PDA

View Full Version : قراءة في"جبل التوبة" .. للطالب سلمان بن فهد العودة !


غير شكل
24-12-2004, 07:19 PM
أخي القارئ العزيز ، سأصحبك في سياحة ممتعة -إن شاء الله- عبر رفوف مكتبتي المتواضعة .. سياحة فكرية وروحية نقوم فيها بمسح شامل لبعض ما تحتويه المكتبة الإسلامية المعاصرة : فكراً ، شعراً ، مسرحاً ، قصصا ً .

والآن مع أولى خطوات هذه الرحلة المباركة .. ومع قصة "جبل التوبة " .


***
المؤلف : داود سلمان العبيدي ..

القصة تتكون من ثمانية فصول : الراهب – جريمة في الصومعة – الباب الضيق – بداية الطريق – يقظة القلب – قوم يعبدون الله – في طريق العودة – ثم هطلت الأمطار .

تتركز فكرة القصة حول رواية قديمة ..

قصة رجل قضى حياته في المنحدر في الأوحال ، مجرماً سفّاكاً قتل تسعة وتسعين نفساً ، ثم انتفضت فطرته من تحت ركام الخطيئة .. حيث اندفع إلى صومعة راهب يسأله :

إني قتلت تسعة وتسعين نفساً ؟، فهل لي من توبة ؟، فيستفضع الراهب هذا الكلام ، ويغلق في وجهه باب التوبة ، فما كان من الرجل إلا أن أطبق يديه الفولاذيتين على عنق الراهب حتى انتهت حياته فأكمل به المائة ، ومن جديد تصاعد نداء الفطرة المخنوق في صدر المجرم يهتف به: تب إلى الله ، فتوجه إلى راهب آخر وسأله ذات السؤال : إني قتلت مائة نفس ، فهل لي من توبة ؟!

فيقول له: نعم ، ومن يحول بينك وبين رحمة الله ؟ ثم يأمره أن ينطلق إلى قرية أخرى غير قريته التي عاش فيها، ومضى يشتد صوب القرية، وأمام عينيه أبواب الأمل العريضة وفي الطريق. وعلى أثر الجوع الذي ينهش جسده ...وعلى أثر العطش .. والتعب المنهك ..

سقط .. شعر بالإعياء والعجز عن مواصلة الطريق .. ووضع رأسه على الأرض وراح يبكي .. و أحس كأن نفسه تغيب ثم تعود .. أهذي هي سكرات الموت ؟؟ وكان يغمض عينيه ويفتحهما .. وينأى بصدره نحو القرية، وخُيِّل إليه أنه يسمع الحوار بين الطرفين :

- إنه جاء تائباً .. إلى الله ..

- لكنه لم يعمل خيراً قط !

وكان طرف ثالث يقول :

- قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أدنى فهو لها ..!

وحاول أن يدفع نفسه ، وأحس أنه تحرك فعلا ..لقد استطاع أن ينأى بصدره نحو القرية التي أراد فكان إليها أقرب.

وكانت الغيوم قد سدّت آفاق السماء ، وطوقت فمَ الرجل ابتسامةٌ راضية، وصعدت روحه واختفى الرعاة ، ثم هطلت الأمطار .


( 2 )
مما لا شك فيه أن المؤلف أدى القصة بحبكة فنية بارعة وأسبغ على الأحداث والأشياء من خياله المجنح روحاً فياضة متحركة وسبك أحداث القصة بحيث تبدو -لأول وهلة- مترابطة متسلسلة يأخذ بعضها برقاب بعض .

ومما لا شك فيه أن أفكاراً إسلامية أصيلة قيمة تتجاوب بها جنبات القصة؛ فهناك رحمة الله التي وسعت كل شيء ..ورحمة الله قريبة من المحسنين التائبين، وهناك حجة الله على الناس .. "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى شهدنا .."هناك الإيمان المركوز في الفطرة ،والذي يترنح ويهتز تحت وطأة الضلال، وهناك الطُّهر والنقاء في رحاب الملك القدوس .. حيث الفيء الوريف، والظل الظليل، والسكينة المؤمنة، والروح والريحان في ظل الإيمان والطاعة. وهناك .. وهناك ..

وهذه كلها -ولا شك- حقائق أساسية في التصور الإسلامي تزخر بمفاهيمها آيات الكتاب الكريم .

بيد أن من ضروريات أي عمل فني .. التكامل بين جميع جوانبه ونواحيه .

ولي على هذا الجانب من القصة بعض الملاحظات :

فأولا : في أكثر من موضع يحس القارئ بأن المؤلف لا يستشف نفسية الشخصية التي يسرد الأحداث حولها ، ولا يعطي صورة معقولة ورزينة لأحاسيسه التي تنفعل في داخله .

هكذا أحس وأنا أعبر الأحداث التالية :

" وأراد أن يعيد الثقة إلى نفسه .. أن يذكر نفسه بمواقفة البطولية ..
بجرأته الفائقة، ولكنه تخيل كأن المكان قد امتلأ بالرهبان ،والراهب الشهيد محمول على خشبة فوق رؤوسهم كانوا يتجهون إليه .. كانت مسيرة صامتة .."

" وغطى وجهه بكفيه الضخمتين، ثم ضرب رأسه بقوة، وقد ضاق بهذا الشعور وشعر بالضعف .. "

" لا شك أنه يتصرف بجنون الليلة الماضية، كان عليه أن يطرق الباب بكل لطف وإذا خرج ربُُّ البيت قابــلـه بابتسامة هادئة ثم رجاه بقوله :
- إنني رجل غريب ليس لي مأوى. هل تسمح لي بالمبيت هذه الليلة ؟ "

ويمضي تصوير المؤلف للمشاعر على هذا النمط في ثنايا القصة .

وثمة نقطة ضعف أخرى ، وهي كثرة الصُّدف كثرة مملة ، حيث تقابلك في كل فصل من فصول القصة صدفة أو أكثر .

وهذا السرد قد يرتاح معه القارئ شعوراً بأسطورية القصة وبعدها عن الواقع ولكنَّ قيمتها التأثيرية تتضاءل لديه .

والملاحظة الثالثة في القصة هي الأسلوب التقريري المباشر الذي يلجأ إليه الكاتب في كثير من المواقف .وهذا السرد قد يرتاح معه القارئ العادي، ولكنه لا يخدم القصة؛ لكونها من ألوان الأدب المعاصر ، والذي نال حظه من الرقي، وأصبح فناً يقوم على قواعد و أسس منهجية .

وكثير من القصص المعاصر يعتمد على ملء الساحة بالأضواء المختلفة، وتصوير الجوانب المتعددة، والوقوف طويلا أمام المشاعر النفسية والحوادث الجانبية الجذابة.

وأخيراً : فإن تطويل الحوار قد يسيء إلى القصة، ويجعلها رتيبة أكثر، ويفقدها الحركة وقوة الجذب. والقصة -بعد ذلك كله- تستحق الاهتمام والنظر من قبل أهل الأدب الإسلامي المتخصصين فيه، فهي نتاج جهد جهيد .. وجزى الله مؤلفنا عن القراء خيراً .

والحمد لله رب العالمين .

الطالب / سلمان بن فهد العودة 27/7/1423
14/10/2001

http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?id=177&catid=33&artid=80