معوال
10-06-2001, 12:25 AM
حوار مع شاب غير ملتزم
المقدمة :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..
أما بعد :
فقد أدرك الأعداء وهم يستهدفون اقتلاع جذور هذه الأمة أن عدتها وقوتها في شبابها ، فوجَّهوا سهامهم إليهم مستهدفين إخراج جيل من الشباب بعيد عن دينه ، غارق في أوحال الفساد والشهوات ، فأنتجت هذه الجهود في ظل غياب مذهل لحماة الأمة جيلاً لست بحاجة إلى أن أحدثك عنه ، فأنت أعلم مني بحاله ، وهذا الجيل مهما بدر منه فبيننا وبينه حبل لا ينقطع ، ولا يزال يمثل عضواً في جسد الأمة ، وله علينا حق أخوة الإسلام .
والأغلب والأعم من هؤلاء يدرك تمام الإدراك أنه قد جانب الطريق ، وحاد عن المحجة ، ويقتنع دون شك بخطأ طريقه وخطورة مسلكه .
وطالما طرحت هذا السؤال على كثير من الشباب الذين لما يسلكوا طريق الاستقامة بعد : ما الذي يحول بينك وبين الالتزام والاستقامة ؟ ألست مقتنعاً بضرورة سلوك هذا الطريق ؟ فأجابني عامة من طرحت عليهم هذا السؤال : أن اقتناعي بضرورة سلوك هذا الطريق يساوي تماماً اقتناعي بخطأ الطريق الذي أنا أسلكه .
إذاً فالكثير من الشباب مهما حاد عن طريق الاستقامة وارتكب من الموبقات ، فالأمل يحدوه بالعودة إلى الجادة ولزوم المحجة ومن ثم كان من حق هؤلاء الشباب علينا أن نخاطبهم ، وأن نأخذ بأيديهم لسلوك هذا الطريق ، فكان هذا الحوار ، سلكت فيه سبيل المصارحة والحديث تحت ضوء الشمس ، وآمل أن تتفضل بقراءة وجهة نظري بكل تجرد وموضوعية ، وأحسب حينئذ أن نقاط الاتفاق بيني وبينك ستكون أكثر من نقاط الاختلاف ، وأن اختلافك معي في قضية من القضايا لا يعني إهمال وإلغاء جميع ما توافقني عليه .
محمد بن عبد الله الدويش
الزلفي 12 \ 4 \ 1416 هـ
لماذا هذه الرسالة ؟!
لماذا نخصك بالحديث أخي الشاب ؟ من حقك أن تسأل هذا السؤال ، ومن واجبنا أن نجيبك على تساؤلك .
1- نوجه لك هذا الحديث ونخصك بهذه الرسالة انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " أنت أخ لنا مهما بدر منك من قصور ، أو كان لديك من معصية ، وما دمت تحت دائرة الإسلام فثمت حبل موصول بيننا وبينك لن ينقطع ، إننا حين نرى أحوال بعض الشباب لا تزال مشاعر محبة الخير لهم ، والتفاؤل بنقلهم إلى حياة سعيدة – لا تزال هذه المشاعر – تدفعنا دفعاً ، وتسوقنا سوقاً لنتقدم لهم ونخاطبهم ، ومن حقك بعد ذلك أن تصل لأي نتيجة أو اقتناع ، فما يقتنع به المرء لا يملى عليه إملاءً ، أو يفرض عليه فرضاً .
2- هذه الهداية التي منَّ الله بها على من شاء من عباده ليست منهم ، ولا بأيديهم ، ولم يحصلوها يوماً من الأيام بمال أو ذكاء ، ولا قدرة عقلية ، إنها أولاً وأخيراً نعمة من الله وحده ، ومنَّة منه سبحانه ، أليس من واجبنا تجاه هذه النعمة ومن شكرها أن نسعى في نقلها للآخرين ؟ فها نحن نرى أنا سلكنا طريقاً لم يكن لنا فيه فضل ، فمن واجبنا تجاه من نراه قد جانب هذا الطريق أن ندله على المسار الصحيح .
