View Full Version : نقاط التحول في تاريخ العرب ( 3 )
الطارق
09-02-2002, 03:00 AM
الموضوع السابق
(( من نقاط التحول في تاريخ العرب )) على هذا الرابط :
http://www.swalif.net/sforum1/showthread.php?threadid=127756&highlight=%C7%E1%D8%C7%D1%DE
---------------------------------------------------------------------------------------
تعتبر معركة الزاب الأعلى معركة فاصلة في تاريخ العرب ، ونقطة تحول من عصر إلى عصر !
فبعد نجاح الثورة العباسية في خراسان في سنة 129 هـ وسيطرتها على العراق والمعركة الحاسمة بين جيوش العباسيين من جهة وجيوش الأمويين في سنة 132 هـ والتي فتحت أبواب الشام وعاصمة الأمويين دمشق وأزالت دولة الأمويين بعد حكم دام ما يقارب التسعين عام ليرث هذه الدولة العباسيين !
ولتعتبر هذه الثورة تحول في تاريخ العرب والمسلمين وكما يقول المؤرخ برنارد لويس : " كان حلول العباسيين محل الأمويين في حكم الجماعة الإسلامية أكثر من مجرد تغيير الأسرة الحاكمة . لقد كانت ثورة في تاريخ الإسلام ، تعين نقطة فاصلة فيه ، ولها من الأهمية ما للثورتين الفرنسية والروسية من الأهمية في تاريخ العرب " [ العالم الإسلامي في العصر العباسي / د : حسن أحمد محمود ،، د: أحمد إبراهيم الشريف / ص 11 ]
يثار جدلا كبير حول الثورة العباسية هل كانت نتاج ثورة الموالي ( أو الفرس بشكل خاص ) على سيطرة العرب وتغلبهم ، أم هي ثورة من قبل بعض العرب المبعدين المحرومين من السلطة ضد عرب المركز المتورميين بالسطة والمال ؟!
ورغم أن لكلى الطرفين وجهة نظر لهم أدلتهم التي بالإمكان الأخذ بها ! والاعتماد عليها ! إلى أنه والحق يقال أن وجهة النظر التي تعتبر ، ويمكن أن يأخذ بها هي أن للموالي دورا كبير في هذه الثورة وإن من نتاج هذه الثورة أنها ساوت بل وقل أنها أبرزت الموالي في هذا العهد ( على الأقل كان دورهم أعظم وأوضح في هذا العصر من عصر الأمويين الذي كانت السيادة فيه مطلقة للعرب ) ، وهناك الكثير من الأدلة التي تثبت هذا ، ومنها أن الدولة العباسية وفي فترة الخلفاء وحتى المأمون على الأقل ) تعتمد على مولاة إقليم خراسان ، كما أنه رويت الكثير من الأقوال عن الأئمة كإبراهيم الإمام ، والخليفة أبو جعفر المنصور والمأمون ما يدل على انحيازهم للموالي !
وبرز هذا أيضا في تعيين الوزراء الفرس وسيطرتهم في الدولة كالبرامكة في عهد هارون وأبناء سهل ( الفضل والحسن ) في عهد المأمون !
بل إن انتصار المأمون ( مرشح الفرس ) على الأمين ( مرشح العرب ) يدل ذلك على أن الموالي ( الفرس بشكل خاص ) كان في هذا العصر لهم الدور البارز والمساوي إن لم يكن الغالب في بعض الأحيان بل وفي كثير من الأحيان !
ورغم هذا فلا يمكن أن يقال أن الموالي والفرس بشكل خاص هم الذين كانت لهم الغلبة المطلقة في هذه الدولة بل أن مكانة العرب لم تزل قوية وظاهرة ودليل ذلك أن الكثير من رجال الدعوة العباسية ( هم النقباء ومن بينهم قحطبة الطائي الذي كان قائد الجيوش العباسية لمهاجمة العراق والجيش الأموي فيه بقيادة أبن هبيرة ، هذا مع العلم أن معظم الدعاة كانوا موالي ) من قبائل عربية ، كما أن الخلفاء أنفسهم والذي كانت السلطة بيدهم لم يكونوا إلا عرب وهاشميون بل بلغ الأمر أن يقدم أبو العباس السفاح على أخيه أبو جعفر المنصور مع أن هذا الأخير أكبر منه بعشر سنين لمجرد أن أبو العباس السفاح من والدين عربيين بعكس أبو جعفر المنصور الذي كانت والدته بربرية !
وحدث هذا للأمين والمأمون وقدم الأمين على المأمون بضغط البيت الهاشمي على هارون الرشيد !
بل إن أشكال القوة العربية تبرز حتى في الثقافة العربية ممثلة في الكاتبين الشهيرين أبو عثمان الجاحظ وابن قتيبة الدينوري وردهم على الشعوبية الحركة التي تحقر من العرب وتضع من أمرهم رغم أن هذين الكاتبان لم يكونا عربي الأصل !
