PDA

View Full Version : الأعمى والأطرش - فلسطين 53


خد القمر
15-05-2001, 06:58 PM
<p><font size="4" face="Lucida Console"><font color="#800080">

الاعمى والاطرش
هاانت تغطس في عتمة الذاكرة كما تنطفئ الشمعة
أيها الولي القديس النائم في البرية تحت شجرته المباركة وحين ذهبت انما اخذت معك كل الشموع التي أضاءتها امي في ليلي الذي قالت لي انه سيمتد إلى الابد وقد حسبت ان العتمة ستزداد حلكة ولكنها بقيت على حالها وها انت ذا تتوغل في الماضي كأنك لم تكن قط

وطوال أيام بعد أن قتلناك تلك الليلة في أعماق البرية كنت انتصارنا الذي رد إلينا نبض الحياة في صدورنا، وها هي الأيام تمضي، فإذا بموتك يفقد نضارته وإذا بنا نحسه في أيدينا انتصارا صغيراً يذوب ويفقد توهجه أنت يا درع البؤساء الوهمي ما الذي فعلته بنا؟

كنت درعنا وكنا نحسب انك تحمينا من طعن رماح الزمن الذي تخوض في غماره ونسبح بين أنصالها، وحين إطرحناك عرفنا أننا لم نكن في غابة من الزمن وكنا واقفين على ضفته في أوجه الأنا نحن بلا درع ، ولكننا نخوض في شوك الزمن ، وفي ناره ، وفي أنديته بصدور مشرعة عارية تطعم لحمها لذلك الارتطام المخيف مع المجهول.

فأعطنا يا عبد العاطي ، أيها الولي النائم تحت بلاطة النسيان في البرية التي تعوي فيها الغربة ، القدرة على أن نكرهك ، فقد تيقنا أن موتك لا يكفي لإنه انتصار يذوب مع الأيام، طعم القضاء والقدر.

فأعطنا أيها الولي الذي صرفت من أعمارنا عمراً إضافياً لك القدرة على أن نكرهك بكل وشيجة من وشائج قلوبنا فليس أمامنا، بعد، إلا أن نحييك بالكراهية كي نقتلك مرة أخرى. فكما صرفت أنت من أعمارنا كي تعيش لا نستطيع إلا أن نصرف من موتك كي نموحك تماماً من حياتنا ثم نرتقي فوقك.

الأعمى والاطرش – رواية لم تكتمل
غسان كنفاني
<br>
</font></p>