PDA

View Full Version : ماذا تعرف عن الوجودية؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟


أبو يحى
06-03-2005, 02:43 PM
قبل أعوام وفي حوار مع بعض الأصدقاء حول الوجودية
كنت أستمع فقط ...
حدث شجار بين من كان مرجعه الموسوعة الميسرة
وبين من كان مرجعه كتاب الوجودية لأنيس منصور
وكان يقول :إذا أردت أن تعرف شيئا ً عن الوجودية أقراء هذا الكتاب
والموسوعة أي كلام وطلعوا الناس كلهم ملاحدة وكفار ...

كتاب الوجودية طبع قبل خمسين سنة
وسمعت أنه طبع للمرة الثانية
عام 2004 عن نهضة مصر للنشر

هل هناك أحد قراء الكتاب ؟؟؟؟؟؟؟
أو أحد يعرف فرنسي يقدر يتكلم لنا عن هذه الوجودية ؟؟؟؟



###############################
هناك أكثر من 200 متصفح لهذا القسم يوميا ً
ولكن للأسف ليسوا أعضاء
للمشاركة معنا أستقبل مشاركتكم على بريدي الالكتروني
aboasim@mail.com
##################################

مع جزيل الشكر لمن يجاوب على السؤال

أبو يحى
06-03-2005, 04:11 PM
وصلتني ثلاث مشاركات من غير الاعضاء
بسرعة صاروخية
- خلود الفهد
- سعد المحمدي
- سوسن دمشقية ...

وكنت أتمنى تكون مختصرة وبدون الاعتماد على النت
وتتكلم عن الكتاب

على العموم شكرا ً

أبو يحى
06-03-2005, 04:16 PM
خلود الفهد أرسلت مقالين عن عبدالرحمن بدوي
رائد الوجودية في العالم العربي

سعد أرسل تعريف يقول عنه أنه موضوعي

سوسن أرسلت كورس شوية فيقرز

شكرا ً

أبو يحى
06-03-2005, 04:22 PM
عبد الرحمن بدوي .. فيلسوف الوجودية الهارب إلى الإسلام








تأليف: د. سعيد اللاوندي


الناشر: مركز الحضارة العربية ـ القاهرة 2001


الصفحات: 174صفحة من القطع المتوسط.





عبدالرحمن بدوي في سطور





ولد عبد الرحمن بدوي فى 4 فبراير 1917 لأسرة ارستقراطية في قرية شرباص بمحافظة دمياط في أقصى شمال دلتا مصر. كان ترتيبه الخامس عشر من بين 21 طفلا لوالده الذي تزوج زوجتين كانت أمه الثانية.


التحق بمدرسة سيد أفندي في قريته لمدة عامين قبل أن ينتظم في مدرسة فارسكور الابتدائية عام 1924.


في عام 1932 بدأت علاقته بالأدب الألماني في أعقاب حضوره لاحتفال بالذكرى المئوية الأولى للشاعر الألماني غوته فبدأ رحلة قراءة عن الأدب الألماني.


حصل على ليسانس الفلسفة عام 1938 وكان الأول على القسم وتم تعيينه معيدا ليبدأ رحلة الصعود الأكاديمي.


عين مستشارا ثقافيا لمصر بسويسرا عام 1956 ـ 1958 ثم استاذا بالسربون عام 1967 ثم بليبيا من 1967 ـ 1973 ثم بطهران من 1973 حتى 1974 ثم اعير الى الكويت لأكثر من 20 عاما غادرها الى باريس لتجاوزه سن التقاعد وظل قاطنا في فندق لوتيسيا بالحي السابع.


أصدر حوالي 200 كتاب كما يقول محمود أمين العالم ومن كتبه: نيتشه 1939، التراث اليوناني في الحضارة الاسلامية عام 1940، اشبنجلر 1941، شوبنهور 1942، افلاطون 1942، خريف الفكر اليوناني 1943، الزمان الوجودي 1945، من تاريخ الالحاد في الاسلام 1945 ارسطو عند العرب 1947، الإنسانية والوجودية في الفكر العربي 1947، شخصيات قلقة في الاسلام 1947 رابعة العدوية 1948، شطحات صوفية 1949، منطق ارسطو 1949، روح الحضارة العربية 1949، الاشارات الالهية 1950، الحكمة الخالدة 1952، فن الشعر لارسطو 1953، البرهان لابن سينا 1954، عيون الحكمة لابن سينا 1954، الاصول اليونانية للنظريات السياسية في الاسلام 1955، أفلاطون عندالعرب 1955، مختار الحكم ومحاسن الكلم 1958.. ومن كتبه ايضا: الوجود والعدم 1965، المثالية الالمانية 1965 فن الشعر لابن سينا 1965، ابن عربي 1967، مذاهب الاسلاميين 1971 تاريخ التصوف الاسلامي 1975، الاخلاق عند كانط 1977 وغيرها.


هذا الكتاب يصيبك بنفور شديد وسريع من الدكتور عبد الرحمن بدوي الفيلسوف العربي الوحيد في القرن العشرين، وهو ليس رحلة في فكر الرجل بقدر ما هو رحلة معه، قام المؤلف بإعداد مادتها خلال عمله مراسلا في باريس لصحيفة «الأهرام» المصرية. ومن خلال صفحات الكتاب سوف تكتشف جوانب قد تكون مجهولة للكثيرين عن الطبائع الشخصية للفيلسوف الذي أفنى عمره كله في البحث الفلسفي وتأليف الكتب حتى تجاوزت مؤلفاته نحو مئة وعشرين كتابا يمكن أن تستوعب عناوينها المساحة المخصصة لهذا الموضوع، لعل أبرز هذه الطبائع هي الحدة الشديدة التي تسم أو كانت تسم شخصية الدكتور بدوي وهى حدة تفسر لنا ما أورده في كتابه الأخير عن سيرة حياته والذي نال من الجدال والهجوم ما لم ينله كتاب آخر بسبب اتساع نطاق من تعرضوا لهجوم قاس من بدوي على صفحات الكتاب، وهو أمر يكشف لنا من ناحية أخرى أن من تسرعوا في الهجوم على بدوي لم يفهموا طابعه وتصوروا ما كتبه آنذاك باعتباره هجوما على الثقافة المصرية. ومن المفارقات التي قد تبدو عجيبة هنا ما يشير اليه الكتاب من أن د. بدوي عرض نشر هذه المذكرات من خلال مؤسسة «الأهرام» فكان الرد بالرفض باعتبار ان دراسة الجدوى أشارت الى أن النشر لن يكون اقتصاديا وقد أثر ذلك في بدوي كثيرا وأعلن حسرته من أن بيروت ليست كحالها الذي كانت عليه وإلا لنشرها من خلالها وهو ما كان بالفعل، ويشير الى جوانب من الإحباط التى كان يعيشها بدوي بسبب عدم تقديره التقدير الكافي.


بداية يشير المؤلف الدكتور سعيد اللاوندي إلى ما قد يبدو مفارقة على مستواه الشخصي قد تكون مقبولة أو مبررة وقد تكون غير ذلك، المهم أنها تتمثل في أنه وهو الطالب في السوربون تعرف على فكر بدوي من خلال الدراسة متصورا أنه متوف رغم أن بدوي يعيش في باريس التي يدرس بها مؤلفنا! المهم أنه يتيه حبا وهياما به وبفكره وتسوقه الظروف الى معرفة أن الفيلسوف الكبير سوف يلقي محاضرة تنظمها اليونسكو فيسعد أيما سعادة بأن ذلك الفيلسوف الذي اعتبره في عداد الأموات حي يرزق ويمكن أن يلقاه. هنا نصادف مفارقة أخرى ولكن في شخصية الدكتور بدوي فحينما تقدم له مؤلفنا يعرفه بنفسه لم يجد بدوي سوى النظر له نظرة عدوانية ثم الإشاحة عنه بوجهه وإزاحته من طريقه ولكمه بيده! وحينما يتمكن اللاوندي من الوصول اليه بعد المحاضرة وتعريفه بنفسه لا يجد بدوي سوى القول له: أغرب عن وجهي لا تضيع وقتي. رغم ما يشير اليه ذلك إلا أنه قد لا يكون يلقي الكثير من الضوء على شخصية الدكتور بدوي غير أن ما يشير اليه المؤلف في بقية الكتاب يكشف عن الكثير مما قد يكون منفرا.


في أحد لقاءات المؤلف معه بأحد مقاهي باريس يتطرق الحديث الى أعمال الدكتور بدوي وهما كتاباه بالفرنسية : دفاع عن القرآن ضد منتقديه والثاني دفاع عن حياة محمد ضد الطاعنين فيها.. وعندما يبدي اللاوندي عدم معرفته بهما يصحبه الدكتور بدوي في عصبية متجها به الى إحدى المكتبات القريبة ويسحب أحد الكتابين طالبا منه شراءه!


وقد خاض الدكتور بدوي على ما يشير اللاوندي في الكتاب معارك عديدة يذكر بعضها وتكتشف من خلالها حدة طباع الدكتور بدوي فكل الناس عنده متهمون حتى ولو ثبت العكس.. فلدى سماعه ذكر المفكر الجزائري محمد أركون امتقع وجهه وأخذ يكيل له انتقادات لاذعة، فأركون ليس له من مهمة ـ من وجهة نظر بدوي ـ سوى تشويه التراث الإسلامي ثم يعدد الاتهامات التي تنال من أركون ومستواه الفكري ونزاهته العلمية، فهو ليس أكثر من تلميذ في مدرسة الاستشراق الاستعمارية الكبرى التي تضع نصب عينيها كهدف ثابت تشويه الإسلام والإساءة الى نبيه والطعن في قرآنه المجيد ثم هو يحيط نفسه بمزاعم معرفية لا أساس لها ولذلك يجهل الكثيرون الدراسات التي يتخصص فيها.


كما خاض بدوي معركة مع السوربون حيث راح يقلل من شأنها معتبرا أن الطلبة العرب الذين يفدون للدراسة بها إنما يضيعون وقتهم باعتبار أن السوربون بعد المستشرق ماسينون قد انحدر مستواها بشكل كبير. أما الدكتور فؤاد زكريا فقد كان له معركة بدأها بدوي بإشارته الى أن الغرب لا يريد أن يفهم من الإسلام إلا ما يفهمه هو وأنه لذلك لا يفسح المجال سوى لمؤلفات الكتاب العلمانيين دون غيرها ومن بينهم بالطبع دكتور زكريا. ورغم أن هذا الأمر يعد في دائرة الرأي والتي لا يمكن لوم الدكتور بدوي بشأنها إلا أن الدكتور زكريا اعتبرها مساسا به وراح يرد على ما اعتبره انتقادا له. ما يهمنا في هذا الرد هو ما يتعلق بالدكتور بدوي وهو رد عنيف من المستغرب أن يصدر عن الدكتور زكريا بكل ما هو معروف عنه من تغليب الحكمة. لقد تضمن الرد بعض جوانب شخصية الدكتور بدوي وهي جوانب سلبية خلص منها الى أن التوصيف الذي يمكن اطلاقه على بدوي هو أنه «كاره الناس» فبدوي.. حصان بري لم ينجح أحد في استئناسه! معتبرا أن هناك مشكلة في حياة هذا الرجل ـ يقصد بدوي ـ وهو يشير في هذا الصدد الى عدم زواجه باعتبار ذلك إما يشير الى مشكلة نفسية أو مشكلة عضوية! ويشير الى أن سبب خلافه مع بدوي يتمثل في ان الأول حاول أن يجعله يسير على نهجه ولكنه رفض، فضلا عن ذلك فقد كان بدوي يفترض الطاعة المطلقة من الناس أجمعين. ويذكر موقفاً له مع بدوي يعرب فيه عن دهشته ـ ولك أن تعرب أنت أيضا عن دهشتك ـ فذات مرة تصادف مغادرة الدكتور زكريا الجامعة فطلب منه الدكتور بدوي أن يستقل معه السيارة في طريقه.


وهنا أخذ زكريا يلومه على تقرير ضده مضيفا ويبدو أن لا مبالاته دعتني أن احتد معه في المناقشة وكنت أخبط بيدي غيظا على عجلة القيادة فخشي د. بدوي أن اصطدم في شيء في الطريق وانا على هذا الحال من الغضب فكان يرجوني أن أهدأ ولم يعتذر عما فعل كما لم يطلب أن أتركه في الطريق وهو ما يكشف بجلاء ـ حسب زكريا ـ عن حدود أنانية بدوي البشعة فهو قد فعل ما فعل وليس لي ـ زكريا ـ سوى الرضوخ ثم هو يريد أن يصل الى المكان الذي يريده مهما كان الثمن غير آبه بغضبي أو ثورتي!


وقد ترك هذا الموقف والخلاف بينهما آثاره على تقييمه للدكتور بدوي، فهذا الأخير بالنسبة لزكريا ليس فيلسوفا وإنما هو مجرد محقق ومترجم وهو يفتقر الى القدرة الابتكارية ففي أي مجلس خاص وبعيدا عن المراجع كان يقدم أراء سخيفة وتافهة ـ هكذا يقول زكريا ـ تتسم بالجهل وضحالة التفكير!! ويصل التشكيك الى مداه من قبل زكريا فيشير الى أنه حتى بالنسبة لكتابات بدوي الاسلامية والتي يدافع فيها عن الإسلام فهي ليست سوى وسيلة منه لنيل جائزة الملك فيصل التي كان يضع عينه عليها - والكلام مازال لزكريا - ولايتطلب الأمر أن نشير هنا الى أن هذه الانتقادات التي تصل الى حد تسفيه جهود الكبار من العلماء والفلاسفة ليست جديدة على فكرنا العربي فقد سبق واتهم الكثيرون الغزالي مثلا بأنه الممثل الرسمي لبداية الإنحطاط في الفكر العربي الاسلامي كما اتهم أخرون من بينهم عابد الجابري الفيلسوف الرئيس ابن سينا بأنه المعبر عن المرحلة الظلامية في هذا الفكر، لكن المشكلة هذه المرة تأتي من أن إنتقاد الدكتور زكريا إنما يأتي على خلفية خلافات شخصية وهو ما يقلل من القيمة العلمية لهذه الشهادة ويدخلها في دائرة شخصنة الخلاف الفكري. . ونفس الأمر يظهر في الكتاب وهو ما يشير الى أن نفس الموقف الذي اتخذه بدوي تجاه أخرين أرتد عليه، فقد راح الفيلسوف الكبير في حوار مع المؤلف الدكتور سعيد اللاوندي يوجه اتهامات متعددة وشكوك لأدب وفكر عباس العقاد مؤكدا أن العقاد لم يقدم شيئاً للفكر العربي مستندا الى رأي لصادق الرافعي ليؤكد به على سطحية العقاد وضحالة ثقافته. صحيح أنه لا يجب أن يكون لنا مقدسات فكرية نرى أنها ينبغي ألا تمس إلا أن أسلوب التحقير والحط من شأن مفكرينا يجب ألا يكون أيضا منهجا.


