PDA

View Full Version : صدى النبض في عروق ناقد..دراسة نقدية لكتيب "نبض قلب في عروق قلم" للكاتبة هدى 76


المجاهد عمر
21-02-2004, 12:36 PM
http://www.almeshkat.net/vb/images/bism.gif

صدى النبض في عروق ناقد

دراسة نقدية لكتيب:
(نبض قلب في عروق قلم)

للكاتبة القديرة هدى 76


أصـــــــــداء النبضة الأولى (أ مريكي ســــــا م)


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده...أما بعد :


فلا أنضب الله قلمًًـا خط الآهة تبصرة لمن يتبصر ، وجسد الخطر مغامرًًا متهورًا لا يتوانى عن الهلكة ولا يتأخر ، وأنذر بالغصة شعوباً أضحت إمعة فلم تتدبر…فلا يزال القلم خير رسول ، ولا يزال جهاده باقيا مدى الدهور…


ألا بارك الله حروفك الناطقة وكلماتك الصادقة !!

أما وأن لكل كاتب فكرة ولكل قارئ نظرة قد تحالف الصواب وقد تجانبه ، فقد قرأت وأعجبت ثم تمعنت فعقبت فكانت هذه الدراسة المتواضعة التي بذلت فيها جهد المقل ، ولا أعلم أوفقت فيها أم أخفقت ، فإن وفقت فمن الله وإن أخفقت فمن نفسي .


أما فكرك أختي في الله...فسامٍ يترجم عن غيرة وحمية ونفس حرة تأبى التميع والتبعية وتنعى الذوبان في الوحل والتجرد من الهوية..


وأما لغة خطابك...فراقية تسفر عن سلاسة في اللفظ وسهولة في التعبير والعرض يزيدها التمثيل قوة في الإيضاح والبيان وتقريب المعنى للأذهان ، وليس هناك أروع من وصفك للأجنبي الضار بالأفعى وتصويرك لضرره بالسم إذ التوافق بين الاثنين واضح في الخفاء وسرعة السريان..تصوير رائع حقيقة يكشف عن قدرة في الإحكام وقوة في الإفصاح والبيان..ناهيك عن تعبيرك عن دعاياه المضللة بالفحيح..وهنا تبلغ الصورة الذروة فتبدو شاخصة للعيان ناطقة بلا ترجمان..ثم إن في صورة التكبيل بقيود الاستعمار الجديد لتلك الفئة التي ألفت الأفاعي وراقت لها السموم إيجاز بليغ ومعنى عميق يسفر عن مهانة وخنوع لمن استسلموا بسذاجة لغزو بات يسلبهم العزة والمهابة ليسلمهم إلى الهاوية فأضحوا كالمكبلين الذين لا يملكون من أمرهم شيئا سوى التبعية..ألا تعس التابع والمتبوع ومما تجدر الإشادة به في هذا المقام ولعله من أروع ما تميز به بيانك ما انطوى عليه لسانك وأسفر عنه بنانك
من تركيز مدل وإيجاز غير مخل...وبذا فنعم إذ خير الكلام ما قل ودل .


حينما تصبح الحقيقة غصة ، فإن للقلب نبضة ، وللقلم ثورة ، ولابد للنصح
من صولة وجولة....ولا يكون ذلك إلا من غيور!!!

ولكن ليت شعري...هل تم بيان دون نقصان في غير السنة والقرآن ؟!!
وهل برأت ساحة كاتب أو أديب من الاستدراك كائنا من كان ؟!!


إن حاجة كل كاتب إلى مساحة لتبادل الآراء واستقراء الأذهان لا تزال من الأهمية بمكان إذ بها تستنير الأفهام !

وإن لي لتحفظا حول عنوانك (أمريكي سام) وأعني تحديدا لفظة (أمريكي) فهذا الاسم المنسوب إنما هو نسبة إلى أمريكا..وبهذه النسبة دخل الأمريكي في طائفة الأمريكيين وانتسب إليهم...ثم جاءت الصفة (سام) لتصدق على غالبية الأمريكيين – كما ذكرت – نعم أوافقك في أن الوصف صادق لاعتبارات كثيرة قد نلمسها في الحياة من حولنا كما حصل معك ذلك الأمس ولكنه – مع فائق احترامي – قاصر ، إذ هو بعيد جل البعد عن الشمول والموضوعية.....