وآين كان السبب في هذه الحركة إلا أنها أوجدت حكما جديد ونظام أخر غير النظام الأموي فلم تكن هذه الثورة فقط أنها أوجدت دولة جديدة هي الدولة العباسية التي ورثت أراضي الدولة الأموية بل إن هذه الدولة كانت سببا من أسباب تسارع ونمو الحضارة العربية الإسلامية لمسببات كثيرة من بينها بروز الموالي أو العناصر غير العربية وبالأخص العناصر الفارسية والتي لها تاريخ قديم مع الحضارة والتي أسهمت في بروز وتشكل الحضارة العربية فظهرت العلوم في العراق وبشكل كبير في البصرة والكوفة الذي كان التنافس بينهم جلي وواضح حتى لتعتبر هذين المدينتين عاصمتي الثقافة في ذلك العصر وإن كان للبصرة اليد الطولة والمكانة الأبرز ،،
كما أن انتقال مقر الخلافة إلى العراق والذي كان له مجدا عظيم في الحضارة بشكل أبرز من الشام مع ما عرف عن العراق من بروز الفتن والثورات في العصر الأموي والتي أوجدت الفرق والأحزاب التي تدافع وتجادل عن أفكارها كل هذا ويزيد عليه اهتمام الخلفاء العباسيين والتطور الذي حدث في الأمة الإسلامية والعربية واكتشاف العرب للورق بعد معركة كش بين العباسيين والصينيين التي حدثت في سنة 134 هـ في عهد الخليفة أبو العباس السفاح وانتشار اللغة العربية بين عناصر الدولة بعد مرور أكثر من مائة عام على الهيمنة العربية ..
كل هذا كان سببا في ظهور التدوين وبروز الكثير من العلماء والمؤلفين الذين برزوا بشكل كبير في ذلك العصر وكان ذلك العصر بحق بداية تشكل العلوم وجمعها وبداية الاهتمام بالتدوين عند العرب ..
كما أن هذا الانتقال ( مركز الخلافة ) إلى العراق بدلا من الشام قد زاد من المؤثرات الشرقية وخاصة الفارسية في نظم الحكم والإدارة بل وفي أشكال الحياة ، ويظهر هذا واضحا في مظاهر الترف الذي حدثت في العصر العباسي وبروز مذاهب الزندقة ، بل وسبب هذا التحول إلى ضعف اهتمام الدولة بالبحر والانصراف إلى البر بعكس الدولة الأموية التي عرف عنها اهتمامها بالبحر لقربها من أعداءها في بيزنطا ( الروم ) ولذا ليس غريب أن يخف الضغط على بيزنطية في العصر العباسي بعد أن حصرت القسطنطينية مرتان في العصر الأموي وذلك في عصر معاوية بن أبي سفيان وسليمان بن عبد الملك !
هذا مع الفارق الواضح بين الدولة الأموية في ناحية التوسع والضم بعكس الدولة العباسية التي حافظت على حدود الدولة الإسلامية وسلامتها ما عدى بعض الفتوحات التي كان جلها في الشرق ..
الطارق
09-02-2002, 03:01 AM
مظاهر التغير في العصر العباسي :
في السياسة :
تأثر الحكم العباسي بشكل كبير بالنظم الفارسية نتيجة سيطرة العناصر الفارسية على الدولة وانتقال مركز الدولة إلى العراق ..
كما أن الخلفاء في العصر العباسي اعتبروا أنفسهم المدافعين عن الدين وصبغوا الخلافة بصبغة دينية أكثر من ما هي في العصر الأموي فليس من العجيب أن يعتبر الخلفاء أنفسهم ظل الله في أرضه !
وأقد أعتمد الخلفاء العباسيين في حكمهم على الموالي والفرس بشكل خاص بعكس العصر الأموي الذي اعتمد فيه على العنصر العربي وظهر ذلك في عصر أبو جعفر المنصور الذي عين الموالي على معظم الولايات في الدولة وفي عهد هارون الرشيد ممثل في البرامكة الذين سيطروا على الحكومة حتى نكبهم الرشيد ، وفي عهد المأمون ممثل في أبناء سهل الفضل والحسن ..
وبعكس الأمويين كان النظم الإداري في العصر العباسي نظاما مركزيا فأعتبر الولاة في الولايات الأخرى مجرد عمال لا ولاة مطلقي السلطة مثلما حدث في العصر الأموي والذي برز واشتهر من بينهم الحجاج بن يوسف وغيرهم من مشاهير الولاة !
وإن كان قد أقام الخلفاء العباسيين بعض الولاة الذين أقاموا حكما متوارثا كالأغالبة في عهد الرشيد في تونس ..
كما اعتمد الجيش في العصر العباسي على الفرس بشكل كبير وخاصة من إقليم خراسان الذي رأوا فيهم الخلفاء العباسيين أنهم شيعة بني عباس ..
ورغم فقد كان للعناصر العربية دور في الجيوش العباسية وكن من بينهم القادة كقحطبة وابنه الحسن ويزيد بن مزيد وغيرهم ..
إلا أنه وفي عصر المعتصم الذي اعتمد على الأتراك في جيوشه فغلب هذا العنصر على العناصر العربية والفارسية وتمكنوا من السلطة حتى بلغ بهم الأمر أن تجرءوا على قتل الخلفاء !
أحداث سياسية :
رغم أن العباسيين قد اعتمدوا على العناصر الفارسية الذي كان لهم الكثير من النفوذ إلا أن العباسيين قد قاوموا أي محاولة للهيمنة على السلطة في الدولة وظهر ذلك في قتل أبو مسلم الخراساني في عصر أبو جعفر المنصور وفي نكبة البرامكة بعد استفحال أمرهم في عهد هارون الرشيد ، وفي قصة مقتل الفضل بن سهل وزير المأمون الذي غلب على الأمر من دون المأمون ..
كما أن العباسيين قضوا بيد من حديد على المبادئ المناوئة للدولة والمذاهب الخارجة عن الدين والحركات الانفصالية الفارسية ..
فقد قضى أبو جعفر المنصور على الراوندية والمتطرفة في تشيعها للعباسيين ، وقضى المهدي على حركة المقنع بخراسان ، وقام المهدي والهادي من بعده بمحاربة الزندقة في المجتمع الإسلامي والتي استفحل أمرها في ذلك العصر ..
كما قضى العباسيون وفي عصر المعتصم على حركة الخرمية والتي ظهرت في عصر أخيه المأمون واستفحل أمرها حتى هددت وجود الدولة بسيطرتها على اجزاء من أيران وأذريبجان وتحالفها مع قوى الروم !
