ابو نواس
17-01-2000, 06:40 PM
المصدر:
http://www.islam-online.net/fatwa/arabic/FatwaDisplay.asp?hFatwaID=1503
عنوان الفتوى
سماع الأغاني
اسم المفتي: يوسف عبد الله القرضاوي
يحرم بعض الناس سماع الأغاني - أيًا كان لونها - مستدلين بقوله تعالى: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين).
واحتجوا بأن بعض الصحابة قالوا: إن لهو الحديث في الآية هو الغناء، كما يحتجون بآية أخرى هي قوله تعالى: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) والغناء من اللغو فهل هذا الاستدلال بالآيتين صحيح ؟ وما رأيكم في سماع الأغاني ؟
أفتونا في هذه المسألة الخطيرة، فإن الناس تنازعوا تنازعًا شديدًا وفي حاجة إلى حكم بين وقول فصل، ولكم منا الشكر ومن الله الثواب.
نص السؤال
يوسف عبد الله القرضاوي
اسم المفتي
مسألة الغناء بآلة (أي مع الموسيقى) وبغير آلة، مسألة ثار فيها الجدل بين فقهاء المسلمين منذ الأعصر الأولى، فاتفقوا في مواضع، واختلفوا في أخرى.
اتفقوا على تحريم كل غناء يشتمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية، إذ أن الغناء ليس إلا كلامًا فحسنه حسن وقبيحه قبيح . وكل قول يخالف أدب الإسلام فهو حرام، فما بالك إذا اجتمع له الوزن والنغم وقوة التأثير ؟
واتفقوا على إباحة ما خلا من ذلك في مواطن السرور المشروعة كالعرس، وقدوم الغائب وأيام الأعياد، وقد وردت في ذلك نصوص صحيحة صريحة.
واختلفوا فيما عدا ذلك اختلافًا بينًا، فمنهم من أجاز كل غناء بآلة وبغير آلة بل اعتبره مستحبًا، ومنهم من منعه بآلة وأجازه بغير آلة، ومنهم من منعه منعًا باتًا، بل عده حرامًا.
والذي نفتي به ونطمئن إليه من بين تلك الأقوال: أن الغناء - في ذاته - حلال فالأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صحيح بحرمتها، وكل ما ورد في تحريم الغناء فهو إما صريح غير صحيح، أو صحيح غير صريح . ومن ذلك الآيتان المذكورتان في السؤال.
فأما الآية الأولى (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) (لقمان: 6) . إلخ . فقد استدل بها بعض الصحابة والتابعين على حرمة الغناء وخير جواب لنا عن تفسيرهم هذا ما ننقله عن الإمام ابن حزم في المحلى: قال: لا حجة في هذا لوجوه: أحدها: إنه لا حجة لأحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . والثاني: أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة والتابعين . والثالث: أن نص الآية يبطل احتجاجهم، لأن الآية بها وصف (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم، ويتخذها هزوًا) وهذه صفة من فعلها كان كافرًا بلا خلاف، فلو أن امرءًا اشترى مصحفًا ليضل به عن سبيل الله ويتخذها هزوًا لكان كافرًا، فهذا هو الذي ذمه الله تعالى، وما ذم قط عز وجل من اشترى لهو الحديث ليتلهى به، ويروح نفسه، لا ليضل عن سبيل الله تعالى . وكذلك من اشتغل عن الصلاة عامدًا بقراءة القرآن أو بقراءة السنن أو بحديث يتحدث به أو بغناء أو بغير ذلك فهذا فاسق عاص لله تعالى، ومن لم يضيع شيئًا من الفرائض اشتغالاً بما ذكرنا فهو محسن . ا هـ.
وأما الآية الثانية (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) (القصص: 55). فالاستدلال بها على حرمة الغناء غير سليم أيضًا، فإن الظاهر من الآية أن اللغو هو سفه القول من السب والشتم ونحو بذلك . وبقية الآية تنطق بذلك، قال تعالى: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم . سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) فهي شبيهة بقوله تعالى في عباد الرحمن: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا).
ولو سلمنا أن اللغو في الآية يشمل الغناء لوجدنا الآية تستحب الإعراض عن سماعه وتمدحه وليس فيها ما يوجب ذلك.
وكلمة اللغو ككلمة الباطل تعني ما لا فائدة فيه، وسماع ما لا فائدة فيه ليس محرمًا ما لم يضيع حقًّا أو يشغل عن واجب.
روي عن ابن جريج أنه كان يرخص في السماع فقيل له: أيؤتي به يوم القيامة في جملة حسناتك أو سيئاتك ؟ فقال: لا في الحسنات ولا في السيئات لأنه شبيه باللغو، وقال تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم).