وعلى حد ما يذكر شقيق الفيلسوف فإن خوف بدوي من الناس وانعدام ثقته فيهم دفعه الى حالة من البخل الأليم في الأموال والمشاعر ومن هنا فهو ـ د. ثروت ـ لم ير أخاه بدوي استقبل ضيفا واحدا في شقته بشارع همدان في الجيزة خلال فترة إقامتهم معه، وهو يحاول أن يبرر هذا البخل بحرص بدوي على عدم إضاعة وقته! فبدوي الفيلسوف ـ على حد ما يذكر شقيقه ـ لم يكن يضيع وقتا في غير القراءة حتى في إجازات الأعياد عندما كان يذهب الى شرباص كان يحمل كتبه معه ويظل يقرأ ليلا ونهارا. ويحاول د. ثروت أن يبرر موقف أخيه من ثورة يوليو فيشير الى أنه ليس بسبب أن الثورة صادرت أرض أسرته وإنما بسبب الوشايات التي جاءت من الحاقدين عليه بعد التقديم الشهير الذي اطلقه عليه الدكتور طه حسين والذي قال فيه عقب حصول الدكتور عبدالرحمن على درجة الدكتوراه حيث قال: للمرة الأولى نشاهد فيلسوفا مصريا. وهنا يذكر د. ثروت أن الوشاية لدى الوزير كمال الدين حسين كانت سببا في غضبه على الثورة ورجالها ونهاية لعمله مستشارا في سويسرا.


الوحيد الذي نال استحسان بدوي هو توفيق الحكيم والذي كان نصيبه توصيف بدوي له بأنه كان من أخلص اصدقائه مع الإشارة الى ذكرياتهما.


ويبدو التحول في فكر الرجل بشكل ذي دلالة مما يشير اليه المؤلف من أسى فيلسوفنا الكبير بقوله له لدى اشارته الى ألاف الكتب المرصوصة فوق الرفوف أنه بين هذه الكتب توجد العشرات التي تقطر سما على الاسلام والمسلمين فأين نحن منها ؟ ولأنه يدرك الواقع يجيب على نفسه بالعامية اللبنانية قائلا: لاهون ولاهون! وهو يضيف في هذا الشأن عبارة ذات دلالة تعبر عن فكر رجل مهموم بالفكر: إن أحدا لا يهتم بالاسلام، إنهم ينفقون الأموال يمينا ويسارا ويتركون الميدان الاسلامي في البحث والفكر لكل من هب ودب، لا يريدون الاعتراف بخطي الاسلامي لأني اختلف عنهم في تحليلي ومذهبي وعقلانيتي والمؤسف أن الكتابة في الإسلام أصبحت حكرا على ذوي الخط الأعوج!


وبغض النظر عن كل ما سبق من طباع وجوانب شخصية فإن ما سيبقى من بدوي هو ما تركه لنا من أعمال تعد مرجعا أساسيا لكل من يريد أن يدرس الفلسفة سواء الغربية أم الاسلامية.. فالرجل على حد ما يقدم نفسه كان يناضل على جبهتين جبهة الفلسفة العامة بما فيها الفلسفة الوجودية وجبهة الفكر الاسلامي.. وقد أدركه القدر قبل أن يتم مشروع طموح خاصاً لاعداد دراسة نقدية لكل الترجمات الفرنسية التي صدرت للقرآن الكريم في السنوات العشر الأخيرة، ولعله يوجد من يتقدم للقيام بهذه المهمة.

أبو يحى
06-03-2005, 04:23 PM
بدوي المغترب .. أهم عقل فلسفي انتجه الفكر العربي المعاصر











اذا كان كاتبنا الكبير يحيى حقي ضاق من أشهر أعماله قنديل أم هاشم حيث أن اسمه لا يكاد يذكر إلا ويذكر معه هذا العمل، فإنه من المؤكد أن شيئا من هذا القبيل أو هذا الإحساس كان ينتاب فيلسوفنا الكبير ايضا الراحل الدكتور عبد الرحمن بدوي فاسم الفيلسوف الكبير لا يكاد يذكر إلا ويتم الإشارة إلى عمله الأخير سيرة حياتي الذي صدر منذ نحو عامين في جزئين وكأنه لم يكتب غيره رغم أنه عالج قضايا متنوعة تندرج تحت عنوان شامل هو الفلسفة الانسانية. لا نبالغ اذا قلنا ان عبد الرحمن بدوي نفسه لم يفرض نفسه على الساحة العامة وأن تأثيره والتفاعل معه فكريا أو فلسفيا كان قاصرا على القريبين منه حتى أن من كان يقرأ عنه أو له كان يتصور أنه متوفى وأبلغ دليل على ما نقول ما يشير اليه الدكتور سعيد اللاوندي الذي نعرض لكتابه عن عبدالرحمن بدوي في الصفحة المقابلة.





عبد الرحمن بدوي ككل سواء في شقه الفلسفي أو الانساني يعد من أكثر الشخصيات التي عرفناها اثارة للجدل حول طبيعتها بما يدرجه كظاهرة استثنائية ـ دون أن يحمل هذا التوصيف معنى إيجابيا أو سلبيا ـ في تاريخنا الفكري المعاصر. وان كنا نتحفظ هنا مشيرين إلى أن هذا الجدل مرتبط بالسنوات الأخيرة فقط من عمر الفيلسوف الراحل. ويؤدي بنا هذا إلى تقديم تفسير لمذكرات بدوي قد يراه البعض غريبا إلا أنه يعبر في رأينا عن جوهر مشكلة الرجل ألا وهو أن الكتاب أو السيرة الذاتية التي قدمها إنما تعد في جانب منها بمثابة حجر أو أحجار أراد أن يلقيها في وجوهنا بعد أن فاض به الكيل لأننا لم نقدره التقدير الكافي إزاء ما يرى أنه قدمه للفكر الإنساني بشكل عام والعربي بشكل خاص على مدى سنوات عمره.


إن أول ما يلفت النظر في شخصية بدوي هو إدمانه للقراءة والتحصيل والإبداع العلمي وهو إدمان قل أن تجد مثيله، فالرجل منذ الصغر حدد لنفسه هدفا ثابتا لم ينجح أحد في أن يجعله يحيد عنه ألا وهو قراءة كل ما تقع عليه عيناه في مجال حدده هو بنفسه وقد أفني عمره بأكمله مخلصا لهدفه، ولم تفلح جهود الأسرة في إثنائه عن ذلك وإقناعه بالزواج حيث كان يرى أن الزواج وتكوين أسرة بمثابة معوق له عن أداء رسالته وهو ما يضعف مما ذهب اليه الدكتور فؤاد زكريا من أن عدم زواجه إنما يعود إلى مشكلة عضوية أو نفسية فقد أشار الدكتور بدوي نفسه في سيرة حياته إلى علاقات له تقوض من هذا الطرح وهو ما لا نرى ضرورة للدخول في تفاصيله. ويعزز هذا ما طرحه البعض من أنه ضحى بأولوياته الإنسانية من زواج وأبوة من أجل رسالته العلمية، وهذا نموذج انساني نادر ينم عن جوع وعطش لا يرتوي إلى العلم والثقافة.


ويبدو هنا أنه كان متأثرا بالفيلسوف الألماني كانت. وكما يبدو من سيرة حياة بدوي فإنه لم يعرف عنه أي نشاط خارج نطاق عمله في التأليف والتدريس وقد أثمر كل هذا انتاجا فلسفيا تعجز أن تقدمه مؤسسات علمية ومراكز أبحاث متخصصة. وتفسر هذه المسيرة الحياتية لبدوي جانبا كبيرا من صفاته الشخصية فهو ممن تنطبق عليهم بحق وليس مجرد مجازا مقولة أنه كان يعيش في برج عاجي فأدت حياته بين الكتب إلى احساسه بامكانية الاستغناء عن الناس، فضلا عن قدر غير قليل من النرجسية جعلته في نظر نفسه، على حد ما يذكر الدكتور حسن حنفي، الفيلسوف الأوحد والمفكر الأوحد والمحقق الاوحد، سواه ليس ثم من أحد، وسوى عمله ليس ثم من عمل. وهو تحليل يتسم بالدقة لشخصية بدوي والتي يمكن أن تتلمسها من قراءة سيرة حياته. ومن الأمور الملفتة للنظر وذات الدلالة في هذا الخصوص ما يذكره حنفي من أنه في موسوعة الدكتور بدوي للفلسفة تشغل مادة بدوي التي كتبها عن نفسه 52 صفحة بينما تشغل مادة سقراط صفحتين فقط وبرجسون صفحتين وديكارت 11 صفحة ولا يفوقه إلا ارسطو 53 صفحة وأفلاطون 73 صفحة! ومما يذكره أنيس منصور في هذا الشأن أن أحد الطلبة راح يسأل الدكتور بدوي عن علي عبدالواحد وافي وكانوا يعتبرونه أستاذ الأساتذة فكان رده أنه ولا حاجة . ثم سأله طالب أخر عن لطفي السيد فكان رده مماثلا، وهنا يقول أنيس إن ما عرفناه بعد ذلك أن احدا ولا حاجة عند عبد الرحمن بدوي!!


ورغم صعوبة الفصل بين العام والخاص في حياة بدوي، إلا أن هذا هو المطلوب، فما سيبقى من بدوي للأجيال المقبلة، وللإنسانية بشكل عام هو فكره وليس حياته الشخصية، واذا كان ذلك لا يعني عدم وجوب الخوض في سيرته فإن ذلك إنما يتطلب التركيز على تقييم ما قدمه من فكر وانتاج فلسفي في نحو أكثر من 120 كتابا. وهنا فإنه من الغريب أن ينزلق البعض إلى أحاديث تتناول جوانب تعد تشهيرا بالرجل ونخص بالذكر الدكتور فؤاد زكريا والذي يجعلنا لا نتردد لحظة في التأكيد على أن رؤيته للدكتور بدوي إنما تنطلق في جانب كبير منها انطلاقا من خلافه الشخصي معه، وهذه من كوارث الحقل الثقافي العربي. ونذكر هنا واقعة مضادة لما ذكره الدكتور فؤاد زكريا بشأن أنانية بدوي وإصراره على أن يقوم زكريا بتوصيله مهما كان الثمن فنشير الى أن الطيب صالح يذكر أنه تصادف أن وجد بدوي ينتظر تاكسي في باريس وكان هو في سيارته فاتجه نحوه وتوقف ودعاه ليركب معه فرفض بدوي ذلك وقال: لا أركب مع واحد شيوعي! كما يبدو غريبا ايضا استطرادا لمقولة حب بدوي للمال ـ وهي مقولة لا تخلو من صحة ـ أن يختزل البعض كتاباته الإسلامية الأخيرة المتمثلة في كتابيه الدفاع عن القرآن والنبي «صلى الله عليه وسلم» في رغبته الحصول على المال وهي التهمة التي وجهها الدكتور حسن حنفي لبدوي مشيرا الى أن تأليف الكتابين جاء استجابة لعرض من دار نشر فرنسية بدعم مالي من ليبيا أو كما ذهب الدكتور فؤاد زكريا من أنه كان يضع عينه على القيمة المادية لجائزة الملك فيصل، ويبدو لنا هذا التوجه في تفسير فكر بدوي مخلا وغير منصف ومجاف للحقيقة . قد يكون مما أدى الى هذا الطرح قبول بدوي للقيمة المادية لجائزة مبارك مع رفضه في الوقت ذاته السفر الى مصر لتسلمها، وهو ما يعني أن كل ما يهمه إنما هو المال!


يبقى أننا قد نختلف على تقييم اسهامات بدوي غير أنه من الظلم أن ننكر له هذه الاسهامات ونهبط الى مستوى اللاشيء وهو أمر ذهب اليه البعض وهو ما قد يفسر، في رأينا، في كونه رد فعل من المثقفين المصريين حيال عنجهية بدوي والتي تعبر عنها رؤاه التي قدمها في سيرة حياته، حتى أن البعض راح يصفه بأنه رجل شتام في حين أبدى آخرون استغرابهم من كيف اختزن بدوي أحقاده كل هذه السنوات ليبثها مرة واحدة في سيرة حياته حيث أنه لدى روايته لأحداث مضى عليها عقود تبدو لك طازجة وكأنها وقعت بالأمس.


وفي المحصلة العامة لنتاجه الفكري والفلسفي نرى أن بدوي قدم الكثير بما يجعله، على حد وصف السيد ولد أباه، أهم عقل انتجته الفلسفة العربية في العصر الحاضر. لقد قدم بدوي اسهامات متنوعة في الفلسفة، فقدم لنا الفلسفة الإسلامية بكافة تنويعاتها وكذلك الفلسفة الغربية منذ فجرها الإغريقي حتى عصرها الحديث. ورغم أن البعض يحاول التقليل من قيمة ما قدمه باعتبار أن أغلبه إنما يتركز على الترجمة، فإنه فضلا عما في ذلك من مغالطة، فإنه إنما يعبر عن رؤية خاطئة، فالحضارة الإسلامية إنما قامت في أحد أعمدتها على الترجمة من الفكر اليوناني كما أن النهضة الأوروبية الحديثة إنما قامت في أهم جوانبها على الترجمة عن الفكر العربي الاسلامي ممثلا في ابن رشد وغيره. ولعله ما يكفي بدوي أنه قدم لنا تاريخ كل الفلسفات وقد اصبحت كتاباته في هذا الصدد مرجعا أساسيا لا يمكن الاستغناء عنه لأي دارس للفلسفة، هذا فضلا عن غوصه في بحار الاستشراق وتقديمه قراءة نقدية لدراساتهم الإسلامية تكشف زيف الكثير مما ذهبوا اليه، فاستطاع بدوي، كما يقول الدكتور أنور عبد الملك، بإنتاجه ذاك أن يرتفع بلواء الفكر الفلسفي في عصرنا الى مستوى ما كان عليه في عصر ابن سينا والفارابي وابن رشد وابن خلدون.


