PDA

View Full Version : إنها الحقيقة - قصة قصيرة


romancy55
25-12-2002, 10:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم .

السلام عليكم و رحمة الله و بركته،



قد تكون مجموعة من الرسائل التي بدأت تنتشر هذه الأيام سببا ألقى في عقلي شرارة الفكرة التي صغتها على هيئة قصة تحت عنوان :

إنها الحقيقة ...

فأرجو أن تحوز على إعجابكم ... و الله من وراء ذلك و الله و لي التوفيق



---



دارت بي الدنيا لوهلة، ثم انقطع وعيي ...

و فجأة ، استعدته على شيء من الخوف و الألم .

حاولت أن أدرك ما حولي، و أن أعرف أين أنا ، و إذا بجبيني يشد جفناي إلى أعلى ليكشف المنظر لعيناي ... لم يكن هنالك نور، و لم يكن هنالك ظلام حتى ، لا توجد أشياء كالتي عهدتها ... فجالت التسائلات في نفسي و لكن الإجابات لم تسعفني.



حاولت النهوض و الحركة من مكاني، و لكن محاولاتي باءت بالفشل فأنا بالكاد أفتح عيني... ثم عدت أتساءل : ماذا يجري هنا؟ ما هي حقيقة ذلك ؟ ... و لم أكن لأستغرق في تفكيري حتى ...

... حتى ضج محيطي بصوت اعادني إلى غيبوبتي .



بينا أنا كذلك، بدأت تتداعى الذكرايات على خاطري سراعا، بين صور مبهمة لا أكاد أتعرف عليها ، و بين أصوات متداخلة لا أكاد أميزها ، و بين كلمات متناثرة في فلك الفراغ المتأجج بنار الذكرايات ... و كلها ملأت أركان كياني الضائع في غياهب المجهول ...



توالت المشاهد علي و أنا في دهشتي متسمر، فتلك صور أهلي و صوت ضحكهم ، و هاهي وجوه أصحابي تلوح أمامي و غير ذلك من المشاهد ... حتى وصلت إلى مرحلة بدأت فيها المشاهد تزداد وضوحا ... فانتابتني الدهشة حين امتثلت صورتي في مشهد من المشاهد و أنا أجري مسرعا من غرفتي قاصدا التلفاز لمشاهدت أحد المسلسلات التي كنت اتابعها، و بينما أنا أركض حتى تعثرت بصندوق كان على الأرض، و فإذا بي أرتطم بها ... و تلك كانت آخر المشاهد التي تداعت على خاطري، و منها مباشرة وعيت على نفسي في هذا الفراغ الغريب ...



لا ... لا ... أفقت من غيبوبتي مجددا و الذعر قد انساب في كياني كما ينساب الماء في القدح فيملأه عن آخره... لم أعد أفهم شيئا بعدما كنت صاحب التبريرت و التعليلات للأمور ... أنا الآن لا أملك للنفسي أي تفسير.



و ما هي إلا لحظات تعد، حتى انبجس ذلك النور من عمق الفراغ، و إثرذلك لم تتحمل عيناي شدته ، فأرخيت جفوني كي لا أصاب بالعمى ...



و بينما أنا على ذلك الحال، مستترا بجفوني ، ملتحفا بالظلام، فإذا بأحد يهز كتفي كأنه يوقظني، قائلا : إنهض، إنهض لا محل للنوم هنا، آن الأوان أن تحاسب على ما فعلت و تسأل عما تركت...

لم أستطع فهم مقاله و لا إدراك معناه، و لكن تحاملت على ذلك النور و أسدلت جفوني لأرى من الذي يقف خلف جفوني و يخاطبني. و حين فتحت عيني ... وقع بصري على اثنين ما خلتهما من البشر إذ حل عليهم من الجمال و حسن الهيئة و كمال الهيبة ما لم أره في حياتي قط .



فخاطبني الأول قائلا، أفق يا عبدالله ، أفق ... و أنا في محاولة لتقبل الوضع العجيب



... دوى ذلك النداء مخترقا مسامعي اختراقا :
( لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد)



إنبعث الجواب في على تساؤلاتي المنصرمة كالنور الذي القي في قلبي ... كأن أحدهم يقول:

ذهبت الدنيا بما فيها من زخارف و متاع يا عبدالله... عندها عرفت أنني قد فارقت الحياة ... عندها عرفت أني قد مت... عندها عرفت أني حين هويت على الأرض قد استلت روحي من جسدي استلالا ... و أنا الآن في عالم آخر ...



