أبو محمد الألفى
19-03-2004, 05:21 PM
بيان صحة الحديث القدسى (( أنا ثالث الشريكين ))
قال أبو داود (( السنن ))(3383) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمِصِّيصِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قَالَ : (( إِنَّ اللهَ يَقُولُ : أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا )) .
وأخرجه كذلك الدارقطنى (3/35/139) ، والحاكم (2/52) ، والبيهقى (6/78) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(10/401) من طريـق محمد بن الزبرقان أبى همام عن أبى حيان التيمى عن أبيه عن أبى هريرة قال : قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : فذكره .
قـلت : والحديث بهذا الإسناد يذكر فى الوحدا ن ، فليس فى (( الكتب الستة )) بهذا الإسناد غير هذا الحدبث ، تفرد بتخريجه أبو داود ، وليس لأبى حيان التيمى عن أبيه عن أبى هريرة غيره .
وقال الحاكم : (( صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه )) .
فتعقبه الشيخ الألبانى ـ طيَّب الله ثراه ـ فى (( إرواء الغليـل ))(5/288/1468) بقوله :
(( وأقول : بل ضعيف الإسناد ، وفيه علتان :
( الأولى ) الجهالة ، فإن أبا حيان التيمى اسمه يحيى بن سعيد بن حيان . وأبوه سعيد ، أورده الذهبى فى (( الميزان )) وقال : (( لا يكاد يُعرف ، وللحديث علَّة )) . وأما الحافـظ ، فقال فى (( التقريب )) : (( وثََّقه العجلى )) .
قلت : وهو من المعروفيـن بالتساهل فى التوثيـق ، ولذلك لم يتـبن الحافظ توثيقه ، وإلا لجزم به فقال : (( ثـقة )) ؛ كما هى عادته فيمن يراه ثقة ، فأشار إلى هذا لأنه ليس كذلك عنده ، بأن حكى توثيق العجلى له .
( الثانية ) الاختلاف فى وصله . فرواه ابن الزبرقان هكذا موصولاً ، وهو صدوق يهم كما قال الحافظ ، وخالفه جرير فقال (( عن أبى حيان التيمى عن أبيه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : فذكره )) أخرجـه هكذا الدارقطنى من طريـق لويـن محمد بن سليمان ، ثم قال : (( لم يسنده أحد إلا أبو همام وحده )) .
قلت : وأبو همام فيه ضعفٌ ، ولعل مخالفه جرير ، وهو ابن عبد الحميد الضبى خير منه ، فقد ترجمه الحافظ : (( ثقة صحيح الكتاب ، وقيـل : كان فى آخر عمره يهم من حفظه )) . وجملة القول أن الحديث ضعيف ، للاختلاف فى وصله وإرساله ، ولجهالة راويه )) اهـ .
وأقـول : والشيخ الألبانى ـ طيَّب الله ثراه ـ مسبوق بهذا التعليل والتضعيف ، بما ذكره العلامة أبو الحسن بن القطان فى كتاب (( الوهم والإيهام )) . ونص عبارة ابن القطان : (( وهو حديث يرويه أبو حيان التيمى عن أبـيه عن أبى هريرة . وأبو حيان هو يحيى بن سعيد بن حيان أحد الثقات ، ولكن أبـوه لا يُعرف حاله ، ولا يُعرف من روى عنه غير ابنه . ويـرويه عن أبى حيان : أبو همام بن الزبرقان . وحكى الدارقطنى عن لُوين أنه قال : لم يسنده غيـر أبى همام ، ثم ساقه من رواية أبى ميسرة النهاوندى ثنا جرير عن أبى حيان عن أبـيه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مرسل )) اهـ كما فى (( نصب الراية )) للحافظ الزيلعى .
قلت : وهذا الذى ذكره أبو الحسن بن القطان فى إعلال الحديث مشهور مستفيض عنه ، نقله عنه الكثيرون من الحفاظ ، كالحافظ ابن الملقن (( خلاصة البدر المنير ))(2/93) ، والحافظ عمر بن على الوادياشى (( تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج ))(2/271) ، والحــافظ ابن حجر فى(( تلخيص الحبير ))(3/49) ، والحافظ المناوى فى (( فيض القدير ))(2/308) ، والأمير الصنعانى فى (( سبل السلام ))(3/46) ، والقاضى الشوكانى فى (( نيـل الأوطار ))(5/390) ، وشمس الحق العظيم آبادى فى (( عون المعبود ))(9/170) وغيرهم ، إلا أن الحافظ ابن الملقن الشافعى تعقبه بقوله : (( أعله ابن القطان بما بان أنه ليس بعلة )) ، وكذا قال الحافظ الوادياشى الأندلسى .