لا يعني ذلك أنه لا توجد مثالب بشأن انتاج الدكتور بدوي، فكما ترد عليه الكثير من الانتقادات بشأن طبائعه الشخصية، فإن هناك الكثير من الانتقادات التي يمكن أن ترد على فكره بما يحد من الهالة الضخمة التي تحيط بما قدمه. فمع تقدير غزارة الانتاج، إلا أن ذلك لا يعني الجودة وإن كان لا يعني في الوقت ذاته انعدام القيمة. ما نود التأكيد عليه هو ضرورة وضع فكر بدوي في اطاره الموضوعي. ورغم كل ما سبق الإشارة اليه بشأن رهبانيته العلمية إلا أن بدوي لم يكمل مشروعه الفلسفي فهو من ناحية لم يستطع، على حد ما تذهب اليه بعض الأراء، أن يبلور فلسفة تنسب اليه كعربي. ورغم أنه هو الذي قدم الوجودية لعالمنا العربي بما جعلها رافدا في تكوين غالبية المثقفين العرب من خلال اطروحتى الماجستير «مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية» والدكتوراه عن «الزمان الوجودي» إلا انه هو نفسه يشير الى أنه لم يستكمل مشروعه الفلسفي وهو ما يفرض التساؤل حول السبب في ذلك، وما الذي يمكن أن يشغل فيلسوفاً عن مشروعه الفلسفي خاصة اذا كان من نوعية بدوي لم يكن هناك ما يشغله في حياته سوى العلم. ولماذا تضاءلت تأثيرات المذهب الوجودي في فكره وكتاباته فيما بعد عقدي الأربعينات والخسمينات؟ وبماذا يمكن تفسير ذلك التحول في فكر الرجل نحو الدفاع عن الإسلام وهو أمر يشكل استمرارية مع جيل الرواد في النصف الأول من القرن العشرين أمثال محمد حسين هيكل وطه حسين وغيرهما ؟ وهل يمكن أن تمثل مقولته بأنه يناضل على جبهتين هما جبهة الفلسفة العامة وجبهة الفكر الاسلامي إجابة لمثل هذا السؤال؟


إن بدوي بحق كان شخصية مثيرة للجدل والجانب الشخصي فيه كان اكثر إثارة من فكره وتطرح حياته بما قدمه من انتاج وبما اتسم به من طبائع غريبة الكثير من التساؤلات حول طبيعته وتكوينه، فالرجل الذي استوعب جميع التيارات الفكرية والفلسفية لم يستطع أن يستوعب مواقف آخرين رأى أنها تمس به، وأستاذ الأجيال الذي راح ينشر علمه على الجميع من خلال كتبه لم يستطع أن يستفيد من علمه في تهذيب طبائعه تجاه الآخرين، والفيلسوف الذي بدأ اتجاها فلسفيا مرميا بالإلحاد عززه هو نفسه بالكتابة عن تاريخ الإلحاد في الإسلام أنهى حياته بتقديم كتابات تدافع عن الإسلام، إنه أستاذ الجمع بين المتناقضات ولعله من هنا يأتي الجدل المثار حوله.


وفي النهاية تبقى كلمة.. إن ما قدمه بدوي من إنتاج إنما يغفر له كل الإساءات وهو الأساس الذي ينبغي أن يكون معيار حكمنا عليه، وألا نكون نمارس نفس الخطيئة التي نلومه على أخفاقه في تجنبها.. خطيئة الإساءة للآخرين.





مصطفى عبد الرازق

أبو يحى
06-03-2005, 04:24 PM
تعريف بالوجودية:

نمت الأفكار الرئيسية التي دارت حولها الفلسفة الوجودية من التأزم العميق الذي عاشه الإنسان بكل وجدانه نظراً لوجوده في عالم مهموم، عالم لا مخرج له مما هو فيه، عالم منغلق. لكنها ولدت من الثورة على هذا الانغلاق، ومن توكيد قدرة الإنسان التي لا تقهر على مقاومة العدم، وإعطائه معنى وتجاوزه.

وقد عبر سارتر عن الفكرة الجوهرية في هذا الشأن بقوله: ( كان لابد أن يشعر جيلان بوجود أزمة في الأيمان وأزمة في ميدان العلم، لكي يصنع الأنسان يده على تلك الحرية الخلاقة التي كان ديكارت قد أودعها بين يدي الله وحده، ومن أجل أن يطمئن الناس أخيرا إلى تلك الحقيقة التي تعد الأساس الرئيسي في كل نزعه إنسانية وهي: أن الأنسان هو الوجود الذي يتوقف وجود العالم على ظهوره).

أن الفلسفة الوجودية حينما قامت إنما جاءت مناقصة صريحة وعاملة في اتجاه مضاد لتلك الحركات الجماعية وتلك الفلسفات التي تدعو إلى صب الناس في قوالب معينة من ناحية الاعتقاد والتفكير وأسلوب الحياة ونوع السلوك. فهي فلسفة في وضع مقابل لكل حركة تقيميه، ولكل مشروع جماعي ولكل طائفة تتخذ ضروباً معينة لا تتعداها من القواعد والآراء. يقول ياسبرز: (يكفي للفرد أن يوجد، فبهذه الواقعة نفسها نتجاوز الموضوعية. وهذا هو مبدأ كل فلسفة للوجود. ولا أهمية لها إلا في نظر الأشخاص الذين ارتضوا أن يكونوا أنفسهم، واختاروا الوجود الحقيقي الأصل، لا الوجود الزائف المبتذل. وهذا الوجود يبدأ من الصمت، وينتهي بالصمت، وغايته الوحيدة هي التعبير عن الوجود والوصول إلى الوجود ).

وأهم خاصية تميز هذا النمط من التفلسف هي أنه يبدأ من الإنسان ولا يبدأ من الطبيعة. إنه فلسفة للذات Subject، أكثر منه فلسفة للموضوع Object فالذات هي التي توجد أولاً… والذات التي يهتم بها الوجوديون ليست هي الذات المفكرة، بل هي الذات الفاعلة، الذات التي تكون مركز للشعور… الذات التي تدرك مباشرة وعينياً في فعل الوجود المشخص.

يرى مارسيل أنه حينما يشعر الإنسان بالاغتراب وما يصاحبه من يأس وقلق، يشعر في قرارة نفسه بالحاجة إلى الوجود الحق، ويتولد لدى الإنسان الإحساس بأن هذا العالم ليس إلا حيز من واقع مستور محجوب عنه. حينها يكون بمواجهة سر من الأسرار، ولا حل له، لأنه ليس مشكلة، وهو حاضر حضوراً دائماً، ونحن نشارك في هذا السر دون أن نمتلكه، ونتعرف عليه ونشعر به وبدون أن نحيط بمعرفته أو نسبر غوره تماماً.

فلذلك تتميز الفلسفة الوجودية بميلها إلى الوجود، فهي لا تبالي بماهيات الأشياء وجواهرها، كما لا تبالي بما يسمى بالوجود الممكن والصور الذهنية المجردة. إن غرضها الأساسي هو كل موجود، أو بتعبير آخر هو كل ما هو موجود في الواقع والحقيقة.



الأسلوب الوجودي في التفلسف:

إن أول ما تهتم به الوجودية هو العودة إلى الواقع الحقيقي. يقول مارسيل (أرى أنني أميل، فيما يختص بي إلى نفي القيمة الفلسفية المحض عن كل أثر لا أستطيع أن أتميز فيه ما أسميه عضة الواقع ). ويقول كيركجارد: ( فيما يجهد الفكر المجرد ليفهم المحسوس فهماً تجريدياً، نجد الفكر الذاتي أو الوجودي، يجهد على العكس ليفهم المجرد فهماً محسوساً). والوجوديون عموماً، سواء المؤمنين أو الملحدين يؤمنون جميعاً إن الوجود سابق على الماهية أو أن الذاتية تبدأ أولاً. ويقول سارتر : (لو تناولنا أياً من الأشياء المصنوعة، مثلاً هذا الكتاب أو سكينة من السكاكين، نجد إن السكينة قد صنعها حرفي، وأن هذا الحرفي قد صاغها طبقاً لفكرة لديه عن السكاكين، وطبقاُ لتجربة سابقة في صنع السكاكين، وأن هذه التجربة أكتسبته معرفة هي جزء لايتجزأ من الفكرة المسبقة التي لديه عن السكاكيي، والتي لديه عن السكينة التي يصنعها. وأن الصانع كان يعرف لأي شئ ستستخدم السكين وأنه صنعها طبقاً للغاية المرجوة منها. وأذن فماهية السكين، مجموعة صفاتها وشكلها وتركيبها والصفات الداخلة في تركيبها وتعريفها، كلها سبقت وجودها، وبذلك يكون لهذا النوع من السكاكين وجوداً معيناً خاصاً بها، وأنه وجود تكنيكي، بمعنى أن السكين بالنسبة لي هي مجموعة من التركيبات والفوائد، ونظرتي لكل الأشياء بهذه الطريقة تكون نظرة تكنيكية يسبق فيها الإنتاج على وجود الشيء وجوداً محققاً، أي أنه قبل أن يوجد الشيء لابد أن يمر على مراحل عدة في الإنتاج.

ونحن عندما نفكر في الله كخالق، نفكر فيه طوال الوقت على أنه صانع أعظم، ومهما كان اعتقادنا، سواء كنا من أشياع (ديكارت) أو من أنصار ( ليبنتز ) فأننا لابد أن نؤمن بأن إرادة الله تولد أساساً، أو على الأقل تسير جنباً إلى جنب مع عملية الخلق، بمعنى أنه عندما يخلق فهو يعرف تمام المعرفة ما يخلقه، فإذا فكر في خلق الإنسان، فأن فكرة الإنسان تترسب لدى الله، كما تترسب فكرة السكين في عقل الصانع الذي يصنعها، بحيث يأتي خلقها طبقاً لمواصفات خاصة وشكل معين. وهكذا الله فأنه يخلق كل فرد طبقاً لفكرة مسبقة عن هذا الفرد ).

ويضيف سارتر على ذلك: (أن النظريات الإلحادية في القرن الثامن عشر قضت على فكرة الله فلسفياً، ولم تقض على فكرة أن الماهية تسبق الوجود، فنجدها مسيطرة عند ديدرو وعند فولتير وحتى عند كانت فالإنسان له طبيعة بشرية، وهذه الطبيعة البشرية هي ما يصاغ عليها الإنسان، وهي ما يتسم به كل إنسان، أو يشترك في صفاتها مع غيره من البشر، وبذلك تكون الإنسانية، كلها أو أفرادها، قد خلقوا طبعاً لفكرة عامة، أو مفهوم عام أو نموذج عام يجب أن يكون عليه البشر. والفيلسوف كانت قد وصف هذه الطبيعة العامة للبشرية، بحيث يساوي بين الإنسان الذي يعيش في الغابة والإنسان المدني، والبرجوازي ويجعل الثلاثة يشتركون في صفات عامة. وهكذا نجد فكرة الإنسان في التاريخ أسبق على حقيقته… أي إن الماهية تسبق الوجود مرة أخرى. لكن الوجودية الملحدة، التي أنا أمثلها، تعلن في وضوح وجلاء تامين، إنه إذا لم يكن الله موجوداً، فأنه يوجد مخلوق واحد على الأقل قد تواجد قبل أن تتحدد معالمه وتبيّن. وهذا المخلوق هو الإنسان أو أنه كما يسميه هيدجر الإنساني، بمعنى أن وجوده كان سابقاً على ماهيته.

…أن الإنسان يوجد ثم يريد أن يكون، ويكون ما يريد أن يكونه بعد القفزة التي يقفزها إلى الوجود، والإنسان ليس سوى ما يصنعه هو بنفسه ).

ويعتقد الوجوديون أن الهرب من الطريق الوجودي في البحث يعزلنا عن فهم ذواتنا فهماً صحيحاً ويجعلنا لا نواجه المشكلات الحقيقية التي تعتمد وجودنا الفردي المشخص. لأن الوجودية ترى إن الموقف الإنساني ممتلئ بالتناقضات والتوترات التي لا يمكن حلها بواسطة الفكر المضبوط والنقي. إن هذه التناقضات لا ترجع ببساطة إلى الحدود الحاضرة لمعرفتنا أو إلى ما نحصل عليه من تقدم علمي، أو إلى تفسيرات فلسفية… إنها ترجع إلى أن الإنسان حر، وهو مسؤول عن حريته، كما أنه يشعر بالندم والذنب إزاء ما يقترفه من أفعال.

ويقول هيدجر: ( الموجود كله في الوجود. مثل هذا القول يرن في أسماعنا كأنه قول مبتذل، إن لم يكن مهيناً، لأنه ما من أحد بحاجة إلى أن يهتم بأن الموجود يرجع إلى الوجود، فالعالم كله يعلم جيداً أن الموجود هو ما هو، فأي شيء آخر يبقى للموجود سوى أن يكون؟ ومع ذلك فهذه الحقيقة التي تقول بأن الموجود يبقى مجمعاً في الوجود، وإن الموجود يظهر في ضوء الوجود، هي التي أوقعت اليونانيين في الاندهاش. الموجود في الوجود: هذه هي الحقيقة التي أصبحت بالنسبة لليونانيين أكثر الأشياء إثارة للدهشة ).

