تسجيل الدخول

View Full Version : حوار مع شاب غير ملتزم@@(3)


معوال
10-06-2001, 12:30 AM
وإليك البديل :
اسمح لي أن أكون أكثر صراحةً معك هذه المرة إن من أكثر ما يعيق الشاب عن الاستقامة هو شعوره أنه سيفقد الشهوات التي كان يتمتع بها ، أو قل : عجزه عن السيطرة على شهوات نفسه ، والتخلي عنها ، أليس كذلك ؟
إن المسلم ابتداء يلتزم بأمر الله عز وجل ، لأنه أمر الله ، والتزامه لا يتوقف على اقتناعه بالحكمة أو ما وراء ذلك ، ومع ذلك فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ، إنك تقرأ القرآن الكريم ، ومما تقرأ فيه : " إنا أنشأناهن إنشاءً * فجعلناهن أبكاراً * عرباً أتراباً * لأصحاب اليمين " [ الواقعة : 35 ، 38 ] ويحدثنا صلى الله عليه وسلم عن وصف حي لنساء الجنة : " أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والذين على آثارهم ، كأحسن كوكب دري في السماء إضاءة ، قلوبهم على رجل واحد ، لا تباغض بينهم ولا تحاسد ، لكل امريء زوجتان من الحور العين ، يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم " ( رواه البخاري 3254 ومسلم 2834 ) وفي الحديث الآخر : " ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لملأت ما بينها ولملأته ريحاً ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " ( رواه البخاري 2796 ) أفترى هذا البديل الأخروي خير لك أم البديل العاجل ؟ إنك حين تدرك ذلك تعلم مبلغ الحماقة ، والسخف الذي يرتكبه أولئك الذين يمتعون أنفسهم بالمتاع العاجل في هذه الدنيا ، وقد يخسرون حينها النعيم المقيم في الدار الآخرة .

وعن شبابه فيم أبلاه :
لا أشك أخي الكريم أنك تحفظ قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة حتى يسال عن خمس : عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، وماله من أين اكتسبه ، وفيم أنفقه ، وماذا عمل فيما علم " ( رواه الترمذي 2416 ) وحين تفكر ملياً في واقعنا فهل سنجد فيه الإجابة المقنعة عن هذه الفقرة " شبابه فيم أبلاه " أمام من لا تخفى عليه خافية ؟ وهل حالنا الآن مع عمر الشباب تؤهل لاجتياز هذا الامتحان ؟ إن واقعنا الآن يستحي أحدنا من الحديث عنه أما الآخرين ويستتر على ما فيه فكيف به حين تكشف السرائر والخفايا أمام الملك العلاّم ؟ ألا ترى أن أمامك الفرصة للتغيير من واقعك واغتنام الشباب للإعداد لهذا الامتحان يوم العرض الأكبر ؟

كن أحد السبعة :
في يوم القيامة تزداد الأهوال مع الناس ، ويبلغ الكرب مداه ، ومن كروب يوم القيامة ما وصفه صلى الله عليه وسلم في حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه : " تدنى الشمس يوم القيامة من الخلائق حتى تكون منهم كمقدار ميل ، قال سليم بن عامر – أحد رواة الحديث – فوالله ما أدري ما يعني بالميل ، أمسافة الأرض ؟ أم الميل الذي تكتحل به العين ، قال : فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق ، فمنهم من يكون إلى كعبيه ، ومنهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يكون إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً ، قال : وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه " ( رواه مسلم 2864 ) وفي هذا الموقف الرهيب يكرم الله سبحانه وتعالى طائفة من عباده ، فيظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، كما أخبر صلى الله عليه وسلم : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : الإمام العادل ، وشاب نشأ في عبادة ربه ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " ( رواه البخاري 660 ومسلم 1031 ) فهلا تساءلت بجد : ما الذي يمنعني أن أكون من هؤلاء ؟ إنهم بشر فيهم صفات البشر ونوازعهم ، لكنهم انتصروا على دواعي الهوى ، فاستقاموا على طاعة الله وأنت أخي الكريم حين تتخلى عن طريق الغواية والغفلة وتسير في ركاب الصالحين يصدق عليك أنك شاب نشأ في عبادة الله فتستحق بإذن الله هذه المنزلة والنعيم .
إن أولئك الشباب الذين يمتعون أنفسهم بالحرام ، وإن وجدوا غاية اللذة والمتعة ، إنهم يخسرون أعظم خسارة ، ويستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ، إذ يضيعون هذه الفرصة على أنفسهم ، لقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن قيمة متاع الدنيا في مقابل متاع الآخرة إذ قال : " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة ، فيصبغ في النار صبغة ثم يقال : هل رأيت خيراً قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة ، فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له : يا ابن آدم ، هل رأيت بؤساً قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ، ما مر بي بؤس قط ، ولا رأيت شدة قط " ( رواه مسلم ) فبادر أخي الكريم لعل هذه الصفة أن تتحقق فيك فيكرمك ربك هذه الكرامة .

