فارس الفرسان
17-02-2001, 02:20 AM
سورة البينة
({)
) لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (
) لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ( : الكفار من يهود ونصارى ومشركين وثنيين لا يزالون على حالهم في الكفر وعلى إصرارهم على الشرك فهم في جهالة جهلاء وفي عماية وشقاء وحيرة وإعراض والتواء حتى تأتيهم بينة من الله من الشمس في رابعة النهار ، بينة لا لبس فيها ولا اختلاف بينة صادقة وحجة واضحة ودليل ساطع وبرهان قاطع.
)رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً( : هذه البينة هو محمد rالنبي العظيم والحدث العجيب ، الفرقان بين أولياء الرحمان وأولياء الشيطان ، الفاصل بين الحق والباطل ، صاحب الحجة نبي الرحمة إمام الهدى ، المعصوم من الزيغ ، المحفوظ من الغي ، جاء يتلو صحفا من الله طاهرة من كل ما يشين مكرمة من كل دنس مصونة من كل لبس مشتملة على كل خير حاوية على كل صلاح . لا كذب فيها ولا بهت ولا زور ولا فرية .
) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ( : فيها أحكام مكتوبة وقضايا مسطرة ونصائح معبرة ومواعظ مؤثرة فيها أمور ثمينة ومسائل نفيسة ، صحة في الخبر صدق في القول صلاح في العمل ، عدل في الحكم ، سعادة في الحال ، نجاة من العاقبة ، أمان من الزيغ، عصمة من الغواية ، ضمان من الشقاء ، قداسة وطهر ، حق ورشد ، خير وبر ، فلاح ونجاح .
) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ( : ما اختلف أهل الكتاب إلا من بعد ما جاءهم محمد r بغيا وحسدا ، عرفوا أنه الحق فأنكروه ، وعلموا أنه صدق فكذبوه ، تيقنوا أنه رسول فعصوه ، قرؤا صفاته في كتبهم وعرفوا علاماته في صحفهم فلما جاءهم وقد وافق الخبر المخبر والاسم المسمى والصفة الموصوف جاهروا بالتكذيب ولجوا في الإعراض واستمروا في الغواية وأمعنوا في الكيد والأذى والمحاربة والخصام .
) وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ ( : هذه هي دعوة الرسل ومهمة الأنبياء أن يعبد الله وحده لا إله إلا هو ما لنا من إله غيره ولا رب سواه وهذه دعوة الحق وأصل الأصول ورأس الأمر وأهم القضايا فلا يشرك مع الله في ألوهيته أحد كما أنه واحد في ربوبيته وأسماءه وصفاته تعالى .
)مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ( : فلا يقبل الله عمل مشرك ولا عبادة مرائي لأنه أغنى الأغنياء عن المشركين يريد أن يعبد وحده ليسأل وحده ويستعان به وحده فهو أولى من عبد وأحق من شكر وأعظم من ذكر فله الدين الخالص من كل شائبة النقي من كل شرك الطاهر من كل رياء السليم من كل نفاق.
)حُنَفَاءَ( : على ملة إبراهيم الخليل عليه السلام مستقيمين على التوحيد مائلين عن الشرك معرضين عن الوثنية قائمين بالعهد ، حافظين للميثاق ، راعين لحدود الله ، صادقين مع ربهم ، متبعين لرسولهم ، منابذين لعدوهم.
) وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ (: لا يصلون فحسب بل يقيمون الصلاة إقامة ترضي الله وتوافق السنة وتنهى عن الفحشاء والمنكر ، صلاة يعمر بها القلب وتحفظ بها الجوارح وترد بها المعاصي ، وتصلح بها الأخلاق.
) وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ( : يزكون أرواحهم بالتوحيد وأموالهم بالصدقة المفروضة فيطهرون الباطن بتزكيته من كل خبث وتنقيته من كل رجس ويزكون الظاهر بخصال الإيمان ومراسيم السنة وفضائل الأخلاق ثم يعبدون الله فيما رزقهم من أموال فيخرجون حق الله في أموالهم ليزكيها وينميها ويباركها.
) وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ( : هذه هي الملة القويمة والصراط المستقيم والمنهج السديد والمذهب الحق فهو دين الله لعباده ودعت إليه رسله وأتت به كتبه ، وسار عليه أولياؤه ، يثيب الله من سلكه ويعاقب عنه من تركه.
) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ( : ذكر أعمالهم ثم ذكر جزاؤهم ، بين أفعالهم ثم عقب بمصيرهم. عاقبتهم النار خالدين مؤبدين فيها لا يخرجون منها ولا يغاثون فيها ولا يخفف عنهم من عذابها لأن عملهم القبيح لا جزاء له إلا النار فقد فعلوا أشنع فعل وأخبث صنيع وأسوأ سعي ، كفر بالله ، صد عن منهجه ، تكذيب لرسله ، محاربة لأوليائه فماذا بقي من السوء والقبح بعد هذا فما جزاءهم إلى النار مخلدين فيها جزاءً وفاقا.
) أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ( : شر البرية هذه صفته وأسوأ الخليقة هذه علامته وهو الكفر بالله فمن فعل ذلك فهو عدو الله وأشأم عباده وأقبح خلقه ولو علا نسبه وعظم وكثر ماله وقوي سلطانه ، الميزان عند الرحمن إيمان أو كفر فمؤمن تقي وكافر شقي ، صالح أو طالح ، مصدق أو مكذب ، مهتد أو ضال لاغير.
) إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ( : هؤلاء هم صفوة الناس وخير البشر وأفضل الخليقة وهم من آمن فأتبع القول العمل ، فصلح اعتقاده وحسن قوله وجمل فعله وطاب خلقه وزكى سعيه. فمن آمن وعمل صالحا فهو الكريم من الناس مهما كان نسبه ومها كان حسبه ، قل ما له أو كثر ، صفت دنياه أو تكدرت ، العبرة إيمان وعمل صالح ، لا أسر ولا قبائل ولا شارات لا ألقاب ولا مناصب ولا أوسمة. إيمان صادق وعمل صالح وأنت من خير خلق الله إن فعلت ثم لا يضرك ما فاتك بعدها أبدا.
) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ( : ما أحسن المثوى وما أجمل العاقبة ما أجل المصير ، خلود لا موت فيه ، غنى لا فقر بعده ، صحة لا سقم معها ، سرور ولا حزن يكدره ، صفاء لا غم يشوبه ، قرة عين وراحة قلب ، سكينة نفس، نعيم جسم ، جوار رب ، مقعد صدق ، محل تكريم ، منزل نعيم ، قصر مشيد ، نور مطرد زهرة باهيه ، ثمرة يانعة ، ماء عذب ، عسل مصفى ، لبن سائغ خمر لا لغو فيه ولا تأثيم.نضرة وحبور ، ونظر إلى وجه الغفور الشكور ورضوان منه أكبر ، وسلام من الملائكة محبر. وأمن من كل خوف ، وسلامة من كل منغّص.
) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ( : أي عبارة توفي هذا المقام حقه ، أي لفظ يعطى الموقف قدرة ، أي جملة تعبر عن هذا الكلام إن أحسن ما يفعله الإنسان عند هذا الرضوان أن يستمع وينصت ويتدبر ويتفكر فحسب.
)رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ( : يا له من ثواب ويا لها من هبة عظمى ، رضى منه سبحانه عليهم فلا يغضب عليهم أبدا ولا يسخط عليهم سرمدا ، وهل المطلب الأسمى إلاّ رضاه ، وهل المقصد الأجل إلى أن يرضى الله ، فإذا رضي عليك فأنت القريب الحبيب ، تصبح برضاه غنياً بلا مال ، قوياً بلا جند مهاباً بلا سلطان ، منصوراً بلا عشيرة ، شريفاً بلا نسب ، كريماً بلا جاه لأنه رضي عليك فحسب .
