USAMA LADEN
07-11-2004, 04:40 PM
الأصولية'الإنجيلية' وأثرها في فوز بوش / نجاح شوشة
'لقد سمعت الرب يقول لي إن انتخابات نوفمبر 2004 ستكون حافلةً بالمفاجآت ! وأن جورج بوش سيربحها بسهولة، بغض النظر عما يفعله، خبيثًا كان أم طيبًا ، فالرب يؤيده لأنه رجل تقي، والرب يباركه'!!.
بهذه الكلمات نادى القس الإنجيلي الشهير بات روبتسون في وقت سابق من هذا العام على رؤوس الأشهاد في برنامجه التليفزيوني [نادي السبعمائة] ليزف إلى ملايين الإنجيليين الأمريكيين كلمات يُعتقد أنه سمعها من الشيطان!.
وليس لأحد أن يدعي أن البعد الديني وحده هو الذي حسم المعركة الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن ثقل ونفوذ التكتلات الدينية الرئيسية لعب دورًا هامًا بلا شك في نتائج الانتخابات وحسمها لصالح الأصولي الإنجيلي 'جورج بوش'.
الأمريكيون يفضلونهم متدينين !
يشكل النصارى 80% من سكان الولايات المتحدة، وتنقسم هذه النسبة إلى مئات الطوائف الرئيسية والفرعية، وتمثل الطائفة الإنجيلية بمختلف فرقها الأغلبية، أما الكاثوليك فلا تزيد نسبتهم عن 15% من السكان، كما توجد جاليات إسلامية ويهودية وسيخية وهنودسية.
يقول 'كلايد ولكوكس' أستاذ الدراسات الحكومية بجامعة جورجتاون في واشنطن إن الولايات المتحدة أمة في غاية التدين، إذا ما قورنت بأوروبا، ونصف الأميركيين تقريبا يرتادون أماكن العبادة بانتظام ويشكل دوري أسبوعي .
ويرى الباحثون أن الأمريكيين يريدون زعماءهم متدينين بشكل عام، ويفضلون القائد الذي يستطيع أن يقدم لهم نفسه كرئيس مخلص في إيمانه.
وللكنائس دور بارز في الحملات الانتخابية، وعلى الرغم من أنه لا يسمح لها صراحة– كمنظمات خيرية معفاة من دفع الضرائب- أن تؤيد مرشحا بعينه، إلا أنها تستطيع القيام بحملات لتسجيل الناخبين، وأن تحض أتباعها على تأييد أحد المرشحين بشكل غير صريح.
وينص الدستور الأمريكي على [ الفصل بين الدين والدولة] إلا أن المحافظين الجدد خرقوا هذه العبارة على النحو الذي فعله بوش في مبادرته 'الإيمانية' التي أطلقها في بداية ولايته وأكد فيها على أن هذه العبارة في الدستور ينبغي ألا تكون حاجزا دون تفعيل دور الجمعيات الدينية، وقد بدا واضحًا –من الناحية التطبيقية- أن أجندته اليمينة تجاوزت علمانية الدستور على الصعيدين الداخلي والخارجي.
لماذا ساندت الكنيسة 'بوش' في حملته الانتخابية ؟؟
يعد الرئيس 'جورج بوش'-البروتستانتي الميثودي- أكثر الرؤساء الأمريكيين تطرفًا من الناحية الدينية، وبشكل جديد على المجتمع الأمريكي خلط 'بوش' بشكل سافر بين الدين والسياسة الخارجية والداخلية لبلاده .
وأظهرت كلمات بوش المنتقاة بدقة روحه التطرفية الاستعلائية فيما يتعلق بسياسته الخارجية ومن أشهرها:' أمريكا الأمة المباركة'، والحرب بين 'الخير والشر' في أعقاب هجمات سبتمبر، ووسمه للحرب على أفغانستان بـ'حرب صليبية'، وقوله قبيل العدوان على العراق 'فليبارك الرب أمريكا'.. بالإضافة إلى صوره الكثيرة وهو يصلي [خاشعا] ومن خلفه الصليب.. يعد نهجًا جديدًا من بين حكام أمريكا.
ومما رفع أسهم بوش [داخليًا] محاولة حل المشكلات الاجتماعية بحلول دينية ، ومن ذلك موقفه من الإجهاض، ومعارضة [زواج الشواذ والسحاقيات] .
ومنذ بدء حملته الانتخابية أشار بوش إلى أنه يعتبر [يسوع] الفيلسوف السياسي المفضل لديه، كما أعلن أثناء حملته الانتخابية أنه يبدأ يومه عادةً بقراءة [الكتاب المقدس].
والأدهى من كل ذلك إظهاره الإعجاب بكتاب للقس شامبرز -المتوفى عام 1917- [يعظ] الجنود البريطانيين والأستراليين حتى يواصلوا الزحف نحو مدينة القدس لتحريرها من المسلمين في الحملات الصليبية. ويعتبر بوش نفسه أحد القادة [الملهمين] في تاريخ أمريكا !!، إنه يعتبر أن اعتلائه سدة الحكم في أمريكا في فترة أحداث الحادي عشر من سبتمبر أمر اختاره الله لعلمه أن بوش سيقود [الحروب المقدسة].
كما يلاحظ استخدام بوش كلمة [الحرية] في خطاباته كبديل عن [الديمقراطية] لا سيما بشأن العراق، وذلك لأن كلمة [الحرية] لها مدلولها عند المنصرين الذين يعتقدون أن التدخل العسكري في العراق سيفتح آفاقًا جديدة لنشر النصرانية هناك، وهؤلاء يقصدون بـ [الحرية] الرجوع لعقيدة الكنيسة أو [الولادة من جديد] أو [Born again] .
كل هذا وغيره يفسر لنا إسراع الكنائس لبذل ما بوسعها لإنجاح 'بوش' في حملته الانتخابية.
نموذج من الدبلوماسية الدينية لجورج بوش
حاول بوش قبيل العدوان على العراق في مارس 2003 استمالة الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى جانب الولايات المتحدة في غزو العراق ، وكان حديثة إلى شيراك أشبه بحديث أحد قساوسة في الكنيسة؛ حيث قال إن عملية [تحرير العراق] هي [إرادة الرب]، وإن يأجوج ومأجوج سيخرجون من إحدى ضواحي بغداد التي تعد أحد أضلاع 'محور الشر'!!.
ولنا أن نتخيل مشهد شيراك الذي ظل مطرقًا لا يدري كيف يرد على هذا الكلام غير المتوقع حتى هداه تفكيره إلى استدعاء أحد المستشارين الدينيين حتى [يفك] تلك الطلاسم التي ألقاها إليه بوش.
وتوصل ذلك المستشار إلى أن بوش كان يقصد أن يأجوج ومأجوج سيخرجون في نهاية الزمان من بابليون -إحدى ضواحي بغداد أعاد بناءها صدام حسين - إلى [إسرائيل] .
علمانية كيري ..وإخفاقه في احتواء الكنيسة
لئن كان بوش حاز قصب السبق في إرضاء الكنيسة والمنصرين؛ فإن المرشح الديموقراطي 'جون كيري' الكاثوليكي المذهب أخفق في ذلك بشدة، علاوةً على أنه لم يعرف من بين حكام أمريكا من كان كاثوليكا سوى 'جون كينيدي' الذي اغتيل في فترة ترأسه الولايات المتحدة.
إلا أن 'كيري' لم يفتأ يفتخر في أكثر من مناسبة بأصوله اليهودية، وأن أجداده تحولوا إلى المذهب الكاثوليكي فرارا من الاضطهاد في أوروبا، كما أن أخاه 'كاميرون' قد تحول إلى اليهودية قبل فترة.
ودائما ما كان كيري حريصا على حضور تعميد الأطفال في الكنيسة، كما كان منتظما في أداء شعائره الدينية.
ويؤكد'كيري' في كل محفل على أنه يؤمن بمبدأ [ فصل الدين عن الدولة]، بيد أنه اضطر أن يظهر اهتمامًا بالدين إزاء تأثير 'بوش' على المتدينين الأمريكيين، فأنشأ قسما خاصًا للدين بموقعه على الشبكة العالمية، وحاول بشكل غير مباشر أن يلمز بوش في إيمانه، قائلا إنه سيحاول المضي قدمًا في [خطوات الرب] فعلا وليس قولا فحسب، وأضاف معلقًا على البرامج والخدمات الدينية التي أنشأها بوش أنه سيبقي عليها ولكن سيديرها بشكل مختلف.
