PDA

View Full Version : قصص قصيرة ...إبداع الكلمة


ميس الريم
23-12-2005, 04:17 AM
في الحقيقة ..لدي فكرة جديدة ..لكم .واتمنى منكم مشاركتي فيها .. قرأت قصة قصيرة أعجبتني ...فأردت أن انقلها لكم ...
لكن ..تمنيت لو أنني سأقرأ مالديكم من قصص وحكايا .......
قرأتموها وتأثرتم بروعتها وجمالها الأدبي الذي به كتبت..
هاهنا دعوة مفتوحة لمشاركات الجميع ..ولإثراء هذه الزاوية...
تذكر أنك هنا غير ملزم بنقل المصدر او عمل دعاية لكتاب أو كاتب ...
يكفي أن يعرف الجميع أن قراءتك منقولة ..
وربما يكون مصدر النقل كتاب ..قصة ..مجلة ..صحيفة ..أو أي مصدر آخر ..




الشعور بالسعادة

في أحد المستشفيات كان هناك مريضان هرمين في غرفة واحدة. كلاهما معه مرض عضال. ‏أحدهما كان مسموحاً له بالجلوس في سريره لمدة ساعة يوميا بعد العصر.
ولحسن حظه فقد ‏كان سريره بجانب النافذة الوحيدة في الغرفة. أما الآخر فكان عليه أن يبقى مستلقياً ‏على ظهره طوال الوقت.

كان المريضان يقضيان وقتهما في الكلام، دون أن يرى أحدهما الآخر، لأن كلاً منهما ‏كان مستلقياً على ظهره ناظراً إلى السقف.
تحدثا عن أهليهما، وعن بيتيهما، وعن ‏حياتهما، وعن كل شيء...

*******
وفي كل يوم بعد العصر، كان الأول يجلس في سريره حسب أوامر الطبيب،
وينظر في ‏النافذة، ويصف لصاحبه العالم الخارجي.
وكان الآخر ينتظر هذه الساعة كما ينتظرها ‏الأول، لأنها تجعل حياته مفعمة بالحيوية وهو يستمع لوصف صاحبه للحياة في الخارج: ‏
ففي الحديقة كان هناك بحيرة كبيرة يسبح فيها البط.
والأولاد صنعوا زوارق من مواد ‏مختلفة وأخذوا يلعبون فيها داخل الماء.
وهناك رجل يؤجِّر المراكب الصغيرة للناس ‏يبحرون بها في البحيرة.
والجميع ‏يتمشى حول حافة البحيرة. وهناك آخرون جلسوا في ظلال الأشجار أو بجانب الزهور ذات ‏الألوان الجذابة. ومنظر السماء كان بديعاً يسر الناظرين...

وفيما يقوم الأول بعملية الوصف هذه ينصت الآخر في ذهول لهذا الوصف الدقيق ‏الرائع.
ثم يغمض عينيه ويبدأ في تصور ذلك المنظر البديع للحياة خارج ‏المستشفى.

وفي أحد الأيام وصف له عرضاً عسكرياً.
ورغم أنه لم يسمع عزف الفرقة الموسيقية ‏إلا أنه كان يراها بعيني عقله من خلال وصف صاحبه لها.

*******
ومرت الأيام والأسابيع وكل منهما سعيد بصاحبه.
وفي أحد الأيام جاءت الممرضة ‏صباحاً لخدمتهما كعادتها، فوجدت المريض الذي بجانب النافذة قد قضى نحبه خلال الليل.
‏ولم يعلم الآخر بوفاته إلا من خلال حديث الممرضة عبر الهاتف وهي تطلب المساعدة ‏لإخراجه من الغرفة.
فحزن على صاحبه أشد الحزن.

*******
وعندما وجد الفرصة مناسبة طلب من الممرضة أن تنقل سريره إلى جانب النافذة.
ولما ‏لم يكن هناك مانع فقد أجابت طلبه.
ولما حانت ساعة بعد العصر وتذكر الحديث الشيق ‏الذي كان يتحفه به صاحبه انتحب لفقده.
ولكنه قرر أن يحاول الجلوس ليعوض ما فاته في ‏هذه الساعة.
وتحامل على نفسه وهو يتألم، ورفع رأسه رويداً رويداً مستعيناً بذراعيه،
‏ثم اتكأ على أحد مرفقيه وأدار وجهه ببطء شديد تجاه النافذة لينظر العالم الخارجي.
‏وهنا كانت المفاجأة!!

لم ير أمامه إلا جداراً أصم من جدران المستشفى، فقد كانت ‏النافذة على ساحة داخلية!!!!

نادى الممرضة وسألها إن كانت هذه هي النافذة التي كان صاحبه ينظر من خلالها،
‏فأجابت إنها هي!! فالغرفة ليس فيها سوى نافذة واحدة.
ثم سألته عن سبب تعجبه، فقص ‏عليها ما كان يرى صاحبه عبر النافذة وما كان يصفه له.

*******

كان تعجب الممرضة أكبر، إذ قالت له:
ولكن المتوفى كان أعمى، ولم يكن يرى حتى هذا ‏الجدار الأصم، ولعله أراد أن يجعل حياتك سعيدة حتى لا تُصاب باليأس فتتمنى ‏الموت!!!:(

تمنياتي لكم بالسعادة :-) ميس الريم

ميس الريم
24-12-2005, 01:51 AM
ربما لو تم نقل الموضوع إلى قسم الأدب والثقافة ...افضل!!



ميس الريم

سنـاري
24-12-2005, 06:59 AM
قصة حلوة

ياليت العالم فيه ناس زي كذا

تخيلوا كيف حتكون حياتنا

:p

ميس الريم
25-12-2005, 02:11 AM
إذا يئسنا من عدم وجود مثل هؤلاء في العالم ...فلنسعى أن نكون نحن ....هم :)


تحياتي لمرورك ..وأتمنى أن أقرأ لك قصة هنا ..... قريبا


ميس الريم

العهد
25-12-2005, 09:16 AM
بورك فيك أختي ميس الريم ..

قصة معبره ..و جميله

هذه قصة رائعة .. بقلم العضو : قلم - منتدى السقيفة

***

أول يوم في ثلاجة الموتى ..

--------------------------------------------------------------------------------

تخرجت من كلية الطب منذ عدة سنوات وجلست بعدها في البيت أنتظر التعيين أو النصيب .. !! وذات يوم دق جرس الهاتف لأجـد شخصا يقول لي :

" تم تعيينك في مستشفى المواساة .. يجب أن تباشري غدا وإلا …!!"

قلت له :

" لا .. لا داعي لـ " وإلا " هذه .. سأكون أول من يدخل باب المستشفى صباح الغد بمشيئة الله ..

لم أنم ليلتها جيدا .. ألف صورة تعبر مخيلتي وألف شعور يغمرني وألف " وإلا "

قفزت أمام عيني .. ولذلك لم أذق طعم النوم ..

جاء الصباح وجاء يوم العمل الأول .. عندي " بالطو " أبيض أحتفظت به من أيام الجامعة .. حاولت أن أرتديه .. جيد .. لا زلت أحتفظ برشاقتي .. أتأمل نفسي في المرآة .. لا .. يبدو أن زمن الرشاقة قد ولّى .. !! رميت البالطو جانبا لألحق بالعمل الجديد ..

عندما وصلت المستشفى كنت حقا أول من وصل من الموظفين و الممرضات و العمال .. لم أبالي .. يجب أن أثبت جدي و اجتهادي من أول يوم ..

بحثت عن المكان الذي سأمارس فيه عملي .. سأكون صيدلية بإذن الله .. هكذا كنت أحلم طوال عمري .. واليوم سيتحقق الحلم ..

سألت : أين سأعمل ؟؟

لا أحد يعرف ..

بدأ الموظف المختص يقلّب الأوراق و الدفاتر و المعاملات .. ثم نظر إليّ بعد حيرة طويلة وقال :

" انه هنا .. هذا اسمك .. ستعملين تحت .. في البدروم .. في الدور الأرضي "

قلت :

" هل هناك صيدلية في البدروم ؟"

تأملني كاتما ضحكة أوشكت أن تفلت منه وقال :

" عفوا .. الصيدلية هنا .. خلف مكتبنا .. ولكن أنت ستعملين في البدروم .. في ثلاجة الموتى .."

انتفضت أطرافي وتلعثم لساني وأوشكت قدماي أن تهويا بي .. تماسكت ولملمت مشاعري المبعثرة لأقول له :

" ثلاجة موتى .. ولكن .. أنا صيدلانية .. والموتى حسب معلوماتي يحتاجون للدعاء والترحم ولا يحتاجون إلى صيدلانية مثلي "

قال :

هذا صحيح .. ولكن .. لست أنا من وضعك في هذا العمل .. وان أردت نصيحتي باشري عملك بضعة أيام ثم حاولي أن تطلبي نقلك إلى مكان آخر بالتفاهم مع مديرك "

قلت :

" عفوا .. ولكنني لا أصلح في هذا المكان "

قال بعد أن ألقى بظهره على الكرسي ووضع رجلا على رجل:

" وهل أنا أصلح هنا .. وذاك هل يصلح هناك .. قولي لي يا سيدتي هل هناك شخص مناسب في مكان مناسب في هذا الزمان ؟! إنها مسألة أكل عيش .. وعلينا أن نعمل في أي مكان وإلا " ..!!

أطلقت تنهيدة من أعماق قلبي وقلت له :

" ما حكاية " وإلا " هذه ..؟ لا بأس ..أمري إلى الله .. "

أنهيت إجراءات مباشرة العمل ثم نزلت إلى المكان الذي سيضم خطواتي القادمة ..

مكان كئيب .. إضاءة خافتة تبعث الرعب في النفس .. دخلت الغرفة التي تحتضن الثلاجة وأنا أجر قدمي جرا.. وجدت زميلة تنتظرني .. أفهمتني أن عملي سهل جدا ..

" سيأتي أهل المتوفى بورقة يفترض أن تطابقيها ببيانات موجودة على باب الثلاجة التي تضم جثمان متوفاهم .. وإن تطابقت البيانات فعليهم عند ذلك أن يأخذوا ميتهم من هنا "

أطلقت زميلتي ضحكة عالية و هي تحاول أن تزرع الشجاعة في قلبي لتضيف قائلة :

" لن تلمسي أمواتا و لن تحملي جثثا .. فقط ستتعاملين مع بيانات .."

قالت كلمتها وهي تتوجه نحو الباب .. أطبقت على يدها بفزع و قلت :

" إلى أين ؟"

قالت :

" المعذرة .. لدي مشوار تم تأجيله أربع مرات لحين مباشرتك العمل .. لا تقلقي ..

سأعود خلال ساعة و ربما أقل .. إلى اللقاء "

وتبخّرت من أمام عيني في لحظة وتركتني زائغة العينين أشم رائحة الموت من كل اتجاه ..

هربت من الغرفة .. سحبت كرسيا و جلست في الممر ..وبقيت أضرب أخماساً في أسداس .. بل في أرقام كثيرة بلا نهاية .. ما هذه الورطة ..؟ هل سأقول لأمي و أبي و اخوتي أني أعمل حارسة على بوابة ثلاجة الموتى ..؟ هل الموتى بحاجة إلى من يحرسهم ؟ وهل أفنيت عمري و سهرت الليالي لأكون في هذا المكان ..؟ وأين أذهب بعلم الصيدلة والأدوية والكيمياء وكل ما تعلمته ؟ هل أذيبه في كوب ماء وأشربه ..؟ انتبهت إلى واقعي .. صمت عميق يكاد يحاصر المكان لولا أصوات بعيدة تتسلل إلى أذني .. بدأت الوساوس تنبت في محيطي ..