قـلت : وهو كما قالا ، والحديث صحيح ولا عبـرة فى تضعيفه للوجوه الآتيـة :
( أولاً ) سعيد بن حيان التيمى الكوفى ، والد يحيى بن حيان ، لا يتوجه القول بتضعيفه بمجرد القول : (( لا يكاد يُعرف )) ، فإنها ليست من عبارات التضعيـف ، كما هو معروف فى (( قواعد الجرح والتعديل )) .
وإنما يخالـف فى هذا المتأخرون الذين يضعفون المجاهيل بلا حجة . ومفهومها عند قائلها ، وهو الحافظ الذهبى ، ما بيَّـنه فى خاتمة (( ديوان الضعفاء ))(ص374) : (( وأما المجهولون من الرواة ، فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه وتلقى بحسن الظن ، إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ )) . فلماذا تغاضى الشيخ الألبانى عن هذه القاعدة الذهبية المفسِّرة لقوله (( لا يكاد يُعرف )) ؟! .
علماً بأن سعيد بن حيان كما قال الحافظ فى (( التقريب ))(1/293) : (( من الثالثة )) يعنى من أوساط التابعين كالحسن البصرى وابن سيرين . وإنما نقول هذا رداً على من ضعَّـفه ، وإلا فالرجل فى غنيةٍ عن هذا الدفاع ، فقد وثَّــقه اثنان : العجلى فى (( معرفة الثقات ))(1/396) ، وابن حبان فى (( الثقات ))(4/280/2901) .
وقال الحافظ (( تهذيب التهذيب ))(4/17/26) : (( لم يقف ابن القطان على توثيـق العجلى ، فزعم أنـه مجهول )) ، وأما اقتصاره فى (( التقريب )) على ذكر توثيق العجلى فلهذه العلَّة التى بيَّنها ، وليس كما زعم الألبانى أنه لم يتبيـن له توثيقه !! ، سيما وقد ذكر فى (( التهذيب )) أن العجلى وابن حبان وثَّـقاه ، ولا يخفاك أن (( تقريب التهذيب )) اختصار للـ(( التهذيب )) . وأما الحافظ الذهبى الذى ذكر فى (( الميزان )) أنه (( لا يكاد يُعرف )) بناءً على قاعدته الآنفة فى (( ديوان الضعفاء )) ، فقد أعاد ذكره فى (( الكاشـف ))(1/434/1871) فقال : (( ثـقة )) ، فبان بهذا أن قوله عن الراوى (( لا يكاد يُعرف )) ؛ ليس تضعيفاً كما يتصوره الشيخ الألبانى ـ طيَّب الله ثراه ـ ! .
وقد ذكر سعيداً هذا البـخارى فى (( التاريخ ))(3/463/1539) ، وابـن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل ))(4/12/44) ، فلم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً .
والخلاصة ، فإن سعيد بن حيان التيمى ، والد أبى حيان التيمى ، ثقة مرضىٌّ ، وإن تفرد عنه ابنه ، وحديثه متـلقى بالقبول .
( ثانيـاً ) محمد بن الزبرقان أبو همام الأهوازى ، ثقة من رجال (( الصحيحين )) ، وثـَّقه على بن المدينى ، والبخارى ، وابن حبان ، والدارقطنى . وقال أبو حاتم الرازى : صالح الحديث صدوق . وقـال أبو زرعة : صالح وسط . وقـال النسائى : ليس به بأس . وقـال ابن حبان : ثقة ربما أخطأ .
ولأجـل ذلك ، وتوفيقاً بـين كلام الأئمة ، قـال الحافظ ابـن حجر (( التقريب ))(2/161) : (( صدوق ربما وهم )) . وفرقٌ بين هذا وبين ما نقله عنه الشيخ الألبانى بالمعنى بقوله (( صدوق يهم )) ، فإن الحكم الصحيح ينبؤ عن قلة وهمه أو ندرته ، بينما ينبؤ الثانى عن الكثرة واللزوم !! .
وعليه ، فالأهوازى ثقة ربما أخطأ كما يخطئ غيرُه من الثقات ، فمثله ما لم يخالفه من هو أوثـق منه متلقى حديثه بالقبول والتصحيح ، وإن تفرد ، كما هو معلوم من (( قواعد علم المصطلح )) .
