PDA

View Full Version : قصيدة مدادها....دمع العين ودم القلب


أندلسي
04-09-2004, 04:04 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الادب العربي يزخر بقصائد الحب والعشق....

ويزخر ايضا بقصائد الرثاء، حتى انها تنوعت رثاء الام ورثاء الابن ورثاء الاخ ...الخ

وهذه القصيدة التي تعتبر في (رأيي الشخصي) ، من عيون الشعر العربي

ومن اروع ماقيل في رثاء الزوجة على الاطلاق.....

انها ابيات تنطق بالحب والاخلاص والندم...واحاسيس صادقه من قلب مكلوم، بثها هذا الشاعر العاشق

فعاشت بعد وفاته دليلا على اخلاصه لمحبوبته

هذه القصيده لشاعر اسمه (ابن زريق البغدادي)..
وقصه هذه القصيدة انه ذهب ليطلب الرزق في الاندلس بسبب فقره، وكانت زوجته ومحبوبته قد تعلقت به، وطلبت منه عدم الرحيل، لكن الفاقه لم تترك لشاعرنا بد من السفر
فتركها وقلبه يتفطر لفراقها...

وفي اثناء عمله في الاندلس أتاه خبر وفاة زوجته...

فأنشد شاعرنا هذه القصيدة ،متحسرا ونادما لفراقها.

كل بيت من ابيات هذه القصيدة اتوقف عنده لحظات ولحظات...

لا تعذليه


لا تــعذليـــه فـــإن العـــذل يولــعــه .... قـد قلت حقـاً ، ولكـن ليس يسمعه

جــاوزت فــي لومـــه حــداً أضـر بـه .... مـــن حيــث قــدرتِ أن اللـوم ينفعــه

فاستعملي الرفق في تأنيـبه بــدلاً .... مــن عذله، فهو مضنى القلب موجعه

قـــد كان مضطلعاً بالخطـب يحملــه .... فــضيِّقــت بخطــــوب الدهـــر أضلعــه

يكفيه من لوعة التـشـتـيت أن لـــه .... مـــن النـــوى كـــلَّ يــوم مــا يـروّعــه

مــا آب مـــن سفــر ٍ إلا وأزعــجــه .... رأي إلـــى سفــر ٍ بالعـــزم يــزمـــعـه

كــــأنمـــا هـو في حل ٍ ومـرتحــل .... مـــوكّـــل بــــفــضـــاء الله يــــذرعـــه

إن الزمـــان أراه في الرحيل غنىً .... ولـــو إلــى السنـد أضحى وهو يزمعه

ومـــا مجـــاهـــدة الإنسان توصلـه .... رزقـــاً ولا دعــة الإنـــســان تـقــطعــه

قــد وزع الله بـيــن الخلق رزقهمو .... لــم يــخلــق اللهُ مــن خلـق ٍ يضيّعــه

لكنهم كلِفـوا حرصاً ، فلست ترى .... مسترزقــاً ، وســوى الـغـايـات تقنعه

والحرص في الرزق والأرزاق قد قُسمت..... بـغــي ، ألا إن بغـــي المرء يصرعه

والدهر يعطي الفتى من حيث يمنعه .... إرثـــاً ، ويـمنـعـــه من حيـث يطمعه

استـــودع الله فـــي بغــداد لي قمراً .... بالــكــرخ مــن فلك الأزرار مطلـعـه

ودعــتــه وبــودّي لـــو يـــودعــنـي .... صــفـــو الحــيـــاة وأنـــي لا أودعــه

وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحىً .... وأدمــعــي مــسـتـهـلات وأدمــعــه

