PDA

View Full Version : شاركي بتربية جيل المقاطعة


مسك
17-07-2004, 08:26 AM
بسم الله الرحمن الرحيم .

إن الموضوع من الأهمية بمكان ، فهو وإن كان يعبِّر عما يمكن أن يطلق عليه حديث الساعة ، لكن الأمر أعمق وأجلّ .
فهو في الواقع حديث وجود أمة لن يتغير حالها إلا بقوله تعالى: "إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم" .

أود أن ابدأ معك ببعض الأفكار المهمة، وهي من الأساسيات التي يجب أن تكون مدخلاً إلى المقاطعة، ومنها تجارب شخصية لأناس مع أولادهم أو تلاميذهم، وقد أتت بفائدة عظيمة فأحبوا أن يشتركوا بها :

أولاً:
_________

يجب أن تشرحي أهمية فلسطين لأطفالك ، ولا يكون ذلك إلا عن طريق القصص ؛ فيمكنك الرجوع إلى قصص الأنبياء، بدءاً من النبي إبراهيم - عليه السلام- الذي عاش فترة من حياته في فلسطين، وهو الذي بنى الكعبة والمسجد الأقصى ، ثم ابنيه إسماعيل وإسحاق - عليهما السلام-، ثم حفيده النبي يعقوب - عليه السلام- الذي دخل مصر مع أولاده ، فاستقر بنو إسرائيل في مصر ؛ حيث اضطهدهم الفراعنة ، ثم أرسل الله النبي موسى -عليه السلام- ليخلصهم من القهر والعذاب.

ولما تم له ذلك بغرق الفرعون في البحر، طلب موسى من قومه أن يدخلوا فلسطين التي كتبها الله لهم في ذلك الوقت ليعيشوا فيها ، فرفضوا لأنهم أجبن من أن يحاربوا ، فقد اعتادوا على الذل تحت قهر الفراعنة ، ولم يتم دخولهم إليها إلا حينما نشأ جيل قوي بإيمانه معتمد على ربه ، فاستطاعوا أن يدخلوها - وهنا تستطيعين أن تشرحي لهم أنهم الجيل الذي نأمل فيه أن يكون الجيل المطيع لله كي ينصرهم الله- ثم تكملي لهم كيف لما بدأ بنو إسرائيل الإفساد والعلو في الأرض أخرجهم الله منها على يد البابليين أو الآشوريين -وهنا اشرحي لهم أن الذي ينكر نعمة الله ولا يشكرها يسلبه الله إياها كما سلب فلسطين من بني إسرائيل ؛ لأنهم لم يعمروها بالعدل والخير .

ثم توغلي في القصص لتصلي بهم إلى سيرة الرسول - عليه الصلاة والسلام - وكيف أسري به إلى بيت المقدس قبل أن يعرج إلى السماء ، وهو ما يدل على أهمية المسجد الأقصى ، وأنه حلقة الوصل بين أطهر بقعة في الأرض - وهي مكة حيث الكعبة المشرفة - والسماء، ثم كيف كانت حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المدينة، وكيف آمن به بعض اليهود ؛ لأنه مذكور عندهم في التوراة، بينما أنكره أكثرهم وكادوا له وحاربوه وخانوا عهودهم ، فحاربهم وطردهم شر طردة.

ومن هنا يمكنك أن تدخلي إلى عقولهم الصغيرة ما قاله الله تعالى عن اليهود: "لَيْسُوا سَوَاء"، "وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ"؛ كي لا يختلط عندهم مفهوم أن اليهودي كالصهيوني؛ فالصهيونية حركة عنصرية هدَّامة، أما اليهودية فهي وإن كانت قد حرفت لكن أتباعها أهل كتاب .
كذلك يمكنك أن تشرحي لهم كيف فتحت بيت المقدس على يد المسلمين في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وأنها بقعة مكرمة من أرض الإسلام يجب ألا يتركها المسلمون للأيدي المدنسة العابثة.

