PDA

View Full Version : حكـاية


حارس السراب
21-05-2001, 08:44 PM
http://www.palestine-info.net/arabic/photogallery/photo/shohada/4a.jpg
يحكون في بلادنا

يحكون في شجن


عن صاحبي الذي مضى

وعاد في كفن

****

كان اسمه ؟

لا تذكروا اسمه

خلوه في قلوبنا

لا تدعوا الكلمة تضيع في الهواء كالرماد

خلوه جرحا راعفا لا يعرف الضماد

***


أخاف يا أحبتي .. أخاف يا أيتام

أخاف أن ننساه في زحمة الأسماء

أخاف أن يذوب في زوابع الشتاء

أخاف أن تذوب في قلوبنا

جراحنا

أخاف أن ننام



العمر .. عمر برعم لا يذكر المطر

لم يبك تحت شرفة المطر

لم يوقف الساعات بالسهر

وما تداعت عند حائط يديه



ولم تسافر خلف شهوة عيناه

ولم يُقبّل حُلوة : الله !

غير مرتين !

لم تلتفت إليه ..

ما أعطته إلا طرف عين

كان الفتى صغيرا

فغاب عن طريقها

ولم يفكر بالهوى كثيرا

***


يحكون في بلادنا

يحكون في شجن

عن صاحبي الذي مضى

وعاد في كفن



ما قال حين زغردت خطاه خلف الباب

لأمه الوداع

ما قال للأحباب للأصحاب

موعدنا غدا



ولم يضع رسالة .. كعادة المسافرين

تقول إني عائدٌ

وتسكت الظنون

ولم يخط كلمةً

تضىء ليل أمه التي ..

تخاطب الأسماء والأشياء


تقول : يا وسادة السرير

يا حقيبة الثياب

يا ليل ! يا نجوم ! يا إله يا سحاب

"أما رأيتم شاردا عيناه نجمتان ؟

يداه سلتان من ريحان

وصدره وسادة النجوم والقمر

وشعره أرجوحة للريح والزهر

أما رأيتم شاردا

مسافراً .. لا يحسن السفر !


راح بلا زواّدة


من يطعم الفتى

إن جاع في طريقه ؟!



من يرحم الغريب

***


قلبي عليه في غوائل الدروب

قلبي عليك يا فتى .. يا "ولداه"


***



قولوا لها , يا ليل .. يا دروب .. يا سحاب

قولوا لها لن تحملي الجواب

فالجرح فوق الدمع

فوق الحزن والعذاب

لن تحملي .. لن تصبري كثيرا

لأنه !

لأنه مات ولم يزل صغيرا

***


يا أمه لا تقلعي الدموع من جذورها

للدمع يا والدتي .. جذور

تخاطب المساء كل يوم

تقول : يا قافلة المساء

من أين تعبرين


غصّت دروب الموت .. حين سدّها المسافرون

سُدّت دروب الحزن .. لو وقفتِ لحظتين

لحظتين !

لتمسحي الجبين والعينين وتحملي

من دمعنا تذكار


لمن قضوا من قبلنا .. أحبابنا المهاجرين



يا أمــه !

لا تقلعي الدموع من جذورها

خلّي ببئر القلب دمعتين

فقد يموت في غد أبوه

أو أخوه .. أو صديقه .. أنا



خلّي لنا

للميتين في غدٍ

لو دمعتين .. دمعتين !

***


يحكون في بلادنا عن صاحبي كثيرا

حرائقُ الرصاص في وجناته

وصدره ووجهه

لا تشرحوا الأمورَ



أنا رأيت جرحه

حدقت في أبعاده كثيرا



قلبي على أطفالنا

وكل أم تحضن الرضيع في السرير



يا أصدقاء الراحل البعيد

لا تسألوا متى يعود



بل أسالوا متى

يستيقط الرجال



محمود درويش

الهاوي55
21-05-2001, 09:33 PM
تسلم والله على ها لحكاية

الرمزية المليئة باليحاء

تحياتي

ثامر
22-05-2001, 02:28 AM
نص في منتهى الروعة ...

شكرا لهذا الإختيار الراقي ....

تحياتي...

:

: