PDA

View Full Version : في معنى القراءة


أبو يحى
31-03-2005, 08:13 PM
http://www.asharqalawsat.com/2005/03/31/images/books.290972.jpg





حاتم النقاطي

ليس للإنسان من استفهام له غير أن يسأل عن ذاته أولاً بحكم أنها أول احالاته على حضوره في عالم يسأل فيه عن أصله وغاياته.
وإذا كان «السؤال هو تقوى الفكر» ـ كما يقول هايدغر ـ فإن موضوع السؤال بحاجة الى لغة تحمله وتنير حضوره، أو لنقل هو «الانكشاف» يعرف ذاك الكائن ووسائط وجوده.
كان أول ما أنزل على الرسول «اقرأ باسم ربك الذي خلق».. انها دعوة صريحة لفك الطلاسم على الوجود وإعطاء الانسان حضوره في عالم لا بد فيه من مكانة، وأي مكانة أعظم من «القراءة» وأي عظمة أرفع من تأسيسه لذاته عبر خطاب لغوي يخرجه من الصمت الى الكلام ومن الغياب الى الحضور ومن النسيان الى الكيان أو من التخفي الى الظهور؟
فما القراءة ؟ ما هي شروطها ؟ ما الذي ستؤسسه؟
يؤكد لنا اليونان أن القراءة للجميع والتنظيم للتعبير النسقي لاعلان القول، من هنا يمكن ان نفهم قيمة هذا العقل لديهم بحكم ما له من قدرة على تنظيم الوجود وتقديمه مجمعا في معان قابلة للجدل والفهم.
«إن الانسان كائن لغوي» ـ أرسطو، فالكينونة هي من العقل ومن فعل تصريفاته وانتاجاته المعرفية والقيمية، فتبدو القراءة بهذا الشكل فرصة ضرورية لانتاج المعنى وتسمية الاشياء، أو هي تحويل المعنى المفهومي الى معنى بصري عبر الحروف والخطوط.
إنه العقل وهو يفتح أبواب الوجود ليرمز لاشيائه ليعبئ الفراغات ويمكن الانسان من مواصلة رحلته في الحياة عبر تأسيسه «للبعد أو للبين» انما كما يقول عنه ـ أرسطو ـ «الإنسان كائن البين» فهل شرط هذه القراءة يختفي في فعل آلية اشتغال هذا العقل؟ أم أن فهم المقروء إحالة على امكانيات جديدة لفك النص؟
لقد أكد لنا المعنى اليوناني للقراءة على ذاك البعد الاساسي لمعقولية حركتها وهو ما يؤسس شرطا اساسيا لفهمها، غير انه لا يمكن بحال ان يكون كافيا لفك رمزية ما تحتويه من معان، اذ انها رسالة أو خطاب يتجاوز منطوقه الى مكتوبه ويبتعد عن مبناه ليجد نفسه في معانيه ليفتح النص أمام شهية ابداعية القارئ.
انها القراءة وهي تندرج من ذلك المعلن الى المكتوب في مرئيته فينسل «النص» من كاتبه ليتوحد بقارئ هو ذاته مركز قراءة أو لنقل هي القراءة وقد اختفت لتظهر في روح نص تأويلي «يتلذذه القارئ» على حد عبارة «بارت».
ان القراءة اليوم وجه وشكل وطريقة في الفعل توحي بآفاق جديدة للتعامل مع النص أو هي «شاعريته» التي تجسد الفضاء الفني من خلال الاحتفاء بالنص الذي يمنح الذات قدرة على إكساب المقروء معنى.
إنها ذات تبحث عن حضورها في فضاء ينتظر الحلول فتكون هي ذاته بنيته وهي ذاتها معناه وفسحته فتتلذذ فيه وتضيف له عمق الحضور.
أوليس النص إنشاء للمعاني؟ أوليس النص انفتاحا على دلالات لامتناهية؟ أوليس هو الثراء عينه طالما أن مركزية الكاتب غائبة؟ أولم يعلن بعد موت «الكاتب»؟
«إن شكل النص بناء متأخر داخل الذاكرة، فهو لا وجود له، إن القراء لا يلتقون بالشكل، إن شكل الكلمات والكيان المؤقت للنص يتطلب من القارئ تدخلا نشطا واستكشافا جادا.
وعليه فإن النص حدث، حدثٌ يحدث داخل الأفق المؤقت للقارئ حدث نخبره بالضرورة باعتباره تفسيراً، كما يقول وليام سبانوس.
أوليس العالم مفتوحا مثله مثل الأثر الفني؟ أوليست اللغة مسكن الوجود؟ أو ليست شرفية الانسان قابعة في قصدية «فن الحياة»؟ بحسب عبارة ـ نيتشه ـ أوليست الكتابة بديلة القراءة؟ انها قراءة وأي قراءة تفهم في غياب الانسان والمعنى والحياة. «اذا كان تاريخ الكينونة ان يصبح شفافا فإنه يجب تليين تلك التقاليد الجامدة ووضع نهاية لعمليات الاخفاء التي تسبب فيها، نحن نفهم ذلك بمعنى اننا اذا كنا سنعتبر مسألة الوجود مدخلا فإن علينا ان ندمر المحتوى التقليدي للمعرفة القديمة الى أن نصل الى تلك التجارب الأولى التي حققنا فيها أدواتنا الأولى لتحديد طبيعة الوجود».