ربما حكمت الأجيال القادمة بأن أعظم إسهامات الفلسفة الوجودية تألقاً وأكثرها دواماً إنما يوجد في دراستها لموضوع آخر لا يزال يتكرر وجوده في كتابات أصحابها وهو : الحياة العاطفية للإنسان، وهو موضوع أهمله الفلاسفة، وأسلموه إلى علم النفس فكلما سيطرت على الفلسفة الأنماط الضيقة من العقلانية.. اعتبرت العواطف المتقلبة، والأمزجة والمشاعر التي تظهر في الذهن البشري، شيئاً لا يناسب مهام الفيلسوف، بل حتى بدت عقبة في طريق المثل الأعلى للمعرفة الموضوعية. غير أن الوجوديين يذهبون إلى أن هذه هي بعينها الموضوعات التي تجعلنا نندمج بكياننا كله في العالم وتتيح لنا أن نتعلم عنه أشياء يتعذر علينا تعلمها عن طريق الملاحظة الموضوعية وحدها، ولقد زودنا الوجوديون من كيركجارد إلى هيدجر و سارتر. بتحليلات مشوقة لحالات وجدانية: كالقلق، والملل، والغثيان، وحاولوا أن يبينوا إن مثل هذه الحالات ليست غير مغزى فلسفي.

بعد انقضاء الحرب العالمية أصبحت الوجودية حديث الساعة في كثير من البلدان، ولقد حظيّ مؤلف ( الوجود والعدم ) جان بول سارتر بنجاح كبير، وهو مُؤَلفْ بالغ الصعوبة ينم عن إلمام عميق بتاريخ الفلسفة إذ أن التحليلات الفلسفية التي تضمنها هي من الصيغة الاصطلاحية ومن التجريد بحيث يعسر فهمها على غير المتخصصين من ذوي الثقافات الراسخة.

إن الوجودية هي فلسفة تتصدى لمعالجة تلك المشاكل الوجودية، وهي مشاكل إنسانية تتناول مدلولات الحياة والموت والمعانات والألم إلى جانب قضايا أخرى، بيد أن الوجودية ليست هي التي ابتدعت هذه المشاكل، فهي مشاكل تقليدية عرفها الفكر الفلسفي وبحثها في جميع العصور. فلقد تناولها من قبل كثير من المفكرين من أمثال القديس أوغسطين وباسكال والناقد الأسباني ميجوويل دي أونامونو والروائي الروسي دوستويفسكي والشاعر والألماني ريزماريا ريلكه، فأن جميع هؤلاء الكتاب والشعراء قد عالجوا في مؤلفاتهم مختلف القضايا الإنسانية وعرضوها في قالب بليغ، ومع ذلك فأننا نخطئ حين نضمهم إلى فلاسفة الوجود.

وقد عبر سارتر قائلاً ( في حوالي عام 1880 عندما حاول بعض المدرسين الفرنسيين أن ينشئوا أخلاقاً علمانية كانوا يقولون شيئاً من هذا الكلام: القول بوجود الله فرض لا غنى فيه ومبهظ، ولهذا فأننا نلغيه من حسابنا، ولكن من أجل أن تقوم ويقوم مجتمع ويشيد عالم يخضع للنظام أن تؤخذ بعض القيم مأخذ الجد، ولا بد أن ننظر أليها أنها ذات وجود أولي،… على العكس من ذلك تماماً، فأن الوجودية ترى أن افتراض عدم وجود الله سيؤدي إلى عاقبة وخيمة… وذلك لأن كل القيم التي كان من الممكن أن يقول بوجودها كمقولات مفارقة ستختفي معه… ). وكان دوستويفسكي قد كتب يقول ( إذا لم يكن الله موجوداً، فسيصبح كل شئ مباحاً ).

كانت هذه هي نقطة البداية في الوجودية.

يتمرد الوجوديون، عادةً على الوضع القائم في مجالات كثيرة، في اللاهوت والسياسة والأخلاق والأدب، ويناضلون ضد السلطات التي يقبلها الناس وضد الشرائع التقليدية. حتى الوجوديون المسيحيون نادراً ما يكونوا معتدلين، فقد توج كيركجارد حياته بهجوم مرير على الوضع الكنسي القائم في الدنيمارك، ويعتقد معظم الباحثين أن هذه المرحلة الأخيرة من علمه لم تكن انحرافاً في تفكيره وإنما هي نتيجة منطقية لتفكيره المبكر. أما الوجوديون غير المتدينين فأنهم يسيرون بالتمرد إلى آفاق أبعد من ذلك بكثير، حتى لقد أطلق على هيدجر وسارتر وكامو، في بعض الأحيان أسم العدميين.



فكرة الوجود :

الوجود والماهية :

إن الوجودي لا يهتم بوجود الوجود وحده، بتجريده مما هو، لتركيز تفكيره على عملية وجوده بل أن هدف الوجودي، كما يقول مارسيل (هو إبراز وحدة الوجود والموجود، تلك الوحدة التي لا انفصام لها). ويقول أيضاً (هذا الوجود الذي يتخذ جسداً مشتركاً مع الموجود ).

أن التمييز بين الوجود والماهية من أقدم المسائل التي درستها الفلسفة وقد طبق هذا التمييز على أوسع نطاق، كانت له نتائج غاية في الفائدة، فالقول بأن شيئاً ما موجود يشير ببساطة إلى واقعة وجوده هنا أو هناك، فالوجود يتسم بالعينة والجزئية وبأنه معطى محض كذلك. فالعملة الفضية الموضوعة على المائدة موجودة بوصفها أحد أشياء العالم، ووجودها ماثل أمامي بوصفه واقعة ينبغي قبولها. وليس في استطاعتي أن أرغب في وجود هذه العملة أو في حذفها من الوجود، على الرغم من أنني أستطيع أن أغير من الشكل الذي توجد عليه. ولكن ما أن نتحدث عن الشكل الذي توجد عليه، حتى نكون قد بدأنا بالفعل في الانتقال من الوجود إلى الماهية. وإذا كان وجود الشيء يرتبط بواقعة أنه موجود فأن ماهيته تعتمد على واقعة (ما هو) فماهية موضوع ما تتألف من تلك السمات الأساسية التي تجعله موضوعاً معيناً، وليس موضوعاً آخر.

فالاشتقاق اللغوي: أن الفعل يوجد مشتق من الفعل اللاتيني (كان). يعني أصلاً (يبرز) أو ينبثق ومن المرجح إذن أن هذا الفعل كان يعطي إيحاء أكثر إيجابية مما هو عليه الآن. بمعنى أن يوجد الشيء هو أن يبرز أو أن ينبثق خلفية معينة بوصفة شيئاً موجوداً هناك وجوداً حقيقياً. ولو وضعنا هذه الفكرة في صيغة فلسفية أكثر لقينا إن معنى أن يوجد الشيء هو أن ينبثق من العدم. غير أن فكرة الوجود قد أصبحت في وقتنا الراهن أكثر سلبية بكثير، إذ أصبح المعنى الذي نفهم به كلمة يوجد أقرب بكثير إلى ملقى به حولنا في مكان ما بدلاً من يبرز مكان ما.

فالقول بأن شيئاً ما موجود يعني أننا سوف نلتقي به مصادفة في مكان ما من العالم ولو قال أن، وحيد القرن موجود، فأنه يعني بذلك أنك في مكان ما من العالم سوف تلتقي بوحيد القرن إذا ما بحثت عنه بحثاً طويلا وشاقاً بقدر كاف. وبتعبير أدق في مكان ما من العالم الذي استخدمناه مرتين في هذه الفقرة لا يأتي عرضاً فيما يبدو، إذ أمن كلمة يوجد تدل على أن للشيء مكاناً وزماناً في العالم الفعلي… لكن هنالك مشكلة أخرى يثيرها تعبير وجود الله فما الذي نعنيه بقولنا أن الله موجود…؟ أن الله أياً كان تصورنا له، ليس موضوعاً يوجد داخل العالم على نحو ما توجد الأشياء، حتى لو قلنا أنه محايث، وكامن في العالم بقدرٍ ما، فهو بالتأكيد ليس أحد أشياء هذا العالم. فالقول بأن الله موجود لا يمكن أن يعني أن هناك احتمالاً للالتقاء به مصادفة في العالم على نحو ما يلتقي المرء مصادفة بوحيد القرن. فأن ما تتميز به طريقة الوجوديين في استخدامهم لكلمة الوجود هو أنهم يحصرونه في ذلك النوع الذي ينتمي إلى الإنسان.

إن فلسفات الوجود انطلقت من تأملات كيركجارد الدينية في جوهرها وكيركجارد هو هذا الفرد الذي يشعر عن طريق خطأه أنه أمام الله. وأن شعور المرء بخطئه، هو شعوره أنه أمام الله أصلاً، وأن فكرة ( الوجود أمام الله ) هي مقولة أساسية في نظر كيركجارد. إن الفرد هو الوجود، والله هو العلو. فما تحت أبصارهم، أن هو إلا الوجود في علاقته مع العلو. أن الفكر في نظره، يشعر في أعلى درجاته بصعوباته، دون أن يحاول الحيدة عنها. أن فكرنا أمام الأخر المطلق في حالة من التناقض والتمزق بالضرورة. أن العالي الآخر على وجه الإطلاق. أي الله إنما هو بمعنى الاشتقاقي للكلمة. بيد أن لي من ناحية أخرى، علاقة بهذا المطلق بل أن هذه العلاقة القوية بالمطلق بالذات، هي التي تجعلني موجوداً. وفي كثير مما كتبه كيركجارد، نرى أن الموجود يعتقد أيضاً، أن المنطق لا يوجد إلا بهذه العلاقة التي يرتبط الموجود بها معه. فإذا ما فصلت فكرة الله عن توجهي نحو الله، فلن يعود هنالك وجود لفكرة الله في الواقع. وفي هذا يكمن الافتراق الأساسي: أنني في علاقة، بل في علاقة مجهدة قوية، بشيء من الأشياء لا علاقة لـه، وهذا الافتراق ذاتـه هو الذي يحدد الوجود، بقدر مـا يمكن له أن يتحدد. لقد كتب كيركجارد: ( لا يمكن لامرئ أن يؤكد على الوجود بقوة أكبر مما فعلت ). ويقول أيضاً ( أن المسيح لا يعلم، بل لا يعلم أنه موجود ). ويضيف من ناحية أخرى: ( أن الوجود يوافق الفرد، الذي هو في تعليم أرسطو، كل ما يبقى خارج دائرة المفاهيم ).

ويقول ياسبرس: (أن كلمة وجود هي أحد مرادفات كلمة واقع، بيد إنها قد اتخذت وجهاً جديداً، بفضل التوكيد الذي أكده عليها كيركجارد فأصبحت تدل على ما أنا إياه بصورة أساسية ذاتي). ويقول أيضاً: (إن الواقع قد دخل في تاريخ طويل أبتدأ من بداية غامضة في نتاج كيركجارد). وأيضاً: (ليست كلمة وجود إلا إشارة غايتها أن توجهني نحو هذا اليقين، الذي ليس يقيناً ولا معرفة موضوعية، بل نحو هذا الوجود الذي لا يمكن لأي شخص أن يؤكده لذاته بالذات ولا لذوات الآخرين. ) وكما تبيين من قبل: كان عند كيركجارد كلمة الوجود تعني أساساً للوجود العيني الفريد لشخصية الموجود البشري الفرد. فالموجود أذن هو الجزئي العارض الذي لا يندرج ضمن مذهب أو نسق يبينه الفكر العقلي. أما المذهب الماهوي كما عرّفه كيركجارد في الهيجلية فيحاول أن يسلك الناس والأشياء جميعاً في بنية عضوية يتم فيها تجاوز المتناقضات … فالإنسان يرتبط بداخله، على نحو ينطوي على مفارقة بين المتناهي واللامتناهي بين الزماني والأبدي، والفكر يعجز عن أن يجد في هذا شيئاً ذا معنى أو عن الجمع بين هذين الجانبين، من كينونة الإنسان في كل متكامل، أن الوجود ليس فكرة ولا ماهية يمكن تناولها عقلياً. والحق أن الإنسان يتحول إلى ما هو أدنى من الوجود البشري أن هو سمح لنفسه ولكينونته بأن تستوعب في تخطيط عضوي للوجود، أو في نسق فكري عقلي، بل أن هو سمح لنفسه ولكينونته على وجه الدقة بأن يوجد وجوداً بشرياً وبأن يظهر على أنه شخص فريد على نحو ما هو عليه، وبأن يرفض بإصرار وعناد، أن يستوعبه مذهب ما.

ويقول جابريل مارسيل ( لا يمكن للمرء أن يقول، أن لي بدناً، والبدن ليس أداة، وعلى العلاقة القائمة بين الروح والبدن، والتي لا يمكن تحديدها لأمر من الأمور إنما أنشئت العلاقات الأخرى ما بيننا وبين الموضوعات الخارجية، أنه لا ينبغي لنا أن نفهم العلاقة القائمة بين الروح والبدن، على نمط هذه العلاقات الأخرى، التي هي مشتقة منها خلافاً لذلك. ويرى مارسيل أيضاً ( أنه ما من ماهية عقلية لذواتنا، وإنما هناك ماهية وجدانية، وهي عبارة عن حضور ذاتي لذاتي، ونوع من الماهية المقنعة، كما أن كل قيمة هي ماهية مقنعة ).

ولقد أستخدم هيدجر مصطلحات ثلاثة في محاولة لتجنب الخلط حول كلمة الوجود.

المصطلح الأول فهو يدعوه الوجود المتعين ( الوجود هنا أو هناك ) وهو مصطلح يستخدم عادةً للدلالة على أنواع مختلفة من الوجود ولكن هيدجر يقصر استخدامه على الوجود المتمثل في حالة الإنسان.

والمصطلح الثاني مصطلحاً يقترحه هيدجر هو ( الحضور المباشر أو الحضور في متناول اليد )، يعني أنه شيء يمكن أن يلتقي به المرء في العالم مصادفة.

المصطلح الثالث الذي أستخدمه هيدجر هو (الوجود البشري) وهو تحديد للكينونة، ويخصص للوجود المتعين وحده ويضيف هيدجر فيقول: (أن ماهية المتعين تكمن في وجوده ). أي أنه يعني ماهية الوجود المتعين لا تتألف من خصائصه بل من الطرق الممكنة لوجوده ).

