المبتسم
18-11-2002, 09:40 AM
استيقظ سليم من نومه في الصباح الباكر وهو يشتم و يلعن , فلقد تأخر في نومه عن مراجعة مصالحة في أحد المؤسسات الحكومية , وهو يعلم أن الموظف لن يقبل منه أوراقه لأنه تأخر , قام من فراشه وهو على عجل لعله يدرك آخر ساعة في الدوام , فبدء يبحث عن ثوبه و غترته في أرجاء الغرفة و خلف الباب و تحت السرير !! لكنه لم يجدها , فصاح في زوجته : يا أم مقرن , يا أم مقرن , أين الثوب و الغترة ؟؟ , فقالت له : إنها معلقة في الدولاب كالعادة يا حبيبي !! , فقال في تعجب : معلقة !!؟؟ , ففتح الدولاب فإذا بثوبه و غترته معلقان في الدولاب نظيفان و مكويان على غير عادة , لم يرد الدخول مع زوجته في جدال على هذا السلوك الغير معتاد منها , ارتدى ملابسه مسرعا و توجه إلى المطبخ ليأكل أي شيء من الثلاجة , فهو يعلم أن زوجته نائمة , ولن تقوم لتعد له طعام الإفطار , ولكن كانت المفاجئة , فلقد لفت نظره تلك المائدة , وكان بها طبق فول و طبق بيض و طبق جبن و كوب حليب و آخر من عصير البرتقال و بعض الخبز , و كانت زوجته تجلس على المائدة مرتدية أجمل ثيابها .
خرج سليم من منزله وهو لا يعلم ماذا حدث لزوجته !! لعلها جنت , أو أصابها مس من الشيطان , عندما وصل إلى الشارع رفع ثوبه حتى لا تبلله مياه المجاري الراكدة في هذا الحي منذ سنين , لكن يا للعجب , أين ذهبت مياه المجاري , لا أثر لها , ولا حتى لرائحتها الكريهة , لقد كان الشارع في منتهى النظافة ممتلئ بالأشجار و الأزهار الجميلة , و الأغرب من ذلك أنه رأى جيرانه الذين يعرفهم حق المعرفة , ولكن أشكالهم قد تغيرت , فقد كان الجميع في مظهر جميل أنيق جذاب , يسيرون في الشوارع في أدب و هدوء مع ابتسامة صباحية جميلة , تزيد من ضوء الصبح ضياء , و كان الجميع يسلمون عليه , ويحيونه بتحية الإسلام , وقف سليم أمام سيارته متصلبا , فاتحا فاه و الدهشة قد عقدت لسانه , فكاد أن ينسى موعده لولا أن تذكر في اللحظة الأخيرة .
أسرع سليم إلى سيارته , فركبها و توجه مسرعا إلى المؤسسة , وهو ينظر إلى الطريق متحاشيا الحفر أو المطبات أو البالوعات التي لم تغلق يوما , و لكن يا للعجب , أين ذهبت المطبات أو تلك الحفر أو البالوعات , لم يكن هناك أي أثر لتلك الأشياء , حتى أن سليم بدء يشك أن هذه المدينة هي مدينته , لولا أن اللافتات تأكد ذلك , شعر سليم أن عقله سوف يطير و أنه سوف يجن , حتى أنه كاد أن يرتطم بجدران أحد المباني , لولا أنه تدارك الموقف في اللحظة الأخيرة .
وصل سليم إلى المؤسسة , وخرج من سيارته مسرعا وهو يضع يده على غترته , لكي لا تطير من أثر السرعة , و توجه فورا إلى السلالم , فهو يعلم أن المصعد معطل منذ أنشأت المؤسسة , و فجأة أمسك بيده رجل وقال له : لماذا تستخدم السلالم يا سيدي و المصعد موجود !!؟؟ , نظر إليه سليم و الدهشة قد ملئت وجهه و قال له : و من أنت ؟ قال له : أنا عامل المصعد يا سيدي سليم , معقول أنك لا تعرفني !! أم أنك تتناسى ؟؟ , سحب عامل المصعد سليم من يده إلى داخل المصعد دون أن يجد منه أدنى مقاومة !! , و أوصله إلى طابق قسم المراجعات , ثم قال لسليم : لقد وصلنا يا سيدي , لكن سليم لم يرد , هز عامل المصعد سليم بيده وهو يقول له : هل أنت مريض يا سيدي ؟ عندها انتبه سليم و قال : هه , لا , لا شيء لا شيء !! , خرج سليم من المصعد متوجها إلى غرفة المراجعات , يا للهول !! أين ذلك الهجوم المعتاد على غرفة المراجعة من المصارعين ,,, عفوا !! أقصد المراجعين !! , لقد كان المراجعون يجلسون بهدوء و انتظام على المقاعد الطويلة , بل كان كل واحد منهم يؤثر أخاه على المراجعة قبله , و قلوبهم ممتلئة بالحب و المودة و الخير .