لم يقدم 'كيري' نفسه أبدا على أنه 'سياسي متدين' كما فعل بوش الذي قال ذات مرة إنه يشعر أنه قس من كثرة مخالطته للقساوسة، بل إن 'كيري' قدم نفسه كرجل سياسي علماني.. وقد أثر كونه كاثوليكًيا بالسلب عليه في الانتخابات، لا سيما وأن الكنيسة الكاثوليكية ذاتها لم تؤيده كما ينبغي، بل نظرت إليه بعين الريبة بسبب موقفه الداعم للإجهاض وما يعرف بحقوق [الشواذ].
الإنجيليون ومدى تأثيرهم:
الأصولية الإنجيلية هي مذهب غالبية الأمريكيين، ولمؤسساتها وكنائسها حضور قوي وفعال وتسيطر بشكل مباشر على مئات القنوات التليفزيونية، وآلاف المحطات الإذاعية.
ويعتقد جورج بوش أنه مرشح عن [الإله] في عيون ملايين الإنجيليين الأمريكيين ، الذين استطاع أن يكسب تأييد ثلاثة أرباعهم في الانتخابات السابقة ، وتسانده في ذلك الزعامات الإنجيلية، والقس الإنجيلي بات روبتسون لا يفتأ يكرر أنه 'لن يكون هناك سلام عالمي قبل أن يؤدي بيت الله، وشعب الله دورهم القيادي على رأس العالم أجمع'، ثم يضع الحل أمام الناخبين بقوله 'نعم قد بارك الرب بوش لأنه رجل صلاة وإيمان'.
والمعروف أن بات روبرتسون صديق مقرب من بوش وهو أحد أشهر القساوسة البروتستانت حيث يمتلك محطة تلفازية تغطي أكثر من 60 دولة. والراعي السابق للقناة الإنجيلية 'قناة الأسرة'، وهو أول من أنشأ [الكنيسة المرئية] التي تغني النصارى عن الذهاب للكنائس.
وقبل عدة أشهر استلم 'بوش' جائزة جون ويزلي' من مجموعة ميثودي المتحدة وهي عبارة عن وسام ديني، ليصبح بوش بعد استلامه للجائزة العضو رقم 426 ضمن أعضاء مجموعة جون ويزلي.
وقد سافر رئيس المجموعة 'جلبرت هانك' إلى تكساس لإعطاء الوسام إلى بوش، وأخبره عن تقدير المجموعة له على جهوده بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولخطاباته الإيمانية للأمة ودعوته إلى الصلاة بعد الهجمات الإرهابية، وبعد إعلان الحرب على 'الإرهاب' باسم الصليب.
ونقل هانك لبوش كلمات القس جو هاريس عن الوسام:' إن وسام جون ويزلي يمنح لرجال الدين ولغيرهم من الرجال والنساء الذين يدركون أن إيمانهم بالمسيح يجب أن يكون سمة لحياتهم اليومية'.
أصوات الكاثوليك :
معلوم أن الكنيسة الكاثوليكية الأمريكية لم تدعم السيناتور 'جون كيري' على الرغم من كونه كاثوليكيًا ، كما أنها لا ترفض ' بوش' .. وذلك بسبب موقف 'كيري' الداعم للإجهاض الذي يتم بشكل قانوني، وموافقته على برامج التأمين والرعاية الصحية التي تقدم خدمات الإجهاض.
وعندما أخفق 'كيري' في استيعاب الصوت الكاثوليكي وقف 'بوش' موقفا معارضا من الإجهاض، وعارض منح المساعدات المالية لأي جهة تدعم الإجهاض، كما أيد إجراء تغيير دستوري لحماية 'حقوق الأجنة'، وكأنه يطبق تعليمات البابا بحرفية، ثم زار البابا قبل شهرين ، وهذا ما رفع أسهمه لدى الكاثوليك.
ويعد موقف بوش موافقا لنداءات الفاتيكان بتحريم الإجهاض والتحذير من تحديد النسل في العالم الغربي، والدعوة إلى ما يسمى بـ'ثقافة الحياة' والتي تهدف إلى الزيادة العددية المسيحية.