ثانيًا:
_________

الابتعاد عن النمط الاستهلاكي في الحياة ؛ بأن نربِّي أنفسنا وأولادنا تربية جديدة؛ فثقافة الغرب قائمة على المتعة، والمادة، والمصلحة الدنيوية العاجلة، بينما ثقافتنا نحن تقوم على المحبة وفعل الخير من أجل المصلحة الأخروية الآجلة؛ لأننا نؤمن أن الله تعالى سيسألنا عن أعمالنا وأموالنا وأوقاتنا، فكل عمل يجب أن نقصد به وجه الله عز وجل، حتى المذاكرة يشرح للطفل أنها عبادة إذا قصد نفع نفسه وأمته، ولا مانع من اللهو، لكن الحياة ليست كلها لهوًا، ويجب أن يعوَّد على التضحية بدل الحياة المادية الاستهلاكية التي يعيشها، وهو في الحقيقة خطؤنا؛ لأننا معجبون بهذه الحياة ومستريحون لها.

ويسرنا أن نرى أولادنا يعيشون في كنفها؛ فأطفالنا لم يولدوا يشربون الكولا، ويأكلون في المطاعم الأمريكية، ويتفرجون على أفلام الكارتون الأمريكية غير المحايدة، والتي تبثّ قيمها في نفوسهم، لكننا نحن نفعل ذلك عن سبق إصرار وترصد. إذن نحن نحتاج للمقاطعة ليس فقط من أجل الانتفاضة، لكننا بحاجة أن نراجع كل أساليب حياتنا الخاطئة حتى قبل الانتفاضة وبعدها.

وكي تبدئي بتعليمهم التضحية يجب أن تشجعيهم على توفير مصروفهم "عِيدِياتهم"؛ ليتبرعوا بها لإخوانهم في فلسطين، وأكدي لهم على مبدأ "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ"، وكما قال عليه الصلاة والسلام: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".

ثالثًا:
_________

يجب أن يرى أولادك ماذا يفعل الإسرائيليون بإخوانهم الفلسطينيين، سواء عن طريق الأخبار، أو البرامج المهتمة بالقضية الفلسطينية، أو الصور التي يتم نشرها عن طريق الإنترنت والبريد الالكتروني، وهذا هدفه تعميق وعي الأطفال بقضية المسلمين الأولى وهي القضية الفلسطينية، على قدر ما يسمح إدراكهم وتستوعب عقولهم، وتشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم تجاه ما يرونه سواء بالرسم، أو بكتابة رسالة، أو بالشعر.

والآن إلى الأفكار المتنوعة والتي لم نحب أن ندخل عليها أى تغيير لكي أبقي على أسلوب كل مشارك وروحه:

تقول الأستاذة أسماء مؤكدة على موضوع القدوة وتشجيع المنتجات العربية:
_______________________________________

إن محاولاتك لإقناع أطفالك بالمقاطعة ستؤتي أكلها بلا شك يومًا ما، وحتى لو استمروا بتناول المشروبات وغيره، ولكن سيبقون يشعرون بالذنب أنهم يفعلون ذلك، وسيكفُّون بشكل أو بآخر عن تناول هذه البضائع.

بداية علينا ألا نمنع أطفالنا عن شيء نحن السبب في إدمانهم عليه؛ فنحن كنا نقدم لهم علبة الكولا منذ الصغر، وكانوا يروننا نحملها في أسعد أوقاتنا، فلماذا نطلب منهم فجأة أن يتخلوا عنها هكذا؟ إن علينا أولاً أن نتخلى تمامًا وبصدق عن استخدامها، فلا نسمح لأنفسنا تحت وطأة العطش مثلاً أن تتناول واحدة! ثم أننا يجب أن نوفِّر لهم البدائل القوية واللذيذة؛ لينسوا طعم الأولى والسوق تمتلئ بالمنتجات المصرية والعربية من العصائر الطبيعية اللذيذة والمجمدات الجاهزة للأطفال، وإن كنت أؤيد إنتاج المنزل، مثل: عمل العصائر بالنكهات المتنوعة.

ويقول د. عمرو موضحًا أهمية المقاطعة في تغيير حياتنا وإعداد أطفالنا للمواجهة المقبلة:
_______________________________________________

السؤال ليس: كيف أقنع أولادي وأطفالي بالمقاطعة؟ ولكن السؤال هو: ما هي التغييرات التي يجب أن أجريها على حياتي، وعلى طريقتي في تربية وتوجيه أولادي من أجل أن تكون حياتنا للأفضل؟ لأن الاستسلام لما يجري من تنميط للمجتمع وقولبته في إطار ما يسمونه بالعولمة أحيانًا، وبمواكبة التقدم أحيانًا أخرى هو سبب الهزيمة الحقيقية التي لحقت بالأمة.
إننا انهزمنا ثقافيًّا ونفسيًّا وعلميًّا، ولنجمع ذلك ولنقل: "حضاريًّا" قبل أن يأتي شارون ويدك قرانا ومدننا، ويقتل أطفالنا ونساءنا، ونحن نتفرج لا نستطيع حراكًا، وانتصر الاستشهاديون على أنفسهم أولاً، وتحرروا ثقافيًّا ونفسيًّا قبل أن يهزموا إسرائيل ويكونوا هم المنتصرين الوحيدين في أمتنا اليوم.