قال الإمام الغزالي: " إذا كان ذكر اسم الله تعالى على الشيء عن طريق القسم من غير عقد عليه ولا تصميم والمخالفة فيه على أن لا فائدة فيه - لا يؤاخذ به، فكيف يؤاخذ بالشعر والرقص ؟ ".
على أنا نقول: ليس كل غناء لغوًا، إنه يأخذ حكمه وفق نية صاحبه، فالنية الصالحة تجعل اللهو قربة والمزح طاعة، والنية الخبيثة تحبط العمل الذي ظاهره العبادة وباطنه الرياء (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم).
وننقل هنا كلمة جيدة قالها ابن حزم في المحلى ردًا على الذين يمنعون الغناء قال: " واحتجوا فقالوا: أمِن الحق الغناء أم من غير الحق ؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث " وقد قال الله تعالى (فماذا بعد الحق إلا الضلال). (الفرقان: 63).
فجوابنا وبالله التوفيق:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " فمن نوى باستماع الغناء عونًا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كل شيء غير الغناء، ومن نوى به ترويج نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل، وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن، وفعله هذا من الحق . ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه كخروج الإنسان إلى بستانه متنزهًا، وقعوده على باب داره متفرجًا وصبغه ثوبه لازورديًا أو أخضر أو غير ذلك، ومد ساقه وقبضها وسائر أفعاله. (المحلى)
وأما الأحاديث التي استدل بها المحرمون فكلها مثخنة بالجراح، لم يسلم منها حديث دون طعن في ثبوته أو دلالته أو فيهما معًا . قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتابه " الأحكام ": لم يصح في التحريم شيء، وكذا قال الغزالي وابن النحوي في العمدة، وقال ابن حزم: كل ما روي فيها باطل موضوع.
وإذا سقطت أدلة التحريم بقي الغناء على الإباحة الأصلية، فكيف وقد جاءت نصوص ثابتة تفيد حل الغناء ؟ نكتفي منها بما ورد في الصحيحين أن أبا بكر دخل على النبي في بيت عائشة وعندها جاريتان تغنيان فانتهرهما أبو بكر وقال: " أمزمور الشيطان في بيت رسول الله ؟ " فقال النبي عليه السلام: " دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد " ولم يرد نهي عن الغناء في غير العيد، وإنما المعنى أن العيد من المواطن التي يستحب فيها إظهار السرور بالغناء وغيره من اللهو البريء.
ولكن لا ننسى في ختام هذه الفتوى أن نضيف إليها قيودًا لابد من مراعاتها :
( أ ) فلابد أن يكون موضوع الأغنية مما يتفق وتعاليم الإسلام وآدابه ..
فالأغنية التي تقول: " الدنيا سيجارة وكأس " مخالفة لتعاليم الإسلام الذي يجعل الخمر رجسًا من عمل الشيطان ويلعن شارب " الكأس " وعاصرها وبائعها وحاملها وكل من أعان فيها بعمل، كما أن التدخين ضرر محقق.
والأغنية التي تمجد صاحب " العيون الجريئة " أو " صاحبة العيون الجريئة " أغنية تخالف أدب الإسلام الذي ينادي كتابه: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)، (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) ..ويقول رسول الله: " يا علي لا تتبع النظرة النظرة ؛ فإنما لك الأولى وعليك الثانية " وهكذا.
( ب ) ثم إن طريقة الأداء لها أهميتها، فقد يكون الموضوع لا بأس به، ولا غبار عليه، ولكن طريقة المغني أو المغنية في أدائه بالتكسر في القول، وتعمد الإثارة، والقصد إلى إيقاظ الغرائز الهاجعة، وإغراء القلوب المريضة - ينقل الأغنية من دائرة الحلال إلى دائرة الحرام من مثل ما يسمعه الناس ويطلبه المستمعون والمستمعات من الأغاني التي تصرح بـ " ياه " و" يوه " و" ييه " ..إلخ.
ولنذكر قول الله لنساء النبي: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض).
(جـ) هذا إلى أن الدين حرم الغلو والإسراف في كل شيء حتى في العبادة، فما بالك بالإسراف في اللهو وشغل الوقت به ولو كان مباحا، إن هذا دليل على فراغ القلب والعقل من الواجبات الكبيرة والأهداف العظيمة، ودليل على إهدار حقوق أخرى كان يجب أن تأخذ حظها من وقت الإنسان المحدود، وما أصدق وأعمق ما قاله ابن المقفع: " ما رأيت إسرافًا إلا وبجانبه حق مضيع ".