وكان أخر تلك الحركات الخطيرة في ذلك العصر حركة الافشين أحد قادة المعتصم والذي اعتقل بسببها حتى وفاته ..
ولم تقتصر هذه الثورات والاضطرابات على العناصر الفارسية بل ظهر من بين العرب الثورات كمناصرة الشاميين لخروج عبد الله بن علي عم جعفر المنصور ،
والنزاع الذي حدث بين اليمانيين والعدنانيين في الشام في عهد الرشيد
والصراع الذي حدث بين الأمين ( مرشح العرب ) والمأمون ( مرشح الفرس )
ومحاولة الانقلاب على المعتصم من قبل العباس بن المأمون والقواد العرب على سيطرة القواد الأتراك بعد فتح عمورية ، وثورة القيسية وسيطرتهم على دمشق في عهد الواثق وهزيمتهم في مرج دابق ..
ثم ما حدث في بلاد العرب من حركة القبائل العربية نتيجة قلة الاهتمام بذلك الأقليم من قبل الخلفاء العباسيين وما أنتج ذلك من حركة بني سليم وبني مرة والأعراب في الحجاز وعيثهم في تلك البلاد وإرسال بغا الكبير لمحاربتهم ..
كما أن العصر العباسي لم يخلو من ثورة الحزب العلوي الذين رأوا أنهم أحق بالخلافة من العباسيين ، حتى لم يولى خليفة عباسي إلا وقد خرج عليه أحد العلويين وكان من أشهرهم ثورة محمد وإبراهين أبني عبد الله بن الحسن في الحجاز والعراق في عهد أبو جعفر المنصور والتي لا قت تأييدا كبير من قبل الكثير من عامة الشعب والعلماء ..
وثورة الحسين بن علي بن الحسن في عهد الهادي في الحجاز وسيطرته على المدينة وهزيمته في فخ ( التي لم تكن مصيبة بعد كربلاء أشد منها وأوجع ) ومقتله وما حدث بسبب ذلك من ظهور يحي وأدريس ابني عبد الله بن الحسن الذين ثاروا في عهد الرشيد في بلاد الديلم ( يحي بن عبد الله ) حتى أخذ الأمان من الرشيد ثم اعتقل ! وفي بلاد المغرب الأقصى ( أدريس بن عبد الله ) لينشأ الدولة الأدريسية ..
ولم يخلوا عصر الخلفاء الأخرين من ثورات العلويين وحتى في عهد المأمون والذي كان يميل إلى البيت العلوي حتى أنه جعل ولي العهد من بعده لعلي الرضا
ورغم هذا فلم يخلوا عصر المأمون من ثورات العلويين فكان من ذلك خروج إبراهيم بن موسى باليمن ، ومحمد بن جعفر الصادق بمكة وأبو السرايا الذي دعا لمحمد بن إبراهيم وقد تم القضاء على كل تلك الثورات ..
وكانت أهم ثورة بعد وفاة المأمون من قبل العلويين ثورة محمد بن القاسم بن علي في عهد المعتصم بالطلقان حتى هزم من قبل عبد الله بن طاهر واعتقل حتى هرب من السجن !
كما أن الأمويين ورغم أنهم زال غلبتهم على الدولة الإسلامية إلا أنهم أقاموا دولة في الأندلس بقيادة عبد الرحمن الداخل لتنافس الخلافة العباسية سياسيا وحضارة ..
كما لم يخلوا العصر العباسي من ثورات الخوارج وإن قلة كثيرا عن العصر الأموي بسبب فتك الأمويين بهم بحيث لم يبقى منهم إلا الفلول في أنحاء متفرقة من عمان والجزيرة وخراسان وتونس ..
وكان من أشهر ثوراتهم ثورة ثورة خوارج عمان الإباضية بقيادة الجلندي في عهد السفاح وقضى عليها خازم بن خزيمة ، وثورة ملبد بن حرملة الشيباني بالجزيرة في عهد المنصور وقضى عليها خازم بن خزيمة أيضا ..
وثورة الإباضية بتونس وقضى عليها يزيد بن حاتم المهلبي ، وثورة يوسف بن إبراهيم البرم في خراسان في عهد المهدي فتصدى له يزيد بن مزيد الشيباني وأسره ثم قتل وصلب ، وثورة عبد السلام الخارجي في قنسرين وقضي عليها ..
وخروج الوليد بن طريف الشيباني بالجزيرة في عهد الرشيد وقد اشتدت شوكته حتى أجلاه إبراهيم بن خازم بن خزيمة إلى أرمينيا حتى أرسل له الرشيد يزيد بن مزيد فقضى عليه ..
وثورة حمزة الشاري بخرسان والذي تم القضاء عليها ، ثروان الحروري في ضواحي البصرة والتي لاقت نفس المصير ..
كما خرج مهدي بن علوان الحروري في عهد المأمون بسواد العراق ، وثورة بلاد الشاري والذي تم القضاء عليه جميعا .. وكان أخرها ثورة محمد بن عمرو الشيباني بديار ربيعة وكان مصيره كسابقيها من الثورات ..
كما حدثت وفي عصر المأمون ثورة الزط وهم من أخلاط الناس وأغلبهم يعود أصلهم إلى الهنود وغلبوا على طريق البصرة ولم يتم القضاء عليهم إلا في عصر المعتصم ..
هذا مع ما حدث من الخلاف الذي حدث بين أهل السنة والمعتزلة وغلبة المعتزلة على الدولة في عهد المأمون وما أحدث ذلك من الصراع في المذاهب والعقائد وما أنتجته المحنة ومسألة خلق القرآن من خلاف بين عموم الشعب ومناصرتهم لمذهب السنة وبين الحكومة العباسية ورجالتها وعلماء المعتزلة في عهد المعتصم والواثق والذي لم ينقضي إلا بعد تولي المتوكل الخلافة وأزال مذهب المعتزلة من سياسة الدولة ..