كأني سمعت طرقا من داخل الغرفة ..!!

هل هناك من يهمس باسمي ..؟!

كأني رأيت شيئا يتحرك كالبرق أمامي ليختفي .. !!

يا إلهي .. هواجس وظنون وأوهام خلقتها بنفسي لأداري إحباطي تطوقني وتخنقني ..

وفيما أنا أسيرة هذه الهواجس إذا بصوت عال محتد يصرخ بي :

" السلام عليكم "

قفزت من الكرسي وأنا أردد " وعليكم السلام " ووجهي يدور في كل مكان أبحث عن هذا المخلوق الذي بدد وحدتي ..

رأيت نفسي فجأة أمام رجل ضخم يحمل ورقة صغيرة جدا يقدمها إليّ ويقول:

" تفضلي "

شعرت وكأن قلبي قفز بين يدي .. هل هذا حلم أم واقع ..؟ لم أقرأ الورقة .. سألته فقط ..

" ما هذه "

قال :

" انه جدي .. اختفى منذ شهر ونحن نبحث عنه وربما يكون هنا في هذا المكان "

قلت وقد بدأت أشعر بأنفاسي تعلو وتملأ المكان :

" والمطلوب ؟ "

قال بغضب ظاهر :

" سلامة فهمك .. المطلوب أن تفتحي جميع أدراج ثلاجتكم العامرة وتبحثين عنه "

قلت و أنا أظن أني أرد له غضبه بما يستحق :

" المعذرة .. سلامة فهمك .. أنا لا أعرف جدك ولا شكله "

أدخل يده بسرعة في جيبه ليخرج صورة وضعها أمام بؤبؤ عيني وقال :

" هاهو .. "

قلت بارتباك ظاهر :

" تعال إذن وابحث عنه بنفسك "

قال وقد فطن إلى حقيقة الأمر :

" عفوا .. أنت هنا لهذا العمل .. وقد تحوي ثلاجتكم العامرة نساء لا يصح أن أنظر إليهن .. ولهذا سأعود إليك بعد قليل لآخذ الإفادة .."

وهرب من أمامي قبل أن أنطق بحرف ..

تأملت صورة جدّه ، ثم أطلقت نظري في أرجاء الثلاجة التي تحوى أكثر من عشرين درجاً ، تراني هل أتجرأ و أفعلها ؟ ويح قلبي .. أنا التي يهلع قلبي لذكر الموت أجد نفسي فجأة أمامه وفي أكثر من صورة ؟ هل أنسحب ..؟ نعم .. سأنسحب .. هذا أفضل ..

أفضل ..؟ لمن ..؟

تخطر في ذاكرتي كلمة ( وإلا ) التي ترددت على مسمعي أكثر من مرة بسبب هذا العمل .. ألم يقل ذاك الموظف أن المسألة " أكل عيش " ؟ أطل في الصورة مجدداً .. أجد قدماي تقوداني إلى داخل غرفة الثلاجة .. أقترب من أول درج .. أقرأ كلمة ( مجهول .. حادث سيارة ( مكتوبة على ورقة معلقة بإهمال على مقبض الدرج ..

المطلوب مني أن أفتح الدرج وأفتح عيني جيداً وأتأمل الموت .. ألاحق تفاصيله ..

أستكشف بصمته .. مطلوب مني أن أقارن الموت بصورة .. والمجهول بعلامة استفهام ..

يا الله .. ماذا أفعل ..؟ قلبي يكاد يتوقف .. أمد يدي إلى الدرج أحاول سحبه ..

إنه يترنح في الهواء .. أتراه فارغ ؟ أسحبه بهدوء .. !!

يا الله .. زلزال يضرب كياني .. إنها جثة طفل صغير .. أتأمله بخشوع .. كل كياني يبكي .. أي جبار عات دهس طفولتك وبراءتك أيها الصغير ؟ أي أرعن أخرق قطف بسمتك وداس فرحة أبويك وقذف بك إلى أحضان الموت .. ؟ أحاول أن أمد يدي إلى جبهته .. لم أتردد .. لأول مرة في حياتي ألمس ميتا وأنا التي كنت أتحاشى الاقتراب من مريض .. لمست جبينه البارد .. عبثت يدي بشعره ..

قوة غامضة دفعتني إلى تقبيل خده .. شعرت أني أقبّل عصفورا صغيرا ..

صوت يخترق أذني فجأة .. " عفوا ..مكانك ليس هنا " .. نظرت خلفي فإذا به ذاك الموظف الذي قذف بي صباحا إلى هذه الثلاجة ..

قلت وأنا أمسح دموعي وألملم مشاعري : " ألم تقل لي صباحا أن مكاني هنا وأن كشوفاتك تؤكد ذلك " ..

قال مرتبكا : " أرجو أن تعذرنيي .. يبدو أني لم أغسل وجهي جيدا هذا الصباح ولكن عندما سألوا في الصيدلية عن الموظفة الجديدة اكتشفت خطأي .. السماح منك مرة أخرى " ..

لم أفرح بالنبأ .. لم أفرح بالصيدلية .. نظرت إلى جثمان الطفل من جديد .. قلبي مذبوح وكياني مشروخ ويدي لا تريد أن تفارق وجه الطفل .. قلت للموظف :

" ما حكاية هذا الطفل ؟ "

قال : لا توجد حكاية .. طفل مشرد كان يتسول عند إشارة مرور دهسته سيارة طائشة .. لا أحد يعرف شيئا عن هذا الطفل ومنذ سنة والجثة هنا والشرطة ترفض دفنها قبل التعرف على ذويه ، وحتى من ارتكب الحادث لازال حرا طليقا .. على أي حال ..