3- إن لم تسمع هذه الرسالة منَّا فممن تريد سماعها ؟ من اليهود والنصارى ؟ أم من أعدائك الذين سجلوا لك الأفلام الساقطة وصوروا لك الصور الخالعة ، ووظَّفوا كل ما تفتق عنه العصر من تقنية ومدنية ليلقوك أسيراً في حمأة الشهوة ؟ أم من مروجي وسائل الإثارة ، الذين أثروا – وتوافقنا على ذلك – وجمعوا المال على أشلاء عفة الكثير من الشباب والفتيات ، وعلى حساب كل خُلُق فاضل ونظيف ؟ أم من زملائك في العبث واللهو الفاسد ، الذين يسهلون لك الطريق ، ويدفعونك نحوه دفعاً ؟
أظن أنك أخي الشاب توافقني أن هؤلاء جميعاً – مع احترامي لأصدقائك – لا يمكن أن تسمع منهم هذه الكلمة ، ولا يمكن أن يسعوا لإنقاذك .
فليس ثمَّ إلاَّ أخٌ لك في الدين والعقيدة ، لا تشك أنت في مقاصِده ، ولا تتردد في نياته ، أخذ يصيح بك ليوقظك ، وقد يكون صوته مزعجاً ، وإيقاظه لك غير مناسب ، ولكن علَّك تلتمس له العذر ، فإن شدة قلقه عليك وعمق حرصِهِ قد يدفعه إلى شيء من القسوة فاحتملها فهي قسوة المحب .
فسا ليزدجروا ، ومن يك حازماً
فليقس أحياناً على من يرحم
وقد ذقنا أخي الكريم مرارة التستر على العيوب ، ولمسنا شؤم دفن الأخطاء باسم المجاملة .
ماذا يريدون منك ؟
لقد رأيتهم كثيراً ، وقابلتهم وزاملتهم ، كم وجهوا لك من نصيحة ؟ وربما دعوك لحضور محاضرة أو درس ، أو لمشاركتهم في بعض لقاءاتهم الخيرة ، وكم امتدت يد أحدهم إليك ليهديك شريطاً أو كتاباً ؟ وقبل ذلك امتدت هذه اليد إلى جيب صاحبها لتدفع ثمن الكتاب والشريط ، قد يطرح هذا السلوك لديك تساؤلاً : لِمَ هذا كله وماذا يريدون مني ؟ فأستأذنك لأجيب بالنيابة عنهم ، إنِّهم يريدون باختصار :
نقلك إلى حياة السعادة الدنيوية ، وإنقاذك من نار وقودها الناس والحجارة ، وإنقاذك من سجن الشهوات وجحيم المعصية .
إن هذا هو المقصد باختصار ، والدافع بكل وضوح ، وإن أحداً لن يجني ثمرة هدايتك غيرك ، فأنت وحدك الرابح حين تسلك هذا الطريق ، وانت وحدك الخاسر حين تتخلى عنه .
حتى لا تدفع ضريبة الغفلة :
هل سمعت عن الأمراض الجنسية وآثارها ؟ تخيل معي هذا المشهد : شاب يقف عند الطبيب ليفاجئه بنتيجة التحاليل انه مصاب بمرض جنسي كيف سيفكر ؟ وكيف سيقابل الناس ؟ وهل تساوي تلك الشهوة العاجلة التي متَّع نفسه بها هذه النتيجة المؤلمة وبعد ذلك دخل المستشفى ليعيش حجراً صحياً ، ويفارق الحياة على هذه الخاتمة ، أجزم أنك تملك عقلاً يمكن أن يوقفك على هذه النتئج الوخيمة والمستقبل المدمر لمن هذه حاله ، إنَّها نهاية متوقعة لكل من يطلق العنان لشهواته المحرمة .
