PDA

View Full Version : توخّى حمامُ الموتِ أوسط صبيتي (مراثي تخفف أحزان من فقد ولده)


Misrمصر
17-07-2004, 11:52 AM
تقولُ العربُ : ليستِ النائحةُ الثكلى كالنّائحةِ المُستأجرةِ .
ولكنْ ماذا عساكَ أن تفعلُ إذا دعتكَ الأيّامُ لئنْ تكونَ نائحاً على ولدٍ لم يخرجْ من صُلبكَ ، وقريبٍ لم يُزاحمكَ في نسبٍ ، وحبيبٍ لم تجمعكَ بهِ عاطفةٌ أو حنانٌ ؟ .

في يومٍ صائفٍ وقدتْ جمرةُ حرّهِ واستحكمَ لهيبهُ ، وفي أحدِ الطرقِ المُزدحمةِ ، رأى أبو نوّافٍ حادثاً فظيعاً : سيّارةٌ مُسرعةٌ تتجهُ نحوَ طفلٍ دونَ العاشرةِ من عمرهِ ، وتصطدمُ بهِ ، وترفعهُ إلى أعلى قبلَ أن يهويَ بجسمهِ نحوَ الأرضَ ، وتتناثرُ حقيبتهُ المدرسيّةُ أرضاً ما بينَ دفاترَ وأقلامٍ ، وقد سقطَ بجوارها ممدّداً يثعبُ دماً .

كانَ منظراً مُخيفاً ومؤلماً .

نزلَ أبو نوّافٍ من سيّارتهِ ، وبدتْ لحيتهُ المهيبةُ وقد علاها شيبٌ عفّى أثرهُ بالكتَمِ ، واتجهَ نحوَ الطفلِ المُمدّدِ أرضاً ، وما إن وصلَ إليهِ وألقى ببصرهِ نحوهُ ، إلا والأرضُ تميدُ بأبي نوّافٍ ، وعينهُ ترمي بمُحتدِ البصرِ إلى الطفلِ وتهمي منها دمعاتٌ متصلةٌ ، وقد جمدتِ الدماءُ في عروقهِ ، وسرتْ القشعريرةُ في جسمهِ ، ودبّتِ الرعشةُ إلى عظامهِ .

وكانتِ الفاجعةُ أنَّ ذلكَ الطفلَ المُمدّدَ هو نوّافٌ ابنهُ ! .

وبحركةٍ خاطفةٍ رفعهُ من فوقِ الأرضِ المُلتهبةِ ، وأدناهُ إلى وجههِ ، وقد دُقتْ رقبتهُ ، وتهشّمتْ جبهتهُ ، والدمُ يسيلُ من فمهِ عبرَ ثناياهُ المكسورةِ ، وقد شخصَ ببصرهِ نحوَ السّماءِ ، وفغرَ فاهُ ، فلم يتمالكْ أبو نوّافٍ نفسهُ ، وأخذَ يمسحُ الدمُ المنسابَ من بينِ الشفاهِ الغضّةِ ، ثُمَّ ضمّهُ ضمّةٌ حانيةً ، صُبغَ ثوبهُ على إثرها من دمِ ولدهِ نوّافٍ ، وصارتْ لحيتهُ حمراءَ قانيةً ، فأرسلَ على إثرِ ذلكَ تنهيدةً حرّى ، ونطقتْ شفتاهُ بالترجيعِ والحمدِ .

كانتِ الطامّةُ التي لم يحسبْ حسابَها ، أن يموتَ ولدهُ على عينهِ ، ويرى مصرعهُ عياناً .

أبو نوّافٍ رجلٌ مُتقادمُ الميلادِ ، كبيرٌ في السنِّ ، يُحبُّ الذّرّيةَ والولدَ حُبّاً جمّاً ، رُزقَ في سنيِّ عمرهِ بالعديدِ من الولدِ ، ولكنّهم كانوا جميعاً إناثاً ، وكلّما وُلدَتْ لهُ أنثى ازدادَ حبّهُ بالذّكرِ ، وتعلّقتْ روحهُ بهِ ، وفي كلِّ مرّةٍ يأتي فيها أهلهُ طلباً للذرّيةِ والنسلِ تتراقصُ أمامهُ أماني المولودِ الذكرِ ، ويدعو ربّهُ ويسألهُ ذلكَ .