لا تنتظر الموعد الموهوم فقد تكون النهاية :
لو طرحت هذا السؤال على جمع من الشباب : ( ما السبب في استقامتك والتزامك ؟ ) لأجابك أكثر من شخص أنه كان وراء ذلك حادث أصابه ، أو موت قريب ، أو زميل ، فأحدث لديه هزة عنيفة دفعته لاتخاذ ذلك القرار ، ولا شك أن اتعاظ الشاب بما يحدث له أو لغيره واستيقاظه أمر مطلوب ، لكن أن يعلق الشاب التزامه واستقامته بمثل هذه الحوادث ، فهذا سلوك لا يملك أي نسبة من الصحة ، إن ثمت عدد غير قليل من الشباب يدرك خطأ طريقه ، وحاجته إلى تصحيح المسار ، لكنه يعلق هذا القرار لحين تجيء فيه المناسبة ، إن هذا المسلك مع عدم شرعيته ، قد يقود لنتيجة خطيرة ، فأنت تنتظر حادثاً لك قد تكون فيه نهايتك وحتفك ، أو تنتظر موت زميل لك أو قريب ، فقد تكون أنت ذلك المتوفى ويتعظ غيرك بك ، والأمر – أخي الكريم – ليس فيه مجال للمخاطرة ، لأنه يعني باختصار خسارة الدنيا والآخرة ، وليس هناك إلا فرصة واحدة لا تتكرر .

لا تقنط من رحمة الله :
يظل الماضي القاتم حاجزاً بين بعض الشباب والتوبة والاستقامة ، وتتسارع في ذهنه حين يفكر في التوبة تلك المشاهد المؤلمة من حياته من الجرأة على المعصية ، والتخلي عن الطاعة لله سبحانه ، لتقف عقبة كأداء في طريقه ، ولسنا بحاجة إلى الجدل العقلي ، أو وجهات النظر البشرية لتحطيم هذا الحاجز ، فما ترك الله من خير نحتاج إليه إلا وبينه لنا في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وحين نعود إلى القرآن الكريم نقرأ فيه الدعوة إلى التوبة والإقبال عليه :
أ – فقد دعا الله سبحانه إلى التوبة من تجرأ على الشرك ، وقتل النفس ، والفواحش ، فقال : " والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً * ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلىالله متاباً " [ الفرقان : 68 : 71 ]
ب – ودعا الله إلى التوبة المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار : " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً * إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً " [ النساء : 145 ، 146 ]
جـ – ودعا إلى التوبة أولئك الذين ارتكبوا أبشع جرم فتجرأوا على ذات الله سبحانه وتعالى فنسبوا الولد له : " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم * أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم " [ المائدة : 73 ، 74 ]
د – بل القنوط واليأس من رحمة الله من صفات الكافرين : " ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " [ يوسف : 87 ] وينهى الله عباده في كتابه أن يصيبهم شعور اليأس من رحمة الله : " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم " [ الزمر : 53 ] فيخاطبهم الله بهذا اللفظ المحبب الذي يشعرهم بالقرب منه سبحانه وتعالى : " يا عبادي " وحتى لا تتحول هذه الدعوة للتوبة إلى رجاء خادع ووهم كاذب يعقب القرآن على تلك الدعوة للتوبة : " وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون * واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون " [ الزمر : 54 ، 55 ]
هـ – بل أمر التوبة – أخي الكريم – فوق ذلك ، فأصغ سمعك إلى ما يقوله صلى الله عليه وسلم : " لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها ، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته – فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح " ( رواه البخاري 7512 ومسلم 1016 من حديث أنس ومن حديث ابن مسعود ورواه مسلم من حديث البراء ، ومن حديث النعمان بن بشير والترمذي من حديث أبي هريرة ) إذاً بعد ذلك : هل يبقى مكان لذلك الوهم ، أو الحاجز المصطنع ؟ فبادر بالتوبة والإقبال على الله ، وإياك والتسويف فلا تدري ماذا في الغد من المقدور " أن تقول نفي يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين * أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين " [ الزمر : 56 ، 58 ]

إنه قرار واحد :
إن الاقتناع بخطأ طريق الغفلة والممارسة الشاذة والسلوك المنحرف ، أمر يشترك فيه الكثير من الشباب ممن هم كذلك ، بل تجد أكثرهم يقتنع بحاجته إلى الالتزام والاستقامة ، ولكن هذا القرار الشجاع الحاسم يقف المرء معه متردداً متهيباً .
لست أدري ما مصدر هذا التردد ؟ ما دام الاقتناع قد تكوّن لدى الشاب بخطأ طريقه ، وسلامة الطريق الآخر ، لماذا ينتظر ؟ إنه التخوف الذي لا مبرر له .
القضية باختصار أخي الشاب قرار جريء وشجاع تتخذه وبعد ذلك يتغير مجرى حياتك تلقائياً ، ويهون ما بعده ، فهل تعجز عن اتخاذ هذا القرار ؟ لا إخالك كذلك وأنت الشاب الجريء في حياتك كلها ، واسأل من كانوا شركاء لك في الماضي ، فاتخذوا القرار وسلكوا طريق الهداية .
إني أعظك موعظة مشفق ، وأنصحك نصيحة محب : إن اتخاذ القرار بالالتزام والاستقامة أهون عليك والله من تحمل ثقل الأوزار وتبعة الفسوق في يوم يحتاج الناس فيه للحسنة الواحدة ، في يوم يقف فيه العبد بين يدي ربه كما قال صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن فلا يرى إلا ما قدم من عمله ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ، فاتقوا النار ولو بشق تمرة " ( رواه البخاري 7512 ومسلم 1016 ) أختم رسالتي أخي الشاب إليك وأنا بانتظار أن يحمل البريد لي رسالة البشرى منك ، ( أبشرك أني سلكت طريق الاستقامة ، والتزمت بأوامر الله ) أسأل الله أن يهدينا وإياك لصراطة المستقيم ، ويثبتنا عليه إنه سميع مجيب .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .


محمد بن عبدالله الدويش
ص . ب : 52960 الرياض 11573

عاشقة المحال
10-06-2001, 02:43 PM
موضوع رائع وجزاك الله الف خير لحرصك على شباب الامة