أرجوك .. يجب أن تذهبي إلى الصيدلية فورا قبل أن تحدث لي مشكلة .. "

قال كلماته تلك واختفى من أمامي .. وبقيت أنا وهذا المشرد الصغير .. يا لوعتي عليك أيها الملاك .. عشت مشردا وتموت مشردا .. عشت فقيرا وتموت مكسورا لتغفو وحيدا في ثلاجة من الصقيع .. قتلك الظلم وهرب .. دهستك القسوة واختفت ..

ماذا أفعل الآن ..؟

أنا الآن صيدلانية فعلا .. ومكاني ليس هنا .. ولكن .. كيف أترك المكان وفؤادي هنا .. وكياني هنا .. وإنسانيتي هنا .. كيف أغادر وعصفور يبحث عن الراحة ميتا ولا يريدونها له قبل أن يستكملوا أوراقهم .. هل يتصورن أن ضمير القاتل سيستيقظ بعد سنة ليقول : أنا من دهسه .. خذوني فغلّوني ..؟ لن أترك يا صغيري تموت مرتين .. سأسعى إلى إخراجك من هذا القبر البارد ..

انحنيت عليه وقبلته من جديد .. ودموعي تغسل وجهه .. وهمست في أذنه : " أقسم لك يا صغيري أني لن أتركك هنا " وأغلقت درج الثلاجه وكأني أغلق قبرا على روحي ..

**

ميس الريم
24-01-2006, 08:33 AM
أشكرك اختي العهد على هذه القصة المعبرة
ولك صادق دعواتي وتحياتي

ميس الريم :)

ميس الريم
24-01-2006, 08:46 AM
جلس رجل أعمى على احدى عتبات عمارة ووضع قبعته بين قدميه وبجانبه لوحة مكتوب عليها :

" أنا أعمى أرجوكم ساعدوني".

فمر رجل اعلانات بالأعمى ووقف ليرى أن قبعته لا تحوي سوى قروش قليلة فوضع المزيد فيها.
ومن دون أن يستأذن الأعمى أخذ لوحته وكتب إعلان آخر.
عندما انتهى أعاد وضع اللوحة عند قدم الأعمى وذهب في طريقه.
وفي نفس ذلك اليوم مر رجل الإعلانات بالأعمى ولاحظ أن قبعته قد امتلأت بالقروش والأوراق النقدية.
فعرف الأعمى الرجل من وقع خطواته فسأله إن كان هو من أعاد كتابة اللوحة وماذا كتب عليها ؟
فأجاب الرجل : " لم اكتب شيئا زائدا عدا الصدق " وابتسم وذهب.

لم يعرف الأعمى ماذا كتب عليها لكن اللوحة الجديدة كتب عليها :
" نحن في فصل الربيع لكنني لا أستطيع رؤية جماله".

إرث أحزان
24-01-2006, 09:37 AM
قصص رائعة ... إن شاء الله يسعدني الحظ وأشارك ..

أجمل تحية

ميس الريم
25-01-2006, 10:49 PM
ممتنة لك حضورك وتواجد ك أخي إرث أحزان
وأتمنى أن أرى مشاركتك قريبا


تحياتي لك
ميس الريم

دلع الحبايب
08-02-2006, 08:34 PM
قصة حلوة

تقبل مرورى

ميس الريم
18-02-2006, 02:02 AM
هذه الحكاية ..اهدتني إياها كاتبتها لنشرها في هذه الزاوية :)

نورة وآخرين ....أيتام ليسوا كغيرهم .


يا لطفولتهم البائسة ...
رسم ذات مرة أحد الرسامين صورة لطفل بائس حزين ...فاشتهرت صورته ...
وجعلت منه رساما مغموراَ..
على الرغم من أن تلك الصورة لم تنقل لنا قصة ذلك الصبي الشقي...
ولم تشر إلى أي نوع من الظلم قد تعرض له ...
غير أن دموعه التي أنطقها الرسام بحرفية عالية ..
وهي تتساقط من عينيه ..
كانت كصورة ثلاثية الأبعاد .. توحي لمن يتأملها صنوفا من العذاب قد مر بها الصبي الصغير...

ليت ذلك الرسام كان معي .. في المكان الذي ذهبت إليه والتقيت فيه بعدد من الأيتام الصغار ..
ليته التقى بهم لينقل صورهم للعالم ...
ويرسم كل ما فيها من تعابير ظاهرة للعيان عن معاناة عاشوها في حياتهم ..
حياة لم تتجاوز سنوات بعدد اليد الواحدة...أو اكثر بقليل ..

وجوه شاحبة ..أجسام هزيلة كأجسام الأشباح ..ذبول كذبول الأزهار الصغيرة قبل تفتحها...
كيف اغتيلت الضحكات والابتسام من على شفاههم ؟؟!! ...
وكيف سرقت البراءة من عيونهم...تلك العيون ..
لن ترى فيها سوى سهاماَ عدوانية تحاصرك وأنت تحدق في وجوههم ..
تتهمك وتجعل منك شريكا مع من كان سببا في آلامهم و عذابهم ..
لقد غُدِرَ بهم ...وتم رفضهم من المجتمع ...وانتهى بهم المطاف إلى ((دار رعاية الأيتام ))

****
لفتت انتباهي ...ليست كغيرها من الأطفال ...ربما لأنها لازالت تتمسك بقليل من الأمل !! في أن تلتقي بيد تربت على كتفيها وتمسح الدموع من على خدها ..
تلتقي بمن يعوضها عما فقدته من حب وحنان ..
كان لها حضن دافئ ومطمئن ..فأبت بعض النفوس الدنئة إلا أن تنتزعها من ذلك الحضن وتسحقه بكل ما أوتيت من وحشية ..وخسة ..