فلننظر فى حديث جرير الذى ظنَّ الشيخ الألبانى ـ طيَّب الله ثراه ـ أنه يعارض حديث أبى همام الأهوازى الثقة الصدوق ، ولو أنَّه طالع (( سنن الدارقطنى )) ، ما خفى عليه ضعفه .
أخـرجه الدارقطنى (3/35/140) قـال : حدَّثـنا هبيرة بـن محمد بـن أحمد الشيبانى نا أبو ميسرة النهاوندى نا جرير عن أبى حيان التيمى عن أبيه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( يدُ الله على الشريكين ما لم يخُنْ أحدُهما صاحبَه ، فإذا خانَ أحدُهما صاحبَه رفعَها عنْهُما )) .
قـلت : فمن أبو ميسرة هذا الذى أدخل هذا الحديث على جرير بن عبد الحميد ؟؟ ، وهل تقوى روايته المرسلة مع شدة ضعفه على معارضة رواية أبى همام الثقة الصدوق ؟! .
قال ابن حبان فى (( المجروحين والمتروكين ))(1/144) : (( أحمد بن عبد اللَّه بن ميسرة الحرانى ، أبو ميسرة النهاوندى . يأتى عن الثقات بما ليس من أحاديث الأثبات ، لا يحل الاحتجاج به )) ، وذكر له حديثين عن ابن عمر ، وقال : (( هذان خبران باطلان رفعهما )) .
وقال أبو أحمد بن عدى فى (( الكامل فى الضعفاء ))(1/176) : (( كان بهمدان . حدَّث عن الثقات بالمناكير، ويحدِّث عمن لا يعرف ويسرق حديث الناس )) .
قـلت : فهذه رواية واهية بمرة ، لا يحل الاحتجاج بها لحال أبى ميسرة النهاوندى . والذى أعتـقده أن الألبـانى لم ينظر فى إسـناد الدارقطنى ، ولو فعل فلم يكن ليخفى عليه شدة ضعف رواية أبى ميسرة ، وإنما قال ما قاله تحسيناً للظن بابن القطان ، وتقليداً له !! .
فإذ قد بان أن الحديث الموصول لا يعارض بهذه الرواية الواهية ، فقد ثبتت صحته ، ووجب الاحتجاج به .
وتمام البحث ، أن نقول (( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقى إلا بالله )) ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
قال أبو داود (( السنن ))(3383) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمِصِّيصِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قَالَ : (( إِنَّ اللهَ يَقُولُ : أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا )) .
وأخرجه كذلك الدارقطنى (3/35/139) ، والحاكم (2/52) ، والبيهقى (6/78) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(10/401) من طريـق محمد بن الزبرقان أبى همام عن أبى حيان التيمى عن أبيه عن أبى هريرة قال : قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : فذكره .
قـلت : والحديث بهذا الإسناد يذكر فى الوحدا ن ، فليس فى (( الكتب الستة )) بهذا الإسناد غير هذا الحدبث ، تفرد بتخريجه أبو داود ، وليس لأبى حيان التيمى عن أبيه عن أبى هريرة غيره .
وقال الحاكم : (( صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه )) .
فتعقبه الشيخ الألبانى ـ طيَّب الله ثراه ـ فى (( إرواء الغليـل ))(5/288/1468) بقوله :
(( وأقول : بل ضعيف الإسناد ، وفيه علتان :
( الأولى ) الجهالة ، فإن أبا حيان التيمى اسمه يحيى بن سعيد بن حيان . وأبوه سعيد ، أورده الذهبى فى (( الميزان )) وقال : (( لا يكاد يُعرف ، وللحديث علَّة )) . وأما الحافـظ ، فقال فى (( التقريب )) : (( وثََّقه العجلى )) .
قلت : وهو من المعروفيـن بالتساهل فى التوثيـق ، ولذلك لم يتـبن الحافظ توثيقه ، وإلا لجزم به فقال : (( ثـقة )) ؛ كما هى عادته فيمن يراه ثقة ، فأشار إلى هذا لأنه ليس كذلك عنده ، بأن حكى توثيق العجلى له .
( الثانية ) الاختلاف فى وصله . فرواه ابن الزبرقان هكذا موصولاً ، وهو صدوق يهم كما قال الحافظ ، وخالفه جرير فقال (( عن أبى حيان التيمى عن أبيه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : فذكره )) أخرجـه هكذا الدارقطنى من طريـق لويـن محمد بن سليمان ، ثم قال : (( لم يسنده أحد إلا أبو همام وحده )) .