( د ) على أن المستمع - بعد الحدود التي ذكرناها - يكون فقيه نفسه، فإذا كان الغناء، أو نوع خاص منه يستثير غريزته، ويغريه بالفتنة ويسبح به في شطحات الخيال الحسي فعليه أن يتجنبه ويسد الباب الذي تهب منه رياح الفتنة على قلبه ودينه وخلقه فيستريح ويريح.
ولا ريب أن هذه القيود قلما توافرت جميعًا في أغاني هذا العصر بكمها وكيفها وموضوعها وطريقة أدائها والتصاقها بحياة أقوام بعيدين كل البعد عن الدين وأخلاقياته ومثله . فلا ينبغي للمسلم التنويه بهم، والمشاركة في نشر ذكرهم، وتوسيع نطاق تأثيرهم إذ به يتسع نطاق إفسادهم.
ولهذا كان الأولى بالمسلم الحريص على دينه أن يأخذ بالعزيمة لنفسه وأن يتقي الشبهات وينأى بنفسه عن هذا المجال الذي يصعب التخلص فيه من شائبة الحرام إلا ما ندر.
ومن أخذ بالرخصة فليتحر لنفسه وليتخير ما كان أبعد عن مظان الإثم ما استطاع، وإذا كان هذا في مجرد (السماع) فإن الأمر في (الاحتراف) بالغناء يكون أشد وأخوف ؛ لأن الاندماج في البيئة "الفنية" كما تسمى خطر شديد على دين المسلم يندر من يخرج منه سالمًا معافى ..
وهذا في الرجل، أما المرأة فالخطر منها وعليها أشد، ولذا فرض الله تعالى عليها من التصوّن والتحفظ والاحتشام في لبسها ومشيتها وكلامها ما يباعد الرجال من فتنتها وما يباعدها من فتنة الرجال ويحميها من أذى الألسن وشره الأعين وطمع القلوب المريضة كما قال تعالى: (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) وقال: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض).
واحتراف المرأة المسلمة للغناء يعرضها لأن تفتن أو تُفتن ويورطها في محرمات قلما تستطيع التغلب عليها من الخلوة بالأجنبي للتلحين أو التسجيل أو التعاقد أو غيرها، ومن الاختلاط
http://www.islam-online.net/fatwa/arabic/FatwaDisplay.asp?hFatwaID=1503
عنوان الفتوى
سماع الأغاني
اسم المفتي: يوسف عبد الله القرضاوي
يحرم بعض الناس سماع الأغاني - أيًا كان لونها - مستدلين بقوله تعالى: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين).
واحتجوا بأن بعض الصحابة قالوا: إن لهو الحديث في الآية هو الغناء، كما يحتجون بآية أخرى هي قوله تعالى: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) والغناء من اللغو فهل هذا الاستدلال بالآيتين صحيح ؟ وما رأيكم في سماع الأغاني ؟
أفتونا في هذه المسألة الخطيرة، فإن الناس تنازعوا تنازعًا شديدًا وفي حاجة إلى حكم بين وقول فصل، ولكم منا الشكر ومن الله الثواب.
نص السؤال
يوسف عبد الله القرضاوي
اسم المفتي
مسألة الغناء بآلة (أي مع الموسيقى) وبغير آلة، مسألة ثار فيها الجدل بين فقهاء المسلمين منذ الأعصر الأولى، فاتفقوا في مواضع، واختلفوا في أخرى.
اتفقوا على تحريم كل غناء يشتمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية، إذ أن الغناء ليس إلا كلامًا فحسنه حسن وقبيحه قبيح . وكل قول يخالف أدب الإسلام فهو حرام، فما بالك إذا اجتمع له الوزن والنغم وقوة التأثير ؟
واتفقوا على إباحة ما خلا من ذلك في مواطن السرور المشروعة كالعرس، وقدوم الغائب وأيام الأعياد، وقد وردت في ذلك نصوص صحيحة صريحة.
واختلفوا فيما عدا ذلك اختلافًا بينًا، فمنهم من أجاز كل غناء بآلة وبغير آلة بل اعتبره مستحبًا، ومنهم من منعه بآلة وأجازه بغير آلة، ومنهم من منعه منعًا باتًا، بل عده حرامًا.
والذي نفتي به ونطمئن إليه من بين تلك الأقوال: أن الغناء - في ذاته - حلال فالأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صحيح بحرمتها، وكل ما ورد في تحريم الغناء فهو إما صريح غير صحيح، أو صحيح غير صريح . ومن ذلك الآيتان المذكورتان في السؤال.