لــــــم ؟؟

أقول : أفهم وحدهم من ينفث السموم ؟!! (بصرف النظر عن حجم الضرر)


إنه وإن وقع بصرك على ذلك الأمريكي السام فأرى أن الأمر لا ينبغي حصره وقصره على طائفة الأمريكيين الذين ينتسب إليهم ذلك الأمريكي السام فالمؤامرة أوسع بكثير ، فمن يتقمصون أدوار البطولة في هذه المأساة التراجيدية ليسوا سوى أمزجة متباينة من الأجانب !!

إذ أين الفرنسي السام الذي يقتنص العفة ليهلكها بما ينفثه من سموم العهر والإسفاف ثم ينحرها ببطء على أرصفة الضياع ، فما رفق بالعفة ولا أحسن الذبحة !! ثم أين البريطاني السـام الذي لا يفتأ ينفث سموم الحرية والمدنية ويعد الإسلام تخلفا ورجعية !! وأين ............... ؟ و أين..............؟ و أين…………….؟؟


أضاعوا وغابوا عن ذهنك عند فورة الحمية لحظة نظرت ذلك السام ؟!.....إن من الأهمية بمكان ألا نفقد الموضوعية حين تجيش بنا الحمية فتنحجب عن أعيننا الرؤية الجلية...إن غالبية أولئك في الحقيقة ليسوا سوى أفاعٍ بشرية تنفث السموم وما ذاك الأمريكي السام إلا صورة مستنسخة لآلاف من غالبية الأجانب الغرب أو العرب الذين جانبونا بالفكر والروح والهوية ثم انسلخوا من الدين وحملوا راية التبعية من العلمانية..إذن لم نضيق الدائرة ولا ننظر بعين الاعتبار إلا للأمريكي...إن النظرة المستقصية الفاحصة تظهر غير قليل من الأمور الفاضحة التي لا ينبغي التعامي عنها ، فكثير من أبناء الشعوب المعنية ليسوا سوى أنصار لتلك الأذناب الأجنبية وتلك الفئات لا توفر جهدًا في دس السم في الدسم وأرى أنك قد أومأت إليها حين وصفتها بأنها الموزع الوحيد والوكيل المعتمد لتلك الأفاعي بعد أن تبنت تلك السموم...وبعد هذا أفلا ترين أن الوصف بالسمية سيكون أصدق لو أطلق على الأجنبي بعامة دون تحديد ، إذ جاء في معنى الأجنبي لغة : البعيد في القرابة أو في الغربة...إذن فالوصف بالسمية يصدق على كل ضار من الأمريكيين أو غيرهم من الأذناب الأجنبية الغربية أو ممن ومن والاهم من أبناء جلدتنا ممن انتسبوا إلى العلمانية ، فسمية هؤلاء ليست بأقل ضررًا من سمية أولئك فكلاهما متلوث بأفيون المغامرة الدنية بل إن سمية أجنبي الشعوب المعنية قد تكون أكثر ضررًا وأبعد شأوًا فأهل مكة أدرى بشعابها ، وصدق القائل حين قال :

احذر عــدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديـق فكـان أدرى بالمضـرة

وقد تكون أسباب الانقلاب ذاتية بعيدة عن أي محاولات بشرية أعني دون أدنى تأثر بالسموم التي ينفثها الأمريكي أو غيره وإنما هو انتصار لهوى نفسي آدمي..

وأما بخصوص ما أثرته بشأن أخذ قواعد اللغة والتمكين فمن المؤسف الذي لا مجال لإنكاره أن اللغة الأجنبية أضحت اليوم عصب الحياة العملية بلا منازع ، الأمر الذي جعل تعلمها وتعليمها للأبناء ضرورة حتمية للاستعانة بها لا للتفرنج – فتلك قضية لا مجال للخوض فيها هنا...