مشهد آخر : شاب يقبض عليه رجال الأمن أو الحسبة ، فيودع السجن ولو لأيام ، كيف سيواجه الناس بعد ذلك ؟ ومن سيزوجه ؟ أو يأتمنه ؟ ناهيك عن أنه سيفقد عمله ودراسته وكل مكاسبه الدنيوية ، أتستحق تلك الشهوة مرة أخرى أن يتعرض صاحبها لهذه المخاطر ؟ إنها هي الأُخرى نهاية يمكن أن يصل إليها من تجرأ على الممارسة المحرمة .
والعاقل أخي الكريم حين يقارن بين ما سيحصله نتيجة اتباعه لشهواته ، وبين هذه النهاية وتلك ، يدرك أن هذه النتائج الوخيمة لا يمكن أن تحتمل في مقابل تحصيل اللذة العاجلة الفانية .
هل رأيت الأخيار ؟
لا أشك أنك توافقني على أن الالتزام والاستقامة على شرع الله ينبغي أن يكون مطلب كل شاب يدين بالإسلام ، لكن البعض يرى أنه لا يطيق ذلك ولا يستطيعه ، خاصة وهو في سن الشباب وفي هذا العصر الذي يموج بالفتن والمغريات ، فإليك أخي الكريم هذه الصورة الحية التي تراها صباح مساء .
إنهم الشباب الصالحون ألم ترهم يتسابقون للمساجد حين يتسابق غيرهم للملاعب ؟ يتسابقون لحلق العلم ومجالس الدعاة حين يتسكع الآخرون في الأسواق ؟ وفي ثلث الليل الآخر يبكون بين يدي الله حين ينزل إلى السماء الدنيا ، بينما يسهر غيرهم على معصية الله ؟ ويتورع أحدهم عن الصغائر واللمم حين يفاخر سواهم بالكبائر والموبقات ؟ أجزم أنك تعرف الكثير منهم بل قد يكون زميلك في الفصل ، أو جارك في المقعد ، أو في الحي ، بل قد يكون قريباً لك ، إن لم يكن أخاً شقيقاً أحياناً .
إنهم بشر مثلك ، ولهم شهوات وتنازعهم غرائز ، وتعرض لهم الفتن وتشرع أبوابها أمام ناظريهم ، فما بالهم ينتصرون على أنفسهم ؟و وما الذي يجعلهم يستطيعون وأنت لا تستطيع ؟ بل ربما أنت أقوى شخصية من أحدهم ، وأكثر ذكاء من الآخر وفطنة إن الذي جعل هؤلاء ينتصرون على أنفسهم يمكن أن يجعلك كذلك .
ألا تعرف أحداً من هؤلاء ؟
إن نشأة أولئك في بيوت محافظة ، وصلاحهم منذ البداية حيث لم يسلكوا طريق غواية أو يمارسوا ما مارسه غيرهم ؛ إن ذلك ربما كان مصدر اعتراض البعض إذ يقول إنه قد ولغ في العصيان ، وسلك طريقاً يصعب عليه الخروج منه ، فإليك النموذج الآخر :
لقد امتدت هذه الصحوة – بحمد الله – وآتت ثمارها اليانعة فنقلت فئاماً من أولئك الشباب المعرضين إلى الهداية والاستقامة ، وكم رأينا من شبابٍ كان كذلك فأصبح من أهل الاستقامة ، والورع ، وربما كان مضرب المثل في السوء والانحراف فتبدلت حاله ، وأجزم أنك تعرف نماذج من هؤلاء ولابد ؛ بل قد يكون أحد زملائك أو أقاربك ممن كان كذلك فهداه الله ، تعرفه مفاخراً بالمعصية ، أجرأ منك على الكبيرة ، وأثقل منك عن الطاعة ، وبعد ذلك منَّ الله عليه بالهداية والاستقامة ، فكيف يستطيع وأنت لا تستطيع ؟ وكيف يطيق وأنت لا تطيق ؟ وكيف يجتاز العوائق وأنت تنهزم أمامها ؟ أليست هذه النماذج تعطيك الاقتناع أنك قادر ؟ لست أدري ألا تهزك هذه المشاهد هزاً ؟ لتقول لك بلسان الحال :
أفاق الناس ولا زلت غافلاً ، استيقظوا وأنت نائم ، فهُبَّ وشارك الركب والحق بالمسيرة .