يقولُ الطنطاويُّ - رحمهُ اللهُ - عن رغبتهِ في إنجابِ ولدٍ :

" ولقد كنتُ أتمنّى أن يكونَ بكري ذكراً ، وقد أعددتُ أحلى الأسماءِ ، ما خطرَ على بالي أن تكونَ أنثى ، يقولون في أوروبا : حكَّ جلدَ الروسيِّ يظهر لك من تحته تتري ، ونحنُ مهما صنعنا فإنَّ فينا بقيةً من جاهليتنا الأولى ، أخفاها الإسلامُ ، ولكن تُظهرُ طرفاً منها مصائبُ الحياةِ ، وكانوا في الجاهليةِ (( إذا بشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجههُ مسودّاً وهو كظيمُ يتوارى من القوم ِ من سوءِ ما بشّرَ بهِ : أيمسكهُ على هون ٍ أم يدسّهُ في الترابِ )) ، وأنا لم أبلغْ أن أدسَّ بنتي في الترابِ ، ولكنّي أخفيتُ وجهي من الناس ِ ، وكأنّني أحدثتُ حدثاً ، أو اجترحتُ ذنباً " ، انتهى كلامهُ .

وبعدَ أن كبرَ سنُّ أبي نوّافٍ ورقَّ عظمهُ وولّتْ عنهُ صبابةُ العيشِ ولذّةُ العافيةِ ، جاءهُ من الخبرِ ما يُجدّدُ شبابهُ ، ويُحيي فيهِ الأملَ ، إنّهُ البُشرى بولدهِ نوّافٍ ، بعد سنواتِ الانتظارِ والترقّبِ ، فكانَ كالغيثِ ارتوتْ بهِ الأرضُ المُجدبةُ ، وكالرّوحِ سرتْ في الجسدِ الميّتِ ، ولشدّةِ سعادتهِ بهِ أقامَ عقيقةً كبيرةً تسامعُ النّاسُ من أقاربهِ خبرها في الآفاقِ .

لا أدري كيفَ أصفُ لكم فرحةَ أبي نوّافٍ بولدهِ ، ولكنّي رأيتُ رجلاً كبيراً في السنِّ ، إذا رأى ولدهُ الصغيرَ خلعَ عنهُ رداءَ التحفّظِ والرّزانةِ ، وتحوّلَ إلى طفلٍ فتيِّ العمرِ يأرنُ ويلعبُ في سعادةٍ غامرةٍ وفرحةٍ مُتصلةٍ ، يصرخُ لصراخِ طفلهِ ، ويسكتْ معهُ .

كانا طفلينِ في الرّوحِ والمرحِ ، يلعبانِ سويّاً ، ويمرحانِ معاً ، ولا حدودَ لأحلامهم وأمانيهم ، وكانتْ عينهُ لا تُفارقُ ولدهُ إذا كانَ في حضرتهِ ، ترمقهُ حيثُما ذهبَ .

تمَّ كلُّ ذلكَ لأبي نوّافٍ ، فرحةُ الولدِ ونجابتهُ ، وتجدّدُ الشبابِ بعدَ انصرامِ زمانهِ وتولّي جدّتهِ ، ودينٌ متينٌ يتحلّى بهِ أبو نوّافٍ ، إضافةً إلى زوجةٍ صالحةٍ تُعينُ على نوائبِ الدهرِ ، وبناتٍ هنَّ ريحانتهُ من الدّنيا .

ولكنَّ القدرَ أسبقُ من الأماني ، والموتُ أسرعُ خطواً إلى النّاسِ من العافيةِ ، يدِبُّ فيهم دبيبَ القطا ، فيضربُ بسوطهِ ويتركُ الأمَّ والهةً والأبَ مشدوهاً ، ويُثبتُ للجميعِ أنَّ القدرَ سرٌّ مكتومٌ ، وسهمٌ نافذٌ غيرُ مردودٍ ، وسوطٌ لا يحمي من لهيبهِ الأحصنةُ والقِلاعُ .

كانتْ كارثةً على أبي نوّافٍ ، أنهكتْ بدنهُ ، وأسقمتْ جسدهُ ، وأنهتْ آمالهُ ، وجعلتهُ شخصاً كئيباً ممسوحَ العافيةِ ، كأنّما صيغَ وجههُ من البؤسِ والتعاسةِ ، ولقد خُيّلَ إليهِ أنَّ الدّنيا كُلّها لبستْ مسوحَ الحزنِ ، وأنّتْ لهُ وولهتْ على ولدهِ الصغيرِ .