وبما أن مرحلة الطفولة هي أخصب مراحل التلقي عند الطفل زاد الحرص على تعليمه اللغة منذ سنواته المبكرة ليصل إلى حد الإتقان والتمكين...إلا إن تقديم الطفل في هذه المرحلة لأخذ قواعد اللغة لا بد أن يقنن بضوابط وقوانين ومتابعة واعية من الوالدين فلا يكون بمنأى عن غرس القيم ومبادئ الدين ، وتظل المتابعة الواعية من الوالدين هي الفيصل في هذا المزلق الخطر فإن كانا من المنخدعين فقد أصبح الطفل ضحية – كما ذكرت – نعم أوافقك الرأي في ذلك فذاك أمر لا يغفل عنه ذو لب عاقل..إلا أنه مما يجب التنويه بشأنه في هذا المقام إن تعلم اللغة أمر لا يرفضه الدين بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت بتعلم لغة اليهود ليقرأ له كتبهم فتعلمها كما أخرج أحمد والحاكم والطبراني بإسناد صحيح .


وأختم تعقباتي بتنويه وجيز حول ما أثرته من تساؤلات في نهاية المطاف أعقبتها بأن تركت لنا الاختيار !!


وأقول لك : عفوا فلا مجال للاختيار ، إذ كلا الأمرين حاصل...فأما الشعوب التي حذت حذو ذلك المغامر المجهول وباتت تتجرع السموم بحب وقبول ثم استقدمت الأفاعي وأطلقتها فلسان حالها أبلغ من أن يتوقع لها..يقول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه : (يكون دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا…الحديث) (أخرجه الألباني في سنن ابن ماجة بسند صحيح)

وأما الفئة التي عارضت وأصبحت غريبة فستناضل وستستمد القوة من دينها – بإذن الله – والتي نسأل الله أن تكون من الطائفة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة) (أخرجه الألباني في سنن ابن ماجة بسند صحيح)


إن الاختيار الذي بأيدينا حقًـا هو : من أي الفريقين نكون ؟؟؟


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، ، ،



نتابع معكم لاحقاً دراسة الموضوع الذي يليه (سري للغاية)…



مع تحيات أخوكم في الله

المجاهد عمر


http://www.hamidco.jeeran.com/images/80.gif

http://www.angelfire.com/al4/swarm/bt.kh6

البحاري
22-02-2004, 03:38 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما شاء الله جهد جميل ..

في الحقيق الأخت الكريمة هدي ( أو كما يطيب لي دائما قول " الدكتورة هدي " ) كاتبة مميزة فعلى الرغم من تخصصها العلمي في مجال الحاسب إلا أنها نموذج للفتاة المسلمة .. ونفتخر أن نقرأ لها دوما كل ممتع ومفيد .. ويعلم الله أنها من الأعضاء الذين تركوا بصمه خاصة في حياتي خلال مشواري في سوالف

تحياتي لك .. أخوك أبو عمر:)

مدردش متقاعد
24-02-2004, 02:59 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جهد طيب ماشاء الله في تحليل كتابات الأخت القديرة و الفاضلة هدى 76 التي تستحق كل الثناء و التقدير .. فهي مثل ما تفضل الأخ الكريم أبو غازي مثال للفتاة المسلمة الملتزمة و الواعية بما يحيط بها من أخطار...
أتمنى أن تكون قد أرسلت نسخة من هذا المقال إليها عبر الإيميل قبل نشرك له في المنتدى:)


تحياتي لك

Huda76
26-02-2004, 03:16 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما شاء الله .. تبارك الله .. لا قوة إلا بالله ..

أخي الكريم الفاضل المجاهد عمر ..

أسعد الله دنياك بالإيمان وعمّر آخرتك بالإحسان ..

لا أعلم كيف أبدأ أو ماذا أقول !!

ولا أستطيع وصف وقع هذه المفاجأة الرائعة ..

كلماتك ألجمت كلماتي ..

مهما كتبت وسطرّت لن أفيك حقك ..

أظل عاجزة عن شكرك على فكرك ووقتك الذي قضيته في كتابة وطرح هذه الرؤية التحليلية الرائعة ..

رؤيتك محل تقدير واحترام ولاشك بأنها ستكون دافعا لمزيد من العطاء والتحليق في سماء الإبداع ..