لا أكــذب الله ، ثـــوب الصبر منخرقٌ .... عــنــي بفــرقـتــه ، لـكـن أرقّـعــه

إنـي أوســع عــذري فــي جنـايتـه .... بــالبـيـن عنـه ، وجرمي لا يوسعه

رُزقت ملكــاً فلــم أحسن سياسته .... وكــلُّ مـن لا يسوس المُلك يخلعه

ومـــن غــدا لابساً ثوب النعيــم بلا .... شـكر ٍ عليــه ، فــإن الله يــنــزعــه

اعتضتُ من وجه خلي بعد فـرقـتـه .... كـأســـاً أُجـــرّع مــنــهــا مـا أجرّعه

كم قائلٍ لي ذقت البين ، قلت له: .... الــذنــبُ ذنــبـــي لــسـت أدفــعــه

ألا أقــمــت فــكـان الرشد أجمعـه .... لــو أنـنـي يــوم بــان الـرشد أتبعـه

إنــي لأقطـــع أيــامــي وأنـفـدهـا .... بــحسـرةٍ مـنـه فـي قلبـي تُقطّعـه

بــمــن إذا هـــجــع النوّام بـتُ لـه .... بـلوعةٍ منـه ليلـي، لست أهـجـعـه

لا يطمئن لجنبي مضجعٌ ، وكـــذا .... لا يطمئـن لـــه مــذ بِـنـتُ مضـجعـه

ما كنت أحسب أن الدهر يفجعني .... بـــه ، ولا أن بــي الأيــام تفجـعــه

حتى جرى البين فـيـما بـيننا بيــدٍ .... عـــســراء ، تمنعني حظي وتمنعه

قد كنت من ريب دهري جازعاً فرِقاً .... فــلــم أوقَّ الــذي قـد كنت أجزعه

بالله يا منزل العيش الذي درست .... آثــاره ، وعفـــت مــذ بـنـتُ أربـعـــه

هـــل الــزمــان مُعيــد فيك لذتـنـا .... أم الليــالــي التـي أمضتــه تُـرجعـه

فـــي ذمـــة الله من أصبحت منزله .... وجـــاد غــيــث علـى مغناك يُمرعه

مـــن عنـــده لـــي عهــد لا يضيعه .... كــمـــا لـــه عهــد صدقٍ لا أضيّـعـه

ومــن يـصـدّع قــلبــي ذكــره ، وإذا .... جــرى علــى قلـبـه ذكري يصدّعه

لأصـبـرن لـــدهـــر ٍ لا يـمتـعـــنـــي .... بــه ، ولا بـــي فـــي حــال ٍ يمتعه

عـــلــمـــاً بأن اصطباري مُعقبٌ فرجاً.... فأضــيـــق الأمــر إن فكـرت أوسعه

عسى الليالي التي أضنت بفرقـتـنا .... جسمي ، ستجمعني يوما وتجمعه

وإن تـــغـــل أحـــداً مـــنـــا منـيـتــه .... فـــمــا الـــذي بـقضــاء الله يصنعـــه

وردة بلادي
04-09-2004, 12:27 PM
كم هى جميلة ومؤثرة هذة القصيدة

وبخاصة ان الشاعر يرثى محبوبتة(زوجتة)

استوقفنى هذا البيت

عسى الليالي التي أضنت بفرقـتـنا .... جسمي ، ستجمعني يوما وتجمعه



سلمت يمناك على هالاختيار الرائع

abdoul
08-09-2004, 09:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

عند قرائتى للقصيد علمت فورا بأنى سوف أعيد قرائتها

و اختلط عليا الأمر بين الرضا و الحسرة لحب صاف

بين تلك الأسطر جرح بالغ و احساس بالذنب و لنقول بعض التفريط و لو عشت تلك الأيام لكنت لأوم

الشاعر ( ألا ترضى بقضاء الله )

و من جانب آخر إن فراق المحب للحبيب لأمر عسير خاصة لطلب الرزق

مشاعر جياشة شكر أخور أندلسي و فقك الله و سلمت يمناك

abdoul
08-09-2004, 09:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

عند قرائتى للقصيد علمت فورا بأنى سوف أعيد قرائتها

و اختلط عليا الأمر بين الرضا و الحسرة لحب صاف

بين تلك الأسطر جرح بالغ و احساس بالذنب و لنقول بعض التفريط و لو عشت تلك الأيام لكنت لأوم

الشاعر ( ألا ترضى بقضاء الله )

و من جانب آخر إن فراق المحب للحبيب لأمر عسير خاصة لطلب الرزق

مشاعر جياشة شكر أخور أندلسي

و فقك الله و سلمت يمناك

أندلسي
09-09-2004, 03:22 AM
العفو أختي ميرانه

والبيت الذي استوقفك اكثر من رائع

أندلسي
09-09-2004, 03:24 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حياك الله اخوي abdoul :)

كلماتك تدل على شخص يحمل حس ادبي رائع، وذائقه مميزه...

بارك الله فيك وشكرا على مرورك....

أندلسي
20-10-2004, 11:53 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قرات في احد الايام مقال عن ابن زريق واحببت ان انشره لتعم الفائدة عن هذا الشاعر

لكني تذكرت انني كتبت قصيدة الرائعه واليتيمة بنفس الوقت

وهنا اعود لاسجل هذه الكلمات وهي منقولة:

وَقْفَةٌ مع يَتيْمة ابن زُريقْ...