ويعّرف سارتر الوجود على أنه: ( الوجود الفردي العيني هنا والآن ). ومصطلح سارتر ( الوجود لأجل ذاته يعرف من خلال فكرتيّ السلب والحرية، فما هو لأجل ذاته، يظهر في الوجود أو ينبثق، بأن يفصل نفسه عما هو في ذاته وما وجود بذاته وهو وجود ماهوي. أما ما هو لأجل ذاته فهو حر في اختيار ماهيته، لأن وجوده هو حريته ).

ويصور لنا جان بول سارتر في روايته الغثيان، من خلال بطل قصته (روكنتان)، الذي اكتفى حتى ذلك العهد، بأن يراقب الأشياء وكيف هي أو اكتفى، بتعبير أبسط باستخدام الأشياء وهنا هو يكتشف الوجود فجأةً. ( إذن، كنت جالساً في تلك الساعة، على مقعد من مقاعد الحديقة العامة. وكانت جذور شجرة الكستناء تغوص في الأرض، تماماً تحت مقعدي، وكنت قد نسيت أن تلك جذور. وتلاشت الكلمات ومعها معاني الأشياء ووجوه استخدامها، والمرتكزات الضعيفة التي خطها الناس على سطحها. إذن كنت أجلس، منحني الظهر قليلاً منكس الرأس، وحيداً في مواجهة هذه الكتلة السوداء المعقدة، وهي جامدة تماماً تبث الذعر في قلبي ثم ألّم بي فجأةً هذا الإلهام: وكأن هذه الرؤيا قطعت أنفاسي. وقبل هذه الأيام الأخيرة، لم أحس قط بما تعني كلمة وجود، إحساسي بها الآن. غذ كنت كالآخرين، الذين يتنزهون على شاطئ البحر في ثيابهم الربيعية، وكنت أقول مثلهم : البحر لونه أزرق، وهذه النقطة هي بيضاء وهذه هي قبرة تحلق في الفضاء، ولكنني ما كنت أحس بأن هذه الأشياء توجد، بأن القبرة هي قبرة موجودة. أن الوجود يتخفى عادةً ويخبئ نفسه، فهو هنا حولنا وفينا، وهو نحن، ولا نستطيع لفظ كلمتين دون أن نتحدث عنه، وفي النهاية لا نستطيع لمسه، وإذا كنت أظن أنني أفكر فيه، تبين لي أنني لم أكن أفكر في شئ فقد كان رأسي خالياً، أو كان فيه واحدة هي كلمة الكينونة، أو كنت أفكر… ماذا أقول؟ وحتى حين كنت أنظر إلى الأشياء كنت بعيداً جداً عن التفكير في أنها موجودة : إذ كانت تلوح لي وكأنها إطار أو زينة فآخذها في يدي وأستعملها أدوات. وقد أتصور مقاومتها، ولكن هذا كله كان يحدث على سطح الأشياء وفي قشرتها الخارجية دون أن يغير شيئاً من طبيعتها، ثم إليك ما حدث : رأيت فجأةً كل شئ. وكان ذلك جلياً كالنهار. لقد كشف الوجود النقاب عن وجهه فجأة وتخلى عن صيرورته اللامبالية. بوصفه صنفاً أو نوعاً مجرداً. وأضحى لحمة الأشياء نفسها، وهذه الجذور أضحت مغرقة بالوجود.

وقد عبر ياسبرز عن الوجود إضافةً لما ذكرت سابقاً بقوله ( أننا نجد الوجود بوصفه التجربة غير المبنية على تفكير لحياتنا في العالم، إنها تجربة مباشرة وبغير تساؤل : وهي الواقع الحقيقي الذي لابد أن يدخل فيه كل شئ ليصبح واقعياً بالنسبة لنا … إننا لا نتغلب قط على الرهبة التي نشعر بها في عبارة أنا أوجد …

ويشير ياسبرز إلى ثلاث نقاط بخصوص مصطلح الوجود :

1- الوجود ليس لوناً من الوجود بالفعل وإنما هو وجود بالقوة. بمعنى أنني ينبغي إلا أقول أنني موجود بل ممكن. فأنا لا أمتلك ذاتي الآن، وإنما أصبح ذاتي فيما بعد.

2- الوجود هو الحرية … لا الحرية التي تصنع نفسها ويمكن إلا تظهر، وإنما الوجود هو الحرية من حيث هي فقط هبة العلو التي تعرف واهبها. فليس هناك وجود بغير علو.

ج- الوجود هو الذات الفردية التي تظل دائماً فردية والتي لا يمكن الاستعاضة عنها أو استبدالها أبداً.



الصفات الأساسية المشتركة بين الفلسفات الوجودية :

1- تشترك جميع الفلسفات الوجودية، وهي أي هذه الفلسفات على اختلاف أنواعها تنبع من تجربة حياتية يطلق عليها أسم التجربة الوجودية. وأنها تتخذ طابعاً خاصاً عند كل واحد من هؤلاء الفلاسفة. فهي تعني عند ياسبرز الإحساس إحساساً مرهفاً بمدى ميوعة وهشاشة الوجود الإنساني. وتعني عند هيدجر المعنى نحو الموت، وعند سارتر الإحساس بالغثيان والتقزز.

2- هم يجعلون من الوجود المركز الأساسي الذي تدور حوله أبحاثهم. ولأن الإنسان هو وحده الذي يحتوي على الوجود، وأنه هو عين وجوده. وإذا كان للإنسان من ماهية، فأن ماهيته هي وجوده أو هي حصيلة وجوده.

3- لا يمكن إدراك الوجود إلا من حيث أنه وجود آني صائر. والوجود يمر بكينونة متواصلة، فهو لا يسكن أبداً بل إنه في صيرورة دائبة تبدع نفسها عن طريق الحرية، فهو مشروع خلاّق.

4- إن الوجوديين يعتبرون الإنسان ذاتية محضة، وتتخذ الذاتية عند الوجوديين دلالة إبداعية، فالإنسان هو وحده الذي يخلق ذاته بمطلق حريته، لأنه لا فرق عندهم بين الإنسان وحريته.

5- والإنسان عند الوجوديين ليس كائناً انفرادياً، منغلقاً على نفسه كما قد يعتقد البعض، إنه شديد الصلة بالعالم وبالآخرين. وذلك من حيث إنه ماهية ناقصة في حاجة إلى الانفتاح على الغير. فالوجوديون جميعهم يفترضون قيام صلة مزدوجة بين الأنا والغير ويقولون بوجود ارتباط بين الأفراد لأن الارتباط بالآخرين هو الوعاء الذي يضم الوجود الفردي. فنجد إن هيدجر قد أسماه الوجود مع الآخرين. وياسبرز أسماه الاتصال، ومارسيل أسماه اقتحام وجود الأنت.

6- وهم جميعاً يرفضون تمييز التقليدي بين الموضوع والمحمول والذي قالت به الفلسفة العقلانية. فالوجوديون من أشد أعداء المعرفة العقلانية، لأن العقل في رأيهم لا يوصل إلى معرفة حقيقية، فالمعرفة لا تأتي إلا عن طريق ممارسة الواقع أي ممارسته لتجربة القلق، فالقلق هو الموقف الذي يدرك فيه الإنسان قمة تلاشي ماهيته الإنسانية كما يدرك من خلاله مدى ضآلته وضياع موقفه في العالم. ويرى هيدجر إن الإنسان ما ألقيَّ في العالم، إلا ليبدأ مسيرته نحو الموت.



الوجودية المؤمنة والملحدة :

يوجد في الوجودية فوارق عميقة تميز بين فلاسفتها، فيما يتعلق بموقفهم الفكري تجاه الدين. حيث نجد إن كلاً من كيركجارد ومارسيل، يمثلان الوجودية المؤمنة. إن الفكرة الرئيسية في فلسفة مارسيل هي إن الإيمان ليس حالة، من حالات الفكر بوجه عام، وهو لا ينتسب إلى العقل بأي حال من الأحوال، وإنما هو واقعة من وقائع الذات الفردية المتجسدة، ولا يمكن أن يُرَد إلى الأنا التجريبية.

يقول مارسيل : ( إن الحياة الخاصة بالفرد هي وحدها التي تمثل المرآة التي ينعكس عليها وجود اللامتناهي. والعلاقات الشخصية وحدها التي ترشدنا إلى وجود شخص آخر له وجود يتعدى نطاق نظراتنا اليومية. إنه بالإمكان قيام الاتصال بين الأنا والأنت يمكن أن يتصاعد فيصبح تواصلاً مع الأنت المطلق الذي هو الله. والوفاء الحقيقي للغير هو الذي يصعد بنا إلى الله، لأن الله هو الأنت الذي يبادلنا الوفاء دائماً، ولا يتخلى أبداً عن الإنسان، ولا يمكن أن يغدر به. وما الوفاء إلا نداء إلى الله لكي يشهد على وفائنا، ولكي يكون له ضامناً وحافظاً. والوفاء يكون دائماً مطلقاً وبلا أية تحفظات أو شروط، لأن الوفاء المكبّل بالشروط والقيود ليس وفاءً، بل ارتياباً وشكاً، وبالتالي فأن هذا الوفاء المطلق، يرغمني بواسطة طبيعته نفسها على الصعود شيئاً فشئ حتى أصل إلى المطلق الإلهي. وهذه الصلة بيني وبين الله، الذي هو أقرب من نفسي إلى نفسي، هي صلة بين شخصين، وهي بالنسبة لي مبدأ الإبداع الحقيقي، لأنني بالصلاة والدعاء أشارك في منبع وجودي، وفي الحب الذي جعلني موجوداً في اتحاد لا يبلغ مداه التعبير).

بينما نجد الفلاسفة الذين يمثلون الوجودية الملحدة مثل هيدجر التي تعتبر فلسفته ذات طابع إلحادي معروف وأن هو رفض أن يصف فلسفته بأنها فلسفة إلحادية.أما سارتر فهو صاحب مذهب إلحادي صريح. وكذلك نيتشه الذي ارتبطت فلسفته منذ البداية وحتى لحظة جنونه بمشكلة الله. وقد كان أشد الفلاسفة نقداً للمسيحية. ويبدأ نيتشه هجومه على الدين ببحثه في نشأة فكرة الألوهية من الوجهة التاريخية. فيقارن بين تصور الله في مختلف الأديان، وينتهي إلى وجود اختلاف أساسي بين هذه التصورات بما يقضي عليها كلها معاً. وهو يحمل بوجه خاص على تصور الألوهية في المسيحية واليهودية، فهذا التصور مرتبط برغبة الإنسان في معاقبة نفسه، ومرتبط بشعوره بالذنب، وهذه الرغبة والشعور هي التي تتجسم في فكرة الله ذاتها، فتصوره على نحو مضاد للإنسان تماماً، وتنسب إليه من الأوامر ما يقف في وجه الطبيعة البشرية ويعوق سيرها التلقائي. ويعيب نيتشه على الأخلاق المسيحية إنها حطمت كل فكرة عن تجاوز الإنسان لذاته، بأن وضعته في راحة داخلية، ورضى عن نفسه كلها تعد بالنسبة للعظمة الإنسانية أسوأ أنواع تنازل الإنسان عن حقوقه. إذ لا وجود للعظمة إلا في الحرية التي يبني بها الإنسان لنفسه مصيراً جديراً به. لأن الحياة هي الخير الأسمى، وكل ما يدعو إلى الزهد فيها، والقضاء عليها شر وخيم. الحياة نفسها قيمة في ذاتها وهي قادرة على أن تجعل من نفسها غرضاً وغاية….



سورين كيركجارد :

حياته :

ولد سورين كيركجارد في الخامس من أيار 1813 في كوبنهاكن في الدنيمارك. وكان آخر أبناء والدين تقدمت بهما السن، فقد كان أبوه في السادسة والخمسين من العمر، وأمه في الرابعة والأربعين، عندما ابصر النور. وقد كان الفيلسوف في شبابه شديد التأثر بأبيه، وكان أبوه شخصية غنية ومضطربة معاً. وكان أبوه يدعى مايكل بدرسن كيركجارد وقد عمل في بداية حياته راعياً صغيراً في كوتلاند وكان غاضباً ومتمرداً على قسوة الحياة عليه، وأنعكس ذلك بثورة عصيان على الله في مشهد جدير بأسفار العهد القديم. وبعد أن لعن الله ذهب ينشد الثروة في العاصمة وقد أصاب بعض النجاح من جراء عمله بالبقالة. وحين بلغ الأربعين أعتزل العمل، وتفرغ بقية حياته طلباً للثقافة العامة. وقد أنتابه شعور بتأنيب الضمير، بسبب لعنته وتمرده على الله. وبعدما تزوج من خادمته بعد وفاة زوجته الأولى. قد زاده شغفاً بطلب الحقيقة الدينية.

وكان أبنه سورين يرجح صحبة أبيه الذي كان يكشف له عن مسيحية مليئة بالقلق على الحياة مع أمه وأخوته. وكان أبوه يلاعبه بما يهيج خياله بإسراف. لقد كان طالباً متحرراً جداً وذا مال كاف، عاش بين 1830 – 1838 حياة سطحية مضطربة. لقد كان شغوفاً بالمسرح وقرأ لكثير من الشعراء. ولكنه تأثر بالإبداع الفلسفي لدى فخته وشيلنج وخصوصاً هيجل.

لقد أحب فتاة وخطبها تدعى ريجينا أولسن ابنة مستشار المحكمة. لكنه سرعان ما تخلى عنها وفسخ خطوبته، عندما وجدها عائقاً في طريق رسالته التي كان يقول أنه يحملها. وأن هي تركت أثراً كبيراً في نفسه وفلسفته، ونجد صورة ريجينا تسود كل مؤلفاته. وقد ألف العديد من الكتب، التي ساد فيها الجانب الوجداني والذاتي، في رؤيته ومعالجته للحياة. وفي آخر حياته وقع فريسة للمرض نقل على أثرها إلى المستشفى، وقد مات بعد شهر من العذاب وكان في11 تشرين الثاني1855.



