PDA

View Full Version : ( أفـــــــراح الــــــروح ... )


بو عبدالرحمن
23-10-2001, 05:59 AM
-
قال الراوي :
في يقظة أحسبها كالنوم ، أو نوم أحسبه كاليقظة ، رأيت أني قد ركبت فرسا أصيلا ، في جولة قصيرة أتصفح معه هذا الربيع الخلاب ، الذي تكاد الأشياء تتكلم خلاله بحسنها ..
وإذا بفرسي من تحتي يهتز في انتشاء ، ويتهادى بي كالمأخوذ بهذا الجمال من حوله ومن فوقه .. كأنما قد أسكرته هذه البهجة التي كنا نمر فيها ،
والتي يخيل للناظر إليها أنها ليست سوى أنموذج مصغر للجنة التي وعد الله بها المتقين ، ليشاهدوا هذا الجمال المبهر ، فيشتاقوا لذلك الجمال الذي لا يوصف .. فيشمروا لطاعة في جد لا هزل معه ..!!


قال الراوي :
قطعنا مسافة غير قصيرة في جو حافل بالبهجة ، معطر بأنسام الجنة ، فقد أذن الله للربيع الخلاب أن يصبغ الكون بألوان زاهية بديعة ..
حتى لقد بدت السماء مبتهجة تكاد تضحك .. وظهرت الفراشات البديعة تستعرض فتنتها في روعة ، وازداد منظرها بهاء من خلال ألوانها الكثيرة الرائعة ، وحين كانت تتهادى فوق الزهور التي احتشد المكان بها ، كان المنظر في قمته ..
وتوزعت الأطيار هنا وهناك تتماوج في الفضاء ، فازدادت اللحوة بهاء وجمالا وسحرا حلالا ..!

كان يخيل إلي أن هذه الأطيار تحاول الارتفاع أكثر فأكثر لتطبع قبلاتها على وجه السماء الصافية التي تكاد تتبسم !!
غير أنها لا تلبث أن تنحط في انسياب بديع كأنها ورقة تتهادى في رفق على بساط الهواء ، تحمل إليك أشواق السماء المعطرة ..!!
وهنا وهناك امتد بساط أخضر ياسر القلب ، ويهز الفؤاد ..
كان المنظر مبهرا حقا من كل جوانبه ، تتملاه العين فلا تشبع منه .. ويتأمله القلب فلا يرتوي ، ولا تزال تتوالد في الروح أفراح من وراء أفراح ..


قال الراوي :
كنت قد ترجلت من فرسي وأخذت بخطامه ، وأخذت أسير إلى جانبه ، ليطول استمتاعي بما أرى واشم ..
كان الكون كل في حالة فرح سماوي بديع .. كون حافل بالحياة والحيوية والحركة والابتهاج ..
فتستيقظ الروح وتتهلل ، ويفيق القلب ويهيم ، وتنتشي النفس وتغرد بالتسبيح ..
ولا يزال مدد النور إلى القلب الحي ينمو ويربو ..
أحسست أن ثالثا يقف إلى جانبينا غير بعيد منا ..
آدمي .. يقف ويداه في جيبي معطفه ، ونظارته تستقر على أرنبة أنفه تماماً .. يرفعها بين الحين والحين .. وهو يهز رأسه كأنما يكلم نفسه ..
لم أكترث له في البداية ، فلقد كنت مستغرقاً حتى الذروة بهذا الجمال الرباني ، مبهورا بهذا المعرض الإلهي ..


ولقد قفز إلى بؤرة عقلي قول الشاعر :
صورٌ وعجائبُ إنْ ذُكرت *** ذُكرَ الخــلاّقُ على الأثـرِ
بل قول الله جل في علاه :
( وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ).. ( الذريات )
فإذا بي أهتف في تلقائية ، وشعرت أنها خرجت من غور أعماق قلبي هذه المرة :
( ..رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )..
هكذا علمني ربي جل جلاله حين يستوقفني مشهد من مشاهد الكون البديعة ..
فذهبت أردد الآية في خشوع وإجلال ، وأشعر بصدى ذلك مباشرة في قلبي .

وحانت مني التفاتة إلى فرسي ، فإذا هو يجتر بقايا ما في فمه ، ويهز رأسه ذات اليمين وذات الشمال كلما رفع نظره جهة السماء !!
أما المخلق الثالث والذي أصبح على مقربة منا تماما .. فقد سمعته يقول في بلاهة منقطعة النظير :
ويقولون الله .. فأين الله .. وكل شيء نراه بديعا بدون تدخل من أحد !!؟؟

ولأول مرة التفت إليه التفاتة كاملة ، وأخذت أتملاه محدقا فيه ..
وعزمت أن أكلمه ، لعل كلمة تقع في قلبه ، فينفعل بها ، وينجو ..
غير أنه قال وهو يدفع نظارته إلى عينيه كلما سقطت على أرنبة أنفه :
لا تحاول أن تناقشني في مسألة بديهية لا يجادل فيها أحد !!!!
وحاولت مرة أخرى .. غير أنه أغفل الموضوع .. وأدار ظهره ..وهو يشير بيده كأنما يطرد شيئا وقع على وجهه ..

ونفضت يدي منه ، وركبت فرسي ، ومضيت ، ثم قلت لنفسي وأن أنظر إلى هذا المخلوق المغرور برأس متورم بمعلومات لن تنفعه عند الله :
لقد ركبت دابتي … ولكن من الذي كان يركب الدابة الأخرى التي تمشي على رجلين !؟
وقبل أن أجيب إذا بفرسي يرفع عقيرته بصهيل متصل ، لكأنما أحس بما يدور في عقلي
وهاهو يكثر من الاحتجاج حيث شبهت ذلك المسخ بالحيوان .. لأنه أحط منزلة من ذلك !!
ومسحت على رأس فرسي كأنما اعتذر منه ، وتذكرت قول الحق تبارك اسمه :

( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ ..
لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا
وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ .. بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ )

أخذت نفسا عميقا ورفعت رأسي إلى السماء وهتفت :
( أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ )

ولهج لساني بحمد الله متصلا على نعمة الهداية ..
وما أعظمها وأروعها وأغلاها من نعمة .. فله الحمد أولا وأخيرا ..

وهج
23-10-2001, 10:07 AM
زرت موقعك...

رائع حقا...

هنيئا لك ما تجنيه من حسنات بسبب تلك الأشجار الطيبة التي غرستها هناك...:):)

بارك الله لك في مجهودك..وأذاقك حلاوة ثمره...

دمت سالما..:)

بو عبدالرحمن
23-10-2001, 04:46 PM
-
الأخت الفاضلة / وهج
........... رعاك الله وحفظك

شكر الله لك هذه المتابعة الواعية
وجزاك الله خيرا مضاعفا على هذه الكلمات الطيبة المعطرة
وهذه شهادة اتعز بها ..
وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم ..
وأن يرضى عنا وعنكم ..
وأن يغفر لنا ولكم ..
دعواتي لكم بأن يملأ الله قلوبكم بنوره .
-= =