(ابن زُريق) البغداديُّ: شاعرٌّ عباسيٌّ مجيد ولكنه من ذوي الإقلال والإمتاع في الميدان الشعريِّ؛ تعرفه خزانةُ الأدب وتتحدث عنه، وتتناقل أثرَه الشعريَّ أفواهُ الرواة وأقلامُ النقاد ولكنَّهم لا يظفرون منه إلا بقصيدته الفريدة اليتيمة..!!
قيل عنه بأنه صاحبُ الفقرِ المدِقع وبأنه صاحبُ الأدبِ الثَّريّ.. ولكنَّ ثروتَه الأدبيةَ لم تُغنِ عنه شيئاً من حاجةٍ أو بُغيةٍ تشتهيها نَفسُه أو تلذُّ بها حياتهُ وأيامُ عمره؛ فعاش يتقلَّبُ ويتوجَّعُ على فراشِ المسغبةِ والمتْربة.. وفي نفس الوقتِ على فراشِ الحبِّ الأثير لزوجته.. ذلك الحبُّ والوفاء اللذان دفعاه إلى الهجرة والحسرةِ والنزوح..!!
ومن أجل الحبِّ لزوجته نَزَحَ (ابنُ زريق) إلى رحاب الفردوسِ المفقود إلى (الامبراطورية) المزدهرة آنذاك دولة (الاندلس) فهام فيها وضَاعَ بين محاسِنها وخمائِلها وفتونِها.. وظلَّ يبحث هنالك ويهيم علَّ موارد العيش الرخيَّ التي أفسحت صدرها للمواردين أن توسعَ له من رفدها ورزقها وهنائِها بعد أن جرَّدته الأيامُ من لذةِ العيِشِ ونبذته مكاناً قصيّاً من الغربةِ والوحشةِ والاستقرار.. ولكنَّ سعيَه الحثيثَ والمريرَ لم يكفكفْ دموعَه ولم يأخذ بناصيته حيث يريدُ ويطمعُ ويطمح وإنما عَبَس الزّمنُ في وجهه وبَسَر، وظلَّ يصارع المحنَ والأيامَ ويكبو، ويعاود المسير على جنبات الأرض الزاهية التي أراد ان يبثَّها الحنينَ والشَّكوى، وأن يتلمسَ السعادةَ على ثراها لتلملمَ أطرافَه وتأسوَ ضناه وجراحَه.. ولكنها لا تلتفت إليه بل تشيحُ بوجهِها عن قِراه وبغيتِه.. وظلَّ يعاني في مهجره ذلك الصدودَ القاتلَ ويتجرع أحزان ذلك الحبيبِ النائي عنه في سبيل حبه حيث خلّفه في بغداد بكيّاً مولع القلب، شديد الجوى..
وضاقت الدنيا أمام مطامح (ابن زريق) ويئِسَ من دُنوِّها.. وتذكر زوجتهَ وحبيبتهَ على بُعْدٍ قصيٍّ منها وهي التي لم تغِبْ عن قلبِه وخواطره منذ ذلك الوداع الأليم لها، ومرَّ بذهِنه ووجدانِه صورتها وهي تَنتحبُ عليه وتناشدُه بأن يشفق عليها مما ستكابده من آلام رحيله عنها، وتتوسل إليه بأن يظلَّ بجانبها في وصالٍ دائمٍ وشملٍ مجموع.. ولكنه يودِّعها على حسرةٍ وأسى ذلك الوداع الأخير وهو لا يدري ..!!
ويعود قبل أن تتوقَف مسيرة أيامه ليخطَّ إلى الأبد بمشاعره وانفعالاتِه وخلجاتِ قلبه؛ أساهُ وحزنَه يضعهما بحروفٍ داميةٍ من جَوانحه بين يدي شريكة حياتِه وعمره، يستلهِمُها العفوَ والمغفرةَ على بُعدٍ منها وعنها ويسألها بلسان الحبِّ والإخلاص والوفاء الذي تعوَّده منها بأن ترفق بشعوره وحسِّه ووجدِه، وألا تعذله فإنه موجعُ القلب، عميقُ الجراح والضَّنى والآلام:
(لا تعذليه فإن العذلَ يولعُهُ
قد قلتِ حقّاً ولكن ليس يسمعُهُ
جاوزتِ في لومه حدّاً أضرَّبه
من حيث قدَّرت أن اللوم ينفعُهُ
فاستعملي الرفقَ في تأنيبه بدلاً
من عذله فهو مُضنى القلب موجعُهُ)