اقتربت منها ..وكنت حذرة خوفا من أن تهرب مني ....
لكنها فاجأتني حين اقتربت مني أكثر ..
نظرت إلى كيس الهدايا في يدي ..
عرفت ما كانت تريده أخرجت لها هدية صغيرة وأعطيتها لها ...
قبل أن تمسكها سألتها ...ما اسمك يا وردتي الصغيرة ..أجابتني ..نورة ..أخذت الهدية وانصرفت بهدوء غير مبالية بشيء آخر سواها ..

فضول شديد دفعني لطلب ملف نورة ..قدمته لي الموظفة المسئولة ..
أخذته معي للمنزل ..وكنت أتعجل الوقت لأتفرغ لقراءته ..
ومعرفة ولو جزء بسيط عن حياة تلك الوردة الصغيرة الذابلة ..نورة

وقرأت الآتي ...

في بيت قديم متهالك حيث يمتزج البؤس .. والعجز .. والألم والحرمان .. عاشت أم نورة ...
بيت خلا إلا من بعض الأثاث البسيط التالف و أم مقعدة ضريرة لا حول لها ولا قوة ....

طلبها يوما أحد الأغنياء للزواج بعد أن أعجب بجمالها الباهر ...
وصغر سنها واشترط أن يكون زواجا سريا ....
ولأنها ما كانت " أو لم تكن " تحلم بأبعد من ثري ..
ينقلها من البؤس الذي تجرعته في كل دقيقة من حياتها ..
إلى حياة الترف والرفاهية ... وافقت على الزواج منه مع ذلك الشرط الجائر بحقها.

لم يمض الكثير من عمر زواجهما غير المتكافئ ..
لتكتشف أن ذلك الحلم الوردي الذي طالما راودها ...
ما كان سوى سراب بقيعان سرعان ما انتهى وتلاشى ..
لتجد أمامها رجل جمعت الأيام فيه مساوئ الأخلاق كلها ....
لا هم له سوى الجري وراء المحرمات و ارتكاب الكبائر
فمن تعاطي المخدرات و إدمان للكحول ... إلى تعلقه بالنساء ...
بخله وطمعه ..ثم عصبيته ..كلها صفات حطمت أحلام أم نورة الوردية ...
ولونت حياتها بألوان داكنة وكئيبة ..أكثر مما كانت عليه ..

وفي ظل تلك الظروف السيئة أبصرت نورة الحياة ..
هبة ربانية علها تخفف عن والدتها المسكينة بعضا من همومها ...
فتكون سلوتها وملاذها الذي إليه تهرب كلما داعبتها أو نظرت إليها ...
ما اهنأ تلك الصغيرة بحنان أمها..دون أن تعلم ما تخفيه لها الأقدار. وما أهنأ الأم بها.


مرارا وتكرارا حاولت الأم أن تطلب من زوجها الانتقال للعيش في بيئة أفضل ...
لخاطر تلك الصغيرة على الأقل ..
لكن طلباتها وأمانيها لم تكن سوى زفرات وحسرات تزيد من آلامها وعذابها.
.وتزيد من مرضها الذي بدأت تعاني منه .

..........

في إحدى الليالي المظلمة ..
دخل والد نورة على زوجته وهو يعاني من حالة سكر شديدة ...
تذمرت المسكينة من تلك الحالة المزرية ...
لكن سرعان ما بدأ صراخه يعلو دون سبب...
وفجأة حمل معه نورة دون أن تعلم الأم إلى أين ؟؟
أو لماذا فعل ذلك ؟؟

طال غياب ذلك الوحش ...وطال غياب نورة !!
بقيت أياما طويلة وهي تبكي بحرقة لفراق قرة عينها آملة أن يرق قلبه فيعود بها .

لكن أيا من ذلك لم يحدث ..اشتد بها الحزن ...
وازداد عليها المرض حتى ماتت في ذلك البيت الكئيب حسرة وألما ...
...وتركت أمها العجوز الضريرة ...لتروي هذه الأحداث ..

....
وفي بيت والد نورة ...حيث أخذها لتعيش مع زوجته الأجنبية ...
بدأت سلسلة العذابات تتوالى على تلك الصغيرة

فزوجة والدها لم تعرف الرحمة طريقا إلى قلبها ...
كم نامت نورة بجوعها وعطشها .. وكم تقرح جسدها الطري من شدة الإهمال وتراكم الأوساخ ..

وكم مرضت وارتفعت حرارتها فلم تجد من يسهر بجانبها ..ليعتني بها

وكم حاولت أن تفهم سبب الضرب الوحشي والعنيف الذي تناله باستمرار ....
كم أحرقت جسدها بالنار عندما كانت تخطئ كغيرها من الأطفال ..
والكثير الكثير من الذكريات المؤلمة التي لن تنساها تلك الطفلة البريئة ...

وإن نستها جميعها فمحال أن تنسى تلك الجريمة الوحشية...
التي كادت أن ترتكب بحقها وهي لم تتجاوز عامها السادس بعد

كان والد ها مسافرا إلى إحدى دول شرق آسيا كعادته ....
وبلا رحمة او خوف من ربها ...
اتفقت زوجته القاسية مع أحد الذئاب البشرية على بيع جسد نورة له ....
مقابل حفنة من المال عن كل ليلة..
لم ينقذ تلك الصغيرة سوى صوت صراخها الذي سمعه أحد المارة خلف نافذتها المنطفئة ...
وأبلغ على أثره مركز الشرطة

اقتحم رجال الأمن المكان ..
وأخرجوا الصغيرة منه وهي في حالة يرثى لها من الذعر والهلع..
فاقتادت تلك المجرمة إلى مركز الشرطة مع من كان معها من عبدة الشيطان ..
......
يا إلهي .. أحسست بارتباك وحيرة شديدة ...
وتعطلت قدرتي على التفكير من هول ما قرأت ... كدت أصرخ بصوت عالٍ ...
هل هكذا وحوش ...تعيش بيننا !!!