أذكرهُ رجلاً ذا بأسٍ وحردٍ ، قويّاً صلبَ المراسِ ، لا تلينُ قناتهُ لغامزٍ ، ولا تهونُ عزيمتهُ ، وما انحنتْ قامتهُ أبداً ، فلمّا توخّى حِمامُ الموتِ من بنيهِ نوّافاً حالتهُ عن حالهِ ، وتغيّرَ إلى الغايةِ والمُنتهى ، وأصبحَ لا يعرفُ غيرَ العزلةِ صاحباً ، ولا يستعيضُ عن الخلوةِ إلفاً ، وبينَ جوانحهِ نارٌ من الأسى والولهِ ، إذا عاودهُ طيفُ ولدهِ وذكراهُ اشتعلتْ وأّذكيتْ .

أخفي من البرحاءِ ناراً مثل ما ********** يُخفي من النّارِ الزّنادُ الواري

وأخفّضُ الزفراتِ وهي صواعدٌ ********* وأُكفكفُ العبراتِ وهي جوارِ

وشهابُ نارِ الحُزنِ إن طاوعتهُ ********** أورى وإن عاصـيتهُ مُتواري

وأكفُّ نيرانَ الأسى ولربّـمـا ********** غُلبَ التصبّرُ فارتمتْ بِشرارِ

لكَ اللهُ يا أبا نوّافٍ .

لا أدري واللهِ بمَ أسلّيكَ ، وقد فقدتَ من الدّنيا نعيمها ، ومن الحياةِ عافيتها ، ومن السعادةِ قمّتها ، ومن اللّذةِ غايتها ، وصرتَ كطيرٍ قُصّتْ منهُ أجنحتهُ ، وتركهُ سربهُ يُقاسي شدّةَ الرّيحِ وقوّةَ العاصفةِ بمفردهِ ، فلا الآلةُ تُساعدهُ ولا البدنُ يقوى على الصمودِ .

كنتُ ترجو من نوّافٍ أن يُحيي فيكَ شبابكَ الفائتَ ، ومجدكَ الغائبَ ، وأمّلتَ فيهِ ورجوتهُ ، ولكنَّ القضاءَ كانَ أسرع من كلِّ الأماني والأحلامِ .

نحنُ في هذه الدّنيا يا أبا نوّافٍ مأمورونَ بالرّحيلِ ، نركبُ سفينةَ الوجودِ إلى غايةِ الموتِ ، ونركضُ في مضمارِ الحياةِ ونتسابقُ للفناءِ :

ولقد جريتَ كما جريتُ لغايةٍ ********** فبلغتَها وأبوكَ في المضمارِ

فمنّا من يسبقُ ومنّا من يلحقُ ، والجميعُ سيموتُ ، والضّاحكُ اليومَ باكٍ غداً ، وسهامُ المنايا مُشرعةٌ ، والأقدارُ نصبتْ فخاخها وأشراكها ، وهاهي ذا تصطادُ وتقتنصُ ، فإذا نجوتَ أنتَ واصطيدَ ولدكَ قدراً نافذاً ، فأنتَ غداً في الشركِ والفخِّ ، لكَ يومٌ لن تحيدَ عنهُ ولو رُزقتَ من القوّةِ ما قسمهُ اللهُ على الجبالِ الرّواسي .

لا أعلمُ من متعِ الدّنيا نعيماً ولذّةً كلذّةِ الولدِ ، فهم العِمادُ والسندُ ، والعضدُ والمُعتمدُ ، وهمُ الأرضُ الذليلةُ والسماءُ الظليلةُ ، ثمراتُ القلوبِ وحسناتُ الأيّامِ ، وريحهم من ريحِ الجنّةِ ، وهم ريحانةٌ لا تملُّ الدهرَ وأنتَ تشمّها ، ووردةٌ لا تسأمُ الدهرَ وأنتَ تضمّها ، ومن الذي يجدُ عنهم سلوةً وأنساً ؟ ، أو يُطيقُ بُعدهم والتنائي عنهم ؟ .

لقد صبرَ الرّجالِ على مُقارعةِ الخصومِ ، ولقاءِ الجيوشِ والجحافلِ ، وثبتوا ثباتَ الأبطالِ في النوازلِ ، ولكنّهم عندَ فراقِ الأبناءِ تذوبُ قلوبهم وتذوي أحلامهم ، وتخورُ عزائمهم ، وترى الرّجلَ الأبيَّ القويَّ ضعيفاً هزيلاً أمامَ ولدهُ وفلذةِ كبدهِ .