وكانت أُمنيةُ (ابن زُريق) في نأيه عن شريكتهِ وأليفةِ حياته أن تبتسمِ له الأيامُ في منآه الجديد وأن يصل منها وبها ما انقطع من رغائبه ومُناه، ليسوقَ للإنسان الذي ملأ عليه ينابيعَ وجده وهواه كلَّ خطراتِ أحلامهِ ورُؤاه وليعودَ له بمباهج الدنيا منقادةً رخيَّة .. لكنَّ (ابن زريق) رغم رحيله وطوافه بفضاء الله يذرعه ويحصيه، لم يُصبْ منه مَغنماً ولم يحقق مأمولاً، وإنما عاد إلى يأسِه وَجَواه، ينعى حظَّه في مهجرِه ومغتربه ويقول عن نفسِه الموجَعة:
(يكفيه من لوعة التشتيت أنّ له
من النَّوى كلَّ يوم ما يُروِّعُهٌ
ما آب من سفرٍ إلا وأزعجه
رأىٌ الى سفرٍ بالعزم يُزمعُهُ
كأنما هو في حِلٍ ومُرتحلٍ
مُوَكّل بقضاء الله يذرعهُ)
(وابنُ زريق) يتَّهم الزَّمان كغيره من البائسين لأنه قاده إلى الرحيل وأسلمه غياهبَ البُعد، ليُوردَه حياضَ الثراءِ والغنى غير أن أنفاسه اللاهثة واللاهبة توقفت دون الوصول إلى تلك الحياض المأمولة..
ومع خيبة أمله الكليلة؛ يعود إلى نفسه وعقله ليكبح نزعاتهما وجماحَهما، وليطفئ اللهب المستعر الذي يتوقد فيهما وذلك ليستيقن مع طبيعة الأيام وسُنةِ الدهر ؛ بأن المكابدة والمغالبة والمغالاة في الطلب ليست هي وسيلة الرزق المقدور.. وبأن الدَّعة والتَّواني لاتقطعان ما اتصل منه وجرى.. ولكنَّ الحرصَ يشعل فتيله في كل نفسٍ وربما كان في الحرص أجلُها المحتوم.. ولهذه الغاية العقلية تستجيبُ يتيمته بالقول الحكيم:
(وما مجاهدةُ الإنسان توصلهُ
رزقاً ولا دعةُ الإنسان تقطعُهُ
قد وزّع الله بين الخلق زرقهمو
لم يخلق الله من خلقٍ يضيّعُهُ
لكنهم كلفوا حرصاً فلستَ ترى
مسترزقاً وسوى الغايات تقنعُهُ
والحرصُ في الرِّزق والارزاق قد قسمت
بَغي؛ ألا إن بغي المرء يصرعُهُ)
وبعد هذه الرحلة العقلية والفكرية في سماء التجربة والحقيقة التطبيقية ؛ يعود (ابن زريق) إلى شريكة حياته ومن وفائه ألا يبعد عنها لأنها هواه وملهمُته وبسمةُ حياته يعود إليها بهدوءٍ نفسيِّ وفي تسليمٍ يائسٍ لصروف الدهرِ وجراحِه يستودعها الله بقلب بكي يحوّم حولها في موطنها البعيد عنه بغداد وهو يشهد مدامعها يوم الوداع ويبصر حنينها وتشبثها به ضحى ذلك اليوم الاليم فيحييها بالدمع لغة تفصحُ عن جوانحه وحوائجه الكمينة وتُسيل نديَّة باكيةً من الرحاب الأندلسية لتستقرّ على ضفاف (دجلة) تستنشق عبير شريكته الوفية المكلومة:
(أستودعُ الله في بغداد لي قمراً
بالكرخ من فلك الأزرار مطلعُهُ
ودَّعته وبودي لو يودّعني
صفوُ الحياة وأنى لا أودعُهُ
وكم تشبّثت بي يوم الرحيل ضحى
وأدمعي مستهلاتٌ وأدمعُهُ
إني أوسّع عذري في جنايته
بالبين عنه وجُرحي لا يوسعُهُ)
ويختتم (ابن زريق) مطافه المرير بحقيقةٍ تجريبيةٍ لم يكن بدٌّ من الاعتراف بها لديه وهي أنه قد رُزق ملكاً فريداً ونعيماً مقيماً يتمثل في زوجته الوفية له ولكنه لم يحسنْ سياسته ولم يقم بشكره فتحول عنه كما تتحول المياهُ الجاريةُ إلى مصباتِها المعهودة ونُزع منه بلا رحمة ولا هوادةٍ ولا مبالاةٍ بمشاعره وجراحاتهِ:
(رُزقتُ ملكاً فلم أحسِن سياسته
وكلُّ من لا يسوسُ الملكَ يُخْلَعهُ
ومَنْ غدا لابساً ثوب النعيم بلا
شكرٍ عليهِ فإنَّ الله يَنزعُهُ