غير حركات العصيان التي قام بها الولاة على الخلفاء في الكثير من الأقاليم وعلى معظم إن لم يكن جميع الخلفاء العباسيين ..
الطارق
09-02-2002, 03:02 AM
في المجتمع :
كانت الغالب على عنصر المجتمع تتكون من العرب والفرس والأتراك والمغاربة
وكانت تظهر بعض الصراعات بين عناصر هذا المجتمع وبرزت في الصراع الذي حدث بين المأمون والأمين وأشكال الشعوبية وغلبة الأتراك على المناصب في الجيش في أخر هذا العصر ..
وقد اعتمد العباسيون على الفرس أكثر من اعتمادهم على العرب ومنذ ظهور العباسيين وأزداد هذا بعد عهد المأمون حتى ظهر الأتراك في عصر المعتصم وغلب نفوذهم السياسي على الجميع ..
كما أن هناك بعض الطبقات كأهل الذمة وهم النصارى واليهود والذين نالوا الكثير من التسامح
وقد قلب على المجتمع العربي في ذلك العصر التأثير الفارسي نتيجة انتقال الخلافة إلى العراق ويتضح ذلك في الكثير من نظم الحكم وفي لبس الأزياء الفارسية بل وفي طريقة بناء بغداد ذاتها التي جعلها دائرية الشكل كالمدائن ..
كما ازدادت الأموال نتيجة موارد الدولة وما أنتجه العباسيون من سياسة اقتصادية وزراعية وزيادة الرخاء في الدولة الإسلامية مع انتقال مركز الخلافة إلا بغداد حيث الأنهر الكبير ..
وكانت خزائن الدولة هي المعين على الترف الذي حدث في عصر العباسيين حتى قيل أن المنصور خلف حين توفي أربعة عشر مليون من الدنانير وستمائة مليون من الدراهم ، كما أن دخل بيت المال سنويا في عهد الرشيد كان يبلغ سبعين مليون من الدنانير ..
كل هذا أثر في الترف الذي حدث في العصر العباسي لدى الخلفاء وحاشيتهم من البيت العباسي ومن الوزراء والقواد وكبار رجالات الدولة ، كما حدث في عهد الرشيد ووزراءه البرامكة وما قام به المأمون عند زواجه من بوران بنت الحسن وقد ظهر ذلك في القصور والدور والحدائق والمساجد والحمامات وغيرها من أشكال الحضارة ..
وكان للعطاءات التي يغدقها الخلفاء والوزراء والولاة والقادة على العلماء والأطباء والشعراء والمغنين والمترجمين أثرها الواسع في نهضة العلوم والآداب والفنون نتيجة اكتفاء أصحابها مئونة المعيشة ..
وتنقل الأخبار والكتب الكثير من هذه العطاءات ومنها ما يذكر عن إبراهيم الموصلي المغني الذي صار إليه أربعة وعشرون مليون درهم سوى رزقه أو راتبه الشهري والذي يبلغ عشرة آلاف درهم سوى غلات ضياعه ، وما يذكر عن سلم الخاسر الذي خلف حين توفي خمسون ألف دينار ..
( وطبيعي أن تدفع هذه الأموال إلى النعيم والترف بكافة أشكالها من دور مزخرفة وفرش وثيرة وثياب أنيقة معطرة ومطاعم ومشارب من كل لون )
وقد ذكرت الكثير من القصص في ذلك العصر الذي تبين ما بلغ به ذلك العصر من ترف ورقي في الحضارة .
كما أن هذا الغنى سببا في بناء المدن الكبيرة كبغداد وسامراء وقرطبة وفاس وغيرها من المدن التي ظهرت وأزداد عمرانها ..
وقد أدى هذا الترف لبروز الطبقة الوسطى في مدن العراق كبغداد والبصرة والكوفة وسامراء وغيرها من مدن الدولة الإسلامية ..
كما ظهر التجار التي كانت سفنهم وقوافلهم غادية ورائحة في البر والبحر لتجلب أنواع التجارة للملوك والوزراء والأغنياء وطبقات المجتمع الأخرى ..
حتى كانت رءوس أموالهم تختلف قلة وكثرة فمنهم من كان رأس ماله ثلاثة ألاف دينار ومنهم من بلغ رأس ماله مائة وأربعين ألف دينار ، حتى بلغ أن ربح بعض التجار في صفقة واحدة مائة ألف دينار !
هذا مع ما أنتجه هذا الترف وتشجيع الدولة العباسية وتمازج المجتمع الإسلامي وظهور الأسواق التي تجمع حوانيت كل طائفة منهم في سوق أو شارع من ظهور الصنائع والصناع وتأنقهم في صناعتهم ..
كم أنتج كل هذا الترف التأنق في المأكل والأطعمة والمشارب وقد ذكرت الكثير من القصص عن مآدبهم ..
هذا مع معرف به العصر من ظهور الندماء للخلفاء كالأصمعي وأبي يوسف لهارون الرشيد وثمامة بن أشرس للمأمون بالإضافة للندماء الظرفاء أصحاب النوارد كأبو دلامة مضحك السفاح وأبو جعفر المنصور ـ وابن أبي مريم مضحك الرشيد ..
مع ظهور أدوات اللهو والترويح كالنرد ( الطاولة ) والشطرنج ، وسباق الخيل والحمام الزاجل ولعبة الصولجان والصيد وغيرها من أشكال الترويح
كما عرف للعامة ملاهيهم وفي مقدمتها الفرجة على القراديين والحوائين واجتماعهم على القصاص والحكائين الذين يحكون في دقة لهجات سكان بغداد وغيرها من الأقاليم ..