سأتابع كل رؤياك التحليلية لمواضيعي المتواضعة بصمــــــت واهتمام .. ولي عودة - إن شاء الله - عندما يصلني صدى آخر حروفك ..

ممتنة .. لك مني كل الشكر والتقدير

المجاهد عمر
27-02-2004, 04:49 PM
الأخ الحبيب "البحاري"...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ، ،

جزاك الله خيراً على تعقيبك اللطيف ، والأخت "هدى" نموذج للفتاة المسلمة الواعية ، أسعدتني مشاركتك من الأعماق!!


شكرا لك :)


المجاهد عمر

المجاهد عمر
03-03-2004, 04:54 AM
الأخ "مدردش متقاعد"....

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ، ،

جزاك الله خيراً وهذا أقل الواجب نحو الأخت هدى ، ونعتذر مقدماً عن التقصير...

مع الأسف...

لم أرسل لها على بريدها ، لأنني لا أمتلك عقليتك المنظمة....:)


ولكنها لاحظت الموضوع كما علمت....



المجاهد عمر

المجاهد عمر
04-03-2004, 07:48 AM
الأخت الفاضلة هدى ثبتها الله على الحق دائماً وأبداً...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ، ،

جزاك الله خيراً على دعاءك لأخيك ، وأسأل الله أن يجعل كتاباتنا حجة لنا يوم القيامة...


أحمد الله أن كان وقع هذه الدراسة لطيفاً على قلبك ، وخفيفاً على نفسك ، رغم إنني كنت متردداً في وضعها ، خوفاً من أن يكون لأي كلمة توجيهية أثرٌ عكسي...

ولكن أحمد الله أنك كنت كما توقعت "عالية كالسحاب" ، معطاءة كالريح المرسلة...

إن ما لفت نظري في كتاباتك ، هو نموذجٌ متميز لعزة الفتاة المسلمة بدينها ، وثقافتها المستمدة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فأصبح لزاماً علي أن أساهم بجهدٍ متواضعٍ ومبذول في نفس الوقت في أن أعرف بمكامن الروعة ، في ريشة قلمٍ معطاء ! إن كلماتي لم تكن لتلجم كلماتك ، فقد خلقت لتبقى شاهداً على إبداعك ، وعلى نظرتك الراقية لواقعنا المعاصر ، وتجديفك بقوة عكس التيار...


ولا داعي لتسطير أياً من كلمات الشكر أو الثناء أوالتقدير لشخصي ، فتقديرك لي من الممكن أن أراه في مقالة تذبين فيها عن أعراض المسلمين ، أو موضوعٍ توجهين النصيحة به إلى فتاة مسلمة ، أو في أي أمرٍ ينفع الناس في أمر دينهم ، سواء كانت في منتدى ، أو حتى عبر مطوية...


بارك الله فيك ، ونفعنا الله بما تكتبين ، وأسأل الله أن يضع بهذا العمل أوزارك ، ويرفع قدرك في عليين ، كما رفعت رؤوسنا فخراً بك !



أخوكم في الله

المجاهد عمر

Huda76
07-03-2004, 01:10 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي الكريم بو عمر :)

عمّر الله أوقاتك بالإيمان والتقوى ..

جزاك الله خير الجزاء على حسن ظنك بي ..

أسأل الله أن يجعلني خيرا مما تظنون وأنا يغفر لي ما لا تعلمون ..

أعجز عن شكرك .. حروفي تتوارى خجلا أمام ما تمطرني به دائما من تقدير واحترام ..

حفظك الله ورعاك ..

لك احترامي :)

المجاهد عمر
08-03-2004, 10:08 AM
أصداء النبضة الثانية (سـري للغـايـة) !

حمداً لمن علم مكنون السرائر ، وأحاط بما أسرته النفوس وأخفته الضمائر، ثم هو أعلم بما جهرت به الألسن مما حاك في الصدور وجال في الخواطر، القائل عز من قائل :(وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور)[/COLOR الملك (13) .


الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على نبيه الذي اصطفى ، أما بعد :

فنبض قلب ووقفة جديدة مع نبضة صادقة من نبضات قلب يخفق بالمودة ويدين بالنصح لمن أوده...نبض قلب ووصية بالسرية في لفتة دعوية تجلت في معرض سلس بديباجة تخاطب العقل قبل الحس ، وتنضح بحكمة نطق بها من وعوا الدرس ، فقال قائلهم :

[COLOR=red]إذا ضاق صدر المرء عن كتم سره فصدر الذي يستودع السر أضيق
(ومن هذا المعنى ما يستثنى فليس مستودعوا السر سواء إذ منهم الأمناء)

فكرة لطالما طرقت ، وألفاظ لطالما استهلكت ، ولكنها لم تتناول بهذا الإحكام فجاءت بليغة الوقع بعيدة العمق ، وما كان عمق المعنى ليدرك بجلاء لو كان بمعزل عن تلك الدقة في الانتقاء...انتقاء اللفظ أعني !!!


أما اختيارك لكلمة(آذان) بصيغة الجمع في سياق قولك : (يتمرد اللسان فيمضي باحثا عن آذان) فقمة الدقة !! ففي خضم ثورة اللسان وإعلانه للتمرد على الكتمان الذي استحال معه الصبر تبدأ رحلة البحث عن آذان ! نعم (آذان) ...وللجمع دلالته البالغة...فأقله ثلاثة ولنا أن نوسع دلالته ما شئنا حتى يبلغ الجمع محفلا !

إن الناظر لهذه اللفظة يجد ولأول وهلة أنه لا إشكال في قضية الجمع...وكفى بما أشرت إليه من أمر الاجتماع في دار الأرقم بن أبي الأرقم سرا شاهدا على صحة النظرة ؛ فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم جمعا وظل الأمر سرا إلى الأجل الذي سمي له صلوات الله وسلامه عليه حين صدع بالدعوة وجهر ، فلم تضق صدورهم بسرهم آنذاك ولكن الدقة التي أعجبتني ، تلك التي تجلت حين عمدت إلى تنكير الجمع ففي لفظة (آذان) المنكرة ما أفاد معنى العموم ، فذلك اللسان المتمرد في ظل غيبة الوعي وتملك الضيق يبحث عن أي آذان دون أدنى تريث أو احتراس وهنا يكمل الخطر...فلله درك حين جمعت ونكرت !!

وما كان ناقوس الخطر ليدق لو جاءت الكلمة مجموعة معرفة ولم تنكر ، ففي ذاك دلالة على تحري الآذان التي يمكن أن تستودع عندها الأسرار ، في حين لو أفردت اللفظة وعرفت فجاء السياق: (فيمضي باحثا عن الأذن التي يستودعها الكلمات ثم العبارات) لاختلف المعنى وبلغ السر مأمنا ؛ إذ في الإفراد والتعريف ما يفيد معنى التعيين للأذن المنتقاة التي ستكون حتما أهلا للاستيداع وهذا هو الاستثناء الذي عنيته في قول الشاعر السالف الذكر ، ويؤيده قول الآخر :

لاتفـش سـرك ما استطعت إلى امرئ يفشي إليك سرائرا تسـتـودع
فكمـا تـراه بسـر غيرك صـانـع فكذا بسرك لا محالة يصـنـع

إذن لابد أن يكون من يسر إليه الأمر أهلا لحفظه ، ولو لم يكن كذلك ما أسر المصطفى عليه الصلاة والسلام لسيدة نساء المؤمنين في الجنة رضوان الله عليها خبر دنو أجله وأنها أسرع أهله لحوقا به ، وقد ضربت أروع مثلا في الكتمان فما كانت لتقبل إفشاء ما أسر به إليها صلوات الله وسلامه عليه حتى لأحب زوجاته إليه رضوان الله عليهما ، ولو لم يكن كذلك ما أسر صلوات الله وسلامه عليه إلى حذيفة بن اليمان بالطائفة المنافقة من بين أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين فكان خير من يؤتمن ولم يفرط في الأمانة رغم إلحاح عمر بن الخطاب رضوان الله عليهما مهابة أن يكون من تلك الطائفة !

إن في هذه الأمثلة الحية ما يجعلنا نوضح القول في معنى السرية !!

