PDA

View Full Version : في الحافلة


مهماز
18-08-2000, 04:12 PM
وقفت وسط الحافلة مسنودا من جميع الجهات،فقد كانت المخلوقات البشرية تحيط بي وتسد منافذ أنفاسي.فمن جهة اليمين برزت كرش كبيرة بحجم طست بلاستيكي نحوي،تربع فوقها وجه سمين مدور،اتخذت عليه مكانها عينان مستديرتان صغيرتان،وفوقهما جبين عريض لا يميزه عن أم الرأس أي مميز،ذلك أن الرأس عار تماما من الشعر.
أما من ناحية اليسار فقد اتخذت لها مكانا هيئة شاب هزيل نبت بعض الشعر على وجهه خطئا،وكان الشاب نحيل الجسم وبدا كمن لم ير الخبز منذ عيد الأضحى،لكن قامته كانت أطول من البحلر المديد،وإخاله يستطيع التقاط المحطات الفضائية بجودة عالية.
وكانت رائحة نفاذة تتسرب إلى أنفي من أحدهما ،حتى تمنيت لو أنني أختنق وأرتاح من هذا التنفس الذي يفضي بصاحبه إلى الموت البطيء،أو لو أن بحوزتي قنينة مطهر جو حتى أرش على جسدي الرجلين منها ولن أنسى أن أغمر كل فضاء المكان برائحتها.
وطال الزمان،ولعنت الدقيقة التي التي اعتلت فيها قدماي درجات الحتفلة،وكم راودتني نفسي على النزول في أقرب محطة ،إلا أن الاقتراب من أحد بابي الحافلة كان أصعب بكثير من تحمل أذى الرائحة المنبثقة من الدعامتين المحيطتين بي،فقد كان الممر حافلا بالناس!
وأشغلت نفسي بنوع الرائحة التي تعبق الحافلة بها،ودققت حاسة الشم_وكان الله قد أنعم علي بحاسة شم قوية_فوقعت على اكتشاف جد خطير،وهو أن الراتئحة التي يعبق المكان بها هي مزيج من رائحتين مختلفتين في الواقع،فمن جهة اليمين كانت الرائحة تشبه الرائحة التي تسود حظائر الأغنام في الريف،حيث تتكدس كومات التبن فوق بعضها وقد سادتها رطوبة قليلة.أما الرائحة التي تفوح من جهة اليسار فكانت رائحة فم بلا ريب إذ أشبهت كثيرا مزيجا من رائحة البيض المسلوق وعصير التفاح.
ووقعت في حيص بيص فلم أدر أي الرائحتين أرحم!وأيهما استطيع احتمالها أكثر فلا أضطر إلى الإقياء سريعا!ولكن الباص وصل سريعا إلى محطة يبدو أنها كانت رئيسية،فقد نزل فيها أكثر من عشرة ركاب،فأسرعت إلى المقعد الشاغر المجاور لامرأة عجوز قبل أن يسبقني إليه أي من الدعامتين وفزت به جذلا .وكان كل من الرجلين ذوي الرائحتين النفاذتين قد اتخذ له مكانا هو الآخر .
ولم يمض وقت طويل حتى قامت النلرأة العجوز جارتي في المقعد ونزلت في المحطة القريبة التي وصل إليها الباص للتو.ولكن دخل من الباب الأمامي للحافلة رجل أشعث الثياب منكوش الشعر يرتدي بنطالا أصفر فاقعا وجارزة من الصوف الإنجليزي ذي المربعات،كساها اللون الأخضر،ونقش في مواضع منها بالأبيض .وتقدم نحوي..وبصوت يشبه صوت منشار الخشب الذي يعمل بالبنزين قال لي:"لو سمحت..!"وتنحيت جانبا مخليا له مكانا للجلوس بجانبي وأنا ألعن في سري،وكم تمنيت أن أدق عنقه!ذلك أن له رائحة تشبه رائحة الخراف إلا أنها أكثر نفاذا وحدة!!ولم أطق صبرا..فاعتذرت من الرجل وأسرعت نحو السائق راجيا إياه أن ينزلني في المحطة القريبة،أو إذا أمكن أن ينزلني في أي مكان يراه مناسبا.وعندما قال:" نعم..لا بأس"فاضت من فمه رائحة لو سلطت على سكان الأرض لماتوا جميعا لساعتهم،ولو شمتها الحيوانات لقررت العيش في البحر!
ترى منت بهتم البالغون بنظافتهم وبطيب رائحتهم؟؟





*ملاحظة:أرجو إبداء الرأي في النص مع الشكر.