قيلَ لرّجلٍ حضرتهُ الوفاةُ وولدهُ غائبٌ : ماذا ترجو من مُتعِ الحياةِ قبلَ أن تموتَ ؟ ، قالَ : أن أرى فلاناً – وسمّى ولدهُ – فأشمّهُ شمّةً وأضمّهُ ضمّةً ثُمَّ أموتُ .

وقالَ يحيى بنُ سعيدٍ التيميُّ :

غذوتكَ مولوداً وعُلتكَ يافعاً ********* تُعَلُّ بما أجني عليكَ وتنهلُ

إذا ليلةٌ نالتكَ بالشكوِ لم أبِتْ ********* لشكواكَ إلا ساهراً أتململُ

كأنّي أنا المطروقُ دونكَ بالذي ********* طُرِقتَ بهِ دوني وعينيَ تهملُ

إنَّ الإنسانَ ليستعذبُ المُرَّ ، ويصبرُ على المضضِ ، ويُكابدُ الألمَ والوصبَ ، حتّى ترتاحُ أولادهُ ، وإنّهُ ليُهينُ نفسهُ ويُتعبُ جسمهُ ، ليؤمّنَ لهم عيشاً طريّاً ، وحياةً رغيدةً ، ولو عانى فيها من الويلاتِ ما عانى ، وفي هذا يقولُ أحدهم :

لولا بُنيّاتٌ كزُغبِ القطا ********** حُططنَ من بعضٍ إلى بعضِ

لكانَ لي مُضطربٌ واسعٌ ********** في الأرضِ ذاتِ الطولِ والعرضِ

وإنّما أولادُنا بـــيننا ********** أكبادُنا تمشي على الأرضِ

لو هبّتِ الريحُ على بعضهم ********* لامتنعتْ عيني من الغمضِ

صدقَ واللهِ ، فهم دفقةٌ من الدمِ ، وجزءٌ من الرّوحِ ، وفلذةُ كبدٍ ، بل هم - واللهِ - بالدّنيا وما فيها ، ولضحكةٌ واحدةٌ بريئةٌ من أحدِ أبناءكَ تُعادلُ مُلكَ الأوائلِ والأواخرِ .

هذه عاطفةُ الأبوّةِ الحقّةِ ، والتي لا تدّخرُ جُهداً ولا تألوا وسعاً ، في سبيلِ إسعادِ أولادِها .

هذه الحياةُ أمانٍ عريضةٌ ، لا ساحلَ لها ولا مرفأ ، تختطفنا الأحلامُ من عالمنا ، وتأخذنا إلى فضاءِ الوهمِ والخيالِ ، ونبني هناكَ عوالمَ جديدةً ، وممالكَ مُختلفةً ، فنؤمّلُ ونرجو ، وهي تختالُ وتتراقصُ ، ونحنُ نسكرُ ونطربُ ، ثُمَّ في فجاءةٍ سريعةٍ تحولُ الأماني إلى سرابٍ مُخادعٍ ، وتتبدّلُ الأحلامُ إلى آلامٍ مُنغّصةٍ ، فنصحو على وقعِ الجِراحِ ووخزِ الألمِ ، ونستنجدُ بالصبرِ فيُعوزنا ، ونطلبُ التأسّي فلا يُجيبُنا ، فنهلكُ أسىً وتوجّعاً ، إلا من رزقهُ اللهُ من اليقينِ ما يُهوّنُ بهِ عليهِ مصائبَ الدّنيا .

هل صفتِ الدّنيا لأحدٍ ؟ ، لقد شربوا منها جميعاً كدراً وطيناً ، وخاضوا في الوحلِ والسِباخِ ، وتساووا في المآسي والمصائبِ ، وجمعهم رحمُ الرزايا ، ورُموا جميعاً بالكوارثِ والأقدارِ ، فمنهم من نالَ نصبهُ نقداً عاجلاً ، ومنهم من رُزقهُ نسيئةً آجلاً ، يقولُ أبو فراسٍ الحمدانيُّ :