فللسرية معنى قد يضيق فيقتصر على ما يسره المرء في نفسه فلا يظهر لكائن من كان كإسرار يوسف عليه السلام ما وجده في نفسه على إخوته حين رموه بالسرقة والتي عبر عنها سبحانه وتعالى بهذا المعنى فقال : (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) يوسف (77) .


وقد يتجاوز هذا النطاق فيتسع لفرد مخصوص ، فالله سبحانه وتعالى قد عبر بما أخبر المصطفى صلوات الله وسلامه عليه زوجه حفصة رضوان الله عليها بما اشتق من لفظة(السرية)فقال : (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) التحريم (3) .


وقد يتسع ليشمل فئة أو طائفة كما كان من أمر الاجتماع في دار الأرقم بن أبي الأرقم السالف الذكر !!! ولو لم تكن للسرية هذه المراتب المتباينة لانتفت معها معان كثيرة ولفاتت المرء مغانم جليلة كحرمان المشورة من أهل الحكمة والدراية !! فإن كنت قد عنيت من السرية هذه المراتب فأنا أوافقك بأنها عامل من عوامل النجاح في الحياة بحسب ما يقتضيه الحال الذي تتعين معه مرتبة دون أخرى ، أما إن قصدت من السرية معناها العام الذي لا يجاوز الفرد إلى غيره فأنا أخالفك الرأي فليست هي عامل نجاح في الغالب العام بقدر ما تكون هاجسا مرهقا للفكر والحس يؤذن بالانفجار غير المحمود على المدى البعيد !! أما بشأن ما ذكرت من تطبيق المصطفى عليه الصلاة والسلام لمبدأ السرية فقد تعقبت أمثلة دالة مناسبة قصدت فيها السرية قصداً أولياً كما كان من أمر بداية الدعوة والاجتماع في دار الأرقم بن أبي الأرقم إلا أن تعبده عليه الصلاة والسلام في غار حراء لم يكن بالأمر الذي قصد عليه الصلاة والسلام السرية فيه قصدا أوليا ؛ إذ لم يكن هدفه إسرار الأمر وإنما كانت حاجة في نفسه إلى الخلوة للتعبد بعيداً عن صخب الحياة ، ومما يجدر التنبيه إليه أننا إنما نستلهم من رسول الله ونتأسى بسنته صلوات الله وسلامه عليه بما فعله بعد بعثته ، أما ما كان قبل بعثته فلم يكن سنة نحتذيها وإنما هو في ذلك كغيره من عامة الناس .

ولعل من أجمل ما سطرت تلك الكلمات التي قرأتها في شأن الثمار التي تجنى من السرية فكما قلت سري للغاية...أقول : وللسر غاية...وإن عزو أي كلمة إلى قائلها يكسبها قوة ويجعلها أكثر تأثيرا ؛ فإن صدرت عن حكيم أيقنت النفس أنه إنما نطق بها عن تجربة ودراية ، وإن صدرت عن فيلسوف فقد علم بالضرورة أنها لاتخلو من شطحة خيال وكان من الصعوبة بمكان ترجمتها إلى واقع حي على ساحة الحياة ، ولا أعني أن تكلف نسبة كل نص أو مقولة إلى قائلها ضرورة لا تتم الاستفادة دونها فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها ولكنه من قبيل المفاضلة !!

أما بخصوص عدم التفريط في الأملاك فلا أجد تأييدا لك أجمل مما قاله الإمام العادل عمر بن عبد العزيز :

(القلوب أوعية الأسرار، والشفاه أقفالها ، والألسن مفاتيحها ، فليحفظ كل امرئ مفتاح سره)

فتلك وقفات رأيت أن استظهارها كان من الأهمية بمكان ، والحمد لله الواحد الديان...

حين تضيق النفس بسرها ، وتنعدم النفس التي نطمئن أن نسرها !!
فسجدة ونجوى وبث وشكوى لمن له السرائـر تبلى !! وبذا فنعم !!


نتابع معكم لاحقاً دراسة الموضوع الذي يليه (ليست مجرد وعود)



أخوكم في الله
المجاهد عمر