فأما الآية الأولى (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) (لقمان: 6) . إلخ . فقد استدل بها بعض الصحابة والتابعين على حرمة الغناء وخير جواب لنا عن تفسيرهم هذا ما ننقله عن الإمام ابن حزم في المحلى: قال: لا حجة في هذا لوجوه: أحدها: إنه لا حجة لأحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . والثاني: أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة والتابعين . والثالث: أن نص الآية يبطل احتجاجهم، لأن الآية بها وصف (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم، ويتخذها هزوًا) وهذه صفة من فعلها كان كافرًا بلا خلاف، فلو أن امرءًا اشترى مصحفًا ليضل به عن سبيل الله ويتخذها هزوًا لكان كافرًا، فهذا هو الذي ذمه الله تعالى، وما ذم قط عز وجل من اشترى لهو الحديث ليتلهى به، ويروح نفسه، لا ليضل عن سبيل الله تعالى . وكذلك من اشتغل عن الصلاة عامدًا بقراءة القرآن أو بقراءة السنن أو بحديث يتحدث به أو بغناء أو بغير ذلك فهذا فاسق عاص لله تعالى، ومن لم يضيع شيئًا من الفرائض اشتغالاً بما ذكرنا فهو محسن . ا هـ.
وأما الآية الثانية (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) (القصص: 55). فالاستدلال بها على حرمة الغناء غير سليم أيضًا، فإن الظاهر من الآية أن اللغو هو سفه القول من السب والشتم ونحو بذلك . وبقية الآية تنطق بذلك، قال تعالى: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم . سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) فهي شبيهة بقوله تعالى في عباد الرحمن: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا).
ولو سلمنا أن اللغو في الآية يشمل الغناء لوجدنا الآية تستحب الإعراض عن سماعه وتمدحه وليس فيها ما يوجب ذلك.
وكلمة اللغو ككلمة الباطل تعني ما لا فائدة فيه، وسماع ما لا فائدة فيه ليس محرمًا ما لم يضيع حقًّا أو يشغل عن واجب.
روي عن ابن جريج أنه كان يرخص في السماع فقيل له: أيؤتي به يوم القيامة في جملة حسناتك أو سيئاتك ؟ فقال: لا في الحسنات ولا في السيئات لأنه شبيه باللغو، وقال تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم).
قال الإمام الغزالي: " إذا كان ذكر اسم الله تعالى على الشيء عن طريق القسم من غير عقد عليه ولا تصميم والمخالفة فيه على أن لا فائدة فيه - لا يؤاخذ به، فكيف يؤاخذ بالشعر والرقص ؟ ".
على أنا نقول: ليس كل غناء لغوًا، إنه يأخذ حكمه وفق نية صاحبه، فالنية الصالحة تجعل اللهو قربة والمزح طاعة، والنية الخبيثة تحبط العمل الذي ظاهره العبادة وباطنه الرياء (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم).
وننقل هنا كلمة جيدة قالها ابن حزم في المحلى ردًا على الذين يمنعون الغناء قال: " واحتجوا فقالوا: أمِن الحق الغناء أم من غير الحق ؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث " وقد قال الله تعالى (فماذا بعد الحق إلا الضلال). (الفرقان: 63).
فجوابنا وبالله التوفيق:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " فمن نوى باستماع الغناء عونًا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كل شيء غير الغناء، ومن نوى به ترويج نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل، وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن، وفعله هذا من الحق . ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه كخروج الإنسان إلى بستانه متنزهًا، وقعوده على باب داره متفرجًا وصبغه ثوبه لازورديًا أو أخضر أو غير ذلك، ومد ساقه وقبضها وسائر أفعاله. (المحلى)
وأما الأحاديث التي استدل بها المحرمون فكلها مثخنة بالجراح، لم يسلم منها حديث دون طعن في ثبوته أو دلالته أو فيهما معًا . قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتابه " الأحكام ": لم يصح في التحريم شيء، وكذا قال الغزالي وابن النحوي في العمدة، وقال ابن حزم: كل ما روي فيها باطل موضوع.
وإذا سقطت أدلة التحريم بقي الغناء على الإباحة الأصلية، فكيف وقد جاءت نصوص ثابتة تفيد حل الغناء ؟ نكتفي منها بما ورد في الصحيحين أن أبا بكر دخل على النبي في بيت عائشة وعندها جاريتان تغنيان فانتهرهما أبو بكر وقال: " أمزمور الشيطان في بيت رسول الله ؟ " فقال النبي عليه السلام: " دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد " ولم يرد نهي عن الغناء في غير العيد، وإنما المعنى أن العيد من المواطن التي يستحب فيها إظهار السرور بالغناء وغيره من اللهو البريء.