إليك البرهان من حياتك الخاصة :
ربما يعترض البعض من الشباب على هذه النماذج ويرى أنها تصدق على أولئك الذين استطاعوا الانتصار على أنفسهم أما هو فله شأن آخر ، فهو لا يطيق ما أطاقوا ، وهو منطق وإن كان أقرب للمكابرة منه للحقيقة ، إلا أنك تجد الدليل على بطلانه من حياة هذا الشاب الخاصة فهو يصوم شهر رمضان مثلاً ، وربما استيقظ للسحور متأخراً ، فما أن يسمع الأذان حتى يمسك ، ويمر به نهار الصيام ، وقد يصيبه الجوع والعطش ، وقد تدعوه دواعي الشهوة لخرق سياج الصوم ، لكنَّه لا يتجرأ على ذلك ، وحين يحين موعد الإفطار يجلس أمام المائدة ولا يتجرأ على مد يده إليها حتى يؤذِّن المؤذن ، بل ربما تساءل عن بعض المواقف التي تمر عليه في نهار رمضان هل تؤثر على صيامه أم لا ؟ أليس في هذا الانضباط العجيب والورع عن المفطرات دليل على أنه قادر على أن ينتصر على نفسه حين يريد ذلك ؟ وفيه البرهان على أن دعوى عدم القدرة وهم كاذب يزينه له الشيطان ونفسه الأمَّارة بالسوء .
المقدمة :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..
أما بعد :
فقد أدرك الأعداء وهم يستهدفون اقتلاع جذور هذه الأمة أن عدتها وقوتها في شبابها ، فوجَّهوا سهامهم إليهم مستهدفين إخراج جيل من الشباب بعيد عن دينه ، غارق في أوحال الفساد والشهوات ، فأنتجت هذه الجهود في ظل غياب مذهل لحماة الأمة جيلاً لست بحاجة إلى أن أحدثك عنه ، فأنت أعلم مني بحاله ، وهذا الجيل مهما بدر منه فبيننا وبينه حبل لا ينقطع ، ولا يزال يمثل عضواً في جسد الأمة ، وله علينا حق أخوة الإسلام .
والأغلب والأعم من هؤلاء يدرك تمام الإدراك أنه قد جانب الطريق ، وحاد عن المحجة ، ويقتنع دون شك بخطأ طريقه وخطورة مسلكه .
وطالما طرحت هذا السؤال على كثير من الشباب الذين لما يسلكوا طريق الاستقامة بعد : ما الذي يحول بينك وبين الالتزام والاستقامة ؟ ألست مقتنعاً بضرورة سلوك هذا الطريق ؟ فأجابني عامة من طرحت عليهم هذا السؤال : أن اقتناعي بضرورة سلوك هذا الطريق يساوي تماماً اقتناعي بخطأ الطريق الذي أنا أسلكه .
إذاً فالكثير من الشباب مهما حاد عن طريق الاستقامة وارتكب من الموبقات ، فالأمل يحدوه بالعودة إلى الجادة ولزوم المحجة ومن ثم كان من حق هؤلاء الشباب علينا أن نخاطبهم ، وأن نأخذ بأيديهم لسلوك هذا الطريق ، فكان هذا الحوار ، سلكت فيه سبيل المصارحة والحديث تحت ضوء الشمس ، وآمل أن تتفضل بقراءة وجهة نظري بكل تجرد وموضوعية ، وأحسب حينئذ أن نقاط الاتفاق بيني وبينك ستكون أكثر من نقاط الاختلاف ، وأن اختلافك معي في قضية من القضايا لا يعني إهمال وإلغاء جميع ما توافقني عليه .