منابع الوجودية الكيركجاردية :

من المؤكد إن مؤثرات كثيرة خارجية وعارضة قد أثرت على فكر كيركجارد. أن فكرة تشكّل بتمّثل عناصر غريبة عنه أقل مما تشكّل بالغوص المستمر الدائب في أعماق شخصيته الخاصة وبالتنبه الذي لم يزل يزداد اتساعاً وإلحاحاً. لا بأحوال الوجود بوجه عام لأحوال وجوده الخاص. كان هناك رد فعل من جانب مزاجه، وفرديته كما تحققت في ذاتها إزاء المؤثرات التي كان ينؤ بها فكره، بل إن فلسفته هي ذاته تماماً، ذاته على نحو ما إرادي يجري على نسق. لدرجة أنه يجعل من الفرد كفرد ومن الإدراك الواعي لهذا الوجود الفردي، الشرط المطلق، للفلسفة بل الفلسفة في جملتها.

لقد كان كيركجارد يردد منذ بداية حياته الفكرية حتى نهايتها، بما يكتب في يومياته قائلاً : إن مسألة المسائل هي ( أن أجد حقيقة… حقيقة… ولكن بالنسبة إلي، أن أجد الفكرة التي من أجلها أريد أن أحيا وأموت ). ولم يكن كيركجارد يستطيع أن يتصور حقيقة تظل خارجة عنه، حقيقة لا تكون إلا مشاهدة لروحه. ( الحقيقة هي ذات الحياة التي تعبر عنها : هي الحياة في حالة الفعل ). بهذا المعنى نستطيع، أن ندرك قيمة النصوص العديدة التي يعلن فيها كيركجارد أن مؤلفاته كلها ليست سوى تعبير عن حياته الخاصة. وهو يقول ( أن مؤلفاتي كلها تدور حول نفسي… حول نفسي وحدها ولا شئ سواها. ويضيف قائلاً : ( إن إنتاجي كله ليس سوى تربيتي لنفسي ).

ويقول كيركجارد أيضاً ( أنا أفكر، أذن فأنا غير موجود وذلك في مقابل النزعة العقلية الديكارتية. فالحقيقة هي الوجود نفسه، في واقعية الفريد الذي لا سبيل إلى التعبير عنه أو التنبه للوجود حين يتحد الوعي بالوجود نفسه. والجهد الذي يبذله الآخرون لنسيان أنفسهم، يبذلونه هم لمعرفة ذواتهم معتقدين أنهم بمعرفتهم أنفسهم معرفة لا تزال تزداد عمقاً. سيعرفون كل ما يبقى بعد ذلك عن معنى الإنسان والعالم والله على السواء). وعند كيركجارد أن شغله الشاغل هو الإنصات إلى همسات أفكاره، وملابسات إيقاع حياته الباطنية. وفي رسالة بعث بها إلى بيترلند يصف ميزة هجر أصدقائه له بعض الشيء حيث يقول: ( أن صمتهم ملائم لمصلحتي، من حيث أنه يساعدني أن أسدد نظري إلى نفسي، ويحفزني إلى إدراك ذاتي… تلك الذات التي هي لي، وأن أحافظ على ثباتي وسط تغير الحياة بنظرة فيها الحياة خارج ذاتي… ويضيف قائلاً: أن هذا الصمت يعجبني، إذ أرى نفسي قادراً على بذل هذا الجهد، واشعر بأنني كفأ للإمساك بتلك المرأة، أياً كان ما تطلعني عليه، سواء أنه مثلي الأعلى أم صورتي الهزلية).

ويرى أن الفلسفة تتلخص في إدراك المطالب الحتمية التي يقتضيها الموجود الصحيح لا الزائفة إدراكاً بواسطة الغوص في أعماق وجوده الخاص. وهكذا تصبح الذاتية معيار الموضوعية.



مراحل الوجود :

1- المرحلة الجمالية :

يتسم الواقع الإنساني ويقصد به أن تكون حياة الإنسان خاضعة للّذة والشهوة والتمتع بكل ما هو حسي. وهذا المستوى من مستويات الحياة الجمالية وبإرضاء الجوانب الحسية، ومثاله صفات السيبياد بطل المتعة الفورية، والرغبة التي تمنح دون جوان قوة هواه ومبدأ إغرائه، من الطاعة الشهوية. ينبغي لدى كل امرأة هو الأنوثة الكاملة. ونجاحه يرجع لهذا الإضفاء المثالي الذي يسقطه على ضحيته. لكن يأخذ المستوى الجمالي بالتآكل تدريجياً حيث تكون الرغبة بوصفها مطلقاً متوحشاً، وخواء المتأنق على الصعيد العاطفي، ودافع العناء الغرامي. وينتهي بالباحث إلى أن يتساءل في نهاية التحليل أليس أسعد هؤلاء الأفراد المشغوفين بطلب اللذة الذي يعتبر أشقاهم: إنه المعتزل الذي لم يعش حقاً، اقتصرت حياته على إسقاط هذه الإمكانات المختلفة.



2- المرحلة الأخلاقية :

ويقصد به أن تكون حياة الإنسان مستهدفة لتحقيق الخير وقواعد الأخلاق، وأن يكون قادراً على اتخاذ القرار، وعلى أن يختار أما هذا أو ذلك، بعد أن يكون قد تحرر من عبودية الجسد والمادة التي تميز الحياة في المرحلة الجمالية.

لأن الحب الأول المتفتح في الزواج هو حقيقة الإنسان السوي الأخلاقية، إنه تركيب الحرية والضرورة: إن أحد العاشقين يشعر بأنه منجذب للآخر بقوة قاهرة، ولكنه بوجه الدقة يمنح وعي حريته من هذه الحال أن هذا الحب تركيب العام والخاص، وهو يحتويهما كليهما حتى تخوم الصدفة. وبهذا الاعتبار فأن الحب الأول حب دقيق وأكثر سلامة وأوفر حظاً بأن يكون أول حب صحيح. الحب الأول ينطوي إذن على ثقة مباشرة. ولكن الأفراد الذين يشعران به يلقيان فوق ذلك نمواً دينياً. عندما يحمل حب بائس الأفراد على اللجوء إلى الله وعلى طلب الطمأنينة في الزواج. إن الحب الأول هو حب يشوه طبيعته، ومن البين إن العاشقين قد ألفا ترك كل شيء لله. إن الحب الأول يعوزه المثل الأعلى الثاني، المثل الأعلى التاريخي: أنه لا يتضمن قانون الحركة إذا كان الإيمان بالحياة الشخصية أن يكون إيماناً مباشراً، فأن الإيمان الذي يقابل الحب الأول قد يحسب، من جراء الوعد، بأنه قادر على رفع الجبال، وتحقيق المعجزات. أن الحب الزوجي يملك هذه الحركة لأن عزمه يتجه شطر الداخل. ويدع في المجال الديني، يريد بعزمه التعاون مع الله. وأن يناضل من أجل ذاته، ,إن يغزو ذاته بذاته مع زمان الصبر.

3- المرحلة الدينية :

هو الذي نخاطر فيه بالقفز في المجهول، والذي يقضي على اليأس والقلق الذي يكون فينا بفضل الإيمان بالله. ( إن المرحلتين الحسي والأخلاقي يقودان الإنسان المشخص إلى الحقيقة المتعالية المتسامية عن الطبيعة أي إلى الله الذي نتعلق به خلال المرحلة الدينية).

إن أعمق واقع ليس الذاتية الزائفة للنزوات الجمالية، ولا الموضوعية الزائفة للتأمل الهيجلي، بل الذاتية المأساوية للمستوى الديني. لقد تعذر البرهان نظرياً على وجود الله. أليس مسعى البرهان على وجود نابليون بالانطلاق من أعمال. لكن أعمال لا نستطيع البرهان على وجوده، اللهم إلا إذا طرحنا وجوده في ضمير الغائب الذي يعود عليه. فليس بين نابليون وبين أفعال علاقة مطلقة تتيح القول بأن أي فرد آخر لم يكن في وسعه أن ينهض بتلك الأعمال: إذا نسيت هذه الأفعال لنابليون يكون البرهان ناقلاً مادمت أسميته. ولكنني إذا كنت أجهل فاعلها فكيف أبرهن أن فاعلها نابليون ؟ وكل ما أستطيع أن أؤكده أن مثل هذه الأفعال لابد إنها من صنع قائد عظيم. وبالمقابل توجد بين الله وبين أفعاله علاقة مطلقة، لأن الله ليس اسماً، بل مفهوم. ومن هذا تتضمن ذاته وجوده.

ومن الضروري البرهان على إله شخصي عن طريق الإيمان. وليس الدين، كذلك عاطفة، بل هو تعبير صحيح عن المرضي الجمالي: وأن احترام هدف مطلق يتجلى فيه، بتحول الوجود تحولاً تاماً. ولكن هذا التحول الذي يتناول الوجود بالمرضي الديني إنما هو تحول داخلي كله. الخطيئة نظام واقع ينظم من تلقاء ذاته. واليأس الفضيحة وجدل الإيمان، إنه جدل الخلاص الحقيقي هو الألم أمام الله.



جان بول سارتر :

حياته :

ولد سارتر في 21 كانون الثاني عام 1905 وكان والده بحاراً توفى في الهند الصينية وهو صغير. فتولى جده لأمه تربيته. وكان مدرساً للغة الألمانية في مدرسة هنري الرابع الثانوية في باريس. وتعلم سارتر بمدرسة سان روشيل ثم في المدرسة الثانوية التي كان جده مدرساً فيها. والتحق عام 1924 بمدرسة المعلمين العليا ثم حصل على الأجريجاسيون في الفلسفة عام 1939. وعمل مدرساً في كل من ليون والهافر. وقد طلب في التعبئة العسكرية عام 1939. حيث أرسل إلى خط ماجينو المشهور في الحرب العالمية الثانية. وخدم كجندي في الوحدة الطبية، ووقع في الأسر وبقي فيه مدة تقارب السنة وبعدها أفرج عنه.

وقد لاح في أعين كثير من القراء أنه أقل الكتّاب الفرنسيين المحدثين ارتباطاً بفرنسا فالإنسان مدفوع إلى القول بأنه ألماني من المتزمتين، والحق أنه من منطقة الإلزاس. وكان سارتر قصير القامة ربعة، ومعتاد على التدخين بالغليون، وملابسه مهملة، وهو قبيح، ولكنه ذو تأثير كبير للغاية بسبب حضوره المتوتر الرجولي القوي الدافع، أنه رجل يلوح إنه يحترق بالتوتر العقلي والأخلاقي. وقد توفى عام 1980.

لقد كانت رواية الغثيان الرواية الأولى لسارتر نقطة البداية في فلسفة النفي والعبث. وكانت موجهة ضد الفلسفة التقليدية، فلسفة الإثبات والقيمة. والمحور الفكري لهذه الرواية التي تمثل منشوراً فلسفياً حقيقياً يدور حول القول بأن العالم لا معنى له من حيث أنني كإنسان ليس لي من هدف أسعى وراءه فيه.

والتجربة الأثيرة عند سارتر تلك التي قدم لنا تحليلاً لها في الغثيان، تكشف لنا عن عالم قريب جداً من عالم هيدجر. فهيدجر في كتابه ما هي الميتافيزيقا؟ كتب يقول: ( أن الجزع العميق الذي ينكشف لنا كلما امتددنا بجذورنا في أعماق الوجود كما لو كان ضباباً صامتاً من شأنه أن يغلف الأشياء والآخرين بصورة غريبة ويغلفنا نحن أنفسنا بلامبالاة شاملة. وهذا الجزع هو الذي يكشف لنا عن الوجود في طابعه الشمولي ).

يرى سارتر أن تجربة الغثيان قيمة ميتافيزيقية، فهي تكشف لنا عن صميم الوجود وهي من هذا الوجه تتيح لنا رؤية جديدة لعالم الأشياء والإنسان. ولقد قدم هيدجر في مؤلفاته الإطار العام لميتافيزيقا الوجود هذه، وعاد سارتر في كتابه الوجود والعدم، إلى تناول الموضوعات الجوهرية التي عالجها هيدجر، مع مناقشتها وتصحيح بعض عناصرها.

ولدى سارتر نوعين من الشخصيات يتخذ كل نوع منها موقفاً مختلفاً إزاء القلق. فثمة نوع يقاوم انطباعات أو ميولا أو دوافع يرى الناس الذين نسميهم أسوياء أنهم مجبرون على كبتها، وهم يلومون أنفسهم في الوقت نفسه على أنهم لم يفعلون، وهناك نوع آخر يستسلم لها كلية، لا عن سلبية خالصة، بل عن تصميم راسخ على أمل الوصول بذلك إلى حقيقة لا يستطيع الرجل السوي أن يبلغها. ويتفق سارتر مع هيدجر في أن الحرية تتكشف للإنسان بواسطة القلق، فالقلق هو كيفية وجود الحرية باعتبارها شعوراً بالوجود، وفي القلق تكون الحرية في وجودها،فالأنا التي أكونها الآن تعتمد، في نفسها على الأنا التي لم تتحقق بعد، كما إن الأنا التي لم تتحقق بعد تعتمد على الأنا التي أكونها الآن لأن مصيري أو مستقبلي الخاص، أو ماهيتي التي تتكون وفقاً لأفعالي الحالية والمستقبلية. لكن الإنسان يسعى دائماً إلى الهرب من القلق الذي يفرض عليه هذه الضرورة الدائمة من اللحاق بما وراء ذاته، نحو مستقبل هو نفسه في حالة هروب مستمر. وهذا الهروب هو ما يدعوه سارتر بسوء الطوية الذي يمكن أن نقارنه بفكرة السقوط أو الابتذال أو الوجود الزائف عند هيدجر.

وليس الغثيان سوى هذا الشعور بالاختناق الذي يسببه ذلك الكشف للوجود كأنه شيء يأخذك من كل جوانبك بغتة، شيء يتوقف من أجلك، ويثقل على قلبك كأنه حيوان ضخم لا يتحرك. إن القلق يكشفني لذاتي باعتبارها شعوراً، وبهذا يقنعني بأن ثمة لعباً في الوجود، وأن العدم يطارد كينونة الوجود.