المرءُ رهنُ مصائبٍ لا تنقضي ********** حتّى يُوارى في ثرى رمسهِ

فمُعجّلٌ يلقى الرّدى في أهلهِ ********* ومؤجلٌ يلقى الرّدى في نفسهِ

إنَّ هذه الدنيا مهما طالتْ أيّامُ المرءِ فيها وزادتْ لياليهِ ، إنّما هي غفوةٌ وسنةٌ ثُمَّ يقظةٌ وهبّةٌ ، سُكرٌ وصحوٌ ، منزلةٌ تنزلُها ثُمَّ تجوزها إلى غيرِها ، والباكي كالشادي ، المصيرُ واحدٌ مهما اختلفوا في اللحنِ ، من مشى وصلَ ومن ركضَ وصلَ ، غايةٌ واحدةٌ ومضمارٌ واحدٌ وإنّما الاختلافُ في الدابةِ والزّادِ ، لا ينفعكَ الحذرُ ولن تنجوَ من القدرِ ، وماذا عساكَ أن تفعلَ لتغالبَ القدرَ أو تُبادرَ القضاءَ ؟ ، كلٌّ بأجلٍ مُسمّى .

يا أبا نوّافٍ : إنَّ في اللهِ عِوضاً من كلِّ مفقودٍ ، وخلفاً عن كلِّ غائبٍ ، وهو المرجوُّ أن يُخلفَ عليكَ بخيرٍ ، وأن يجبرَ كسركَ بفِراقِ إلفكَ وولدكَ ، وما يدريكَ فما في عالمِ الغيبِ من الأجرِ والعافيةِ أوسعُ ممّا في بقاءِ ولدكَ حياً مُعافىً ، ولا تجري الأقدارُ بعُسرٍ إلا لتأتي بيُسرٍ أو تذودَ عنكَ العظائمَ ، وقدرٌ دونَ قدرٍ ، ورُزءٌ أيسرُ من رُزءٌ ، ومُصيبةٌ جزاءُ صبركَ عليها الجنّةُ لهي واللهِ مصيبةٌ جللٌ ، تهونُ أمامَ النُعمى وتصغرُ عندَ الثوابِ : (( وبشّرِ الصابرينَ الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعونَ )) ، وفي الحديثِ الصحيحِ " ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسهِ وولدهِ ومالهِ حتّى يلقى اللهَ تعالى وما عليه خطيئةٌ " .

نحنَ يا أبا نوّافٍ جميعاً ضعفاءُ وإن أظهرنا التجلّدَ والصبرَ ، ولكنّا نأتسي بغيرنا ، ونذكرُ من باتَ ضجيعَ الهمِّ والغمِّ فنسلو قليلاً ، ونُداري الوجدَ والبوحَ بهِ ، ونُخفيَ الآهاتِ والزفراتِ ، وما منّا إلا وقد أخذَ نصيبهُ من أقدارهِ وافرةً غيرَ منقوصةً ، ومن يتصبّرْ يُصبّرهُ اللهُ .

جاء في الحديث الصحيح كما في السلسلة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مات ولد الرجل يقول الله تعالى لملائكته : "أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون : نعم .. فيقول وهو أعلم : أقبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم .. فيقول : ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع،فيقول الله جل وعلا : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمّوه بيت الحمد).

روى الإمام أحمد من حديث معاوية بن قرة عن أبيه: ( أنه كان رجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أتحبه ؟ " فقال : يا رسول الله , أحبك الله كما أحبه .. فتفقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ما فعل ابن فلان؟ فقالوا : يا رسول الله مات , فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه : " أما تحب أن تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته عليه ينتظرك ؟ " فقال رجل : يا رسول الله , أله خاصة أم لكلنا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " بل لكلكم ).

Misrمصر
17-07-2004, 11:53 AM
خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوما الى بقيع الغرقد


فأذا اعرابي يرثي ابنه ويقول :

يا غائبا ما يؤوب من سفره ********* عاجله موته على صغره

يا قرة العين كنتلي سكنـــــا*********في طول ليلي نعم وفي قصره

شربت كأساَابوك شاربــــها********لابد يوماَ لـــه على كــــــبره

فالحمــــد لله لا شــريك لــه**********الموت في حكمه وفي قدره

قد قسم الموت في الانام فما*********يقدرخلق يزيدفي عمــــــره



قال عمر رضي الله عنه
صدقت يا اعرابي ، غير ان الله خير لك منه .