أودعت نورة دار رعاية الأيتام بعد أن أُبلغ المركز أنه
لا تتوافر عنها أية بيانات أو مكان تؤخذ له...
سوى بيت جدتها العجوز الضريرة المقعدة.

رحلت نورة إلى تلك الدار ...وهي لا تحمل معها سوى خلفية ماض معتم وموحش ....
لمستقبل مجهول وكئيب.

مسكينة أنت يا نورة ....

ومسكين كل من كان يعيش حياة كحياتك البائسة .
هل ستكون الأيام القادمة كفيلة بأن تتصالح معها ...فتنسى كل ماجرى لها ؟؟
ربي ارحمها ...وارحم من كان في مثل مكانها ...ربي فاض الظلم ...
وانتشر الفساد في البر والبحر ...فأنقذ عبادك من ظلم أنفسهم ومن ظلم الآخرين لهم ...





//ميس الريم :(

ميس الريم
06-03-2006, 03:06 PM
أخي إرث أحزان...أين المشاركة التي وعدت بها!!؟؟


ميس الريم

ميس الريم
06-03-2006, 03:13 PM
من هذه الحكاية ..خرجت تلك السطور ((لم نهرتـــ؟؟ـــه))


حقا علي نشر اسمه هنا ...فهو كاتب متألق ..للقصص القصيرة ..والروايات الطويلة ..اعجبني اسلوبه الكتابي بشدة ...فأحببت وضع قصته هنا ...
هو العضو في منتدى ألم الإمارات (( انا راحل ))


تحياتي للجميع
ميس الريم






حكاية رجل بلا اسم




انبعثت هذه القصة من ابتسامة صغيرة لرجل بلا اسم.

* * *

في الصباح... أخبروني أنه مات.

العامل الهندي الذي ينظف مكاتبنا وجدوه ميتا ً في فراشه، ملامحه هادئة جدا ً، يبدو أنه قضى وهو نائم.

استغرقت دقائق لأستدعي صورته إلى ذهني، ظلا ً... رجلا ً بلا صوت، متداعي البنيان، بجلد له لون جذوع النخل، عينان خاملتان، وعلى وجهه شعيرات بيضاء مجزوزة تتناثر بإهمال وتعب.

كان يأتي في كل صباح، بيد ٍ خرقة حمراء بالية، وفي الأخرى بخاخ ماء، يمسح الطاولات، أجهزة الحاسب، ينفض غبارا ً لا وجود له، كل هذا بلا كلمة، بلا نظرة، كأنه لا يشعر بوجودنا، وكأن المكاتب الضاجة بالحياة والأصوات... أنا... وكل زملائي لا وجود لنا بالنسبة له، وأن العالم يتمثل بالنسبة له في تلك الطاولات والشاشات التي يحرص أن تلمع دوما ً.

كان الجميع يسميه ( محمد)، ولكنه قطعا ً لم يكن - رغم شرفه – اسمه الذي دعته به أمه عندما لفت جسده الساخن العابق برائحة جسدها قبل سنوات متطاولة في مكان ما في الهند.

كان يأوي بعدما ينجز مهامه – الضئيلة – إلى ركن تحت الدرج الخلفي المهمل في الدائرة التي أعمل بها، هناك حيث تناثرت قناني الماء الفارغة، وكسا الغبار الأرض، فرش بساطا ً صغيرا ً يلقي بنفسه عليه لينام، لم يكن أحد يعبأ بنومه في أوقات الدوام الرسمي، ربما لأن لا أحد كان يعبأ به أساسا ً.

* * *

لأيام ظلت صورته في ذهني، لم أستطع طرد كل تلك الأسئلة التي كانت تتوافد علي، هل كان مريضا ً؟ كيف مات؟ هل كان صمته ذاك يطوي حزنا ً أم بلادة؟ بم كان يفكر عندما كان يضع رأسه على ذاك البساط القديم وعيناه تحدقان في الدرج المائل فوق رأسه، هل لديه زوجة؟ أطفال؟ أصدقاء؟

فرارا ً من هجمة الأسئلة قصدت ركنه ذاك، كان كل شيء على حاله، لم تلمسه يد، فقط غطته طبقة رقيقة من الغبار كأنما لتحفظ آخر ذكرى من الراحل، جعلت أتأمل خطوط البساط المتقاطعة ذات الألوان المتفاوتة بين الأخضر والبني.

كان البساط مرتفعا ً قليلا ً في أحد أطرافه، جذبت ذلك الطرف فكشف لي عن كتاب صغير، مهترئ الغلاف، بصفحات صفراء، تملأه الحروف الهندية تلك التي تشبه أفاعي صغيرة متلوية للأسفل، بداخل الكتاب ورقتين مكتوبتين بخط اليد باللغة ذاتها.

حملت غنيمتي معي وعدت وأنا أفكر بما وجدته، ما هذا الكتاب؟ ما هذه الأوراق؟ هل كان الراحل يقرأ ويكتب؟ ظننته بذلك الخمول وتلك النظرة الخابية خليا ً من كل شيء.

