PDA

View Full Version : الـــــحـــــب والـــــفـــــنـــــاء


Lirmontov
26-07-2000, 01:16 AM
المحب لا يرى في الوجود غير محبوبه ولا يدرك سواه، يراه في كل شيء ويسمع كلامه من كل شيء،

بل به يسمع ويبصر ويدرك.

.
.

ومن أمثلة ذلك ما حكي عن مجنون ليلى الذي مر بظبية حلت في حبائل قناص، فعاين فيها مشابه من ليلى ورآها بعين ليلى، فأطلقها قائلا:

تـرَوَّ حْ سـالـمـاً يـا شِـبـه لـيـلـى

قـريـر الـعـيـن واسـتـطـبِ الـبـقـولا

فـلـيـلـى أنـقـذتـك مـن الـمـنـايـا

وفَـكَّـتْ عـن قـوائـمـك الـكُـبُـولا
.
.

ومغزى الرواية، كما لا يخفى، أن المجنون توحد بليلى وأراد بإرادتها. ولا عجب فالعاشق هو من سلبه إرادته معشوقـُـه.
والمجنون قد رأى في الظبية صورة ليلى، وأطلقها أيضا بيد ليلى، إذ هو لم يعد يرى الأشياء سوى مرايا يشاهد من خلالها صور ليلى. وهذا المعنى نجد صداه في الشعر المعاصر،
لدى السورياليين بنوع خاص. فإذا كان مجنون ليلى لا يرى سوى ليلى، فإن بول أليوار، الذي لُـقِـب هو الآخر بمجنون غالا، لم يكن يسمع في هذا العالم، سوى صوت معشوقته وصداه:
"اسمع اصداء صوتك في ضوضاء العالم كله"

.
.

والعاشق يتعدى هذا الطور من الفناء، وصولا إلى طور آخر يفنى فيه عن صفات محبوبه ذاتها، كما حُـكي، مرة أخرى أيضا ، عن مجنون بني عامر، الذي قال لليلى عندما همت بضمه إليها: " إليك عنيّ فإن الذي بي منك اشغلني عنك". وتأويل هذه العبارة أن المحب يفنى عن صورة محبوبه الظاهرة لكي يبقى في معناه الباطن، مجردا عن كل حس.
وهذا ما يسمى الفناء في المشاهدة. ثم يلي هذا الطور طور ثالث يفنى فيه المحب عن رؤيةفنائه ويستغرق في محبوبه حتى الذوبان والإمحاء، وهو الذي يسمى الفناء عن الفناء، أو "جمع الجمع" ولا شك أن هذا الطور الذي تحدث عنه عشاق الله.

.
.
.


من كتاب: "الـحـب والـفـنـاء"
تأملات في المرأة والعشق والوجود

تأليف: علي حرب

.
.

http://piximg.corbis.com/cpe/256wm/11233887.jpg