وقد ظهر في ذلك العصر الجواري وبشكل كبير عن العصر الأموي وقد برزت أسواق النخاسة في بغداد وكان من بين شوارع بغداد شارع الرقيق ، وقد أثرن هؤلاء الجواري والذي جلبوا من أصقاع مختلفة من المعمورة أثرنا في ذلك المجتمع تأثير كبير ..
فقد كن من بين هؤلاء الجواري من كنا أمهات للخلفاء ، كما اشتهرت قصص الغازل والشعر في وصف محاسنهن وما عرفن من أدب وثقافة ، وإجادة للغناء
وقد أنتجت كل هذا ظهور المجون في طبقة من المجتمع العربي والإسلامي نتيجة التأثير الفارسي وظهر الكثير من الشعراء الذين اشتهروا بذلك كأبو نواس والمطيع بن أياس وغيرهم من شخصيات ذلك المجتمع ..
ورويت الكثير من القصص عن الشعراء في وصف الخمر وزيارة الأديرة ، وما يحدث في الأعياد مثل أعياد الإسلام وأعياد الفرس كالنيروز وأعياد النصارى كعيد الفصح من لهو مباح وغير مباح ..
وقد دفع كل ذلك إلى كثير من المجون والعبث والإباحية ، وظهر بعض الزنادقة والشعوبية والتي حوربت من السلطة والخلفاء العباسيين ..
وبرغم هذا فقد كان عموم المجتمع الإسلامي محافظا على دينه فقد كانت مساجد بغداد عامرة بالعباد والنساك وأهل التقوى والصلاح ، وكثرة المواعض في ذلك العصر وبرز الكثير من العلماء ، وظهر ضروب القصص الديني والوعظ ، وبرزت أشكال الزهد والأتقياء وكان من بين ذلك بداية ظهور التصوف ..
كما انه ورغم الترف الذي كان في ذلك العصر فقد كان هناك الكثير من الطبقة المعدمة الفقيرة والتي لم تنل إلا الفقر والفاقة ، ومرد ذلك للطغيان الخلفاء العباسيين وحرمهم للشعب حقوقه واستبعادهم له ما عدى بعض الحاشية والمنتفعين ، وقد سبب هذا في بروز الكثير من الثورات في ذلك العصر ..
الطارق
09-02-2002, 03:03 AM
في الثقافة والحياة العقلية :
كان لانتقال الخلافة إلى العرق الذي هو أوفر تحضرا من الشام مع ما أنتج هذا الانتقال من غلبة العنصر الفارسي وتعربها بعد مرور أكثر من مائة سنة على ظهور الإسلام وغلبته على الأمم الأخرى مع اتساع الدولة العباسية واختلاف ثقافة الشعوب فيها مع تمازج ثقافتهم بالإضافة لتطور العقلية العربية نتيجة هذا التمازج بالإضافة لزيادة ثورة الدولة ورواج تجارتها ودعم الخلفاء والوزراء والأمراء للعلماء مع اكتشاف الورق الأرخص تكلفة من أوراق البردي في بداية العصر العباسي كل هذا زاد من ظهور الحركة العلمية وتميز العلوم عند العرب وظهور العلماء والأدباء الذين أثروا تلك الفترة بعلمهم ..
هذا بالإضافة إلى وجود معاهد العلم الممثلة في :
الكتاتيب : والتي يتعلم فيها الناشئ مبادئ القراءة والكتابة وبعض سور القرآن الكريم وشيئا من الحساب وبعض الأشعار والأمثال ..
وقد اشتهر الكثير من المعلمين ومن بينهم أبي بيداء الرياحي اللغوي ومحمد بن السكن المحدث ، وأبي عبد الرحمن السلمي المقرئ وعلقمة بن أبي علقمة النحوي ..
المسجد : وكان أكبر معهد للدراسة ، وساحات العلم الكبرى ، فلم يكن دور المسجد في ذلك الوقت للعبادة فقط بل كان أيضا معهد لتعلم الشباب ، حيث يسند الأستاذ ظهره لأسطوانة المسجد ثم يأخذ في إلقاء المحاضرات والدروس وقد تحلق تلاميذه من حوله ..
وقد تنوعت في المساجد فروع التدريس في كل فرع من المعرفة فحلقة مخصصة للقصاص وحلقة مخصصة للمفسر وحلقة مخصصة لنحوي وحلقة للمتكلم .. الخ
وكان الإقبال كبير على هؤلاء المعلمين وحلقاتهم حتى قيل أن النضر بن شميل تلميذ الخليل بن أحمد قد شيعه ثلاثة آلاف شخص من محدث ونحوي ولغوي وعروضي وأخباري عند خروجه من البصرة إلى خراسان ..
كما قيل أنه كان يحضر حلقة ابن الأعرابي الكوفي زهاء مائة شخص ..
مجالس المناظرة : وقد سبب ظهور الاختلاف في المذاهب كالخلاف بين مذهب البصريين ومذهب الكوفيين في اللغة والخلاف الذي حدث بين السنة والمعتزله وغيرها ، أدى هذا لانتشار مجالس المناظرة في الدور والمساجد والقصور بين العلماء وفي حضرة الخلفاء ..
وقد ذكرت الكثير من قصص المناظرة ومنها ما جرى بين سيبويه والكسائي في المسألة الزنبورية في مجلس يحي البرمكي ، وغيرها من المناظرات التي حدثت بين المعتزلة والسنة في قصة خلق القرآن والمحنة ، وبين المعتزلة وأصحاب الأديان الأخرى .. والحق يقال أن المعتزلة لهم النصيب الأكبر في تلك المناظرات ...
المكتبات : أدى إنشاء المكتبات واهتمام الخلفاء والوزراء والعلماء بالكتب إلى إقبال طلاب العلم والمعرفة عليها ، وتأليف الكتب وترجمة المؤلفات القديمة ..
وقد ظهرت الكثير من المكتبات في ذلك العصر كمكتبة يحي بن خالد البرمكي ومكتبة خزانة الحكمة أو بيت الحكمة والتي في عصر هارون الرشيد أو المأمون ..
كما أن انتشار الكتب والمكتبات سبب مع اكتشاف الورق ورخص ثمنه إلى إنشاء بعض الوراقين لدكاكين الوراقة والتي أقبل عليها العلماء إقبالا شديدا وكان من أشهر من عرف بذلك الجاحظ ..
وكان للوراقين الفضل في نشر الكتب واشتهارها في العالم الإسلامي جميعا !
رحلة العلماء : وقد اشتهر في ذلك العصر برحلات طلاب العلم بحثا عن العلم وكان من أكثر هؤلاء المحدثين الذين جمعوا الكثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى علماء اللغة ورحلاتهم للبادية من أجل جمع اللغة وتقييد الأدب وكان للبصرة دور كبير في هذا وكان لسوق الربد الشهرة الكبيرة في ذلك العصر
هذا مع ما عرف به المأمون من بعث العلماء والمترجمين لإحضار الكتب اليونانية ..
كل هذه المسببات شجعت على ظهور التدوين في ذلك العصر وإلى تمييز العلوم فظهرت التدوين في الحديث والفقه والتفسير ودونت كتب اللغة والعربية ..
كما دونت كتب الفلسفة والهندسة وعلم الفلك والطب والكيمياء والتاريخ والجغرافية ..
وقد قسمت هذه العلوم إلى قسمين هي العلوم النقلية والعلوم العقلية ..
العلوم النقلية :
الحديث : وبدأ تدوين كتب الحديث في ذلك العصر كلا على حسب إقليمه وكان ذلك ممثلا في ابن جريج ( 150 هـ ) ومحمد بن إسحاق ( 151هـ ) ومالك بن أنس ( 179 هـ ) في الحجاز .
وبالبصرة الربيع بن صبح ( 160 هـ) وسعيد بن عروبة ( 156هـ ) وحماد بن سلمة ( 176 هـ) ..
وبالكوفة سفيان الثوري ( 161هـ ) وبالشام الأوزاعي ( 156 هـ ) وبخراسان ابن المبارك ( 181 هـ ) وبمصر الليث بن سعد ( 175 ) ..
ثم بدأت حركة التدوين الأحاديث وجمعها في جميع الأقاليم بعد المائتين من الهجرة على يدي البخاري ( 256 هـ ) في كتابه جامع الصحيح ، ثم مسلم بن الحجاج في كتابه ومسند الإمام أحمد ..
التفسير : وقد انقسم التفسير إلى نوعين هما التفسير بالمأثور من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وكان من رجال هذا النوع سفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ووكيع بن الجراح ..
وظهر بعض من لم يتقيد بالتفسير بالمأثور وإنما كان يدعمون آرائهم على العقل وكان من أشهرهم المعتزلة وظهر من بينهم أبي بكر الأصم ( 232 هـ ) ..
الفقه : وكان هذا العصر هو الذي أنجب المذاهب الأربعة ممثلة في أبو حنيفة ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل ..
هذا بالإضافة إلى الكثير من الفقهاء كالليث بن سعد والأوزاعي وغيرهم من تلاميذ كبار أئمة الفقه ..
كما ظهر الكثير من فقهاء الشيعة كالأمام جعفر الصادق الذي أخذ الشيعه عنه الكثير وزرارة بن أعين ..
وانقسم المذهب الشيعي بعد وفاة الإمام جعفر الصادق إلى طائفتين هما الإمامية ( من عرفوا فيما بعد بالأثنى عشر) وقالوا بإمامة موسى الكاظم والإسماعيلية وهم من قالوا بإمامة إسماعيل بن جعفر ..
فرقة المتكلمين : ومن أشهرهم المعتزلة وكان من بينهم أبو هذيل العلاف والنظام وثمامة بن أشرس والجاحظ ..
كما اشتهر من الشيعة الذين - تأثروا بالمعتزلة - الكثير من المتكلمين كهشام بن الحكم ومحمد بن النعمان ..
النحو والأدب والرواية: ظهر في ذلك العصر علوم النحو واللغة وكان للبصرة دور كبير بعلمائها كعمرو بن العلاء ( 153 هـ ) والخليل بن أحمد واضع علم العروض وتلميذه سيبويه والأصمعي وأبو عبيدة والمبرد ..
بينما ظهر في الكوفة الكسائي والفراء والمفضل الضبي وثعلبة وغيرهم ..
وكان الناظرات تقوم بين كلى المدرستين أو المذهبيين ( مدرسة البصرة والكوفة ) ..
وتطور الشعر في العصر العباسي وظهرت بعض الصور الجديدة في الشعر العربي في المعاني والموضوعات والأساليب نتيجة دخول العناصر الفارسية ..
وكان من أشهر الشعراء بشار بن برد وأبو نواس وأبو تمام والبحتري ..
وتطور النثر الأدبي في هذا العصر وبرز بقوة وقد ظهر طائفة من الأدباء كان من بينهم عبد الله بن المقفع صاحب كتاب ( كليلة ودمنة ) والجاحظ ( 255 هـ ) وابن قتيبة الدينوري ..
كما ظهر رواة الأشعار والأخبار وأيام العرب وأحداثها وقد أشتهر في هذا المجال حماد الراوية في الكوفة وخلف الأحمر في البصرة ..