هذا الكشف هو الذي حاصر بطل رواية الغثيان: أنطوان روكنتان فقد تسائل يوماً عن مبررات حياته، وسأل نفسه عن كينونته وعن ماهية الكون الذي يحيط به فكان هذا كافياً لأن يصبح نهباً لشعور من الحصر النفسي والانغلاق والغثيان.

والغثيان هو الشعور الذي نحس به أمام الواقع عندما نصل إلى معرفة إنه يفتقر إلى مبررات وجوده، وإنه منغلق. وابتداءً من اللحظة التي أحس فيها روكنتان أن حياته لا هدف من ورائها وإنه يسعى فيها إلى غير غاية، وإنها فقدت معناها عرف إنه أصبح موجوداً كما يوجد الشيء أو الموضوع. لأن الأشياء والموضوعات والعالم قد فقدت كلها في نفس الوقت معناها. ( لقد تلاشت الكلمات وتلاشت معها دلالة الأشياء، وتلاشت معها طرق استعمالنا لها ).

وانقطعت الأشياء، والأوصال بين الأشياء والعقل. لم يعد لشيء مغزى، وبدأت كل هذه الأشياء التي فقدت مسمياتها تترنح بلا مبرر: ( كل شيء وجوده مجاني، هذه الحديقة، هذه المدينة أنا نفسي. وعندما نأخذ هذا في اعتبارنا، سيصيبنا دوار الرأس، ويبدأ كل شيء في أن يطفو ذلك هو الغثيان. وهذا هو ما يحاول القذرون أن يخفوا الحقيقة اعتماداً على فكرة القانون أو الواجب، مع إن وجودهم مجاني تماماً كوجود الآخرين، إلا أنهم لا يحنون أن يشعروا بأنهم زائدون عن الحاجة ).



الحرية :

إن الحرية تعتبر من أهم القضايا التي تبحثها الفلسفة الوجودية، وتهتم بها. وهي عند الوجوديين عامةً تعتبر الوجود الإنساني نفسه. وهي ضرورة، لكي يحقق الإنسان وجوده. وهي من أهم المرتكزات عند سارتر، فهو يرى إن الإنسان حر، وأن له الحق، أن يكون (هوهو). وأن الحرية الإنسانية التي يتحدث عنها سارتر تأتي إلى المرء من الشعور بأنه غريب عن العالم اللامعقول هذا. الذي يحس فيه بأن مظاهره وحواسه متعارضة مع رغبته الحادة المالية إلى الإيضاح، والتي لا تزال دعوتها تجلجل في قلبه بصورة لا تغالب. ومن ثم فهو يشعر بنفسه في هذا العالم كأنه منفي. وتبرز هذه الفكرة في وضوح عند أحد أبطال رواياته (دروب الحرية) ماتيو، حين يفكر في الانتحار فيقول ( أني لست شيئاً وليس لدي شيء. وأني غير قابل للانفصال عن العالم كالنور، إذ أي منفي مثله حين ينزلق على سطح الماء والحجر دون أن يعلق به شيء… أنني خارج الماضي، خارج نفسي إن الحرية هي المنفي، وأنني مقضيّ علي بأن أكون حراً).

ويترتب على هذا حقيقتان هامتان أولاهما: أن الإنسان بما هو إنسان لا طبيعة له وليست له ماهية محددة بل أن ماهية هي الحرية نفسها أي إنها هي اللايقين. وثانيتهما: إن المتواجد لا يسبق الماهية فقط، بل إن ماهية الوجود، لذاته هي وجوده.

وتكشف الحرية عن نفسها خلال القلق، فالقلق هو وعي الإنسان لوجوده المحض الذي يخلق نفسه من حيث إنه عدم، أي إن وجود الإنسان يخلق نفسه من الحرية، فهو يهرب من القلق، وهو بهروبه هذا يحاول أن يفلت لا من حريته فحسب، أي أنه لا يتلهف فقط على بلوغ المستقبل، بل أنه يحاول أن يفلت من ماضيه أيضاً. ذلك لأن الإنسان يتمنى لو أنه في استطاعته إدراك هذا الماضي باعتباره مبدأ لحريته، في حين إن هذا الماضي قد سبق له وانتهى تماماً، وصار جامداً وغريباً عن صاحبه. غير إنه يستحيل على الإنسان الخلاص من القلق، لأن الإنسان يعتبر نفساً قلقة. ويقول سارتر ( إنني أجد نفسي مضطراً في نفس الوقت الذي أريد فيه حرية الآخرين، إلى أن أريد حريتي ).

إن على الإنسان أن يفعل، وأن يفعل دائماً فبغير الفعل لن يكون ثمة وجود. ( فالآنية ليست أولاً لأجل الفعل، ولكن الوجود بالنسبة إليها هو الفعل، والتوقف عن الفعل هو توقف عن الوجود ). والاختيار يقتضي بدوره الحرية، فلا اختيار حيث لا حرية. فوجود الإنسان لا يتحقق إلا بالفعل والإنسان لا يستطيع أن يفعل إلا إذا أختار، فالموجود الحر فقط هو الذي يختار وبدون هذه الحرية ينعدم معنى الاختيار. ويرى ( إن الشرط الأساسي الذي لا غنى عنه لكل فعل هو حرية الموجود الفاعل، والفعل هو التعبير عن الحرية ).

ويضيف سارتر ( إن الحرية ليست صفة مضافة أو خاصية من خصائص طبيعتي، إنها تماماً نسيج وجودي ).

أبو يحى
06-03-2005, 04:25 PM
The Ethics of Absolute Freedom

David Banach



I. Individuality, Freedom, and Ethics.

The modern conception of man is characterized, more than anything else, by individualism. Existentialism can be seen as a rigorous attempt to work out the implications of this individualism. The purpose of this lecture is to makes sense of the Existentialist conception of individuality and the answers it gives to these three questions: (1) What is human freedom? What can the absolute freedom of absolute individuals mean? (2) What is human flourishing or human happiness? What general ethic or way of life emerges when we take our individuality seriously? (3) What ought we to do? What ethics or code of action can emerge from a position that takes our individuality seriously. Although I am sure you will want to take a critical look at the assumptions from which Existentialism arises in your seminars, I will be attempting, sympathetically, to see what follows if one takes these assumptions seriously.

Let's begin by seeing what it could mean to say we are absolute individuals. When you think of it, each of us is alone in the world. Only we feel our pains, our pleasures, our hopes, and our fears immediately, subjectively, from the inside. Other people only see us from the outside, objectively, and, hard as we may try, we can only see them from the outside. No one else can feel what we feel, and we cannot feel what is going on in any one else's mind.

Actually, when you think of it, the only thing we ever perceive immediately and directly is ourselves and the images and experiences in our mind. When we look at another person or object, we don't see it directly as it is; we see it only as it is represented in our own experience. When you feel the seat under your rear-end, do you really feel the seat itself or do you merely feel the sensations transmitted to you by nerve endings in your posterior?. When you look at the person next to you (contemplating how their rear-end feels), do you really see them as they are on the inside or feel what they feel? You see only the image of them that is presented to your mind through your senses. This is easily demonstrated by considering how our senses deceive us in optical illusions, but one simple example will have to suffice here. [split image demonstration] It seems, then, that we are minds trapped in bodies, only perceiving the images transmitted to us through our bodies and their senses.

Each of us is trapped within our own mind, unable to feel anything but our own feelings and experiences. It is as if each of us is trapped in a dark room with no windows. Our only access to the outside world being a television screen on one wall on which we (with our mind's eye) perceive the images of other people, places, and things. Thus, to be an absolute individual is to be trapped within ourselves, unable to perceive or contact anything but the images on our mental tv screen, and to be imperceptible ourselves to anyone outside of us. In a world where science has opened up and laid bare the nature of subatomic particles, far-away planets, and the workings of our very own bodies and brains, it is to remain, ourselves, hidden from the objective view. It is to be an island of subjectivity in an otherwise objective world.



II. The Existentialist View of Human Freedom.



What view of human nature can emerge from this view of the individual? One such view is the view of human nature identified with the name Existentialism. Sartre says that what all existentialists, both atheistic and christian, share in common "... is that they think that existence precedes essence, or, if you prefer, that subjectivity must be the starting point." (EHE, p. 13) Sartre explains what this means by contrasting it with the opposite slogan: ESSENCE PRECEDES EXISTENCE. He uses the example of a paper-cutter to explain how the old view treated human beings as artifacts, whose nature is tied to a preconceived essence and to a project outside of them, rather than as absolute individuals. He says in Existentialism and Human Emotions:



Let us consider some object that is manufactured, for example, a book or a paper-cutter: here is an object which has been made by an artisan whose inspiration came from a concept. He referred to the concept of what a paper-cutter is ... . Thus, the paper-cutter is at once an object produced in a certain way and, on the other hand, one having a specific use ... . Therefore, let us say that, for the paper-cutter, essence ... precedes existence. (EHE, pp. 13-14)






Of course, the artisan in our case is God. Sartre continues:



When we conceive of God as the Creator, He is generally thought of as a superior sort of artisan. ... Thus the concept of man in the mind of God is comparable to the concept of the paper-cutter in the mind of the manufacturer... . Thus, the individual man is the realization of a certain concept in the divine intelligence. (EHE, p. 14)



On this view, the one Sartre is attacking, we get our nature from outside of us, from a being who created us with a preconceived idea of what we were to be and what we were to be good for. Our happiness and our fulfillment consist in our living up to the external standards that God had in mind in creating us. Both our nature and our value come from outside of us.

According to the existentialist, however, EXISTENCE PRECEDES ESSENCE. Sartre explains:



What is meant here by saying that existence precedes essence? It means that first of all, man exists, turns up, appears on the scene, and, only afterwards, defines himself. ... Not only is man what he conceives himself to be, but he is also only what he wills himself to be after this thrust toward existence.

Man is nothing else but what he makes of himself. (EHE, p. 15)






Thus, there is no human nature which provides us with an external source of determination and value. Sartre says:



If existence really does precede essence, there is no explaining things away by reference to a fixed and given human nature. In other words, there is no determinism, man is free, man is freedom.



Nothing outside of us can determine what we are and what we are good for; we must do it ourselves, from the inside. What we will be and what will be good for us is a radically individual matter. If we are radical individuals, there is no place else for our nature and value to come from, except from within us. It is this view of human nature, or the lack thereof, from which the existentialist conceptions of freedom and value flow.

We are now in a position to begin to answer the first of our three main questions: What is human freedom? What, exactly can the freedom of an absolute individual consist of? At first, it may seem clear that if we are islands of subjectivity, isolated from the forces of the outside world, we not only are capable of acting freely of outside determination, but we cannot help doing so since the only possible sources of action are internal. The situation, however, is somewhat more complex than this. To understand what freedom is for the Existentialist we must first see how, even though our inescapable nature is to be free, we all inevitably tend to try to escape our freedom. We all tend to act in what Sartre calls 'bad faith'. We attempt to deceive ourselves and act as if we weren't free, as if we were really determined by our nature, our body, or the expectations of other people.

The picture we drew earlier of the human individual trapped in a dark room perceiving the world only through our mental TV screens was too simple, for humans have a dual nature. Among the things we find on the mental tv screen, besides objects, other people, emotions, and desires, is ourselves. I see my body, and this thing I see is me. The human condition, for the Existentialist is a tension, a vertiginous imbalance, between the self that watches these images, standing apart from them, and the self that appears as an image. Just as I feel an imbalance upon walking into a department store and finding that one of the people on the video monitor is ME (caught by some unseen camera); or just as we feel a tension looking in the mirror wondering how the person in the glass can be ME if I am standing out here looking at it; so the self feels a tension between identifying itself with mind's eye behind the screen (standing apart from the give and take, the flux and flow, of our experience) and the images of us that appear as part of our experience (engaged in the world).

Thus, we all have the tendency to act in bad faith, to identify ourselves with one of the pictures we find on our mental TV screen, and to see ourselves as determined by one of the outside influences we find pictured there: our nature, our body, the physical world, or the expectations and pictures other people have of us. We are all familiar with the ways in which we try to excuse our actions by pretending that we are simply our bodies and are controlled by the forces that determine them. We have all said things like:



I can't talk to people, I just don't have that kind of personality.

I can't pass this course, I'm just don't have the brain for calculus.

I can't help the fact that I was born a man (or a woman); Certain things come naturally for certain types of people. (Says the man who can't take care of his children, or the woman who can't fix her car.)

I'm no good at this; I guess I just wasn't made to go to college.

Gee, I'm sorry about last night. I guess my hormones just got out of control.

I'm sorry I bit your head off yesterday. I must be premenstrual.

I don't know what happened. I guess the beer made me crazy.



In these cases, I am identifying myself with one of the pictures of me I find on my mental TV screen: I am my body, or my brain, or my personality, or my hormones. In each of these cases, I am deceiving myself. I am more than just these, and no matter how I try to avoid it, I am free.

We are also familiar with the way we all play roles, identifying ourselves, or seeing ourselves, in terms of how other people see us, letting other people determine what we are instead of deciding, ourselves, what we will be. We all to some extent tend to make ourselves into the image other people have of us. We are a different person with our friends than with our parents. We are a different person with a lover than with our acquaintances, and we are different still when we are in the classroom or at a job interview. It is often easier to let someone else determine what we will be than to do it ourselves, especially when we see our value in terms of the acceptance we get from other people. We all see little pictures of ourselves projected by other people and we often tend to try to make ourselves into these little pictures by playing roles. We play at being college students out for a good time, at being macho men or nurturing women, at being sons or daughters, at being businesswomen, policemen, scientists. We play at being students taking notes, and professors giving lectures. We play the roles; we make ourselves into characters in the plays; we make ourselves into little pictures on our mental tv screen determined by the script written by the expectations of other people.

But all of this is self-deception. We are more than any of the pictures we find on our mental tv screen. We stand behind it, watching it, making of it what we will. It is impossible to abdicate our freedom. In choosing to identify ourselves with some externally determined object we are choosing none the less. We cannot escape our freedom.

