PDA

View Full Version : ***...** الدرس الثاني..(لماذا شرع الصيام؟) **...***


عبد الله المسكين
13-12-1999, 09:53 AM
لماذا شرع الصيام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم وبعد .
فلله في شرعة أسراره ، وله في أحكامه حكم ، وله في خلقه مقاصد ، فمن هذه الأسرار والحكم والمقاصد ما تدركها العقول ، ومنها ما تقف عندها كالة ، وقد أخبر سبحانه عن بعض حكم الصيام فقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } .
إذن فالصوم طريق لتقوى الله عز وجل ، والصائم من أقرب الناس إلى مولاه جلت قدرته، جاع بطن الصائم فصفا قلبه ، وظمئت كبد الصائم فدمعت عينه، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج . ومن لم يستطيع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) .
- الصوم يضيق مجاري الطعام والدم ، وهي مجاري الشيطان ، فتقل وسوسته.
- الصوم يضعف الشهوة وخطرات السوء وواردات المعصية فتشرق الروح .
- الصوم يذكر الصائم بإخوانه الصائمين من المحتاجين والفقراء والمساكين فيرحمهم ، ويعطف عليهم ويمد يده بالعون إليهم .
ياصائماً ترك الطعام تعففا أضحى رفيق الجوع واللواء
أبشر بعيدك في القيامة رحمة محفوفة بالبر والأنـــداء
- الصوم مدرسة لتربية النفوس وتزكية القلب ، وغض البصر ، وحفظ الجوارح .
- الصوم سر بين العبد وبين المعبود سبحانه ، ففي الصحيح أن الله عز وجل يقول : ( كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ) . لأن الصوم لا يطلع عليه إ لا الله تعالى بخلاف الصلاة والزكاة والحج .
عرف السلف الصالح الصيام قربة لله عز وجل ومضماراً للسباق ، وموسماً للخيرات ، فبكوا فرحاً لاستقباله ، وبكوا حزناً عند فراقه .
عرف السلف الصيام فأحبوا رمضان واجتهدوا في رمضان ،وبذلوا نفوسهم في رمضان ، فجعلوا من لياليه قياماً وركوعاً وسجوداً ودموعاً وخشوعاً ، وجعلوا من نهاره ذكراً وتلاوة وتعليماً ودعوة ونصحاً .
عرف السلف الصيام قرة عين وراحة نفس ، وانشراح صدر، فربوا أرواحهم بمقاصده ، وزكوا قلوبهم بتعاليمه ، وهذبوا نفوسهم بحكمه .
- كان السلف كما صح عنهم يجلسون بمصاحفهم في المساجد ، يتلون ويبكون ويحفظون ألسنتهم وأعينهم عن الحرام .
- الصيام يا صائمون وحدة للمسلمين ، يصومون في زمن ويفطرون في زمن، جاعوا معاً ، وأكلوا معاً ، ألفة وإخاء ، وحب ووفاء .
- الصيام يا صائمون كفارة للخطايا ومذهب للسيئات ، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( الجمعة إلى الجمعة ، والعمرة إلى العمرة ، ورمضان إلى رمضان ، كفارات لما بينهما مالم تؤت كبيرة ) .
- والصيام يا صائمون صحة للجسم ، لأنه يستفرغ المواد الفاسدة ، ويريح المعدة ويصفي الدم ويطلق عمل القلب ، وتشرق به الروح ، وتصفو به النفس ، وتهذب به الأخلاق .
- إذا صام الصائم ذلت نفسه ، وانكسر قلبه وخفت مطامعه ، وذهبت شهواته ، ولذلك تكون دعوته مستجابة لقربه من الله عز وجل .
- في الصيام سر عظيم ، وهو امتثال عبودية الله عز وجل ، والإذعان لأمره والتسليم لشرعه ، وترك شهوة الطعام والشراب والجماع لمرضاته .
- والصيام انتصار للمسلم على هواه ، وتفوق للمؤمن على نفسه ، فهو نصف الصبر ومن لم يستطيع الصيام بلا عذر يقهر نفسه ولن يغلب هواه.
- والصيام تجربة هائلة للنفس ، لتكون على استعداد تام لتحمل المشاق والقيام بالمهام الجسام من جهاد وبذل وتضحية وإقدام . ولذلك لما أراد طالوت أن يقاتل أعداءه ابتلى الله قوم طالوت : { فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده } . فنجح أهل الصبر وفاز منهم من غلب هواه ، وتخلف عن الجهاد عبدة الشهوات المقهورون تحت سلطان طبائعهم .

ولعل بعض حكم الصوم تتلخص في أنه تقوى الله عز وجل ، وامتثال لأمره وقهر للهوى ، وانتصار على النفس ، وتهيئة للمسلم في مواقف التضحية وضبط للجوارح ، وكبح للشهوات ، وصحة للجسم ، ومكفر للسيئات ، وألفة وإخاء، وشعور بجوع الجائعين ، وحاجة المحتاجين ، والله أعلم .

___________
ثلاثون درساً للصائمين (عايض القرني)