Misrمصر
17-07-2004, 11:55 AM
الاديب ابن عبد ربه عندما رثى ولده :

بليت عظامك والأسى يتجدد********والصبر والبكــا لا ينفــد

يا غائبا لا يرتجـــىلايابــــه********ولقائه دون القيامة موعد

ما كان احسن ملحدا ضمنته********لو كان ضم اباك ذاك الملحد

باليأس اسلو عنك لا بتجلدي *******هيهات اين من الحزين تجلد

وقال ايضا :
واكبدا قد قطعت كبدي *********** قد حّرقتها لواعج الكمد

يا رحمة الله جاوري جدثا**********دفنت فيه حشاشتي بيدي

ونوري ظلمة القبور على ********من لم يصل ظلمه الى احد

يا موت لو لم تكن تـــعالجه ********لكان لاشـــك بيضة الــبـلـــد

اي حمام سلبت رونقه ********** واي روح سللت من جســــد

لا صبرلي بعده ولا جلد***********فجعت بالصبر فيه والجــــــلــد

لو لم امت عند موته كمدا ******* لحق لي ان اموت من كــــــمدي

Misrمصر
17-07-2004, 11:56 AM
1-
قصيدة الشيخ سلمان العودة في رثاء ابنه الذي مات خلال سجن الشيخ.
يقول الشيخ فيها:

وداعا حبيبي لا التقاء إلى الحشر ......... وإن كان في قلبي عليك مثل لظى الجمر

صبرت لأتي لم أجد لي مخلصا............إليك وما من حيلة لي سوى الصبر

تراءاك عيني في السرير موشحا...... على وجهك المكدوم أوسمة الطهر

براءة عينيك استثارت مشاعري......... وفاضت بأنهار من الدمع في شعري

وكفاك حينما تعبثان بلحيتي............وحينا على كتفي وحينا على صدري

أرى فمك الحلو المعطر في فمي............كما اعتدت في هذا الحب من أول البر

تحاصرني ذكراك يا ساكن القبر............وتجتاج أعماقي وإن كنت في الأسر

أراك جميلا رافلا في جزيرة............بمعشبة فيحاء طيبة النشر

وتفرحني أطيافك الخضر إن بدت...............مضمخة شكرا لأطيافك الخضر

وألعابك اشتاقت إليك وهالها...............غيابك عنها ميتا وهي لا تدري

يتامى يكسرن القلوب هوامد............... ولما يصل أسماعها فاجع السر

حبيبي في شعبان ألفيت زائرا......... طروبا إلى لقياي مبتسم الثغر

فعدت بحجري والسرور يلفني......... وشنفت سمعي تاليا سورة العصر

أراك تعزيني بها وتلومني على............ جزع تخشاه من جانب الدهر

تمنيت لو تغني الأماني نظرة............إلى جسد ذاو يغرغر بالسدر

تمنيت حتى وقفة عند نعشه............ترد إلى نفسي الذي ضاع من صبري

تمنيت ما نالت ألوف توجهت......... إلى ربها صلت عليك مع العصر

تمنيت كفا من تراب أحثها.........على قبرك الميمون طيب من القبر

أبا طارق جل المصاب لفقدكم......... ثمانية زهر كما الأنجم الزهر

كأنكم اخترتم زمان رحيلكم......... بعيد صلاة الليل والصوم والذكر

غسلتم بصافي الدمع صافي قلوبكم............يشعشع فيها النور كالكوكب الدر



2-
قصيدة لابن الرومي
http://www.almubarak.net/poems-img/ibn-roomi1.gif



3-
ابو ذؤيب الهذلي يرثي ابناءه

قالت اميمة ما لجسمك شاحبا --------------- ---- منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع

ام مالجسمك لايلائم مضجعـــا ------------------- الا اقض عليك هذا المضجـع

اودي بني فأعقبوني حســـرة ------------------- بعد الرقاد وعــبرة ما تقلـــع

ولفد حرصت بأن ادافع عنهم ------------------ واذا المنية اقبلت لا تدفـــــع

واذا المنية انشبت اظفارهــا ------------------ الفيت كل تميمة لا تنفــــــــــع

ولفد اري ان البكاء سفاهــة ----------------- ولسوف يولع يالبكا من بفجع

والنفس راغبة اذا رغبتهـــا ---------------- واذا ترد الي قليل تقنـــــــــــع

يرمي بعينيه الغيوب وطرفه ---------------- مغض , يصدق طرفه مايسمــع


بقي أن نذكر للأمانة أن كل ما ورد أعلاه كان منقولا عن موضوع ذي علاقة بالساحات:

http://alsaha.fares.net/sahat?128@1...uUc.0@.1dd5eff4


وأهلا بكل إضافة تثري الموضوع.