المادة الإعلامية المقدمة على إصدارات أعداء الأمة ووكالات أنبائهم وتحليلاتهم وغياب الرقابة والمراجعة والتدقيق لهذه البرامج وعدم بذل الجهد لإيجاد البديل.
18) انتشار أجهزة البث المباشر التي تعرّض قيم هذه البلاد وأهلها للمسخ والانحراف الفكري والاجتماعي، وغياب المراقبة الجادة الرسمية لها.

مستر 28-06-2001 05:34 PM

العلاقات الخارجية
 
مقدمة:
منذ أن أقام النبي صلى الله عليه وسلم الدولة الإسلامية الأولى تبينت القواعد الراسخة التي تسير عليها الدولة الشرعية في علاقاتها الخارجية، وقد سار على نهج هذه القواعد والأسس خلفاؤه الراشدون من بعده رضي الله عنهم. ولهذا فإن الدولة التي تقوم على عقيدة الإسلام ملزمة ـ بحكم مسؤوليتها عن إقامة شرع الله ـ بالسير على هذه القواعد والالتزام بها في كل علاقاتها. ونبين فيما يأتي هذه الأسس والقواعد الكبرى التي شرعها الإسلام لتنظيم علاقات الدولة المسلمة بغيرها لكي تكون بياناً يرجع إليه في معالجة وإصلاح واقع الحال.
الأساس الأول: نشر دعوة الإسلام في العالم:
جاءت الأدلة الشرعية من كتاب وسنة تبين أن الواجب على الدولة الشرعية أن تكون علاقاتها هادفة ابتداءً إلى نشر دين الإسلام ودعوة الأمم والناس إليه قال تعالى "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" وقال "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله"، وقال "وما على الرسول إلا البلاغ المبين". وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك خير قيام حيث دعا قومه قريشاً ثم سائر العرب ودعا ملوك العرب والعجم والروم إلى هذا الدين حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً وسار صحابته رضي الله عنهم على ذلك بعده والتابعون بإحسان. ولذا فإن الأساس الأول لعلاقات الدولة الإسلامية بغيرها هو السعي لنشر الدعوة الإسلامية وهداية الناس إلى دين الله، وهذا في الحقيقة هوالعمل الأساسي للدولة الشرعية.
الأساس الثاني: توحيد المسلمين وجمع كلمتهم:
لقد بينت الآيات العديدة من كتاب الله تعالى وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم وحدة الأمة وأن المسلمين أمة من دون الناس قال تعالى "وأن هذه أمتكم أمة واحدة"وقال تعالى "والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم" وقال عليه الصلاة والسلام "مثل المسلمين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد..الحديث"، وعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأمرائه "وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين"...فهذه الآيات والأحاديث تدل على وجوب وحدة المسلمين والسعي إلى جمع كلمتهم، وأن ذلك من أسس تنظيم علاقات الدولة الشرعية بغيرها.
الأساس الثالث: نصرة قضايا المسلمين:
جاءت الآيات والأحاديث تبين أن الدولة الشرعية مسؤولة عن نصرة المسلمين المظلومين والذود عنهم والدفاع عن حقوقهم قال الله تعالى "والذين لم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر..الآية" وقال صلى الله عليه وسلم "انصر أخاك ظالماً أومظوماً" وقال " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه". فهذه الأدلة تبين وجوب نصرة المسلمين بعضهم بعضاً. ولهذا فإنه من المتعين على الدولة الشرعية أن تكون قائمة بهذا الواجب العظيم ومسؤولة أمام الأمة عن إقامته وتحقيقه.
وبناء على هذا التأصيل فإن تنظيم علاقات المسلمين في دولتهم مع غيرهم من الدول والشعوب يجب أن يُبنى على هذه القواعد وأن يُستهدى بها في رسم كافة العلاقات.

واقع العلاقات الخارجية
إن المتأمل في علاقاتنا الخارجية يلاحظ ما ىأتي:
1) تتسم علاقات المملكة مع بعض التوجهات الإسلامية ـ دولاً وحركات وأفراداً ـ أحياناً بالفتور والتجاهل والخذلان والتشويه الإعلامي أحياناً. كما كان الموقف من الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر. كما يلاحظ أن هناك تقصيراً في دعم حركات الدعوة الملتزمة بمنهج أهل السنة، وخاصة في بلاد أفريقيا وآسيا التي تتعرض لنشاط مكثف من الحركات البدعية المدعومة والنشاط التنصيري العالمي.
2) تقديم الدعم المادي والمعنوي للدول التي تحارب الدعاة وتمنع نشر الدعوة إلى الله على بصيرة مثل سوريا والسلطة الجديدة في الجزائر، أو لجهات أخرى لا تربطها مصالح ظاهرة بالمملكة.
3) الحرص على ألا تتعارض سياسة المملكة مع مصالح الأنظمة الغربية التي تقود العداء للإسلام، ويتضح ذلك في مجاراة الولايات المتحدة الأمريكية في غالب المواقف والعلاقات والقرارات مثل الاندفاع نحو عملية السلام مع اليهود.
4) عدم ثبات سياسة المملكة تجاه بعض الدول الإسلامية وغيرها حتى إنها لتظهر كأنها رد فعل مباشر وآني للحوادث المباشرة والآنية، دون الالتزام بالثوابت أو بعد النظر، مثل العلاقات مع إيران والسودان مما ينم عن عدم بناء العلاقات على الثوابت الشرعية والتخطيط الاستراتيجي.
5) سفاراتنا في الخارج يكاد ينعدم نشاطها الإسلامي، كما أن بعضها تقوم بممارسات تنبئ عن أن المسؤولين فيها لا يمثلون المملكة وتوجهاتها الإسلامية، بل ربما أعطت صورة غير حقيقية عن بلد الحرمين وتصوراً مشوهاً عن مجتمعنا المتمسك بتعاليم الإسلام السمحة.
6) انتشار ظاهرة توظيف النساء السافرات وغير المسلمات في سفاراتنا مما يزري بواقع سفاراتنا التي تمثل بلاد الحرمين الشريفين وقبلة الإسلام وقد يؤدي إلى تسرب أسرارها.
7) عدم قيام هذه السفارات بما يفترض عليها من واجب الدعوة وإبلاغ رسالة الله إلى المجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيهم خصوصاً وأن أغلبها في بلاد كافرة.
8) صرف الأموال الطائلة على شراء ذمم أشخاص، أو إسكات بعض رجال الصحافة والإعلام والسياسيين والأحزاب مما أطمعهم فينا ابتزازاً ومساومة.