محمد بن عبد الله الدويش
الزلفي 12 \ 4 \ 1416 هـ
لماذا هذه الرسالة ؟!
لماذا نخصك بالحديث أخي الشاب ؟ من حقك أن تسأل هذا السؤال ، ومن واجبنا أن نجيبك على تساؤلك .
1- نوجه لك هذا الحديث ونخصك بهذه الرسالة انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " أنت أخ لنا مهما بدر منك من قصور ، أو كان لديك من معصية ، وما دمت تحت دائرة الإسلام فثمت حبل موصول بيننا وبينك لن ينقطع ، إننا حين نرى أحوال بعض الشباب لا تزال مشاعر محبة الخير لهم ، والتفاؤل بنقلهم إلى حياة سعيدة – لا تزال هذه المشاعر – تدفعنا دفعاً ، وتسوقنا سوقاً لنتقدم لهم ونخاطبهم ، ومن حقك بعد ذلك أن تصل لأي نتيجة أو اقتناع ، فما يقتنع به المرء لا يملى عليه إملاءً ، أو يفرض عليه فرضاً .
2- هذه الهداية التي منَّ الله بها على من شاء من عباده ليست منهم ، ولا بأيديهم ، ولم يحصلوها يوماً من الأيام بمال أو ذكاء ، ولا قدرة عقلية ، إنها أولاً وأخيراً نعمة من الله وحده ، ومنَّة منه سبحانه ، أليس من واجبنا تجاه هذه النعمة ومن شكرها أن نسعى في نقلها للآخرين ؟ فها نحن نرى أنا سلكنا طريقاً لم يكن لنا فيه فضل ، فمن واجبنا تجاه من نراه قد جانب هذا الطريق أن ندله على المسار الصحيح .
3- إن لم تسمع هذه الرسالة منَّا فممن تريد سماعها ؟ من اليهود والنصارى ؟ أم من أعدائك الذين سجلوا لك الأفلام الساقطة وصوروا لك الصور الخالعة ، ووظَّفوا كل ما تفتق عنه العصر من تقنية ومدنية ليلقوك أسيراً في حمأة الشهوة ؟ أم من مروجي وسائل الإثارة ، الذين أثروا – وتوافقنا على ذلك – وجمعوا المال على أشلاء عفة الكثير من الشباب والفتيات ، وعلى حساب كل خُلُق فاضل ونظيف ؟ أم من زملائك في العبث واللهو الفاسد ، الذين يسهلون لك الطريق ، ويدفعونك نحوه دفعاً ؟
أظن أنك أخي الشاب توافقني أن هؤلاء جميعاً – مع احترامي لأصدقائك – لا يمكن أن تسمع منهم هذه الكلمة ، ولا يمكن أن يسعوا لإنقاذك .
فليس ثمَّ إلاَّ أخٌ لك في الدين والعقيدة ، لا تشك أنت في مقاصِده ، ولا تتردد في نياته ، أخذ يصيح بك ليوقظك ، وقد يكون صوته مزعجاً ، وإيقاظه لك غير مناسب ، ولكن علَّك تلتمس له العذر ، فإن شدة قلقه عليك وعمق حرصِهِ قد يدفعه إلى شيء من القسوة فاحتملها فهي قسوة المحب .
فسا ليزدجروا ، ومن يك حازماً
فليقس أحياناً على من يرحم
وقد ذقنا أخي الكريم مرارة التستر على العيوب ، ولمسنا شؤم دفن الأخطاء باسم المجاملة .
