صدى الحق
16-12-2000, 02:36 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عشرٌ وليسوا كأي عشر ففيها ألف شهر الكل يسعى لكسبها من خلال قيام العشر الأواخر والجد والإجتهاد فيهن .
فهاهو شهر رمضان قد إصفرت شمسه ، وآذنت بالغروب فلم يبقى إلا ثلثه الأخير ، فماذا عساك قدمت فيما مضى منه ؟
وهل أحسنت فيه أو أسأت ؟
فيا أيها المحسن المجاهد فيه هل تحس الآن بتعب ما بذلته من طاعة ؟
ويا أيها المفرط الكسول المنغمس في الشهوات هل تجد راحة الكسل والإضاعة وهل بقي لك طعم الشهوة إلى هذه الساعة ؟
تفنى الذات ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الإثم والعارُ
تبقى عواقب سوء في مغبتها *** لا خير في لذة من بعدها النارُ
فلنستدرك ما مضى بما تبقى ، وما تبقى من ليال أفضل مما مضى ، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم (( إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله )) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها .
وفي راية لمسلم (( كان يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره )) .
وهذا يدل على أهمية وفضل هذه العشر من وجوه:
إولاها : أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت العشر شد المئزر ، وهذا قيل كنايةً عن الجد والتشمير في العباده ، وقيل : كناية عن ترك النساء والإشتغال بهن .
ثانيه : أنه صلى الله عليه وسلم يحيي الليل بالذكر والصلاة وقراءة القرآن وسائر القربات .
ثالثها : أنه يوقظ أهله فيها للصلاة والذكر حرصاً على إغتنام الأوقات الفاضلة .
رابعها : أنه كان يجتهد فيها بالعبادة والطاعة أكثر مما يجتهد فيما سواها من ليالي الشهر .
وعليه فأغتنم بقية شهرك فيما يقربك إلى ربك ، وبالتزود لآخرتك من خلال ما يلي :-
1-الحرص على إحياء هذه الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والرقراءة وسائر القربات والطاعات ، وإيقاظ الأهل ليقوموا بذلك كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل .
كان الثوري : يحب إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه ويوقض أهله وولده للصلاة إن أطاقوا ذلك .
ويحرص على أن يصلي القيام مع الإمام حتى ينصرف ليحصل له قيام ليلة ، وذلك إتباعاً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم : أنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليله . رواه أهل السنن وقال الترمذي : حسن صحيح .
2-إجتهد في تحري ليلة القدر في هذه العضر الأواخر فقد قال الله تعالى { ليلة القدر خير من ألف شهر } . القدر آية 3 .
ومقدارها بالسنين ثلاثٌ وثمانون سنة وأربعة أشهر .
قال النخعي : العمل فيها خير من العمل ألف شهر .
قال صلى الله عليه وسلم : من قام ليلة القدر إيماناً وأحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه . متفق عليه .
وقوله صلى الله عليه وسلم ( إيماناً ) أي أيماناً بالله وتصديقاً بما يترتب على قيامها من الثواب .
( وأحتساباً ) للأجر والثواب وهذه الليلة في العشر الأواخر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان . متفق عليه .
وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان . رواه البخاري .
وهي في السبع الأواخر أقرب لقوله صلى الله عليه وسلم : التمسوها في العشر الأواخر ، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يُغلبن على السبع البواقي . رواه مسلم .
وأقرب السبع الأواخر ليلة سبع وعشرين لحديث أُبي بن كعب رضي الله عنه أنه قا : والله إني لأعلم أي ليلة هي التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبعٌ وعشرين . رواه مسلم .
وهذه الليلة لا تختص بليلة معينة في جميع الأعوام بل تنتقل في الليالي تبعاً لمشيئة الله وحكمته .
قال ابن حجر عقب حكايته الأقوال في ليلة القدر : وأرجحها كلها أنها وتر من العشر الأخير وأنها تنتقل ...أ.هـ .