سبيل الإصلاح:
وبعد أن عرضنا واقع الحال لعلاقاتنا الخارجية فإننا ننصح بما يأتي:
1) تبني سياسة الوحدة الإسلامية ودعم قضايا المسلمين في جميع المحافل الدولية في أنحاء العالم، ونقل صورة صحيحة ودقيقة عنها للأمة، ومن ثم مناصرتهم والدفاع عنهم ومواصلة الجهد لحل مشكلاتهم.
2) توثيق العلاقات مع التوجهات الإسلامية من دول وحركات وأفراد، والعمل بجد لما يؤدي لتحقيق الوحدة بين المسلمين على الكتاب والسنة ونصرة الإسلام والمسلمين.
3) قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع كل دولة تحارب الدعاة إلى الله فيها أو تضطهد الأقليات الإسلامية بها وأن تكون العلاقات مبنية على حسن تعامل تلك الدول مع الدعاة والأقليات الإسلامية.
4) التعامل بحكمة مع الدول والتكتلات والتوجهات المعادية للإسلام وعلى رأسها الأنظمة الغربية، وتجنب أي نوع من الأحلاف أو أشكال التعاون التي تخدم الأهداف الاستعمارية وتؤثر على القرار السياسي لهذا البلد.
5) إعادة النظر في وزارة الخارجية وأوضاع السفارات والسلك الدبلوماسي بحيث لا يعين إلا المؤتمنون في هذا المنصب الخطير لكي تؤدي السفارات رسالتها الإسلامية المنوطة بها.
6) العمل على إزالة جميع المظاهر التي تخالف تعاليم الإسلام وقيمه الصحيحة من سفاراتنا.
7) استقطاب الطاقات الإسلامية من جميع أنحاء العالم وتوظيفها في خدمة الإسلام وتوفير العيش الكريم لهم. وكذلك إيواء المضطهدين من الدعاة والمصلحين وتوفير الحماية لهم.
8) زيادة المنح للدراسة في جامعات المملكة ومعاهد اللغة العربية للطلاب المسلمين من كافة الجنسيات والأقطار وإعدادهم للقيام بواجب الدعوة.
9) عرض الإسلام في المحافل الدولية والدعوة إليه على أنه دين شامل يحمل الحلول الناجعة لأزمات البشرية ويقودها إلى ما فيه سعادتها في دنياها وآخرتها.


مستر 28-06-2001 05:36 PM

وختاماً
 

نسأل الله أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته.. ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر وتقال فيه كلمة الحق لا يخشى قائلها في الله لومة لائم.. ونسأله أن يوفق ولاة الأمر للعمل بكتابه واتباع شرعه، كما نسأله أن يقر أعيننا بنصرة الإسلام وصلاح أحوال المسلمين في كل مكان وأن يعيد لهذه الأمة العظيمة سابق عزها ومجدها..إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
http://www.saudireport.org

yazeed6 28-06-2001 06:02 PM

شكرا جزيلا يا اخ مستر
 
السلام عليكم ,,,
نشكرك على نشر مذكرة النصيحة ...
وجزاك الله خير

حذام 30-06-2001 06:27 PM

يعطيك العافية .
 


ماشاء الله عليك .

حذام 30-06-2001 06:29 PM

يعطيك العافية .
 

ماشاء الله عليك .

مستر 01-07-2001 05:32 PM

الاخ
yazeed6


شكرا لك


الاخ
حذام


الله يعافيك مرتين :)


تحياتي

حذام 02-07-2001 04:23 PM

فضلا لاأمرا ....
 


الأخت لو سمحت .

مستر 04-07-2001 04:22 AM

الاخت حذام
 
عذرا

شكرا لكي مرة اخري


هنالك من لم اسمع له صوتا


تحياتي


الساعة الآن » 10:34 PM.

Powered by: vBulletin Version 3.0.16
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.