PDA

View Full Version : .. أهلاً بالضيف القادم


فتى دبي
11-11-2001, 05:24 PM
أهلاً ومرحباً بمن يهل ويقدم علينا كل عام مرة.. أهلاً ومرحباً بضيفنا الجليل الكريم المهيب الطلعة.. البشر المحيّا..

أهلاً ومرحبا بضيفنا الكبير الذي يحط رحاله فوق سطوحنا.. وفي أروقة دورنا.. وفوق مصابيحنا.. وبين جوانحنا..

أهلاً ومرحبا بك أيها القادم إلي هذا العالم المليء بالمتناقضات والدسائس والألغام..

أهلاً بك.. وكلنا أمل كبير أن يكون قدومك هذا العام بشارة سعد.. وخير وسلام.. لأولئك الذين لا يعرفون من هذا العالم سوي الجوع.. والبرد.. والمرض.. والرشاشات والدبابات.. والطائرات التي تقصفهم ليلاً ونهاراً بوابل من الموت.. والدمار..

أهلا بك.. نقولها ملء قلوبنا.. وملء الضمائر العاجزة عن البوح والاعتراف.. والتكفير عن الخطايا والذنوب الكثيرة التي تملؤنا.. من رأسنا وحتي أخمص القدم.. من الرمل والتراب الذي يعفر أقدامنا وخطواتنا - إلي حيث يصعد دخان السفن الفضائية.. والأقمار المسلطة علي نوافذنا.. والسياط التي تلسع أجسادنا وضمائرنا بوابل من الألم.. والحسرة.. والقنوط..

أهلاً بك.. إلي حيث يعم الأرض دمار شامل.. ورعب لا يزول.. وخوف وهلع حتي من الرسائل البريدية التي كانت محملة بالأشواق والمحبة.. فأصبحت في أيامنا هذه محملة بالموت.. وبأسلحة الدمار الجرثومية.. التي يعجز الفرد الواحد منا من الصمود أمامها.. أو محاربتها بيديه العاريتين.. ورئتيه المليئتين بالهواء الفاسد.. ودمه الملئ بالمواد والأدوية الكيماوية..

هاأنت أيها الضيف الكريم تقف فوق الأبواب.. منتظرا انطلاق المدافع إيذانا بقدومك وحلولك علينا.. بينما المدافع لاتزال تضرب ضرباتها المتتالية دون انتظار لقدومك.. ودون إذن من أحد.. وتقذف ويلاتها ونيرانها المستمرة.. فوق جسد هذا الوطن المترامي الأطراف.. المتهالك من الفرقة والنزاع والمعارك الداخلية.

مدافع لم تتوقف عن الانطلاق طوال العام - وطول الساعات الأربع وعشرين.. تحرق المزارع.. والمصانع.. وزهور الشوارع.. وتدوس تحت عجلاتها أطفالاً هم ليسوا بأطفالنا.. لكنهم أطفال الوطن الكبير الممتد الذي لا يفتح ذراعيه إلا ليمعن في القتل والتعذيب.. والتنكيل..

ونحن هنا.. نقف كالمتفرجين.. وستقف أنت أيضاً معنا أيها الضيف الكريم.

أيادينا مكبلة.. أفواهنا مكممة.. عيوننا مسدودة.. والدروب أمامنا كلها مغلقة.. ولا ردود.. ولا أجوبة..

أنت آت أيها الشهر الكريم لتنشر رحمتك ومودتك فوق ربوعنا.. ولتملأ بالمحبة والأمل قلوبنا.. فلا تنسي وأنت في طريقك إلينا أن تتوقف قليلاً أمام بعض البوابات الموصدة.. لتنشر عليها فيضاً من عطائك.. ولتغمرها ببعض من بركاتك الكثيرة.. هناك.. حيث الدمعة لا تجف فوق وجنتي كل طفل صغير مشرد.. وحيث تقصف الرعود والوعود والطائرات بكل معني للأمل وللحقوق الإنسانية التي كرم الله بها ابن آدم..

وهناك.. حيث يسري الموت كالمنجل يحصد أرواح الصغار من أبناء أمة عربية.. يدفعون ثمنا من أرواحهم وحياتهم لجريمة.. لم يقترفوها.. ولم يعوا عليها.. ولم يولدوا حينها..

وهناك.. حيث يدفع الأطفال حياتهم ثمناً لجريمة انتقامية بشعة.. لم يكن لهم ولا لأهاليهم يد فيها.. وحيث يستيقظون علي قصف الطائرات والمدافع.. وحيث يجتز الموت ديارهم بأبشع الصور التي ستظل عالقة في ذهن هذا التاريخ الملوث بالدماء..

وهناك.. حيث تُدكّ المنازل والبيوت فوق ساكنيها.. وحيث تصادر الأرواح والأبدان كما تصادر البهائم والبضائع والعقارات.. صور كلها لا تغادر مخيلتي.. ولا مخيلة الكاميرات التليفزيونية والأقمار الصناعية..

وأنت آت أيها الشهر الكريم اغرق عليهم بعضا من حنانك.. واغرف لهم بعضا من عطاياك.. حتي يعم الأمن والسلام.. كل دار..