قال العلماء : الحكمة في إخفاء ليلة القدر ليحصل الإجتهاد في إلتماسها ، بخلاف ما لو عينت لها ليلة لأقتصر عليها ...أ.هـ .
وعليه فأجتهد في قيام هذه العشر جميعاً وأكثر من الأعمال الصالحة فيها ، وستظفر بها يقيناً بإذن الله عز وجل .
والأجر المرتب على قيامها حاصل لمن علم بها ومن لم يعلم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط العلم بها في حصول الأجر .
3-إحرص على الإعتكاف في هذه العشر .
والإعتكاف هو لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله تعالى .
وهو من الأمور المشروعة ، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وفعله أزواحه من بعده ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله – عز وجل – ثم بعده أزواجه من بعده .
ولما ترك الإعتكاف مرة في رمضان إعتكف في العشر الأول من شوال ، كما في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين .
قال الإمام أحمد – رحمه الله - : لا أعلم عن أحد من العلماء خلافاً أن الإعتكاف مسنون ، والأفضل إعتكاف العشر جميعاً كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل لكن لو إعتكف يوماً أو أقل أو أكثر جاز .
قال في الإنصاف : أقله إذا كان تطوعاً أو نذراً مطلقاً ما يسمى به معتكفاً لابثاً .
وقال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله : وليس لوقته حد محدود في أصح أقوال أهل العلم .
وينبغي للمعتكف أن ينشغل بالذكر والإستغفار والقراءة والصلاة والعبادة ، وأن يحاسب نفسه ، وينظر فيما قدم لآخرته ، وأن يتجنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا ، ويقلل من الخلطة بالخلق .
قال إبن رجب : ذهب الإمام أحمد إلى أن المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس ، حتى ولا لتعليم علم وإقراء ثرآن ، بل الأفضل له الإنفراد بنفسه والتحلي بمناجاة ربه وذكره ودعائه ، وهذا الإعتكاف هو الخلوة الشرعية ...أ . هـ .
د . عبدالله بن علي الجعيثين .
عشرٌ وليسوا كأي عشر ففيها ألف شهر الكل يسعى لكسبها من خلال قيام العشر الأواخر والجد والإجتهاد فيهن .
فهاهو شهر رمضان قد إصفرت شمسه ، وآذنت بالغروب فلم يبقى إلا ثلثه الأخير ، فماذا عساك قدمت فيما مضى منه ؟
وهل أحسنت فيه أو أسأت ؟
فيا أيها المحسن المجاهد فيه هل تحس الآن بتعب ما بذلته من طاعة ؟
ويا أيها المفرط الكسول المنغمس في الشهوات هل تجد راحة الكسل والإضاعة وهل بقي لك طعم الشهوة إلى هذه الساعة ؟
تفنى الذات ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الإثم والعارُ
تبقى عواقب سوء في مغبتها *** لا خير في لذة من بعدها النارُ
فلنستدرك ما مضى بما تبقى ، وما تبقى من ليال أفضل مما مضى ، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم (( إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله )) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها .
وفي راية لمسلم (( كان يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره )) .
وهذا يدل على أهمية وفضل هذه العشر من وجوه:
إولاها : أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت العشر شد المئزر ، وهذا قيل كنايةً عن الجد والتشمير في العباده ، وقيل : كناية عن ترك النساء والإشتغال بهن .
ثانيه : أنه صلى الله عليه وسلم يحيي الليل بالذكر والصلاة وقراءة القرآن وسائر القربات .
ثالثها : أنه يوقظ أهله فيها للصلاة والذكر حرصاً على إغتنام الأوقات الفاضلة .
رابعها : أنه كان يجتهد فيها بالعبادة والطاعة أكثر مما يجتهد فيما سواها من ليالي الشهر .
وعليه فأغتنم بقية شهرك فيما يقربك إلى ربك ، وبالتزود لآخرتك من خلال ما يلي :-
1-الحرص على إحياء هذه الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والرقراءة وسائر القربات والطاعات ، وإيقاظ الأهل ليقوموا بذلك كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل .
كان الثوري : يحب إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه ويوقض أهله وولده للصلاة إن أطاقوا ذلك .
ويحرص على أن يصلي القيام مع الإمام حتى ينصرف ليحصل له قيام ليلة ، وذلك إتباعاً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم : أنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليله . رواه أهل السنن وقال الترمذي : حسن صحيح .
2-إجتهد في تحري ليلة القدر في هذه العضر الأواخر فقد قال الله تعالى { ليلة القدر خير من ألف شهر } . القدر آية 3 .
ومقدارها بالسنين ثلاثٌ وثمانون سنة وأربعة أشهر .
قال النخعي : العمل فيها خير من العمل ألف شهر .
قال صلى الله عليه وسلم : من قام ليلة القدر إيماناً وأحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه . متفق عليه .
وقوله صلى الله عليه وسلم ( إيماناً ) أي أيماناً بالله وتصديقاً بما يترتب على قيامها من الثواب .
( وأحتساباً ) للأجر والثواب وهذه الليلة في العشر الأواخر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان . متفق عليه .
وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان . رواه البخاري .
وهي في السبع الأواخر أقرب لقوله صلى الله عليه وسلم : التمسوها في العشر الأواخر ، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يُغلبن على السبع البواقي . رواه مسلم .
وأقرب السبع الأواخر ليلة سبع وعشرين لحديث أُبي بن كعب رضي الله عنه أنه قا : والله إني لأعلم أي ليلة هي التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبعٌ وعشرين . رواه مسلم .
وهذه الليلة لا تختص بليلة معينة في جميع الأعوام بل تنتقل في الليالي تبعاً لمشيئة الله وحكمته .
قال ابن حجر عقب حكايته الأقوال في ليلة القدر : وأرجحها كلها أنها وتر من العشر الأخير وأنها تنتقل ...أ.هـ .
قال العلماء : الحكمة في إخفاء ليلة القدر ليحصل الإجتهاد في إلتماسها ، بخلاف ما لو عينت لها ليلة لأقتصر عليها ...أ.هـ .
وعليه فأجتهد في قيام هذه العشر جميعاً وأكثر من الأعمال الصالحة فيها ، وستظفر بها يقيناً بإذن الله عز وجل .
والأجر المرتب على قيامها حاصل لمن علم بها ومن لم يعلم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط العلم بها في حصول الأجر .
3-إحرص على الإعتكاف في هذه العشر .
والإعتكاف هو لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله تعالى .
وهو من الأمور المشروعة ، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وفعله أزواحه من بعده ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله – عز وجل – ثم بعده أزواجه من بعده .
ولما ترك الإعتكاف مرة في رمضان إعتكف في العشر الأول من شوال ، كما في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين .
قال الإمام أحمد – رحمه الله - : لا أعلم عن أحد من العلماء خلافاً أن الإعتكاف مسنون ، والأفضل إعتكاف العشر جميعاً كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل لكن لو إعتكف يوماً أو أقل أو أكثر جاز .
قال في الإنصاف : أقله إذا كان تطوعاً أو نذراً مطلقاً ما يسمى به معتكفاً لابثاً .
وقال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله : وليس لوقته حد محدود في أصح أقوال أهل العلم .
وينبغي للمعتكف أن ينشغل بالذكر والإستغفار والقراءة والصلاة والعبادة ، وأن يحاسب نفسه ، وينظر فيما قدم لآخرته ، وأن يتجنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا ، ويقلل من الخلطة بالخلق .
قال إبن رجب : ذهب الإمام أحمد إلى أن المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس ، حتى ولا لتعليم علم وإقراء ثرآن ، بل الأفضل له الإنفراد بنفسه والتحلي بمناجاة ربه وذكره ودعائه ، وهذا الإعتكاف هو الخلوة الشرعية ...أ . هـ .
د . عبدالله بن علي الجعيثين .