إن المقاطعة حركة إعلامية سياسية تستهدف رسالة تشجيع لأهلنا في فلسطين "إننا معكم".. ولأهل الصلف والغرور "إننا أحياء نستطيع أن نفعل شيئًا"، ولكن بدون فهم المعركة الحقيقية وأبعادها وأرضها، وكيف تدور، يكون ذلك مجرد عبث وإراحة للنفس والضمير من أن نواجه أنفسنا بحقيقة واقعنا.. المعركة مفروضة على أطفالنا أكثر منا؛ لأنهم الجيل القادم، ولن يغفروا لنا إذا لم نُعدّهم من أجل المواجهة القادمة.. إنها ليست مشاركة تعاطف، وليست شيئًا نفعله أو لا نفعله أو يفهمه أطفالنا أو لا يفهمونه.. إنه تحدٍّ.. فإما أن تكون حياتهم أفضل أو أن تستمر حياتهم مثل حياتنا يتجرعون الذل والهوان.

أما الأستاذة نيفين فتقول:
______________

في الحقيقة كل جندي فعَّال في ميدانه، فإذا ما خرج عن ميدانه بطلت فاعليته، فكل المسلمين جنود في معركة الإسلام. فالعامل جندي في ميدانه، والعالم جندي في ميدانه، والطالب جندي في ميدانه، والأم جندية فعَّالة كأشد ما تكون الفاعلية في ميدان تربية أطفالها بوعي وإدراك سليم لله وعلى دين الله عز وجل.

أرجوك -سيدتي- لا تجعلي هذا الشعور بالعجز يتملكك؛ فقد علمنا رسولنا الكريم -عليه الصلاة والسلام- أن نستعيذ من العجز والكسل. فأخطر وأشد الأشياء هدمًا ما ننقله لأبنائنا هو الشعور بالعجز.. انقلي لهم أننا حقًّا نستطيع النصر بإذن الله تعالى إذا ما فعل كل منا دوره الحقيقي.. فتداخل الأدوار يجعلنا في حالة من الغوغائية التي تفوت منا كل عمل حقيقي جاد، وإذا ما كانوا اليوم يلعبون لعبًا خياليًّا ويحرزون نصرًا على اليهود، فاغتنمي الفرصة لينقل هذا النصر إلى الواقع، فقولي لهم: إن اليهود ما استطاعوا أن يصلوا لهذه القوة إلا بالعلم، ونحن أولى كمسلمين أن نستمسك بالعلم كصديق للقوة، وإن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.

حدِّثيهم طويلاً كيف بنى العلم حضارة المسلمين، وكيف أننا نعمل ونعلمهم حتى يشاركوا في إعادة بناء هذه الحضارة؛ ليصبح الإسلام دينًا قويًّا نستحق شرف الانتساب إليه.. دعي هذا الإحساس يتملكهم.

املئي نفوسهم بالأمل، والإيمان، والعزيمة القوية، والهمة العالية.. احكي لهم ما هي القدس؟ وما هي فلسطين؟ وأين كان الإسلام؟ وكيف كان؟ وكيف تغيرت خريطة العالم بعد ضعف الإسلام على يد المسلمين الذين لم يراعوا أمانة ما حُمِّلوا من رسالة عمارة الأرض والذود عن دين الله في الأرض؟

ذكرت -سيدتي- أنك أردت أن تنقليهم إلى ساحة الفعل الحقيقي.. والحق أن الساحة الحقيقية الآن هي ساحة الأمهات المسلمات الواعيات مثلك؛ ليعلمن أولاً، ثم يعلِّمن أبناءهن، وليربين جيلاً مسلمًا قويًّا يملك القدرة على نصرة فلسطين، وأفغانستان، وكوسوفا، وغيرها مما سيستجد في المستقبل إذا ما مكثنا في غفوتنا تلك.. وظللنا أسرى إحساسنا بعجز متوهَّم.