من يكتب... لديه شيء يريد قوله، فما الذي كان يريد قوله ذاك المسكين؟ ثم ما هذا الذي كان يقرأه؟ تلك الحروف الغريبة المغلقة ربما تخبرني قليلا ً كيف كان يفكر، نوع الكتابات التي تروقه، هذه الحروف القليلة ربما تكشف لي أشياء أكثر عن هذا الذي بلا اسم.

* * *

بعدما ترددت زمنا ً وغالبت خجلا ً تركت قدماي تقودانني يوما ً إلى كليتي القديمة، تلك المباني الضخمة التي ضمتني يوما ً بين جنباتها طالبا ً راكبا ً أجنحة الحلم، تلك الذكريات العزيزة التي لا يفصلني عنها إلا بضع سنين تبدو لي كسنين يوسف.

ما زال الاسم هناك، صامدا ً لكل القادمين والراحلين، الدكتور " إرشاد الحق محمد زيني"، وقفت أمام باب المكتب أحدق في الاسم المكتوب بالإنجليزية مترددا ً كما كنت أقف في زمن مضى، ثم طرقت الباب فجاء صوته الطيب " Come in"، دفعت الباب وولجت الغرفة الباردة.

كان هو... لم تتغير فيه شعرة، ذات الرجل الذي كان يرعبني أياما ً ويسهدني ليال، ذات الذي كان يصخب بلغته الإنجليزية المستغلقة على أفهامنا، ويغلف صوته تلك القاعة الفسيحة التي يتسرب منها الطلاب يوما ً بعد يوم.

عرفني بعد تعريف بسيط، وجعل يضحك منشرح الصدر، صافحني بقوة، سره أني لم أنسه بعد، داهمني بأسئلة عديدة عن عملي، حياتي، وأصر على أن يصنع لي شايا ً أخضر من " مسخن الماء" وأكواب الشاي التي تحتل ركنا ً من مكتبه.

رشفت الشاي الذي جاءني في كوب أبيض طوقته نقوش غريبة لأفيال هندية هائجة، ثم أعددت إنجليزيتي الكسيحة لأخبره بما جئت له.

أخبرته بحكاية العامل الراحل، بالأسئلة التي صارت تدهمني كثيرا ً منذ ذاك الصباح، ثم بالكتاب والأوراق التي وجدتها، وقلت وأنا أعلق عيني بعينيه اللتان تبرزان وراء نظارته الغليظة:

- أحتاج مساعدتك يا دكتور، فأنت الهندي الوحيد الذي أستطع فهمه ويستطيع فهمي، أريد فقط أن تخبرني ما هذا الكتاب؟ وماذا تقول هذه الرسالة؟
- ولكن هذا خطأ... كان المفروض أن تسلم هذه الأشياء لأهله، هذه أشياء خاصة.
- لم يسأل عنها أحد يا دكتور، ولم يهتم بها، ولو كنت تركتها لأكلتها الأرضة الآن... أنا أريد أن أمنح الراحة لروحي، أريد أن أعرفه الآن بعدما عجزت عن معرفته عندما كان بيننا.

تنهد الدكتور إرشاد وتناول الكتاب وقلبه بين يديه، فر صفحاته المتداعية ثم قال:

- هذه طبعة قديمة من رواية ( الهوائي) لآمريتا بريتام.
- رواية؟ امممممم... غريب.
- ماذا توقعت؟ كتاب في الفلسفة؟
- لا... لا... بالعكس أنا متعجب، أنا تعودت على أن من يقرأ الروايات لابد أن يكون مثقفا ً، العامل لدينا لا يقرأ شيء تقريبا ً... عموما ً... عم تتكلم هذه الرواية؟
- اممممم؟ دعني أرى... أنا لم أقرأها.

قلب الرواية بين يديه، قرأ ما كتب على غلافه الخلفي، زوى ما بين عينيه، قبل أن يقول:

- إنها عن شاب، كيف سأقولها لك، نعم إنه شفاف جدا ً، ويتعامل مع الأشياء بحس عالي وبرمزية، هل تفهمني؟
- نعم... فهمتك.

وأشرت إلى الأوراق وأنا أقول بحرج:

- أنا آسف يا دكتور على إضاعة وقتك، ولكن الأوراق أيضا ً هل تساعدني فيها؟
- امممممممم، سأرى أتمنى أن لا تكون أشياء شخصية، هذا غير جيد، لا يجب أن نطلع على أشياء الإنسان الخاصة حتى بعد موته.

تناول الورقتين، عاد بمقعده إلى الخلف وغرق في القراءة.

* * *
...
..
.
يتبع

ميس الريم
06-03-2006, 03:17 PM
رسالة غير مكتملة – هذا ما أخبرني به الدكتور- ساذجة وبسيطة، موجهة إلى صديق اسمه ( نوشاد)، حاول الدكتور جاهدا ً استخلاص معاني الرسالة ومراميها، وكانت الحروف التي نجت من هندية الرجل وإنجليزية الدكتور قليلة جدا ً، وها هي عربيتي تحاول تشكيلها، تحاول رسم ذكريات غائمة عن حقل بعيد في قرية هندية غارقة في اللا مكان، حيث كان نوشاد وهذا الذي لا يحمل اسما ً طفلين... وحلمين، أقدامهما العارية تعرف رائحة الحقول وتحملها، وتتجنب مراقد الأفاعي التي تشاطرهم الحقل وتحميه من هجمة الجرذان.

أترك لخيالي العنان، ليبحر عائدا ً في الزمان وقافزا ً على المكان، لينقل لي تفاصيل تلك القرية الغاصة بالأنفاس، رائحة الحقول والناس والأطعمة، هدير النهر القريب الذي يمنح هذه القرية الحياة.

حملت لي كلمات الدكتور بساطة الرجل وروحه التي كنت أظن أنها مدفونة تحت درج مهجور، باهتة وراء عينان لا تحملان بريق الأجوبة.