إذا رضي عليك فلا تأسف على ولد يموت وعلى مال يفوت وعلى زوجة تذهب ولا دار تخرب ولا ملك يضيع ولا قصر يهدم. إذا رضي عليك لا تبك من ارتحل من الأحباب ولا تأسف لمن فارق من الأصحاب ، ولا تندم على من هجرك من البشر أو قلاك من الأصدقاء أو تنكر لك من الناس :
فليتك تحلو والحياة مريـرة وليتك ترضى والأنام غضابُ
وليت الذي بيني بينك عامر وبيني وبين العالمين خـرابُ
إذا صَحَّ منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب ترابُ
) وَرَضُوا عَنْهُ( : وكيف لا يرضون عنه تقدست أسماؤه وهو الذي خلق وزرق وهدى واجتبى وأعطى وأسدى ، وفقهم للعمل الصالح وختم لهم بخير ثم أكرمهم وأتحفهم وأولاهم وأعطاهم وكفاهم ووقاهم ، شرح بالنعيم صدورهم وأرضى بالإكرام نفوسهم ، رفع منازلهم ، وأعلى درجاتهم فكيف لا يرضون غاية الرضى عن الغفور الشكور الحميد الودود ، وما أحسن المقابلة رضى برضى وقبول وحب بحب وود بود وإحسان بإحسان وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان .
) ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ( : هذا الفوز لمن خشي ربه هذا الفلاح لمن خاف مولاه ، هذا جزاء من راقب الله وحفظ حدوده وقام بأوامره وانتهى عن نواهيه وعظم حرماته وأكرم شعائره وسعى لنيل رضوانه وعمل للفوز بثوابه وإحسانه .
من خشي ربه عمل المأمور ، وترك المحذور ، وصبر على المقدور ومن خشي ربه صار قلبه شاكراً ولسانه ذاكراً وجسمه صابراً . ومن خشي ربه صار صمته فكرة ونظرة عبرة ، وفعله قربة .
({)
) لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (
) لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ( : الكفار من يهود ونصارى ومشركين وثنيين لا يزالون على حالهم في الكفر وعلى إصرارهم على الشرك فهم في جهالة جهلاء وفي عماية وشقاء وحيرة وإعراض والتواء حتى تأتيهم بينة من الله من الشمس في رابعة النهار ، بينة لا لبس فيها ولا اختلاف بينة صادقة وحجة واضحة ودليل ساطع وبرهان قاطع.
)رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً( : هذه البينة هو محمد rالنبي العظيم والحدث العجيب ، الفرقان بين أولياء الرحمان وأولياء الشيطان ، الفاصل بين الحق والباطل ، صاحب الحجة نبي الرحمة إمام الهدى ، المعصوم من الزيغ ، المحفوظ من الغي ، جاء يتلو صحفا من الله طاهرة من كل ما يشين مكرمة من كل دنس مصونة من كل لبس مشتملة على كل خير حاوية على كل صلاح . لا كذب فيها ولا بهت ولا زور ولا فرية .
) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ( : فيها أحكام مكتوبة وقضايا مسطرة ونصائح معبرة ومواعظ مؤثرة فيها أمور ثمينة ومسائل نفيسة ، صحة في الخبر صدق في القول صلاح في العمل ، عدل في الحكم ، سعادة في الحال ، نجاة من العاقبة ، أمان من الزيغ، عصمة من الغواية ، ضمان من الشقاء ، قداسة وطهر ، حق ورشد ، خير وبر ، فلاح ونجاح .
) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ( : ما اختلف أهل الكتاب إلا من بعد ما جاءهم محمد r بغيا وحسدا ، عرفوا أنه الحق فأنكروه ، وعلموا أنه صدق فكذبوه ، تيقنوا أنه رسول فعصوه ، قرؤا صفاته في كتبهم وعرفوا علاماته في صحفهم فلما جاءهم وقد وافق الخبر المخبر والاسم المسمى والصفة الموصوف جاهروا بالتكذيب ولجوا في الإعراض واستمروا في الغواية وأمعنوا في الكيد والأذى والمحاربة والخصام .
) وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ ( : هذه هي دعوة الرسل ومهمة الأنبياء أن يعبد الله وحده لا إله إلا هو ما لنا من إله غيره ولا رب سواه وهذه دعوة الحق وأصل الأصول ورأس الأمر وأهم القضايا فلا يشرك مع الله في ألوهيته أحد كما أنه واحد في ربوبيته وأسماءه وصفاته تعالى .
)مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ( : فلا يقبل الله عمل مشرك ولا عبادة مرائي لأنه أغنى الأغنياء عن المشركين يريد أن يعبد وحده ليسأل وحده ويستعان به وحده فهو أولى من عبد وأحق من شكر وأعظم من ذكر فله الدين الخالص من كل شائبة النقي من كل شرك الطاهر من كل رياء السليم من كل نفاق.
)حُنَفَاءَ( : على ملة إبراهيم الخليل عليه السلام مستقيمين على التوحيد مائلين عن الشرك معرضين عن الوثنية قائمين بالعهد ، حافظين للميثاق ، راعين لحدود الله ، صادقين مع ربهم ، متبعين لرسولهم ، منابذين لعدوهم.
) وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ (: لا يصلون فحسب بل يقيمون الصلاة إقامة ترضي الله وتوافق السنة وتنهى عن الفحشاء والمنكر ، صلاة يعمر بها القلب وتحفظ بها الجوارح وترد بها المعاصي ، وتصلح بها الأخلاق.
) وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ( : يزكون أرواحهم بالتوحيد وأموالهم بالصدقة المفروضة فيطهرون الباطن بتزكيته من كل خبث وتنقيته من كل رجس ويزكون الظاهر بخصال الإيمان ومراسيم السنة وفضائل الأخلاق ثم يعبدون الله فيما رزقهم من أموال فيخرجون حق الله في أموالهم ليزكيها وينميها ويباركها.
) وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ( : هذه هي الملة القويمة والصراط المستقيم والمنهج السديد والمذهب الحق فهو دين الله لعباده ودعت إليه رسله وأتت به كتبه ، وسار عليه أولياؤه ، يثيب الله من سلكه ويعاقب عنه من تركه.
) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ( : ذكر أعمالهم ثم ذكر جزاؤهم ، بين أفعالهم ثم عقب بمصيرهم. عاقبتهم النار خالدين مؤبدين فيها لا يخرجون منها ولا يغاثون فيها ولا يخفف عنهم من عذابها لأن عملهم القبيح لا جزاء له إلا النار فقد فعلوا أشنع فعل وأخبث صنيع وأسوأ سعي ، كفر بالله ، صد عن منهجه ، تكذيب لرسله ، محاربة لأوليائه فماذا بقي من السوء والقبح بعد هذا فما جزاءهم إلى النار مخلدين فيها جزاءً وفاقا.
) أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ( : شر البرية هذه صفته وأسوأ الخليقة هذه علامته وهو الكفر بالله فمن فعل ذلك فهو عدو الله وأشأم عباده وأقبح خلقه ولو علا نسبه وعظم وكثر ماله وقوي سلطانه ، الميزان عند الرحمن إيمان أو كفر فمؤمن تقي وكافر شقي ، صالح أو طالح ، مصدق أو مكذب ، مهتد أو ضال لاغير.
) إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ( : هؤلاء هم صفوة الناس وخير البشر وأفضل الخليقة وهم من آمن فأتبع القول العمل ، فصلح اعتقاده وحسن قوله وجمل فعله وطاب خلقه وزكى سعيه. فمن آمن وعمل صالحا فهو الكريم من الناس مهما كان نسبه ومها كان حسبه ، قل ما له أو كثر ، صفت دنياه أو تكدرت ، العبرة إيمان وعمل صالح ، لا أسر ولا قبائل ولا شارات لا ألقاب ولا مناصب ولا أوسمة. إيمان صادق وعمل صالح وأنت من خير خلق الله إن فعلت ثم لا يضرك ما فاتك بعدها أبدا.
) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ( : ما أحسن المثوى وما أجمل العاقبة ما أجل المصير ، خلود لا موت فيه ، غنى لا فقر بعده ، صحة لا سقم معها ، سرور ولا حزن يكدره ، صفاء لا غم يشوبه ، قرة عين وراحة قلب ، سكينة نفس، نعيم جسم ، جوار رب ، مقعد صدق ، محل تكريم ، منزل نعيم ، قصر مشيد ، نور مطرد زهرة باهيه ، ثمرة يانعة ، ماء عذب ، عسل مصفى ، لبن سائغ خمر لا لغو فيه ولا تأثيم.نضرة وحبور ، ونظر إلى وجه الغفور الشكور ورضوان منه أكبر ، وسلام من الملائكة محبر. وأمن من كل خوف ، وسلامة من كل منغّص.
) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ( : أي عبارة توفي هذا المقام حقه ، أي لفظ يعطى الموقف قدرة ، أي جملة تعبر عن هذا الكلام إن أحسن ما يفعله الإنسان عند هذا الرضوان أن يستمع وينصت ويتدبر ويتفكر فحسب.
)رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ( : يا له من ثواب ويا لها من هبة عظمى ، رضى منه سبحانه عليهم فلا يغضب عليهم أبدا ولا يسخط عليهم سرمدا ، وهل المطلب الأسمى إلاّ رضاه ، وهل المقصد الأجل إلى أن يرضى الله ، فإذا رضي عليك فأنت القريب الحبيب ، تصبح برضاه غنياً بلا مال ، قوياً بلا جند مهاباً بلا سلطان ، منصوراً بلا عشيرة ، شريفاً بلا نسب ، كريماً بلا جاه لأنه رضي عليك فحسب .
إذا رضي عليك فلا تأسف على ولد يموت وعلى مال يفوت وعلى زوجة تذهب ولا دار تخرب ولا ملك يضيع ولا قصر يهدم. إذا رضي عليك لا تبك من ارتحل من الأحباب ولا تأسف لمن فارق من الأصحاب ، ولا تندم على من هجرك من البشر أو قلاك من الأصدقاء أو تنكر لك من الناس :
فليتك تحلو والحياة مريـرة وليتك ترضى والأنام غضابُ
وليت الذي بيني بينك عامر وبيني وبين العالمين خـرابُ
إذا صَحَّ منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب ترابُ
) وَرَضُوا عَنْهُ( : وكيف لا يرضون عنه تقدست أسماؤه وهو الذي خلق وزرق وهدى واجتبى وأعطى وأسدى ، وفقهم للعمل الصالح وختم لهم بخير ثم أكرمهم وأتحفهم وأولاهم وأعطاهم وكفاهم ووقاهم ، شرح بالنعيم صدورهم وأرضى بالإكرام نفوسهم ، رفع منازلهم ، وأعلى درجاتهم فكيف لا يرضون غاية الرضى عن الغفور الشكور الحميد الودود ، وما أحسن المقابلة رضى برضى وقبول وحب بحب وود بود وإحسان بإحسان وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان .
) ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ( : هذا الفوز لمن خشي ربه هذا الفلاح لمن خاف مولاه ، هذا جزاء من راقب الله وحفظ حدوده وقام بأوامره وانتهى عن نواهيه وعظم حرماته وأكرم شعائره وسعى لنيل رضوانه وعمل للفوز بثوابه وإحسانه .
من خشي ربه عمل المأمور ، وترك المحذور ، وصبر على المقدور ومن خشي ربه صار قلبه شاكراً ولسانه ذاكراً وجسمه صابراً . ومن خشي ربه صار صمته فكرة ونظرة عبرة ، وفعله قربة .