PDA

View Full Version : الروائيات السعوديات ومتعة اللعب بالنار


أبو يحى
31-05-2006, 06:25 PM
الروائيات السعوديات ومتعة اللعب بالنار

الشرق الاوسط

لا يختلف اثنان على ان ظاهرة «الرواية النسائية السعودية» فرضت نفسها على المشهد الثقافي السعودي، لا بل والعربي بشكل عام.

فكلما هدأت عاصفة رواية، خرجت من المطابع أخرى جديدة تحاول ان تتجاوز ما قبلها، جرأة ومشاكسة وتحرشاً بالسائد والمتفق عليه. لكل واحدة أسلوبها وهواها ومزاجها، ومناطقها الاجتماعية التي اختارت ان تقتحمها بقلمها، لكن جميعهن وعلى اختلاف أهوائهن، يتميزن بحساسية قوية تجاه مجتمع ذكوري كانت له الغلبة والصوت المتسلط على مسارهن.

منذ البدء بدت المرأة الروائية في السعودية راغبة في أن ترسم لنفسها خطاً متمايزاً عن زميلها الرجل، لكن الشهور الأخيرة، أكدت أن المغامرة ما تزال في أولها، فبعد رجاء الصانع في «بنات الرياض»، ظهرت «ملامح» زينب حفني لتتبعها مباشرة طيف الحلاج باسمها المستعار على رواية «القرآن المقدس» وتثير أسئلة لم تكن مطروحة من قبل حول قضية التخفي وراء حجب الأسماء. والرواية التي تستعد لإصدارها «دار الساقي» منتصف الشهر المقبل، تحت عنوان «الآخرون» باسم صبا الحرز، قد تكون قنبلة روائية جديدة من نوع آخر. هنا رأي لناقدين سعوديين في الظاهرة المتنامية بسرعة العصر، ومقابلة مع صاحبة «الآخرون»، تتحدث خلالها عن العوامل التي دعتها إلى الخروج على كل ما سبق.

* عقدة أنثوية تضخم أيديولوجيا الاضطهاد

* محمد العباس

* الروايات المكتوبة بأقلام نسائية هي حالة أشبه بانفجار الصمت، متأتية من مهبات العولمة التي وهبت صوتا لكل فرد، ولذلك تكتظ هذه الروايات بالقضايا الحقوقية والخيبات العاطفية، ويغلب عليها طابع الواقعية الإجتماعية، بما هو المكان الذي يتم فيه تأوين شخصيات مقهورة لا تبتعد كثيرا عن الذوات المنتجة لها.

وبقدر ما هي دليل على صعود «الفردانية»، هي إشارة أيضا على أن الرواية معادل لفعل الحداثة الاجتماعية، وبالتالي لا يمكن فصلها عن فعل الثقافة الأشمل. فظهور هذا الكم من الروايات المتواترة في ظل نظام رمزي قاهر إشارة صريحة إلى التوطين الفعلي لتعددية الأصوات، والإقرار بالمرأة كآخر، له الحق في الحضور الحياتي والإبداعي، والاعتراف برغبته في التمثل عبر السرد، لإبقاء الذات الأنثوية حاضرة وفاعلة.

الرواية كخيار تعبيري ينم عن وعي أنثوي بقدرة هذا النمط التعبيري على الهدم والبناء، والاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الأفكار والمشاعر، أو استدماج جملة من الخطابات داخل السرد، لدرجة يبدو فيها المنجز الروائي النسوي وكأنه في طور التجاوز لمنهجية التملص والمراوغة. فقد باتت هذه الروايات على درجة من الفصاحة وتسمية الأشياء والوقائع بمسمياتها، وإن أوقعتها النبرة المتبائسة أحيانا في مثالب الخطاب النسوي.

هذا الخطاب الفارط في هجاء الآخر، ومراودة الذات بالتصدي له هو إيديولوجيا تقوم على الاستنقاع في حس الانقهار والتشكي، والاستئناس اللاواعي بالتشكل ككائن يصغي بصبر وانقهار إلى ما يؤسسه الرجل من قيم التفكير والسلوك، والارتهان إلى طقسية الكلام المنقوص للبقاء في الهامش، بدليل أن عناوين الروايات تشير إلى حالة من التحدي أو الاستعداد للمواجهة، لكنها في واقع الأمر تستبطن رهابات على مستوى التعبير والوقائع.

هكذا تنفصم الروايات في الغالب على حافة الصمت والإفضاء، أو تجسيد رواية منقوصة أو خائنة لمشروع الرواية بالنظر إلى أن الكتابة تشترط شيئا من الحرية والخبرة والجرأة، وهو أمر تفتقر اليه المرأة كتجربة حياتية وخبرات ثقافية، الأمر الذي يفسر ارتباكاً في المنجز في الغالب، خصوصا عند النظر إلى تضخم إيديولوجيا الاضطهاد لدى الروائيات، المستمد أصلا من عقيدة أنثوية لها ما يبررها على أرض الواقع.

وذلك ما يفسر أيضا نبرة التباؤس وانخفاض روح التحدي، وانئسارها إلى النزعة الرومانتيكية الساذجة، بما يعني أن الوعي الروائي النسوي ما زال مستوعبا بالقيم الذكورية السائدة، وخاضعا للبطريركية بكل تجلياتها، حتى مخيالها الروائي لم ينضج بما يكفي نتيجة قلة الخبرات، وانحباسها التاريخي والاجتماعي في ظل نظام قاهر، يتبدى في نبرة التمرد والتطرف الموضوعي الذي تحتضنه مجمل الروايات.

يبدو هذا الأمر جليا في كثير من النماذج الروائية، فـ«القرآن المقدس» مثلا تحيله طيف الحلاج إلى خطاب نسوي فاقع، تنازل به الرجل وتسائله من منطلقات تاريخية واجتماعية وثقافية، و«بنات الرياض» رواية تعيد فيها رجاء الصانع تدوير القيم الذكورية بأصوات أنثوية، وكأنها تشير من خلال نبرة الغضب المنخفضة إلى حالة من الاستسلام الأنثوي، وهكذا تجيء «الآخرون» لصبا الحرز كعلامة لصعود الفردية، واختراق التابو الاجتماعي من خلال صدمة ثالوث (الجنس ـ السياسة ـ الدين). وهو أمر تبالغ فيه زينب حفني بفجاجة موضوعية واستخفاف بأبسط شروط الكتابة الروائية. أما رجاء عالم كنموذج طويل الخبرة والتجربة، فتكتب رواية بمعزل عن كل ذلك الضجيج، فهي أميل إلى تأكيد وجودها عبر بصمة أسلوبية، أو هذا هو رهانها لاجتراح رواية مستوفية لشروطها الفنية والمضمونية، وإن كانت لا تخلو من ارهاصات الدعاوى الأنثوية، خصوصا في روايتها «ستر». وأعتقد أن المشهد على موعد مع المزيد من الروايات المكتوبة بأقلام نسائية، لكن النموذج الأنضج ما زال بعيدا لأسباب يمتزج فيها الثقافي بالاجتماعي بالإضافة إلى جملة من الاشتراطات والظروف.