ماذا يريدون منك ؟
لقد رأيتهم كثيراً ، وقابلتهم وزاملتهم ، كم وجهوا لك من نصيحة ؟ وربما دعوك لحضور محاضرة أو درس ، أو لمشاركتهم في بعض لقاءاتهم الخيرة ، وكم امتدت يد أحدهم إليك ليهديك شريطاً أو كتاباً ؟ وقبل ذلك امتدت هذه اليد إلى جيب صاحبها لتدفع ثمن الكتاب والشريط ، قد يطرح هذا السلوك لديك تساؤلاً : لِمَ هذا كله وماذا يريدون مني ؟ فأستأذنك لأجيب بالنيابة عنهم ، إنِّهم يريدون باختصار :
نقلك إلى حياة السعادة الدنيوية ، وإنقاذك من نار وقودها الناس والحجارة ، وإنقاذك من سجن الشهوات وجحيم المعصية .
إن هذا هو المقصد باختصار ، والدافع بكل وضوح ، وإن أحداً لن يجني ثمرة هدايتك غيرك ، فأنت وحدك الرابح حين تسلك هذا الطريق ، وانت وحدك الخاسر حين تتخلى عنه .
حتى لا تدفع ضريبة الغفلة :
هل سمعت عن الأمراض الجنسية وآثارها ؟ تخيل معي هذا المشهد : شاب يقف عند الطبيب ليفاجئه بنتيجة التحاليل انه مصاب بمرض جنسي كيف سيفكر ؟ وكيف سيقابل الناس ؟ وهل تساوي تلك الشهوة العاجلة التي متَّع نفسه بها هذه النتيجة المؤلمة وبعد ذلك دخل المستشفى ليعيش حجراً صحياً ، ويفارق الحياة على هذه الخاتمة ، أجزم أنك تملك عقلاً يمكن أن يوقفك على هذه النتئج الوخيمة والمستقبل المدمر لمن هذه حاله ، إنَّها نهاية متوقعة لكل من يطلق العنان لشهواته المحرمة .
مشهد آخر : شاب يقبض عليه رجال الأمن أو الحسبة ، فيودع السجن ولو لأيام ، كيف سيواجه الناس بعد ذلك ؟ ومن سيزوجه ؟ أو يأتمنه ؟ ناهيك عن أنه سيفقد عمله ودراسته وكل مكاسبه الدنيوية ، أتستحق تلك الشهوة مرة أخرى أن يتعرض صاحبها لهذه المخاطر ؟ إنها هي الأُخرى نهاية يمكن أن يصل إليها من تجرأ على الممارسة المحرمة .
والعاقل أخي الكريم حين يقارن بين ما سيحصله نتيجة اتباعه لشهواته ، وبين هذه النهاية وتلك ، يدرك أن هذه النتائج الوخيمة لا يمكن أن تحتمل في مقابل تحصيل اللذة العاجلة الفانية .
هل رأيت الأخيار ؟
لا أشك أنك توافقني على أن الالتزام والاستقامة على شرع الله ينبغي أن يكون مطلب كل شاب يدين بالإسلام ، لكن البعض يرى أنه لا يطيق ذلك ولا يستطيعه ، خاصة وهو في سن الشباب وفي هذا العصر الذي يموج بالفتن والمغريات ، فإليك أخي الكريم هذه الصورة الحية التي تراها صباح مساء .
إنهم الشباب الصالحون ألم ترهم يتسابقون للمساجد حين يتسابق غيرهم للملاعب ؟ يتسابقون لحلق العلم ومجالس الدعاة حين يتسكع الآخرون في الأسواق ؟ وفي ثلث الليل الآخر يبكون بين يدي الله حين ينزل إلى السماء الدنيا ، بينما يسهر غيرهم على معصية الله ؟ ويتورع أحدهم عن الصغائر واللمم حين يفاخر سواهم بالكبائر والموبقات ؟ أجزم أنك تعرف الكثير منهم بل قد يكون زميلك في الفصل ، أو جارك في المقعد ، أو في الحي ، بل قد يكون قريباً لك ، إن لم يكن أخاً شقيقاً أحياناً .