من ربح الصوت اليهودي ؟
وإذا ما تطرق بنا الحديث إلى اليهود في أمريكا نلاحظ أن بوش كان له اهتمام خاص بهم؛ فقد تعهد قبل نحو ثلاثة أسابيع: 'لن أدع لأعداء اليهود موطئ قدم في العالم' وذلك عندما دعا إلى اعتبار [معاداة السامية] جريمة تدرج ضمن بنود المنظمات الحقوقية وتدخل ضمن التقارير السنوية الخاصة بانتهاك الحريات الدينية، بحيث توضح تلك التقارير موقف كل دولة من دول العالم من معاملة اليهود.
وقد اتسم الصوت اليهودي بالانقسام إزاء تلك الانتخابات ؛ ويرجع بعض الباحثين السبب في هذا إلى توجس اليهود من سياسات 'بوش' [الداخلية] المحافظة والتي تهدف إلى إقامة مجتمع يسير وفق [ الكتاب المقدس] بالفهم الأصولي الحرفي، والذي أنتج مواقفه الرافضة لزواج المثليين، ومنع الإجهاض.
وإذا كان 'بوش' قد قدم دعما غير محدود إلى الكيان الصهيوني في السنوات الأربع الماضية، فإن 'جون كيري' أبدى دعمًا مطلقًا ليهود الداخل والخارج، وأعلن أن سياسته في حال كونه رئيسا ستتجنب أي ضغط على 'إسرائيل'، واعتبر أنها تواجه نفس الخطر الذي تواجهه أمريكا وهو 'العمليات الإرهابية'.
كما تعهد بإنشاء قسم خاص في وزارة الخارجية لمواجهة العداء لليهود في العالم.. كل هذا فضلا عن افتخاره المتكرر بتراثه اليهودي، وباعتناق أخيه للديانة اليهودية.
وأخيرًا.. لا بد من التأكيد على أن تأثير الدين في الانتخابات الأمريكية لم يكن التأثير الوحيد، بل كانت هناك ثمة مؤثرات أخرى وضعت 'بوش' في سدة الحكم ليستأنف من جديد حروبه [المقدسة] .
'لقد سمعت الرب يقول لي إن انتخابات نوفمبر 2004 ستكون حافلةً بالمفاجآت ! وأن جورج بوش سيربحها بسهولة، بغض النظر عما يفعله، خبيثًا كان أم طيبًا ، فالرب يؤيده لأنه رجل تقي، والرب يباركه'!!.
بهذه الكلمات نادى القس الإنجيلي الشهير بات روبتسون في وقت سابق من هذا العام على رؤوس الأشهاد في برنامجه التليفزيوني [نادي السبعمائة] ليزف إلى ملايين الإنجيليين الأمريكيين كلمات يُعتقد أنه سمعها من الشيطان!.
وليس لأحد أن يدعي أن البعد الديني وحده هو الذي حسم المعركة الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن ثقل ونفوذ التكتلات الدينية الرئيسية لعب دورًا هامًا بلا شك في نتائج الانتخابات وحسمها لصالح الأصولي الإنجيلي 'جورج بوش'.
الأمريكيون يفضلونهم متدينين !
يشكل النصارى 80% من سكان الولايات المتحدة، وتنقسم هذه النسبة إلى مئات الطوائف الرئيسية والفرعية، وتمثل الطائفة الإنجيلية بمختلف فرقها الأغلبية، أما الكاثوليك فلا تزيد نسبتهم عن 15% من السكان، كما توجد جاليات إسلامية ويهودية وسيخية وهنودسية.
يقول 'كلايد ولكوكس' أستاذ الدراسات الحكومية بجامعة جورجتاون في واشنطن إن الولايات المتحدة أمة في غاية التدين، إذا ما قورنت بأوروبا، ونصف الأميركيين تقريبا يرتادون أماكن العبادة بانتظام ويشكل دوري أسبوعي .
ويرى الباحثون أن الأمريكيين يريدون زعماءهم متدينين بشكل عام، ويفضلون القائد الذي يستطيع أن يقدم لهم نفسه كرئيس مخلص في إيمانه.
