PDA

View Full Version : **..** الدرس الثاني عشر ..(..كيف يصوم البطن ؟)**..**


عبد الله المسكين
23-12-1999, 10:18 AM
كيف يصوم البطن ؟
الحمد لله ، والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد.
الطعام حِلاًّ وحرمة له أثره على حياة الإنسان وسلوكه وأخلاقه ، ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى رسله فقال : { يا أيها الرسل كلوا من الطبيات واعملوا صالحاً } وقال سبحانه للمؤمنين : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون } .
والطيبات هي ما أحله الله عز وجل لعباده المؤمنين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم . فالله يقول عنه { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} . وصيام البطن اجتنابه للحرام ، زيادة عن اجتنابه الطعام والشراب ، وكل ما يفطر من نهار رمضان، لكنه يصوم أيضاً عن الحرام عند إفطاره فلا يأكل الربا إذ أنه بأكله الربا يغضب المولى تبارك وتعالى . يقول سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة } . وقال سبحانه : { وأحل الله البيع وحرم الربا } .
صح عنه عليه الصلاة والسلام انه قال : لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال هم سواء } .
آكل الربا يضحك على نفسه ، يملأ بطنه من الحرام ، ويدعو ربه وقد سد طرق الإجابة وأغلق باب القبول .
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه ذكر الرجل أشعث أغبر يطيل السفر يمد يديه إلى السماء ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام ، فأنى يستجاب له. فهذا رجل عابد كثير العبادة ، ولكنه آثم في طعامه ، غير متق لله في أكله وشرابه .كيف يصوم البطن وقد أفطر على الحرام طعامه الربا والسحت ، والغش ومال اليتيم والغصب .
فسدت والله الأذواق لما فسد الطعام والشراب ، قست القلوب لما خبث المأكل والمشرب، انطمس النور لما فقدت اللقمة الحلال .
صح عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه تغذى يوماً من الأيام ثم سأل خادمه من أين هذا الطعام ؟ قال : من كهانة كنت أتكهن بها في الجاهلية، فأدخل أبو بكر يده وانتغر فأخرج ما في بطنه من الطعام ، فرضي الله عنه ما أصدقه وأطيبه وأطهره .
اللقمة تبقى في بطن صاحبها ويبقى أثرها مع اللحم والدم وأي جسد نبت من الحرام فالنار أولى به .
كان السلف الصالح يعرفون من أين يأكلون، فصفت أذواقهم وصحت أبدانهم وأشرفت قلوبهم، فلما فسد طعام المتأخرين وشربهم انطمست معالم الهدى في قلوبهم .
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : " ما أكل عبد طعاماً خيراً من أن يأكل من كسب يده ، وإن نبي الله داود عليه السلام ، كان يأكل من طعام يده ) .
فزكريا عليه السلام كان نجاراً وداود عليه السلام كان حداداً ومحمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يرعون الغنم .
والإسلام يدعو إلى الكسب وطلب الرزق لكن من أبوابه المشروعة .يقول سبحانه { ولا تأكلوا مال اليتيم مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } .
وقال تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً } وقال عز وجل : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون } . وقال عز اسمه : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } .
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : "لعن الله الراشي والمرتشي" . ويروى والرائش .
يقول سبحانه ذاما من فسد من اليهود والنصارى : { وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئسما كانوا يعملون } . .
يقص علينا ابن الجوزي في صيد الخاطر أنه أكل أكلة من شبهة فتغير قلبه وأظلم عليه فترة من الزمن ولذلك لصفاء قلوبهم أحسوا بالتغيير. أما الكثير اليوم فيأكل ما أراد من الحرام فلا يرى تغير قلبه لأنه :
من يهن يسهل الهوان عليه ******* ما لجرح بميت إيلام
وتناول بعضهم الخمر والمسكر بأنواعه محرم لذة العبادة وحلاوة الطاعة ، وعاش منغصاً قلقاً محروماً من السعادة ومن ساعة الإجابة .
فيا أيها الصائم هناك صيام البطن من لم يصمه فكأنه ما صام ، فهل من صائم عن الحرام ، ورع في الشراب والطعام ورع في الشراب والطعام ليدخل دار السلام .
اللهم اجعلنا ممن يحلل حلال الشريعة ويحرم حرامها .

ـــــــــــــــــــ
ثلاثون درساً للصائمين (عائض القرني)