ناداني الأول و أنا في غمرة اندهاشي قائلا : أنا ملك أدعى الرقيب ، لازمتك فترة الدنيا مدونا كل خير عملته فنظر إلى صحيفة حسناتك .

ما إن حل نظري على تلك الصحيفة التي بدت كقطع من الشمس ذات نور و شذى بديع، حتى عادت الفرحة إلى نفسي بعد فترات طويلة من الخوف و الوجل. و حين فرغت من صحيفة حسناتي، لم يمهلني الآخر لأتمتع بفرحي و حبوري و بهجتي و سروري، قائلا : ياعبدالله ، إن كل ما اقترفت من سوء و ذنب قد كتب في هذه الصحيفة، فأنا الملك عتيد الذي كلفني ربي بأن أحصي كل فعل سوء سولت لك نفسك اقترافه، فانظر إلى صحيفة سيئاتك و كن من الشاهدين... ناولني عتيد تلك الصحيفة التي كانت من السواد بحيث يمكن تمييزها في أكثر ليالي الدنيا سوادا ... ليت حالي يبقى على صحيفتي الأولى و لا أرى سواد وجهي منعكسا في السواد و هذه صفحتي المخزية المحزنة ... فانهمر دمعي و جرى أنهارا من عيني ، و علا صوتي و اشتد بكائي ، فنادى مناد :

( و إنه هو أضحك و أبكى )



على ذلك ازداد نحيبي، و تعثرت الكلمات على لساني، إذ قلت لأحدهما: قد كنت في الدنيا قبل ساعة، فكيف آل بي الأمر إلى هنا، فرد قائلا :

( و ما تدري نفس ما تكسب غذا، و ما تدري نفس في أي أرض تموت)

و زاد الآخر قائلا، و إذ إلتفت إليه :

(نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين)



فسألت و قد ارتدت كلماتي ثوب اليأس : أين أنا الآن ؟... أين؟

.... لا جواب

... و ما هي إلى رمشة عين ـ حتى كأني أهوي من السماء السابعة إلى الأرض.



إرتعدت فرائص روحي من ماء منهمر و كف تقلبني و أنا لا أملك لها ردا، و قد جردت من ثيابي مرغما، فغسلوني و حنطوني، و لفوني بثوب كنت أستنكره في حياتي، و هاأنا ذا ألبسه... و على حالي المعتاد بين وعي و غياب أخرجوني من المغتسل ...



" لا إله إلا الله و حده لا شريك له..." كانت أصوات الجموع تدوي من حولي، و أنا بين باك و نائح و محولق – يقول لا حول و لا قوة إلا بالله – و بين حامد ، و آخر مواس يعزي أهلي و أقاربي ...

و بعد أن رد روعي رأيت نفسي على النعش و الأعواد موضوعا، و على الأكتاف مرفوعا، أتهادى بين الأكف كأنني في مركب يتقاذفه الموج ، و أنا في خطب مريع ...

و الله إني لأراهم و أسمعهم و لاكنهم لا يعلمون ...



و كأني بحفرة قد لاحت من مكان ليس ببعيد، و الناس من حولها ينتظرون وصولي ... و حينما بلغوا الحفرة ... حملني أحد أقاربي و أنزلني إلى مثواي الأخير، إلى بيت ضيقته الحجارة ، و كست الرمال جداره، و ارتادها الدود و الأفاعي و العقارب ... يا ويلتي من مستقري هذا ...



ثم بدأ الملقن تلقيني، بعد أن كشف عن وجهي الذي انعكس على عينيه اللتان امتلأتا بالدموع لدرجة أني رأيت وجهي الشاحب في عينيه الباكيتان... كان يهز كتفي كما فعل الملك من قبل ...

و ما إن أتموا مراسم التشييع حتى أهالوا على التراب تباعا، إلى أن حالت بيني و بينهم الرمال... و أنا أنادي و أصرخ : أرجوكم لا تتركوني وحيدا في هذه الحفرة الموحشة ، و لكنني لم أستطع الوصول إلى سقف صوتي، فإنها ساعة موتي ...

و إنها الحقيقة لا رد لها ...


اللهم لا تخرجنا من الدنيا حتى تعفو عنا

اللهم لقنا الحجة يوم لقائك

و الحمد لله رب العالمين

و صلى الله على محمد و آله الطاهرين



المفكر

نسألكم الدعاء
رمانسي