جلس سليم على أحد المقاعد و الدهشة تمزق نياط قلبه , وهو لا يدري أن كان في زمن آخر غير زمنه , أو في بلد آخر غير بلده , أين ذلك الروتين الذي لم يتغير منه شيء منذ سنوات ؟ و كأن الله أماته مائة عام ثم أحياه !! و كيف و كيف و كيف .... !!؟؟ أسئلة كثيرة تدور في رأس سليم ولا يجد لها أي إجابة أو تفسير , يا ترى ماذا حدث ؟ ماذا حدث ؟ , و فجأة قطع المنادي حبل أفكار سليم وهو ينادي : المراجع سليم , ليته يتكرم علينا بالدخول , لنراجع له ملفه .
دخل سليم الغرفة فرأى منظر عجيب , لقد كان الجميع منهمك في عمله , بل كانوا يتنافسون على خدمة المراجعين , لم يكن هناك أحد يحمل الجرائد , بل لم يكن هناك أثر للجرائد أصلا , و فورا وقف الموظف عندما رأى سليم , و على وجهه ابتسامة عريضة , و أخذ يصافح الموظف سليم بحرارة , و كأنه وجد ضالته التي فقدها منذ سنين , و أخذ منه أوراقه , و أجلسه على ذلك المقعد الفاخر , و الأغرب من ذلك أنه طلب لسليم ( عصير ليمون حتى يروق دمه !!! ) , سأل سليم الموظف وهو يتأتئ من شدة الدهشة لما يجري : هل أراجعك غدا يا أستاذ !!؟؟ , فقد أعتاد سليم أن يسمع من الموظفين العبارة الشهيرة ( رااااااجعناااااا بكـــــــرة !! ) , فقال الموظف في انفعال : لا , لا يا سيدي , ما هي إلى ربع ساعة , لا بل عشرة دقائق فقط , وتكون المعاملة جاهزة , اعتقد سليم أن الرجل يهزأ به !! لأن سلوك مثل هذا لم يصدر من أي موظف منذ سنين !! و لكن الرجل بدء يعمل بجد و نشاط , فما أتم السبعة دقائق حتى أنهى المعاملة , و التي لم تنتهي منذ سنين !! , لقد كانت الصدمة شديدة على سليم , فقد رأى من عظيم آيات ربه !! خرج سليم من المكتب وهو لا يصدق شيء مما يرى , وقد احمرت عيناه ثم بدء يترنح في مشيته , حتى سقط مغشيا عليه , من هول ما رأى .
فتح سليم عينيه , فرأى نفسه على سرير أبيض جميل في غرفة جميلة ممتلئة بالزهور العطرة , و بعد لحظة فتح باب الغرفة , و دخلت امرأة حسناء تحمل في يدها زهرة , تفتحت أزهار الصباح لابتسامتها , قالت له : هل نمت جيدا يا سيدي ؟؟ , و لكن سليم بادرها بسؤال آخر قائلا لها : هل أنا في الجنة ؟؟ هل أنا ميت ؟؟ فقالت له : بعيد الشر عنك يا سيدي ؟؟ أنت في مستشفى ال( ........ ) الحكومي !! , ثم ذهبت الممرضة و فتحت التلفاز , 0يا للعجب , لم يكن هناك إعلانات الشاي ولا اللبان , ولم يكن هناك أحد الأغاني الهابطة !! ولا المسلسلات التافهة !! ولا الأفلام العفنة !! , فقد ظهر عبر الشاشة مذيع ملتحي , وكان في ضيافته أحد علماء المسلمين , كانوا يتحدثون في مواضيع جادة , هادفة , تعني أحوال المسلمين في كل بلاد العالم بشكل مباشر !! و كان المسلمون يشاركونهم في الحوار بالهاتف عبر كل بلاد العالم .