وللكنائس دور بارز في الحملات الانتخابية، وعلى الرغم من أنه لا يسمح لها صراحة– كمنظمات خيرية معفاة من دفع الضرائب- أن تؤيد مرشحا بعينه، إلا أنها تستطيع القيام بحملات لتسجيل الناخبين، وأن تحض أتباعها على تأييد أحد المرشحين بشكل غير صريح.
وينص الدستور الأمريكي على [ الفصل بين الدين والدولة] إلا أن المحافظين الجدد خرقوا هذه العبارة على النحو الذي فعله بوش في مبادرته 'الإيمانية' التي أطلقها في بداية ولايته وأكد فيها على أن هذه العبارة في الدستور ينبغي ألا تكون حاجزا دون تفعيل دور الجمعيات الدينية، وقد بدا واضحًا –من الناحية التطبيقية- أن أجندته اليمينة تجاوزت علمانية الدستور على الصعيدين الداخلي والخارجي.
لماذا ساندت الكنيسة 'بوش' في حملته الانتخابية ؟؟
يعد الرئيس 'جورج بوش'-البروتستانتي الميثودي- أكثر الرؤساء الأمريكيين تطرفًا من الناحية الدينية، وبشكل جديد على المجتمع الأمريكي خلط 'بوش' بشكل سافر بين الدين والسياسة الخارجية والداخلية لبلاده .
وأظهرت كلمات بوش المنتقاة بدقة روحه التطرفية الاستعلائية فيما يتعلق بسياسته الخارجية ومن أشهرها:' أمريكا الأمة المباركة'، والحرب بين 'الخير والشر' في أعقاب هجمات سبتمبر، ووسمه للحرب على أفغانستان بـ'حرب صليبية'، وقوله قبيل العدوان على العراق 'فليبارك الرب أمريكا'.. بالإضافة إلى صوره الكثيرة وهو يصلي [خاشعا] ومن خلفه الصليب.. يعد نهجًا جديدًا من بين حكام أمريكا.
ومما رفع أسهم بوش [داخليًا] محاولة حل المشكلات الاجتماعية بحلول دينية ، ومن ذلك موقفه من الإجهاض، ومعارضة [زواج الشواذ والسحاقيات] .
ومنذ بدء حملته الانتخابية أشار بوش إلى أنه يعتبر [يسوع] الفيلسوف السياسي المفضل لديه، كما أعلن أثناء حملته الانتخابية أنه يبدأ يومه عادةً بقراءة [الكتاب المقدس].
والأدهى من كل ذلك إظهاره الإعجاب بكتاب للقس شامبرز -المتوفى عام 1917- [يعظ] الجنود البريطانيين والأستراليين حتى يواصلوا الزحف نحو مدينة القدس لتحريرها من المسلمين في الحملات الصليبية. ويعتبر بوش نفسه أحد القادة [الملهمين] في تاريخ أمريكا !!، إنه يعتبر أن اعتلائه سدة الحكم في أمريكا في فترة أحداث الحادي عشر من سبتمبر أمر اختاره الله لعلمه أن بوش سيقود [الحروب المقدسة].
كما يلاحظ استخدام بوش كلمة [الحرية] في خطاباته كبديل عن [الديمقراطية] لا سيما بشأن العراق، وذلك لأن كلمة [الحرية] لها مدلولها عند المنصرين الذين يعتقدون أن التدخل العسكري في العراق سيفتح آفاقًا جديدة لنشر النصرانية هناك، وهؤلاء يقصدون بـ [الحرية] الرجوع لعقيدة الكنيسة أو [الولادة من جديد] أو [Born again] .
كل هذا وغيره يفسر لنا إسراع الكنائس لبذل ما بوسعها لإنجاح 'بوش' في حملته الانتخابية.
نموذج من الدبلوماسية الدينية لجورج بوش
حاول بوش قبيل العدوان على العراق في مارس 2003 استمالة الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى جانب الولايات المتحدة في غزو العراق ، وكان حديثة إلى شيراك أشبه بحديث أحد قساوسة في الكنيسة؛ حيث قال إن عملية [تحرير العراق] هي [إرادة الرب]، وإن يأجوج ومأجوج سيخرجون من إحدى ضواحي بغداد التي تعد أحد أضلاع 'محور الشر'!!.