العلوم العقلية :
الترجمة : لم تكن الترجمة في العصر الأموي ذات حظ كبير فلم جاءت الدولة العباسية اتجهت ميول الخلفاء العباسيين إلى معرفة علوم الفرس واليونان ففي عهد أبو جعفر المنصور ترجمت الكتب فنقل حنين بن إسحاق بعض كتب ابقراط وجالينوس في الطب كما نقل عبد الله بن المقفع كتاب كليلة ودمنة ، وتُرجم كتاب ( السند هند ) وكتاب إقليدس في الهندسة ..
واشتهر في الترجمة من الفارسية كثيرون كآل نوبخت وأحمد بن يحي البلاذري ..
وقد زادت الترجمة في عهد هارون الرشيد والمأمون والذي كان بينه وبين ملك الروم مراسلات لبعث كتب اليونان ..
وقد ترجمت هذه الكتب من قبل ابن مطر وابن البطريق وسلم صاحب بيت الحكمة وأبناء موسى بن شاكر ..
وكان من أشهر المترجمين في ذلك العصر حنين بن إسحاق ويعقوب الكندي وثابت بن قرة الحراني وعمر بن الفرحان الطبري ..
التاريخ : وقد ارتكزت مؤلفات المؤرخين في ذلك العصر على تدوين حياة الرسول وغزواته ، وقد تأثر المؤرخون بالمحدثين في كتبهم ، وكان من أشهر تلك المؤلفات ( سيرة ابن هشام ) الذي اختصره من كتاب ابن إسحاق وكتاب المغازي للواقدي وكتاب الطبقات لمحمد بن سعد ..
كما ظهر جانب أخر في تدوين التاريخ وهو ذكر تأريخ الحوادث الإسلامية وبرز من بينهم أبو مخنف لوط بن يحي الأزدي ، وسيف بن عمر الكوفي الأسدي ، والمدائني والزبير بن بكار ..
وجانب أخر وهو يهتم بالأنساب وظهر من بينهم محمد بن السائب الكلبي وابنه هشام وأبو عبيدة والهيثم بن عدي ..
الجغرافيا : وقد أدى اتساع الدولة العربية لظهور المؤلفات في الجغرافية واكن أول من ألف في ذلك هشام بن محمد الكلبي وإن لم تصل من مؤلفاته سوى القليل ، كما ألف يعقوب الكندي كتابا جغرفيا عنوانه " رسم المعمور من الأرض " ..
وكان أهم من ألف في الجغرافيا في ذلك العصر هو ابن خرداذبة في كتابه " المسالك والممالك " ..
الكيمياء والرياضيات والفلك والفلسفة والطب :
كما ظهرت العلوم العقلية في ذلك العصر فظهر في الكيمياء جابر بن حيان واشتهر في الحساب الخوارزمي وبرز في الحيل ( الميكانيكا ) أبناء موسى بن شاكر ، وقد اهتم أبو جعفر المنصور بالفلك والتنجيم وقد ظهر في زمنه نوبخت الفارسي الذي تنسب له بعض الجداول الفلكية كما نقل لأبو جعفر المنصور السند هند وكتاب المجسطي اليوناني لبطليموس وهما في علم الهيئة والنجوم وحركات الأفلاك والكواكب وقد اشتهر أبو جعفر المنصور في اهتمامه بالفلك حتى أمر أحد العلماء الهنود بترجمة أحد كتب الهنود في حركة الكواكب إلى اللغة العربية ، كما أقام المأمون مرصد كبير ليحي بن أبي منصور وألحق به طائفة من نابهي الفلك مثل علي بن عيسى الإسطرلابي ومحمد بن موسى الخوارزمي والعباس بن سعيد الجوهري ، ولم يلبث هذا المرصد أن تحول لمدرسة رياضية فلكية كبيرة تخرج فيها الكثير من الفلكيين مثل بني موسى بن شاكر نبغ في الفلك جعفر بن عمر البلخي أو أبو معشر الفلكي ..
وكان ذلك العصر بداية ظهور الفلسفة العربية وظهرت على يد فيلسوف العرب الكندي ..
كما ظهر في ذلك العصر الكثير من الأطباء فقد جلب أبو جعفر المنصور الكثير من أطباء الهند ، وغيرها من المناطق ومن بينها جنديسابور والتي جلب منها جورجيس بن جبريل بن بختشيوع والذي تعاقب من أبناءه وأحفاده لخدمة الطب والترجمة ، وترجمت في عهد أبو جعفر المنصور كتب الطب اليوناني وكان أول من ترجم الكتب الطبية إلى اللغة العربية النصراني جرجس ، اشتهر من الأطباء في عهد الرشيد ابن بختشيوع الذي عين رئيس للأطباء ، واشتهر في عصر المعتصم يحي بن ماسويه وظهر في عهد الواثق ميخائيل وحنين بن إسحاق وغيرهم ..
الطارق
09-02-2002, 03:05 AM
تنافس الأقاليم :
كان العراق هو الإقليم المهيمن سياسيا وثقافيا وعلميا في ذلك العصر وبرزت البصر التي كانت أهم مركز ثقافي في الدولة العباسية وظهرت فيها الكثير من العلوم ويكفيها فخرا أنها أنجبت الكثير من علماء اللغة والأدب الخليل بن أحمد وسيبويه والأصمعي والجاحظ والمبرد ..
ويكفيها فخرا أن ظهر تلك الحركة في علم الكلام والمتمثلة في حركة المعتزلة والتي غلبت وهيمنة على الدولة العباسية في المرحلة الثانية من ذلك العصر ( من عصر المأمون إلى المتوكل ) ..
وكان المنافس الكبير لدور البصرة الكوفة التي ظهر من بينهم من العلماء أبو حنيفة وسفيان الثوري و الكسائي والفراء وثعلبة وإن كان مكانة الكوفة لم تصل قدر ما بلغته البصرة ..