أخذ سليم يبكي بحرقة وحرارة , ثم زاد بكاءه , ثم علا صوته و نحيبه , ثم شخص بصره إلى السماء , و فاضت روحه إلى بارئها .
أغلق أبو جاسم الكتاب , و قال لابنه : ما رأيك يا بني في هذه القصة الجميلة !!
قال جاسم : يا لها من قصة مأساوية يا أبي , لكنها بعيدة عن أرض الواقع !!
تأليف / المجــــادل
تحياتي ...
خرج سليم من منزله وهو لا يعلم ماذا حدث لزوجته !! لعلها جنت , أو أصابها مس من الشيطان , عندما وصل إلى الشارع رفع ثوبه حتى لا تبلله مياه المجاري الراكدة في هذا الحي منذ سنين , لكن يا للعجب , أين ذهبت مياه المجاري , لا أثر لها , ولا حتى لرائحتها الكريهة , لقد كان الشارع في منتهى النظافة ممتلئ بالأشجار و الأزهار الجميلة , و الأغرب من ذلك أنه رأى جيرانه الذين يعرفهم حق المعرفة , ولكن أشكالهم قد تغيرت , فقد كان الجميع في مظهر جميل أنيق جذاب , يسيرون في الشوارع في أدب و هدوء مع ابتسامة صباحية جميلة , تزيد من ضوء الصبح ضياء , و كان الجميع يسلمون عليه , ويحيونه بتحية الإسلام , وقف سليم أمام سيارته متصلبا , فاتحا فاه و الدهشة قد عقدت لسانه , فكاد أن ينسى موعده لولا أن تذكر في اللحظة الأخيرة .
أسرع سليم إلى سيارته , فركبها و توجه مسرعا إلى المؤسسة , وهو ينظر إلى الطريق متحاشيا الحفر أو المطبات أو البالوعات التي لم تغلق يوما , و لكن يا للعجب , أين ذهبت المطبات أو تلك الحفر أو البالوعات , لم يكن هناك أي أثر لتلك الأشياء , حتى أن سليم بدء يشك أن هذه المدينة هي مدينته , لولا أن اللافتات تأكد ذلك , شعر سليم أن عقله سوف يطير و أنه سوف يجن , حتى أنه كاد أن يرتطم بجدران أحد المباني , لولا أنه تدارك الموقف في اللحظة الأخيرة .
وصل سليم إلى المؤسسة , وخرج من سيارته مسرعا وهو يضع يده على غترته , لكي لا تطير من أثر السرعة , و توجه فورا إلى السلالم , فهو يعلم أن المصعد معطل منذ أنشأت المؤسسة , و فجأة أمسك بيده رجل وقال له : لماذا تستخدم السلالم يا سيدي و المصعد موجود !!؟؟ , نظر إليه سليم و الدهشة قد ملئت وجهه و قال له : و من أنت ؟ قال له : أنا عامل المصعد يا سيدي سليم , معقول أنك لا تعرفني !! أم أنك تتناسى ؟؟ , سحب عامل المصعد سليم من يده إلى داخل المصعد دون أن يجد منه أدنى مقاومة !! , و أوصله إلى طابق قسم المراجعات , ثم قال لسليم : لقد وصلنا يا سيدي , لكن سليم لم يرد , هز عامل المصعد سليم بيده وهو يقول له : هل أنت مريض يا سيدي ؟ عندها انتبه سليم و قال : هه , لا , لا شيء لا شيء !! , خرج سليم من المصعد متوجها إلى غرفة المراجعات , يا للهول !! أين ذلك الهجوم المعتاد على غرفة المراجعة من المصارعين ,,, عفوا !! أقصد المراجعين !! , لقد كان المراجعون يجلسون بهدوء و انتظام على المقاعد الطويلة , بل كان كل واحد منهم يؤثر أخاه على المراجعة قبله , و قلوبهم ممتلئة بالحب و المودة و الخير .