إنهم بشر مثلك ، ولهم شهوات وتنازعهم غرائز ، وتعرض لهم الفتن وتشرع أبوابها أمام ناظريهم ، فما بالهم ينتصرون على أنفسهم ؟و وما الذي يجعلهم يستطيعون وأنت لا تستطيع ؟ بل ربما أنت أقوى شخصية من أحدهم ، وأكثر ذكاء من الآخر وفطنة إن الذي جعل هؤلاء ينتصرون على أنفسهم يمكن أن يجعلك كذلك .
ألا تعرف أحداً من هؤلاء ؟
إن نشأة أولئك في بيوت محافظة ، وصلاحهم منذ البداية حيث لم يسلكوا طريق غواية أو يمارسوا ما مارسه غيرهم ؛ إن ذلك ربما كان مصدر اعتراض البعض إذ يقول إنه قد ولغ في العصيان ، وسلك طريقاً يصعب عليه الخروج منه ، فإليك النموذج الآخر :
لقد امتدت هذه الصحوة – بحمد الله – وآتت ثمارها اليانعة فنقلت فئاماً من أولئك الشباب المعرضين إلى الهداية والاستقامة ، وكم رأينا من شبابٍ كان كذلك فأصبح من أهل الاستقامة ، والورع ، وربما كان مضرب المثل في السوء والانحراف فتبدلت حاله ، وأجزم أنك تعرف نماذج من هؤلاء ولابد ؛ بل قد يكون أحد زملائك أو أقاربك ممن كان كذلك فهداه الله ، تعرفه مفاخراً بالمعصية ، أجرأ منك على الكبيرة ، وأثقل منك عن الطاعة ، وبعد ذلك منَّ الله عليه بالهداية والاستقامة ، فكيف يستطيع وأنت لا تستطيع ؟ وكيف يطيق وأنت لا تطيق ؟ وكيف يجتاز العوائق وأنت تنهزم أمامها ؟ أليست هذه النماذج تعطيك الاقتناع أنك قادر ؟ لست أدري ألا تهزك هذه المشاهد هزاً ؟ لتقول لك بلسان الحال :
أفاق الناس ولا زلت غافلاً ، استيقظوا وأنت نائم ، فهُبَّ وشارك الركب والحق بالمسيرة .
إليك البرهان من حياتك الخاصة :
ربما يعترض البعض من الشباب على هذه النماذج ويرى أنها تصدق على أولئك الذين استطاعوا الانتصار على أنفسهم أما هو فله شأن آخر ، فهو لا يطيق ما أطاقوا ، وهو منطق وإن كان أقرب للمكابرة منه للحقيقة ، إلا أنك تجد الدليل على بطلانه من حياة هذا الشاب الخاصة فهو يصوم شهر رمضان مثلاً ، وربما استيقظ للسحور متأخراً ، فما أن يسمع الأذان حتى يمسك ، ويمر به نهار الصيام ، وقد يصيبه الجوع والعطش ، وقد تدعوه دواعي الشهوة لخرق سياج الصوم ، لكنَّه لا يتجرأ على ذلك ، وحين يحين موعد الإفطار يجلس أمام المائدة ولا يتجرأ على مد يده إليها حتى يؤذِّن المؤذن ، بل ربما تساءل عن بعض المواقف التي تمر عليه في نهار رمضان هل تؤثر على صيامه أم لا ؟ أليس في هذا الانضباط العجيب والورع عن المفطرات دليل على أنه قادر على أن ينتصر على نفسه حين يريد ذلك ؟ وفيه البرهان على أن دعوى عدم القدرة وهم كاذب يزينه له الشيطان ونفسه الأمَّارة بالسوء .