One might well ask at this point, "What does this freedom consist of. Am I free to become George Bush right now? Am I free to become a woman (without some fairly extensive and unpleasant surgery)? Am I free to fly up to the ceiling and hover above your heads? Am I free to close my eyes right now and find myself in the Bahamas when I reopen them? Unfortunately,it appears not. How, then, can I be free when most of my external circumstances are determined by forces beyond my control, when I cannot help where I was born, what type of body I have, and what type of abilities my brain has predisposed me towards?"

The answer to these questions lies in the nature of our radical individuality. I am not identical with any of the externally determined images on my mental TV screen. I am forever beyond the reach of their determinations within the island of my subjectivity.[1] Even if I were a puppet, my body and its actions completely controlled by some malevolent master, what I am, my mind's eye would still be free and untouched. I could still be free to rebel against my master or make whatever I wished of the situation. They can do what they want to my body, manipulate the objects or pictures of me on my mental TV screen, but they can never touch or control the real me. The self within its island of subjectivity is radically free in virtue of its radical individuality.

Furthermore, I have control over the content of my TV screen as well. External circumstances may determine the objects that appear, how they appear, and when they appear, but I control how these various components will be put together into a coherent picture. Sartre compares the type of freedom we have to that of an artist (EHE, pp. 42-43). An artist cannot control the nature of the canvas, nor of the paints that she has to work with. Nor can she control the nature of the subjects she will paint. But she can control how she will view them, how she will put these various elements together into a unique whole. Likewise, we may not be able to control the various elements within our experience that come from outside us, but we can view them and combine them in any way we like. Our experience is not any one of these; it is the way in which we combine these into a unified whole. We have the power to edit the frames which constitute our experience into the film that is to be our life. We all know the power of good editing, of the creative juxtaposition of determinate elements. It can transform experience; make the ugly beautiful and the ordinary, sublime.

Our freedom is, thus, a freedom of synthesis. It is the freedom to pull ourselves together into the type of coherent whole that we will ourselves to be. Even if the raw materials from which we construct ourselves are determined (just as the materials of the artist are determined), what we make of ourselves out of these materials is up to us alone (just as what the artist makes of her subject is up to her alone). We can not make the external world determine this even if we try. The sentence of freedom is the necessity of pulling ourselves together at each moment out of the myriad different influences imposing themselves upon us from the environment, our community,and from our own bodies. We are required to make ourselves, to pull ourselves together, and we can make of ourselves what we will.

The answer to our first question is, then, that we can be free because (1) Our absolute individuality isolates our real self from the determining influences of the outside world; we can always rebel against its influence; and (2) Even though the raw material that makes up our experience is determined by outside influences we are free to put these elements together into a unified whole; we must make ourselves anew at each moment, and what we shall make of ourselves is up to us. We now need to see what view of human happiness and of morality arise from this conception of human freedom. Both of these can be summed up by the single slogan BE AUTHENTIC. The secret of human flourishing and of moral action lies in avoiding bad faith and honoring the responsibility we have to create our own nature and values. The Existentialist enjoins us to be ourselves and make the source of our nature and values our own internal decisions rather than the pictures of ourselves that appear in our minds from external sources. Let us now see what view of human happiness this implies.



III. The Existentialist View of Human Happiness.



Existentialism is often associated with such themes as the absurdity of human existence and the worthlessness of our lives given our inevitable death. One might well wonder what view of happiness could arise from such a view. Sartre characterizes the human condition by (1) our forlorness at the loss of external values and determinants of our nature; (2) anguish at the resultant responsibility to create human nature ourselves; and (3) despair of finding value outside of ourselves and reliance upon what is under our own control. Forlorness, anguish, and despair: Mr. Sartre, it would seem, was not a happy camper. For another 20th century French existentialist philosopher Albert Camus, however, the loss of any external source of value did not present quite such a dismal prospect.[2]

Camus compares our situation to that of the mythical figure Sisyphus. In his essay "The Myth of Sisyphus" he explains that:



The Gods had condemned Sisyphus to ceaselessly rolling a rock to the top of a mountain, whence the stone would fall back of its own weight. They had thought with some reason that there is no more dreadful punishment than futile and hopeless labor. (MS, p. 88)



It is easy to see the similarity between this situation and ours according to the Existentialist. Just as Sisyphus can find no end to his activities, no final resting place where he has finally reached his goal or lived up to some set of pre-existing standards, so we find that all of our activities lead to nowhere. There are no external values that we can live up to, no external viewpoint from which our life can be viewed to be valuable. Our life is a series of meaningless actions culminating in death, with no possibility of external justification. Yet, Camus will say that we must imagine Sisyphus (and ourselves) happy? "One must imagine Sisyphus happy." (MS, p. 91) Why? Why would this fool be happy eternally rolling a ball up a hill, and why should we be happy rolling our ball up the hill to nowhere?

At first, when one was still expecting to get ones value from outside of oneself, all this might seem depressing. Camus says:



When images of the earth cling to tightly to memory, when the call of happiness becomes to insistent, it happens that melancholy rises in man's heart:this is the rock's victory this is the rock itself. The boundless grief is to heavy to bear. These are our nights in Gethsemane. But crushing truths perish from being acknowledged.

..............................................

Sisyphus, proletarian of the gods, powerless and rebellious, knows the whole extent of his wretched condition: it is what he thinks of during his descent. The lucidity that was to constitute his torture at the same time crowns his victory.There is no fate that cannot be surmounted by scorn.

(MS, p. 90)



As we saw before, no matter what his external circumstances, Sisyphus is always free to make of them what he will, to rebel against them within his island of subjectivity. No matter what the Gods make him do, he is always free to give the Gods one of these [defiant gesture].

I remember when I first read this (as a senior in high school) thinking that this was sort of a stupid response to the absurdity of the human condition. What sense does it make to give one of these [defiant gesture] to a non-existent God whose absence is the source of the absurdity of our lives. What are we rebelling against? There must be more to the existentialist conception of happiness than this, I thought.

And there was. The despair and rebellion we feel at the loss of our external sources of value are the necessary price of a greater value and happiness that comes from within. One must lose all hope of external value before seeking value within. The theme that true happiness must come from within is one that is familiar to all of us, and it is the key to understanding the existentialist conception of happiness.

Two contemporary folk tails embody this existentialist theme well: The Wizard of Oz and How the Grinch Stole Christmas. This common theme probably does not show that these are existentialist works, but only that the American emphasis on self-reliance and internalism flows from the same individualist emphasis as Existentialism. In the Wizard of Oz there is an external realm, somewhere over the rainbow, where everything is as it should be and all problems are solved. There is a wizard who will give us brains, a heart, courage, and happiness. When Dorothy got there and discovered that Oz was full of the same type of evil as Kansas, when they discovered that the Wizard was a hoax, that there was nothing outside of them that was going to make them what they wanted to be, they were understandably depressed. But this disappointment was the necessary price of an important lesson: that the only place they could get a brain, or a heart, or courage was from within. Dorothy learns that if she ever loses anything that cannot be found within her own back yard, it wasn't really lost at all. There is no place like Home. (Especially if you are an island of subjectivity, for then there is no place but home.) The value one gets from within is infinitely better than the value one vainly attempts to get from outside.

The story of the Grinch shows why this is so. At first when the Who's in Whoville woke up to find that the Grinch had stolen their Bamboozlers and Dingdangers, they were at first very disappointed. They thought that the value of Christmas was in these external things. What they discovered, and what the grinch discovered looking out over Whoville listening for sounds of grief and hearing, instead, the sounds of joy, was that their real value came from within and was greater than any value that could come from external things since it couldn't be taken away.

A common theme in existentialist literature is the transformation that can occur in one's outlook on life when one is forced to face death. One of the founders of Existentialism, the 19th century Russian novelist Fyodor Dostoevsky, actually had such a brush with death transform his life. He was involved in some activities that ran afoul of the Czar and was among the people rounded up in one of the Czar's crackdowns. He was told that he would be executed. He was blindfolded and made to wait his turn to face death. At the last minute, as Dostoevsky prepared to meet death, he got a reprieve. It turned out that he was to be sent to a labor camp instead and that this had merely been a cruel joke. One might imagine that if one could face one's death, face the impossibility of getting any value from any external accomplishments, and still find value within oneself, that value would be invulnerable. It could never be taken away. What else could they do to you?

If, after all sources of external value have been taken away, you can find value within yourself, you would have found what philosophers have been looking for throughout the ages: a way of achieving human happiness that is not vulnerable to the uncontrollable contingencies of the natural world. If we find ourselves isolated from external value by our radical individuality, we can make a world of ourselves, a universe of our own experience, in which we can and must find ourselves happy. Camus writes of Sisyphus:



The absurd man says yes and his effort will henceforth be unceasing. ... he knows himself to be the master of his days. At that subtle moment when man glances backward over his life, Sisyphus returning toward his rock, in that slight pivoting he contemplates that series of unrelated actions which becomes his fate, created by him, combined under his memory's eye and soon sealed by his death.

............................................

But Sisyphus teaches a higher fidelity that negates the gods and raises rocks. He too concludes that all is well. This universe henceforth without a master seems to him neither sterile nor futile. Each atom of that stone, each mineral flake of that night-filled mountain, in itself forms a world. The struggle itself toward the heights is enough to fill a man's heart. One must imagine Sisyphus happy. (MS, p.91)



The Existentialist's secret of happiness, then, is to get ones value from within oneself. In doing so, one loses the promise of external value, but they find a more real happiness, one that cannot be taken away by the external forces beyond their control.



IV. The Ethics of Absolute Freedom.



This conception of happiness, however, raises our third question: How ought we act towards other people? If the source of our value and nature is wholly internal, what obligations can I have to other humans? Can I freely and authentically choose to kill my mother, as Orestes does? Can I choose to be a murderer, a thief, or an exploiter of humanity? Is it true, as some Existentialist were fond of pointing out, that if God is dead then all things are allowable? I'm sure that you will want to discuss this issue, as it arises in The Flies, in your seminars, but I would like to briefly present you with what I take to be Sartre's three-fold response to this question in Existentialism and Human Emotions.

(1) First, in choosing our own human nature, according to Sartre, we choose human nature for all humans. Hence, we must choose courses of action that we would wish all humans to take. In choosing for ourselves, we choose for all men. This must be the case because, in order to act freely, I cannot allow myself to be affected by my peculiar circumstances, desires, or goals. This would be to act in bad faith, to try to identify myself with my desires, or my plans, or my circumstances, and these are all merely pictures on my mental TV screen. When I act freely, the only things that can affect my action must be things that I share with all free agents. Thus, I must choose in the same way I would want others to choose. To say that one must act authentically is to say that one must act in a way that ignores the differences between oneself and other people. After all, these differences are merely external and do not affect our identity as free agents, within our islands of subjectivity. To be free, then, I must follow the golden rule and act only as I would have others act.

(2) Sartre also argues that in order to be free, we must desire the freedom of all men. It is self-defeating to attempt to use other humans as objects to satisfy our desires, or to protect our freedom at the cost of enslaving others. If I attempt to enslave others or use them as objects, I make myself a slave and an object. The person who attempts to dominate other people finds himself a slave to his dependence on the attention and approval of the people he tries to enslave. Think of the tough guy leader of a clique of teenagers. He defines himself in terms of the expectations of his peers to keep their approval and admiration. He makes himself into a character controlled by the very slaves of whom he takes himself to be the master. The person who uses other people as objects to satisfy his desires makes himself an object. He can see other people only through his desires, and ultimately sees himself only as his desire. The manipulator, who attempts to buy and sell other people for his own ends, finds that he has sold his own soul as well by seeing himself merely as his desires. To see others as slaves of our desire is to make ourselves a slave of desire. To be free, we must desire the freedom of all men.

(3) Third, the free decisions that we make are not merely arbitrary. As we saw earlier, freedom does not mean just being able to do anything. The artist is free to create; she does not follow any explicit rules. Yet her action is constrained by the requirement that her creation must be coherent. In order to be her creation, she must pull the various disparate elements that go into the painting into one unified whole. Her freedom is a freedom of synthesis constrained by the material she has to work with and the requirement that she make some one unified thing out of it. In the same way, our actions must unify the many different influences on our lives into the one life that is to be ours. In pulling ourselves together, we cannot ignore the relationships and obligations that provide the raw materials of our lives. We must weave them into our lives, although how we will do this is up to us. Our actions, though free, are constrained by our situation in a community. Orestes, as you shall see in The Flies, is not free to ignore his family, his country, and his mother's crime. Why does he not just leave, as Zeus suggests?

The ethics of absolute freedom, it would seem, are not absolutely free. To be free we must take on the responsibility of choosing for all men, we must desire and work for the freedom of all men, and we must create ourselves within the context of the relationships and obligations we have to other people.

Is the ethic of absolute freedom a portrait of human greatness? Human excellence often defines itself in the struggle against the forces that oppose human flourishing. Existentialism attempts to find happiness, value, and meaning in a modern world characterized by isolation, inauthenticity, and absurdity. It attempts to see what human excellence can consist of if we find ourselves to be islands of subjectivity in an otherwise objective world. You will certainly want to ask if this is in fact what we find ourselves to be, but can it be doubted that the Existentialist attempt to find meaning in the face of absurdity exemplifies the basic drive that all portraits of human excellence must embody.



References







(MS) Camus, Albert. The Myth of Sisyphus and Other Essays (trans. by Justin O'Brien). New York: Vintage, 1955.



(EHE) Sartre, Jean-Paul. Existentialism and Human Emotions (Trans. by Bernard Frechtman). New York: Philosophical Library, 1957.













--------------------------------------------------------------------------------

[1] Think of how Zeus is powerless against Orestes, once he recognizes his freedom.





[2] Sartre, himself, is not a pessimistic as the above passage makes him sound.

أبو يحى
06-03-2005, 04:29 PM
http://www.anselm.edu/homepage/dbanach/sartrelecture.htm[/IMG] ل
http://www.anselm.edu/homepage/dbanach/sartrelecture.htm

رابط الكورس :

http://psychology.unn.ac.uk/mark/PY044/Lecture8/sld003.htm


وشكرا ُ لأصدقائي الذين يتابعون مواضيع هذا القسم
وأستفدت من أقتراحاتهم