جلس سليم على أحد المقاعد و الدهشة تمزق نياط قلبه , وهو لا يدري أن كان في زمن آخر غير زمنه , أو في بلد آخر غير بلده , أين ذلك الروتين الذي لم يتغير منه شيء منذ سنوات ؟ و كأن الله أماته مائة عام ثم أحياه !! و كيف و كيف و كيف .... !!؟؟ أسئلة كثيرة تدور في رأس سليم ولا يجد لها أي إجابة أو تفسير , يا ترى ماذا حدث ؟ ماذا حدث ؟ , و فجأة قطع المنادي حبل أفكار سليم وهو ينادي : المراجع سليم , ليته يتكرم علينا بالدخول , لنراجع له ملفه .
دخل سليم الغرفة فرأى منظر عجيب , لقد كان الجميع منهمك في عمله , بل كانوا يتنافسون على خدمة المراجعين , لم يكن هناك أحد يحمل الجرائد , بل لم يكن هناك أثر للجرائد أصلا , و فورا وقف الموظف عندما رأى سليم , و على وجهه ابتسامة عريضة , و أخذ يصافح الموظف سليم بحرارة , و كأنه وجد ضالته التي فقدها منذ سنين , و أخذ منه أوراقه , و أجلسه على ذلك المقعد الفاخر , و الأغرب من ذلك أنه طلب لسليم ( عصير ليمون حتى يروق دمه !!! ) , سأل سليم الموظف وهو يتأتئ من شدة الدهشة لما يجري : هل أراجعك غدا يا أستاذ !!؟؟ , فقد أعتاد سليم أن يسمع من الموظفين العبارة الشهيرة ( رااااااجعناااااا بكـــــــرة !! ) , فقال الموظف في انفعال : لا , لا يا سيدي , ما هي إلى ربع ساعة , لا بل عشرة دقائق فقط , وتكون المعاملة جاهزة , اعتقد سليم أن الرجل يهزأ به !! لأن سلوك مثل هذا لم يصدر من أي موظف منذ سنين !! و لكن الرجل بدء يعمل بجد و نشاط , فما أتم السبعة دقائق حتى أنهى المعاملة , و التي لم تنتهي منذ سنين !! , لقد كانت الصدمة شديدة على سليم , فقد رأى من عظيم آيات ربه !! خرج سليم من المكتب وهو لا يصدق شيء مما يرى , وقد احمرت عيناه ثم بدء يترنح في مشيته , حتى سقط مغشيا عليه , من هول ما رأى .
فتح سليم عينيه , فرأى نفسه على سرير أبيض جميل في غرفة جميلة ممتلئة بالزهور العطرة , و بعد لحظة فتح باب الغرفة , و دخلت امرأة حسناء تحمل في يدها زهرة , تفتحت أزهار الصباح لابتسامتها , قالت له : هل نمت جيدا يا سيدي ؟؟ , و لكن سليم بادرها بسؤال آخر قائلا لها : هل أنا في الجنة ؟؟ هل أنا ميت ؟؟ فقالت له : بعيد الشر عنك يا سيدي ؟؟ أنت في مستشفى ال( ........ ) الحكومي !! , ثم ذهبت الممرضة و فتحت التلفاز , 0يا للعجب , لم يكن هناك إعلانات الشاي ولا اللبان , ولم يكن هناك أحد الأغاني الهابطة !! ولا المسلسلات التافهة !! ولا الأفلام العفنة !! , فقد ظهر عبر الشاشة مذيع ملتحي , وكان في ضيافته أحد علماء المسلمين , كانوا يتحدثون في مواضيع جادة , هادفة , تعني أحوال المسلمين في كل بلاد العالم بشكل مباشر !! و كان المسلمون يشاركونهم في الحوار بالهاتف عبر كل بلاد العالم .
أخذ سليم يبكي بحرقة وحرارة , ثم زاد بكاءه , ثم علا صوته و نحيبه , ثم شخص بصره إلى السماء , و فاضت روحه إلى بارئها .
أغلق أبو جاسم الكتاب , و قال لابنه : ما رأيك يا بني في هذه القصة الجميلة !!
قال جاسم : يا لها من قصة مأساوية يا أبي , لكنها بعيدة عن أرض الواقع !!
تأليف / المجــــادل
تحياتي ...