قلت : وأبو همام فيه ضعفٌ ، ولعل مخالفه جرير ، وهو ابن عبد الحميد الضبى خير منه ، فقد ترجمه الحافظ : (( ثقة صحيح الكتاب ، وقيـل : كان فى آخر عمره يهم من حفظه )) . وجملة القول أن الحديث ضعيف ، للاختلاف فى وصله وإرساله ، ولجهالة راويه )) اهـ .
وأقـول : والشيخ الألبانى ـ طيَّب الله ثراه ـ مسبوق بهذا التعليل والتضعيف ، بما ذكره العلامة أبو الحسن بن القطان فى كتاب (( الوهم والإيهام )) . ونص عبارة ابن القطان : (( وهو حديث يرويه أبو حيان التيمى عن أبـيه عن أبى هريرة . وأبو حيان هو يحيى بن سعيد بن حيان أحد الثقات ، ولكن أبـوه لا يُعرف حاله ، ولا يُعرف من روى عنه غير ابنه . ويـرويه عن أبى حيان : أبو همام بن الزبرقان . وحكى الدارقطنى عن لُوين أنه قال : لم يسنده غيـر أبى همام ، ثم ساقه من رواية أبى ميسرة النهاوندى ثنا جرير عن أبى حيان عن أبـيه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مرسل )) اهـ كما فى (( نصب الراية )) للحافظ الزيلعى .
قلت : وهذا الذى ذكره أبو الحسن بن القطان فى إعلال الحديث مشهور مستفيض عنه ، نقله عنه الكثيرون من الحفاظ ، كالحافظ ابن الملقن (( خلاصة البدر المنير ))(2/93) ، والحافظ عمر بن على الوادياشى (( تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج ))(2/271) ، والحــافظ ابن حجر فى(( تلخيص الحبير ))(3/49) ، والحافظ المناوى فى (( فيض القدير ))(2/308) ، والأمير الصنعانى فى (( سبل السلام ))(3/46) ، والقاضى الشوكانى فى (( نيـل الأوطار ))(5/390) ، وشمس الحق العظيم آبادى فى (( عون المعبود ))(9/170) وغيرهم ، إلا أن الحافظ ابن الملقن الشافعى تعقبه بقوله : (( أعله ابن القطان بما بان أنه ليس بعلة )) ، وكذا قال الحافظ الوادياشى الأندلسى .
قـلت : وهو كما قالا ، والحديث صحيح ولا عبـرة فى تضعيفه للوجوه الآتيـة :
( أولاً ) سعيد بن حيان التيمى الكوفى ، والد يحيى بن حيان ، لا يتوجه القول بتضعيفه بمجرد القول : (( لا يكاد يُعرف )) ، فإنها ليست من عبارات التضعيـف ، كما هو معروف فى (( قواعد الجرح والتعديل )) .
وإنما يخالـف فى هذا المتأخرون الذين يضعفون المجاهيل بلا حجة . ومفهومها عند قائلها ، وهو الحافظ الذهبى ، ما بيَّـنه فى خاتمة (( ديوان الضعفاء ))(ص374) : (( وأما المجهولون من الرواة ، فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه وتلقى بحسن الظن ، إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ )) . فلماذا تغاضى الشيخ الألبانى عن هذه القاعدة الذهبية المفسِّرة لقوله (( لا يكاد يُعرف )) ؟! .
علماً بأن سعيد بن حيان كما قال الحافظ فى (( التقريب ))(1/293) : (( من الثالثة )) يعنى من أوساط التابعين كالحسن البصرى وابن سيرين . وإنما نقول هذا رداً على من ضعَّـفه ، وإلا فالرجل فى غنيةٍ عن هذا الدفاع ، فقد وثَّــقه اثنان : العجلى فى (( معرفة الثقات ))(1/396) ، وابن حبان فى (( الثقات ))(4/280/2901) .
وقال الحافظ (( تهذيب التهذيب ))(4/17/26) : (( لم يقف ابن القطان على توثيـق العجلى ، فزعم أنـه مجهول )) ، وأما اقتصاره فى (( التقريب )) على ذكر توثيق العجلى فلهذه العلَّة التى بيَّنها ، وليس كما زعم الألبانى أنه لم يتبيـن له توثيقه !! ، سيما وقد ذكر فى (( التهذيب )) أن العجلى وابن حبان وثَّـقاه ، ولا يخفاك أن (( تقريب التهذيب )) اختصار للـ(( التهذيب )) . وأما الحافظ الذهبى الذى ذكر فى (( الميزان )) أنه (( لا يكاد يُعرف )) بناءً على قاعدته الآنفة فى (( ديوان الضعفاء )) ، فقد أعاد ذكره فى (( الكاشـف ))(1/434/1871) فقال : (( ثـقة )) ، فبان بهذا أن قوله عن الراوى (( لا يكاد يُعرف )) ؛ ليس تضعيفاً كما يتصوره الشيخ الألبانى ـ طيَّب الله ثراه ـ ! .