ولنا أن نتخيل مشهد شيراك الذي ظل مطرقًا لا يدري كيف يرد على هذا الكلام غير المتوقع حتى هداه تفكيره إلى استدعاء أحد المستشارين الدينيين حتى [يفك] تلك الطلاسم التي ألقاها إليه بوش.
وتوصل ذلك المستشار إلى أن بوش كان يقصد أن يأجوج ومأجوج سيخرجون في نهاية الزمان من بابليون -إحدى ضواحي بغداد أعاد بناءها صدام حسين - إلى [إسرائيل] .
علمانية كيري ..وإخفاقه في احتواء الكنيسة
لئن كان بوش حاز قصب السبق في إرضاء الكنيسة والمنصرين؛ فإن المرشح الديموقراطي 'جون كيري' الكاثوليكي المذهب أخفق في ذلك بشدة، علاوةً على أنه لم يعرف من بين حكام أمريكا من كان كاثوليكا سوى 'جون كينيدي' الذي اغتيل في فترة ترأسه الولايات المتحدة.
إلا أن 'كيري' لم يفتأ يفتخر في أكثر من مناسبة بأصوله اليهودية، وأن أجداده تحولوا إلى المذهب الكاثوليكي فرارا من الاضطهاد في أوروبا، كما أن أخاه 'كاميرون' قد تحول إلى اليهودية قبل فترة.
ودائما ما كان كيري حريصا على حضور تعميد الأطفال في الكنيسة، كما كان منتظما في أداء شعائره الدينية.
ويؤكد'كيري' في كل محفل على أنه يؤمن بمبدأ [ فصل الدين عن الدولة]، بيد أنه اضطر أن يظهر اهتمامًا بالدين إزاء تأثير 'بوش' على المتدينين الأمريكيين، فأنشأ قسما خاصًا للدين بموقعه على الشبكة العالمية، وحاول بشكل غير مباشر أن يلمز بوش في إيمانه، قائلا إنه سيحاول المضي قدمًا في [خطوات الرب] فعلا وليس قولا فحسب، وأضاف معلقًا على البرامج والخدمات الدينية التي أنشأها بوش أنه سيبقي عليها ولكن سيديرها بشكل مختلف.
لم يقدم 'كيري' نفسه أبدا على أنه 'سياسي متدين' كما فعل بوش الذي قال ذات مرة إنه يشعر أنه قس من كثرة مخالطته للقساوسة، بل إن 'كيري' قدم نفسه كرجل سياسي علماني.. وقد أثر كونه كاثوليكًيا بالسلب عليه في الانتخابات، لا سيما وأن الكنيسة الكاثوليكية ذاتها لم تؤيده كما ينبغي، بل نظرت إليه بعين الريبة بسبب موقفه الداعم للإجهاض وما يعرف بحقوق [الشواذ].
الإنجيليون ومدى تأثيرهم:
الأصولية الإنجيلية هي مذهب غالبية الأمريكيين، ولمؤسساتها وكنائسها حضور قوي وفعال وتسيطر بشكل مباشر على مئات القنوات التليفزيونية، وآلاف المحطات الإذاعية.
ويعتقد جورج بوش أنه مرشح عن [الإله] في عيون ملايين الإنجيليين الأمريكيين ، الذين استطاع أن يكسب تأييد ثلاثة أرباعهم في الانتخابات السابقة ، وتسانده في ذلك الزعامات الإنجيلية، والقس الإنجيلي بات روبتسون لا يفتأ يكرر أنه 'لن يكون هناك سلام عالمي قبل أن يؤدي بيت الله، وشعب الله دورهم القيادي على رأس العالم أجمع'، ثم يضع الحل أمام الناخبين بقوله 'نعم قد بارك الرب بوش لأنه رجل صلاة وإيمان'.
والمعروف أن بات روبرتسون صديق مقرب من بوش وهو أحد أشهر القساوسة البروتستانت حيث يمتلك محطة تلفازية تغطي أكثر من 60 دولة. والراعي السابق للقناة الإنجيلية 'قناة الأسرة'، وهو أول من أنشأ [الكنيسة المرئية] التي تغني النصارى عن الذهاب للكنائس.
وقبل عدة أشهر استلم 'بوش' جائزة جون ويزلي' من مجموعة ميثودي المتحدة وهي عبارة عن وسام ديني، ليصبح بوش بعد استلامه للجائزة العضو رقم 426 ضمن أعضاء مجموعة جون ويزلي.
وقد سافر رئيس المجموعة 'جلبرت هانك' إلى تكساس لإعطاء الوسام إلى بوش، وأخبره عن تقدير المجموعة له على جهوده بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولخطاباته الإيمانية للأمة ودعوته إلى الصلاة بعد الهجمات الإرهابية، وبعد إعلان الحرب على 'الإرهاب' باسم الصليب.
ونقل هانك لبوش كلمات القس جو هاريس عن الوسام:' إن وسام جون ويزلي يمنح لرجال الدين ولغيرهم من الرجال والنساء الذين يدركون أن إيمانهم بالمسيح يجب أن يكون سمة لحياتهم اليومية'.
أصوات الكاثوليك :
معلوم أن الكنيسة الكاثوليكية الأمريكية لم تدعم السيناتور 'جون كيري' على الرغم من كونه كاثوليكيًا ، كما أنها لا ترفض ' بوش' .. وذلك بسبب موقف 'كيري' الداعم للإجهاض الذي يتم بشكل قانوني، وموافقته على برامج التأمين والرعاية الصحية التي تقدم خدمات الإجهاض.
وعندما أخفق 'كيري' في استيعاب الصوت الكاثوليكي وقف 'بوش' موقفا معارضا من الإجهاض، وعارض منح المساعدات المالية لأي جهة تدعم الإجهاض، كما أيد إجراء تغيير دستوري لحماية 'حقوق الأجنة'، وكأنه يطبق تعليمات البابا بحرفية، ثم زار البابا قبل شهرين ، وهذا ما رفع أسهمه لدى الكاثوليك.
ويعد موقف بوش موافقا لنداءات الفاتيكان بتحريم الإجهاض والتحذير من تحديد النسل في العالم الغربي، والدعوة إلى ما يسمى بـ'ثقافة الحياة' والتي تهدف إلى الزيادة العددية المسيحية.
من ربح الصوت اليهودي ؟
وإذا ما تطرق بنا الحديث إلى اليهود في أمريكا نلاحظ أن بوش كان له اهتمام خاص بهم؛ فقد تعهد قبل نحو ثلاثة أسابيع: 'لن أدع لأعداء اليهود موطئ قدم في العالم' وذلك عندما دعا إلى اعتبار [معاداة السامية] جريمة تدرج ضمن بنود المنظمات الحقوقية وتدخل ضمن التقارير السنوية الخاصة بانتهاك الحريات الدينية، بحيث توضح تلك التقارير موقف كل دولة من دول العالم من معاملة اليهود.
وقد اتسم الصوت اليهودي بالانقسام إزاء تلك الانتخابات ؛ ويرجع بعض الباحثين السبب في هذا إلى توجس اليهود من سياسات 'بوش' [الداخلية] المحافظة والتي تهدف إلى إقامة مجتمع يسير وفق [ الكتاب المقدس] بالفهم الأصولي الحرفي، والذي أنتج مواقفه الرافضة لزواج المثليين، ومنع الإجهاض.
وإذا كان 'بوش' قد قدم دعما غير محدود إلى الكيان الصهيوني في السنوات الأربع الماضية، فإن 'جون كيري' أبدى دعمًا مطلقًا ليهود الداخل والخارج، وأعلن أن سياسته في حال كونه رئيسا ستتجنب أي ضغط على 'إسرائيل'، واعتبر أنها تواجه نفس الخطر الذي تواجهه أمريكا وهو 'العمليات الإرهابية'.
كما تعهد بإنشاء قسم خاص في وزارة الخارجية لمواجهة العداء لليهود في العالم.. كل هذا فضلا عن افتخاره المتكرر بتراثه اليهودي، وباعتناق أخيه للديانة اليهودية.
وأخيرًا.. لا بد من التأكيد على أن تأثير الدين في الانتخابات الأمريكية لم يكن التأثير الوحيد، بل كانت هناك ثمة مؤثرات أخرى وضعت 'بوش' في سدة الحكم ليستأنف من جديد حروبه [المقدسة] .