ولكن لا ننسى في ختام هذه الفتوى أن نضيف إليها قيودًا لابد من مراعاتها :
( أ ) فلابد أن يكون موضوع الأغنية مما يتفق وتعاليم الإسلام وآدابه ..
فالأغنية التي تقول: " الدنيا سيجارة وكأس " مخالفة لتعاليم الإسلام الذي يجعل الخمر رجسًا من عمل الشيطان ويلعن شارب " الكأس " وعاصرها وبائعها وحاملها وكل من أعان فيها بعمل، كما أن التدخين ضرر محقق.
والأغنية التي تمجد صاحب " العيون الجريئة " أو " صاحبة العيون الجريئة " أغنية تخالف أدب الإسلام الذي ينادي كتابه: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)، (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) ..ويقول رسول الله: " يا علي لا تتبع النظرة النظرة ؛ فإنما لك الأولى وعليك الثانية " وهكذا.
( ب ) ثم إن طريقة الأداء لها أهميتها، فقد يكون الموضوع لا بأس به، ولا غبار عليه، ولكن طريقة المغني أو المغنية في أدائه بالتكسر في القول، وتعمد الإثارة، والقصد إلى إيقاظ الغرائز الهاجعة، وإغراء القلوب المريضة - ينقل الأغنية من دائرة الحلال إلى دائرة الحرام من مثل ما يسمعه الناس ويطلبه المستمعون والمستمعات من الأغاني التي تصرح بـ " ياه " و" يوه " و" ييه " ..إلخ.
ولنذكر قول الله لنساء النبي: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض).
(جـ) هذا إلى أن الدين حرم الغلو والإسراف في كل شيء حتى في العبادة، فما بالك بالإسراف في اللهو وشغل الوقت به ولو كان مباحا، إن هذا دليل على فراغ القلب والعقل من الواجبات الكبيرة والأهداف العظيمة، ودليل على إهدار حقوق أخرى كان يجب أن تأخذ حظها من وقت الإنسان المحدود، وما أصدق وأعمق ما قاله ابن المقفع: " ما رأيت إسرافًا إلا وبجانبه حق مضيع ".
( د ) على أن المستمع - بعد الحدود التي ذكرناها - يكون فقيه نفسه، فإذا كان الغناء، أو نوع خاص منه يستثير غريزته، ويغريه بالفتنة ويسبح به في شطحات الخيال الحسي فعليه أن يتجنبه ويسد الباب الذي تهب منه رياح الفتنة على قلبه ودينه وخلقه فيستريح ويريح.
ولا ريب أن هذه القيود قلما توافرت جميعًا في أغاني هذا العصر بكمها وكيفها وموضوعها وطريقة أدائها والتصاقها بحياة أقوام بعيدين كل البعد عن الدين وأخلاقياته ومثله . فلا ينبغي للمسلم التنويه بهم، والمشاركة في نشر ذكرهم، وتوسيع نطاق تأثيرهم إذ به يتسع نطاق إفسادهم.
ولهذا كان الأولى بالمسلم الحريص على دينه أن يأخذ بالعزيمة لنفسه وأن يتقي الشبهات وينأى بنفسه عن هذا المجال الذي يصعب التخلص فيه من شائبة الحرام إلا ما ندر.
ومن أخذ بالرخصة فليتحر لنفسه وليتخير ما كان أبعد عن مظان الإثم ما استطاع، وإذا كان هذا في مجرد (السماع) فإن الأمر في (الاحتراف) بالغناء يكون أشد وأخوف ؛ لأن الاندماج في البيئة "الفنية" كما تسمى خطر شديد على دين المسلم يندر من يخرج منه سالمًا معافى ..
وهذا في الرجل، أما المرأة فالخطر منها وعليها أشد، ولذا فرض الله تعالى عليها من التصوّن والتحفظ والاحتشام في لبسها ومشيتها وكلامها ما يباعد الرجال من فتنتها وما يباعدها من فتنة الرجال ويحميها من أذى الألسن وشره الأعين وطمع القلوب المريضة كما قال تعالى: (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) وقال: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض).
واحتراف المرأة المسلمة للغناء يعرضها لأن تفتن أو تُفتن ويورطها في محرمات قلما تستطيع التغلب عليها من الخلوة بالأجنبي للتلحين أو التسجيل أو التعاقد أو غيرها، ومن الاختلاط