وأخيرًا تقول الدكتورة ليلى:
_________________

هناك شيئان أساسيان يجب أن يعرفهما أولادنا ليتقبلوا بعد ذلك أوامر الله ونواهيه، ويتفهموا معنى الحلال والحرام، ثم متى نقاطع ولماذا، وهما:

أولاً: الصراع الأبدي بين الخير والشر ممثلاً في قصة آدم وإبليس لعنه الله، ثانيًا: المدافع عن الخير هو الإنسان المتدين المسلم الذي هو خليفة الله في الأرض؛ لأن الله عز وجل أكرمه بالدين الكامل الخاتم.

طبعًا هذه المعاني أعتقد أنها يصعب إفهامها لصغيريك، لكن أجلسيهما مع الكبير الذي يمكنه فهم هذه الأشياء، وهو قدوة لأخويه، وله تأثير عليهما، ومع ذلك فليسمعا شيئًا مما تقولين، وقد لا يستطيعان فهم هذه الأشياء المجردة، لكنني أعتقد أنها ترسخ في بنيتهما النفسية وتفيدهما فيما بعد. ويمكنك الاستعانة بالقصص لترسيخ هذه المفاهيم -كما ورد أعلاه- فقط لا تجعليها كلها في جلسة واحدة، بل كل يوم قصة؛ كي لا تكثري عليهم فيملوا.

ثم من مفهوم دور المسلم في الحياة تنطلقين إلى واجبه وهو بناء الحياة الرشيدة، أي الحضارة على وجه الأرض، وهذا لا يكون إلا بشيئين، وهما: الإيمان، والعلم. وتأتين منه إلى شرح مفهوم الحضارة عند أمريكا، فهي دولة متفوقة علميًّا واقتصاديًّا، لكنها ليست دولة حضارية؛ لأنها لا تعتمد على الإيمان ولا على الأخلاق، واحكي لهم كيف بنى الأمريكان الأوائل دولتهم على الظلم، حيث لجئوا إلى قتل الهنود الحمر وهم سكان البلاد الأصليون، وأبادوهم، واستعبدوهم، فهي تساند إسرائيل وتشجِّعها على أن تسير بنفس طريقتها في إبادة الشعب الفلسطيني؛ لذلك فهي تدعمها بالسلاح الذي تقتل به الفلسطينيين، وعندما نشتري أي منتج أمريكي فنحن إذن نساعد على قتل إخوتنا.

لكن هل نقاطع كل شيء لأنه صنع في أمريكا؟ طبعًا لا، فنحن بحاجة إلى علومها وتكنولوجيتها، فإذا استطعنا الحصول على العلم الذي هو أساس النهضة من بلاد إسلامية أو صديقة فيجب أن نفعل، وإلا فلا مانع أن نتعلم من أمريكا، ثم نضم إلى ما تعلمناه الإيمان الذي تفتقده أمريكا؛ فنستطيع بذلك أن نتغلب عليها.

إذن القاعدة هنا كقاعدة المحرمات في الإسلام، وهي أن الضرورات تبيح المحظورات، لكن لا تعني مقاطعتنا للمنتجات الأمريكية أننا نعادي الشعب الأمريكي كله؛ فمنهم الذين هم ضد سياسات دولتهم في دعمها لإسرائيل، بل هناك أمريكان يقاطعون الشركات الأمريكية التي رأس مالها إسرائيلي أو تعود نسبة كبيرة من أرباحها لإسرائيل؛ لذلك يجب أن تدخلي في عقول الأطفال مفهوم عدم تعميم الأحكام.

أما بالنسبة لرؤيتهم أصدقاءهم وهم يتناولون الأطعمة الأمريكية فالحل بسيط، وهو جيد جدًّا في بناء الشخصية المسلمة المستقلة بأفعالها عن أفعال الآخرين؛ فكلٌ مجزيّ بعمله، ولسنا مسؤولين عن أخطاء الآخرين، وعلينا أن نكون قدوة لهم في عمل الخير ومكافحة الشر، أي أفهميهم أن المسلم لا يتصرف كما يتصرف الناس، سواء أصابوا أو أخطئوا، بل يتصرف بمقتضى ما يمليه دينه وعقيدته، وفي الحديث: "لا يكن أحدكم إِمَّعة، يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن ليكن: إن أحسن الناس أحسن، وإن أساءوا ترك الإساءة".

محرر قاطع دوت كوم