* * *

غادرت مكتب الدكتور وبين يدي بقايا ذلك الذي بلا اسم، أشيائه البسيطة التي تركوها ورائهم عندما لفوا جثمانه وأودعوه تابوتا ً طار أو أبحر إلى تلكم القرية التي بلا اسم، ليدفن هناك بين الأهل والأجداد.

من الغد... أزهق اسمه أنفاسي، كنت جالسا ً على المكتب والنافذة تحمل لي رائحة الشتاء، وبين يدي ورقة بيضاء امتلأت بخطوط لا معنى لها، دوائر، رؤوس بلا ملامح، أياد ٍ مبسوطة بلا عُقل ولا براجم، أنوف مفردة تعتليها نظارات مشروخة، ورأس الطفلة التي تبكي الذي لا أكف عن رسمه منذ تعلمت قبض القلم، وفي رأسي تتوالى أسماء مركبة لكل الهنود الذين عرفتهم.

محمد سراج، حبيب الرحمن، أسد الله، محمد غوث، راجا، سيف الدين، أيها يناسبك؟ أي اسم كنت تحمل؟

وماذا لو عرفت؟ نسمة شتائية سحبت ورقة من الأوراق إلى طرف المكتب، تابعتها عيناي وهي تلاعب الورقة وتداعبها بيديها الخفيتين، ثم عدت للسؤال... وماذا لو عرفت؟ ماذا لو علمت أن اسمه كان أسد الله أو حبيب الرحمن... ماذا لو؟

هل هي محاولة ماكرة من عقلي الباطن للفرار من ألمه؟ من أن هناك رجل عاش وقضى وما بيني وبينه إلا رمية حجر، لم أعرف اسمه، لا... ولا وقفت يوما ً لأخفف من وحدته، بخلت عليه بفضول كلام هو بحاجته، ليشعر يوما ً بأنه موجود.

انتهى الدوام... وجلست في سيارتي أتأمل رتل السيارات المغادرة، ما أسرع فرارهم، دقائق وصارت المواقف خلوا ً من الأنفاس، حركت سيارتي ببطء وبدلا ً من أن أقصد المخرج وليت وجهي إلى طريق جانبي قصير، مطموس بالرمال والأتربة، تجاوزت مجموعة من الأبنية وحاذيت الطريق الذي التف الآن ليصير ورائها، لحقت بسيارتي مجموعة من الكلاب النابحة المطلقة السراح في تلك الأرض الفضاء الضخمة.

وصلت الآن إلى مجموعة من الأبنية الصغيرة، والتي تمثل مجتمعا ً صغيرا ً من أجناس شتى يضم عمال الدائرة، كانت الأبنية قديمة ربما بنيت قبل المبنى الرئيسي حيث أعمل، الغبار يغطي كل شيء، والأبواب كالحة، طاردة للهواجس والأفكار.

ترجلت من سيارتي، فأقعى الكلب - الوحيد الذي لم يسأم من لعبة مطاردتي - غير بعيد، طرقت الباب حتى أقطع كل تردد بشأن هذه الفكرة الحمقاء التي تراودني منذ الصباح بالسؤال عنه.

فتح الباب وبرز لي أولا ً كرش كبير ملفوف نصفه بإزار بألوان شجرة جوز الهند، ورائه رجل عريض الكتفين، بشرته بلون القهوة المحروقة، يرتدي بالإضافة إلى الإزار فانلة بيضاء بلا أكمام، تبرز كتفيه الصلبتين وشعر صدره الغزير.

نظر لي باستغراب، قلت وأنا أحاول جمع بلاغتي الهندية المنثورة:

- كيا بل تيق هي؟

لم يرد، يبدو أنه لا يحبذ الزيارات التي تأتي ظهرا ً، قلت وأنا أشير بيدي إشارة بلا معنى:

- معلوم هذا صديق، في موت ( كم تبدو هذه العبارة غير لائقة الآن، وخصوصا ً بعد نظرة الرعب التي بدت في عينيه).
- موت؟
- هذا صديق هنا معلوم.

نظر لي بلا معنى ولم تحمل عيناه إجابة قلت يائسا ً:

- هذا صديق في موت قبل أسبوع، معلوم؟ ايش اسم؟
- اسم؟

زفرت في ضيق، ولوحت بيدي وأنا أعود إلى سيارتي، بما كنت أفكر؟

* * *

بقيت روحه تطوف بي من الغد، ظننت أن محاولتي الخرقاء بالأمس قد خففت عني ولكني كنت واهما ً.

بادرتني صورته عندما رأيت الغبار يغطي مكتبي وأعلى جهازي، تذكرت خرقته الحمراء، أينها الآن لتعيد لهذا المكتب بهائه؟

أذن الظهر فنفضت يدي من الأشغال وقصدت المصلى الصغير في الدور الأرضي، عادت صورته من جديد تشغلني، انتبهت على صوت المراسل العجوز وهو يقيم الصلاة، ثم يده وهي تدفعني إلى موضع الإمام، تقدمت وكبرت، همست لنفسي متعوذا ً من الشيطان مستجلبا ً الخشوع.

رفرف الأنس علي وبدأت صورته تنحل وترحل عن روحي وعندما سلمت من الصلاة نهضت وأنا أقول بصوت جهوري " صلاة الغائب على أخيكم... آ... آ..."، تجاهلت عيونهم المستغربة وحرفت وجهي إلى القبلة وكبرت.

* * * * * * * * *


أنا راحل



ميس الريم

HaDeeL
11-03-2006, 11:05 PM
في اشتياق .. لما سيأتي بعد ..

















:-)

ميس الريم
14-03-2006, 03:03 PM
مرحبا HaDeeL

وفي اشتياق ..لمشاركة منك :)


لك تحياتي //
ميس الريم