ثم أسست بغداد في عصر أبو جعفر المنصور ( 144 هـ ) فأصبحت عاصمة الملك وكعبة العلم في ذلك العصر ، حتى لم يبقى من المشاهير إلا وقد سكن بها وانتهل من فيضها ..
ثم انتقلت دار الخلافة إلى سامراء في عصر المعتصم سنة 222 هـ حيث وإن كان مكانة بغداد لم يضعف توهجها في ذلك العصر ..
وقد ضعف دور الحجاز في ذلك العصر وخاصة بعد ثورة محمد بن عبد الله التي قضي عليها ، وإن كنت مكة والمدينة كان أكثر ما يعرف لمكة والمدينة أنها أحد مراكز الفقه والحديث المهمة في ذلك العصر ، فشتهر سفيان بن عيينة بمكة والفضيل بن عياض ..
ونبغ في المدينة ربيعة الرأي وكان فقيه أهل المدينة وخلفه تلميذه مالك بن أنس أحد أئمة المذاهب السنية ، وشيخ المؤرخين محمد بن عمر الواقدي ..
وضعف دور الشام كثيرا عن العصر الأموي بل أنه حدثت الكثير من الفتن في عصر الرشيد بين اليمانية والقيسية ، ولم يظهر من مشاهير العلماء ما عدى الأوزاعي ، وإن ظهر الشاعران المشهوران أبو تمام والبحتري ..
وظهر في مصر ابن لهيعة والليث بن سعد والذي كان أحد كبار العلماء في ذلك العصر والذي أثرى الحركة العلمية في مصر وذا النون المصري المتصوف المعروف..
وكان مركز التدريس الديني في مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط ..
وكان لخراسان دور كبير في ذلك العصر فقد اعتبر المنطقة التي خرجت منها جيوش الدولة العباسية واعتبرت خراسان شيعة الدولة العباسية وقد اهتم بها الخلفاء كثير وظهر منها الكثير من المشاهير فمنهم البرامكة والقحاطبة والطاهرية ، وولد فيهم أحمد بن حنبل والإمام البخاري ومسلم بن الحجاج واسحاق بن راهويه وعبد الله بن المبارك وغيرهم الكثير ..
كما ظهرت الأندلس وحكم الأمويين الذين نافسوا الحكم العباسي حضاريا وثقافيا وإن كانوا لم يصلوا لما وصل له العباسيون ..
كما ظهرت فاس كمنافس سياسي تحت حكم الأدارسة العلويين ..
المراجع :
1- تاريخ الإسلام ( حسن إبراهيم حسن ) الجزء الثاني .
2- ضحى الإسلام ( أحمد أمين ) ثلاث مجلدات .
3- العالم الإسلامي في العصر العباسي ( د / حسن أحمد محمود ـ د / أحمد إبراهيم الشريف ) .
4- تاريخ الأدب العربي : العصر العباسي الأول ( شوقي ضيف )
5- تاريخ العلوم عند العرب ( عمر فروخ ـ ماهر عبد القادر ـ حسان حلاق )
البحاري
09-02-2002, 05:04 PM
ياهلا بموسوعة سوالف ..
ماشاء الله موضوع جميل وجهد واضح ومييز ..
شكرا لك وجزاك الله خيرا ..
بصراحة أستمتعت بالمعلومات فقد أعادت إلى ذهني أيام الدراسة :):)
وبالتحديد مادة التاريخ العباسي والحضارة الإسلامية :):)
تحياتي لك :):)
وردة العين
09-02-2002, 06:31 PM
جزاك الله خيرا يا طارق :)
الطارق
10-02-2002, 02:07 AM
حياكما الله ،،
أهلا البحاري :)
وشكرا لك على الرد وجزاك الله خيرا ..
بس البحاري لازلت مصمم على
اتهام الوزراء العباسيين وحتى مع قصة القرد :D
تحياتي :D
.
.
أهلا وردة العين ..
أشكرك أختي وجزاك الله خير ..
تحياتي ..
أسير الليل
10-02-2002, 03:45 PM
هلا أخوي اطارق..الله يسعد أوقاتك بكل خير
يعطيك العافية على هالمجهود..
صراحه تعتبر القراءة في تاريخ الدوله الاسلامية ومرورها بمراحل
مختلفه تارة بمراحل كانت سبب قوتها واخرى سبب في ضعفها
من المواضيع المهمه والممتعه في نفس الوقت..
تحيااااااااتي لك:)
الطارق
10-02-2002, 05:47 PM
حياك الله أخي أسير الليل ..
وصحبتك العافية في الدنيا والأخرة ..
تاريخنا الإسلامي والعربي عظيم وممتع بأحداثه
وقصصه ورجاله وفتوحاته وانتصاراته وأثاره وتطوره ..
وكأي أمه عظيمة بلغت هذه الأمة قمة المجد في
عصور من الماضي قادت بها الدنيا ، وفي عصور أخرى
بلغ بها الإنحلال والضعف حتى أصبحت رهينة وتبعا لعدوها ..
ندعوا من الله أن يعيد مجد هذه الأمة إلى ما كانت
وإن يعزها وينصرها على أعداءها ..
تحياتي أسير الليل ..
aziz2000
12-02-2002, 04:34 AM
جزاك الله خير أخي الطارق على كل جهد تبذله
بالفعل مواضيعك لوحدها موسوعة خاصة في التاريخ
لله درك :)
الطارق
12-02-2002, 11:54 PM
حياك الله أخي عزيز العزيز :)
الله يرضى عليك على التعقيب
ويجزيك خير الجزاء على هذه الكلمات ..
تحياتي وتقديري لك ..