وقد ذكر سعيداً هذا البـخارى فى (( التاريخ ))(3/463/1539) ، وابـن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل ))(4/12/44) ، فلم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً .
والخلاصة ، فإن سعيد بن حيان التيمى ، والد أبى حيان التيمى ، ثقة مرضىٌّ ، وإن تفرد عنه ابنه ، وحديثه متـلقى بالقبول .
( ثانيـاً ) محمد بن الزبرقان أبو همام الأهوازى ، ثقة من رجال (( الصحيحين )) ، وثـَّقه على بن المدينى ، والبخارى ، وابن حبان ، والدارقطنى . وقال أبو حاتم الرازى : صالح الحديث صدوق . وقـال أبو زرعة : صالح وسط . وقـال النسائى : ليس به بأس . وقـال ابن حبان : ثقة ربما أخطأ .
ولأجـل ذلك ، وتوفيقاً بـين كلام الأئمة ، قـال الحافظ ابـن حجر (( التقريب ))(2/161) : (( صدوق ربما وهم )) . وفرقٌ بين هذا وبين ما نقله عنه الشيخ الألبانى بالمعنى بقوله (( صدوق يهم )) ، فإن الحكم الصحيح ينبؤ عن قلة وهمه أو ندرته ، بينما ينبؤ الثانى عن الكثرة واللزوم !! .
وعليه ، فالأهوازى ثقة ربما أخطأ كما يخطئ غيرُه من الثقات ، فمثله ما لم يخالفه من هو أوثـق منه متلقى حديثه بالقبول والتصحيح ، وإن تفرد ، كما هو معلوم من (( قواعد علم المصطلح )) .
فلننظر فى حديث جرير الذى ظنَّ الشيخ الألبانى ـ طيَّب الله ثراه ـ أنه يعارض حديث أبى همام الأهوازى الثقة الصدوق ، ولو أنَّه طالع (( سنن الدارقطنى )) ، ما خفى عليه ضعفه .
أخـرجه الدارقطنى (3/35/140) قـال : حدَّثـنا هبيرة بـن محمد بـن أحمد الشيبانى نا أبو ميسرة النهاوندى نا جرير عن أبى حيان التيمى عن أبيه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( يدُ الله على الشريكين ما لم يخُنْ أحدُهما صاحبَه ، فإذا خانَ أحدُهما صاحبَه رفعَها عنْهُما )) .
قـلت : فمن أبو ميسرة هذا الذى أدخل هذا الحديث على جرير بن عبد الحميد ؟؟ ، وهل تقوى روايته المرسلة مع شدة ضعفه على معارضة رواية أبى همام الثقة الصدوق ؟! .
قال ابن حبان فى (( المجروحين والمتروكين ))(1/144) : (( أحمد بن عبد اللَّه بن ميسرة الحرانى ، أبو ميسرة النهاوندى . يأتى عن الثقات بما ليس من أحاديث الأثبات ، لا يحل الاحتجاج به )) ، وذكر له حديثين عن ابن عمر ، وقال : (( هذان خبران باطلان رفعهما )) .
وقال أبو أحمد بن عدى فى (( الكامل فى الضعفاء ))(1/176) : (( كان بهمدان . حدَّث عن الثقات بالمناكير، ويحدِّث عمن لا يعرف ويسرق حديث الناس )) .
قـلت : فهذه رواية واهية بمرة ، لا يحل الاحتجاج بها لحال أبى ميسرة النهاوندى . والذى أعتـقده أن الألبـانى لم ينظر فى إسـناد الدارقطنى ، ولو فعل فلم يكن ليخفى عليه شدة ضعف رواية أبى ميسرة ، وإنما قال ما قاله تحسيناً للظن بابن القطان ، وتقليداً له !! .
فإذ قد بان أن الحديث الموصول لا يعارض بهذه الرواية الواهية ، فقد ثبتت صحته ، ووجب الاحتجاج به .
وتمام البحث ، أن نقول (( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقى إلا بالله )) ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .