ابو أنس
22-08-2001, 06:59 PM
الشيخ أبو محمد المقدسي ، السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و بعد...
ما قولك في الفتوى التي اصدرها مفتي السعودية ونشرت في صحيفة الشرق الاوسط في اعتبار العمليات الاستشهادية التي تحصل في فلسطين عمليات انتحارية من قبيل قتل النفس والانتحار وليست من الجهاد في سبيل الله وليس لها وجها شرعيا ..؟
الجـواب
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أخي الفاضل/ ..حفظه الله ورعاه وسدد على نصر الدين خطاه ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصلتني رسالتك وصلك الله بحفظه وتوفيقه وتسأل فيها عن قولي في الفتوى التي اصدرها مفتي السعودية في اعتبار العمليات التي تحصل في فلسطين عمليات انتحارية يخشى أن تكون من قبيل قتل النفس وليست من الجهاد في سبيل الله ..
فاعلم رحمك الله أن مثل هذه الفتوى كانت مجازفة وتعجلا من المفتي خصوصا في هذا الظرف العصيب التي تمر به أمة الإسلام ، من تسلط الطواغيت عليها ومؤاخاتهم لليهود والنصارى وتمكينهم من بلادها وأرضها وخيراتها وتحكيمهم لقوانين الكفر فيها وامتناعهم عن تحكيم شرع الله وتعطيلهم بل تحريمهم للجهاد حيث نصت دساتيرهم الكفرية على أن ( الحرب الهجومية محرمة والحرب الدفاعية لا تكون إلا بمرسوم ) ..
ولذلك فإن لنا على هذه الفتوى ملحوظات ووقفات :
أولا : التنبيه على بطلان تسميتها بالعمليات الانتحارية ؛ لأن فيه مساواة لها بالانتحار المحرم قطعا في دين الله سواء كان يأسا من الحياة واعتراضا على أقدار الله ،أو جزعا من البلاء أو الإصابة والجراح والمتتبع لأحاديث الوعيد على الانتحار يجدها تدور حول هذا وهو كله مفارق كل المفارقة لحال من يسعى لجهاد وقتال أعداء الله بإحداث أعظم النكاية في صفوفهم أو بإدخال أعظم أنواع الخوف والإرهاب عليهم عن طريق هذه العمليات ؛ متأولا قوله تعالى : "واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم." أو قوله : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " وقوله سبحانه : " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون " .. ونحوها من النصوص التي تحث على الجهاد والاستبسال وبذل النفس رخيصة في سبيل الله تعالى ..
فهذه العمليات عمليات ظاهرها أنها عمليات بطولية أبعد ما تكون من الانتحار ،ومن يقوم بها إن وفق لشروط قبول العمل الصالح مجاهد أبعد ما يكون عن نفسية المنتحر.
- ثانيا : نحن وان كنا ننكر تسميتها بالعمليات الانتحارية فكذلك لا نسميها عمليات استشهادية ،لما في ذلك من الجزم بالشهادة لمنفذيها ؛وهو الأمر الذي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجزم والقطع به كما في صحيح البخاري ( باب لا يقال فلان شهيد ) لكن نسأل الله أن يبلغهم منازل الشهداء ،وهذا لا يتعارض مع معاملة قتيل المعركة الموحد معاملة الشهيد فلا يغسل ولا يصلى عليه ويدفن بثيابه ؛لأن أحكام الدنيا تؤخذ بغلبة الظن .
ولذلك فالصواب الموافق للشرع في تسمية هذه العمليات إن كانت صادرة عن مسلمين يقاتلون في سبيل الله ؛ أن تسمى عمليات جهادية ، إذ هي أعمال جهادية بطولية تشف صدور قوم مؤمنين .
- ثالثا : إن الأصل في تجويز هذه العمليات ما ذكره العلماء في المسألة التي سموها بمسألة الترس ؛ وهي أن يتترس الكفار بأسارى المسلمين أو بنسائهم وذراريهم ، حيث جوزت طائفة من أهل العلم قتل ذلك الترس للضرورة؛ لكن قيدوا ذلك بشروط ؛ وعليه فمادام هذا أصلها؛ فيجب أن تقيد هذه العمليات بما قيد أهل العلم به مسألة الترس أو نظيرا له وهو :
- أن يكون في ترك قتل الترس تعطيل للجهاد …
كما نقل ابن قدامة في المغنى (8/450) عن القاضي والشافعي قولهم : ( يجوز رميهم إذا كانت الحرب قائمة لأن تركه يفضي إلى تعطيل الجهاد ) أهـ .
- ومنها أن لا يمكن التوصل إلى الكفار وقتلهم وقتالهم إلا بقتل الترس .
أوأن يترتب على ترك الترس استئصال شأفة المسلمين واستباحة حرماتهم واحتلال البلد ومن ثم قتل الترس أيضاً …
وعليه فإذا كان الأمر كما يقول إخواننا في فلسطين أنه لا سبيل اليوم لجهاد اليهود وإرهابهم كما أمر الله إلا بهذه العمليات وذلك بسبب تشديد اليهود للإجراءات الأمنية وتواطؤ طواغبت الحكام معهم ومظاهرتهم على المجاهدين ؛ فلا يقول في مثل هذه الحال بتعطيل الجهاد امرؤ يفقه دين الله ويفقه عن الشرع مقاصده .
- لكن يجب أن تقدر الحاجة إلى ذلك بقدرها ، فما أمكن تحقيقه بغير هذه السبيل لا يرخص فيه بذلك ..
- كما يجب على المجاهدين قدر الإمكان استغلال وسائل العلم الحديثة في قتال أعداء الله من باب قوله تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) وذلك لإحداث أعظم نكاية بهم ، مع أقل الخسائر في صفوف المجاهدين ، فهم مسؤولون عمن ولوا أمره منهم ؛ خصوصاً تلك الخسائر التي تكون بأيدي المجاهدين أنفسهم.. - كما يجب عليهم التركيز على الأهداف العسكرية والأمنية ونحوها مما يحدث نكاية عظيمة في أعداء الله وأن يتجنبوا تعمد قتل الأطفال ونحوهم من غير المقاتلين أو غير المعينين على القتال بأي نوع من أنواع الإعانة ، إلا أن يقتلوا عرضا في التبييت أو التفجير ونحوه من أنواع القتال المشابهة التي لا يتمكن المجاهدون من تجنبهم فيها..
وقد استأنس كثير من أهل العلم لهذه العمليات بما روي عن أبي إسحاق السبيعي قال : سمعت رجلاً سأل البراء بن عازب : أرأيت لو أن رجلاً حمل على الكتيبة ، وهم ألف ، ألقى بيده إلى التهلكة ؟ قال البراء : لا ، ولكن التهلكة أن يصيب الرجل الذنب فيلقي بيده ، ويقول : لا توبة لي . قال : ولم ينكر أبو أيوب الأنصاري ، ولا أبو موسى الأشعري رضي الله عنهما أن يحمل الرجل وحده على العسكر الجرار ، ويثبت حتى يقتل .
وأيضا استأنسوا لها بقصة أبي أيوب في القسطنطينية حين حمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ، فصاح الناس : سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة ؟ فقام أبو أيوب . فقال : أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل إنما نزلت فينا معشر الأنصار ، لمّا أعز الله الإسلام وكثر ناصروه فقال بعضنا لبعض سراً ، دون رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أموالنا ضاعت وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم الآية .. الحديث . وهو في سنن الترمذي ورواه أبو داود .
وقد قال شيخ الإسلام : ( جوّز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين .. فإذا كان الرجل يفعل ما يعتقد أنه يقتل به لأجل مصلحة الجهاد ؛ مع أن قتله نفسه أعظم من قتله لغيره ؛ كان ما يفضي إلى قتل غيره لأجل مصلحة الدين التي لا تحصل إلا بذلك ، ودفع ضرر العدو المفسد للدين والدنيا الذي لا يندفع إلا بذلك أولى . ) اهـ.الفتاوى (28/ 540).
وجاء في السير الكبير لمحمد بن حسن الشيباني وشرحه لمحمد بن أحمد السرخسي ( 4/250) : ( ولو أن مسلما حمل على ألف رجل وحده فإن كان يطمع أن يظفر بهم أوينكأ فيهم فلا بأس بذلك ؛ لأنه يقصد بفعله النيل من العدو وقد فعل ذلك بين يدي رسول الله غير واحد من الأصحاب يوم أحد ، ولم ينكر ذلك عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشر بعضهم بالشهادة حين استأذن في ذلك ، وإن كان لا يطمع في نكاية فإنه يكره له هذا الصنيع ، لأنه يتلف نفسه في غير منفعة للمسلمين ، ولا نكاية فيه للمشركين .. إلى قوله فيشترط النكاية ظاهرا لإباحة الإقدام ، وإن كان لا يطمع في نكاية ولكنه يجرىء بذلك المسلمين عليهم حتى يظهر بفعله النكاية في العدو فلا بأس بذلك ، إن شاء الله تعالى ، لأنه لو كان على طمع من النكاية بفعله جاز الإقدام ، فكذلك إذا كان يطمع في النكاية فيهم بفعل غيره ، وكذلك إن كان في إرهاب العدو ، وإدخال الوهن عليهم بفعله فلا بأس به ؛ لأن هذا أفضل وجوه النكاية وفيه منفعة للمسلمين ) أهـ.
وعليه فمن قال أن هذه العمليات عمليات انتحارية لا أصل لها من الشرع ؛ فقد أخطأ وتسرع وحجّر بابا في الجهاد واسعا .
ومن فتح أبوابها على مصراعيها دون القيود أو الضوابط التي ذكرها أهل العلم ؛ فقد تعجّل وتابع الحماس والعاطفة في فتواه لا الدليل الشرعي ..
والخلاصة أنها عمليات جهادية بطولية ممدوحة ـ بشروطها المذكورة ـ ترهب أعداء الله وتحدث النكاية فيهم ولو بعد حين ، وقد لا يستغني عنها المجاهدون في بعض الأحوال خشية تعطيل الجهاد خصوصا في ظل اتفاقيات الاستسلام وقرارات الأمم الملحدة التي تقضي بتحريم القتال وتجريم الجهاد وتعده من الإرهاب الممنوع ؛ وتنص على التعاون الأمني والتآمر الفعلي بين كافة الدول على الجهاد والمجاهدين ..
وفي خاتمة كلامي هذا أجد من الضرورة تذكير القائمين على مثل هذه العمليات بما يلي :
عليهم بتقوى الله وتحري مرضاته سبحانه بجهادهم وأن تكون غايتهم في الجهاد أن يقاتلوا في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا .
أن يكون قتالهم تحت راية إسلامية واضحة لا جاهلية ولا عُمّية .
وأن يتجنبوا كل ما يسخط الله ويغضبه إذ أن الله ينصر من ينصره ويخذل من يحاربه ؛ وهم يعرفون أن كثيرا ممن يواجه اليهود اليوم في فلسطين لا يرجون لله وقارا حيث يجاهرون بمسبة الله ودينه ونبيه ، ويظنون مع ذلك أنهم برميهم اليهود بالحجارة مجاهدون محاربون لليهود !! وهم في الحقيقة كفرة محاربون لله عز وجل .. وأمثال هؤلاء لا ينصرهم الله ولا يدفع بهم عدوا ؛ بل بهم يستجلب غضب الله وخذلانه ، وهم من أعظم أسباب ذل الأمة وتسلط أحفاد القردة والخنازير عليها واحتلالهم لأرضها ومقدساتها ؛ فيجب مع جهاد اليهود أن يجاهد باطل هؤلاء وكفرهم ويدعون إلى التوبة والرجوع إلى الدين الحق ؛ فإن أصروا على كفرهم وحربهم للدين فلا فرق ساعتها بينهم وبين اليهود بل هم شر من اليهود وأولى بالجهاد منهم .. نقول هذا ونحن مطلعون مباشرة على الواقع متصلون بإخواننا في فلسطين ولا نقوله من أبراج عاجية بعيدة عن ساحات الجهاد ؛ ولذلك فنحن من أولى الناس في المصارحة والمناصحة لأهل فلسطين فيه ، ولا يضرنا معه شغب المخالفين أو تشنيع الشانئين الذين لا يقودهم الدليل الشرعي والنصح لدين الله وللمسلمين ؛ وإنما يقودهم الحماس الأجوف والمصالح الدنيوية ويحرصون على التصدر باختيار الفتاوى التي تناسب السياسات أوالظروف ويرضى عنها العوام و الطغام ..
وعلى كل حال فإن لي في هذا الباب كلاما مفصلا ضمن أجوبتي لبعض الأسئلة التي وردت علي وأنا في سجن سواقة وهي منشورة فليراجعها من شاء ، فقد رددت فيها على من جعلوها من الانتحار المحرم وأيضا على من أباحوها مطلقا دون ضوابط ، وأوضحت فساد استدلالات الفريقين وإطلاقاتهم .. وهذا الذي ذكرته هنا هو ملخصها..
أسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعز أولياءه ويستعملنا في طاعته ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أخوك
أبو محمد المقدسي
ما قولك في الفتوى التي اصدرها مفتي السعودية ونشرت في صحيفة الشرق الاوسط في اعتبار العمليات الاستشهادية التي تحصل في فلسطين عمليات انتحارية من قبيل قتل النفس والانتحار وليست من الجهاد في سبيل الله وليس لها وجها شرعيا ..؟
الجـواب
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أخي الفاضل/ ..حفظه الله ورعاه وسدد على نصر الدين خطاه ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصلتني رسالتك وصلك الله بحفظه وتوفيقه وتسأل فيها عن قولي في الفتوى التي اصدرها مفتي السعودية في اعتبار العمليات التي تحصل في فلسطين عمليات انتحارية يخشى أن تكون من قبيل قتل النفس وليست من الجهاد في سبيل الله ..
فاعلم رحمك الله أن مثل هذه الفتوى كانت مجازفة وتعجلا من المفتي خصوصا في هذا الظرف العصيب التي تمر به أمة الإسلام ، من تسلط الطواغيت عليها ومؤاخاتهم لليهود والنصارى وتمكينهم من بلادها وأرضها وخيراتها وتحكيمهم لقوانين الكفر فيها وامتناعهم عن تحكيم شرع الله وتعطيلهم بل تحريمهم للجهاد حيث نصت دساتيرهم الكفرية على أن ( الحرب الهجومية محرمة والحرب الدفاعية لا تكون إلا بمرسوم ) ..
ولذلك فإن لنا على هذه الفتوى ملحوظات ووقفات :
أولا : التنبيه على بطلان تسميتها بالعمليات الانتحارية ؛ لأن فيه مساواة لها بالانتحار المحرم قطعا في دين الله سواء كان يأسا من الحياة واعتراضا على أقدار الله ،أو جزعا من البلاء أو الإصابة والجراح والمتتبع لأحاديث الوعيد على الانتحار يجدها تدور حول هذا وهو كله مفارق كل المفارقة لحال من يسعى لجهاد وقتال أعداء الله بإحداث أعظم النكاية في صفوفهم أو بإدخال أعظم أنواع الخوف والإرهاب عليهم عن طريق هذه العمليات ؛ متأولا قوله تعالى : "واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم." أو قوله : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " وقوله سبحانه : " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون " .. ونحوها من النصوص التي تحث على الجهاد والاستبسال وبذل النفس رخيصة في سبيل الله تعالى ..
فهذه العمليات عمليات ظاهرها أنها عمليات بطولية أبعد ما تكون من الانتحار ،ومن يقوم بها إن وفق لشروط قبول العمل الصالح مجاهد أبعد ما يكون عن نفسية المنتحر.
- ثانيا : نحن وان كنا ننكر تسميتها بالعمليات الانتحارية فكذلك لا نسميها عمليات استشهادية ،لما في ذلك من الجزم بالشهادة لمنفذيها ؛وهو الأمر الذي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجزم والقطع به كما في صحيح البخاري ( باب لا يقال فلان شهيد ) لكن نسأل الله أن يبلغهم منازل الشهداء ،وهذا لا يتعارض مع معاملة قتيل المعركة الموحد معاملة الشهيد فلا يغسل ولا يصلى عليه ويدفن بثيابه ؛لأن أحكام الدنيا تؤخذ بغلبة الظن .
ولذلك فالصواب الموافق للشرع في تسمية هذه العمليات إن كانت صادرة عن مسلمين يقاتلون في سبيل الله ؛ أن تسمى عمليات جهادية ، إذ هي أعمال جهادية بطولية تشف صدور قوم مؤمنين .
- ثالثا : إن الأصل في تجويز هذه العمليات ما ذكره العلماء في المسألة التي سموها بمسألة الترس ؛ وهي أن يتترس الكفار بأسارى المسلمين أو بنسائهم وذراريهم ، حيث جوزت طائفة من أهل العلم قتل ذلك الترس للضرورة؛ لكن قيدوا ذلك بشروط ؛ وعليه فمادام هذا أصلها؛ فيجب أن تقيد هذه العمليات بما قيد أهل العلم به مسألة الترس أو نظيرا له وهو :
- أن يكون في ترك قتل الترس تعطيل للجهاد …
كما نقل ابن قدامة في المغنى (8/450) عن القاضي والشافعي قولهم : ( يجوز رميهم إذا كانت الحرب قائمة لأن تركه يفضي إلى تعطيل الجهاد ) أهـ .
- ومنها أن لا يمكن التوصل إلى الكفار وقتلهم وقتالهم إلا بقتل الترس .
أوأن يترتب على ترك الترس استئصال شأفة المسلمين واستباحة حرماتهم واحتلال البلد ومن ثم قتل الترس أيضاً …
وعليه فإذا كان الأمر كما يقول إخواننا في فلسطين أنه لا سبيل اليوم لجهاد اليهود وإرهابهم كما أمر الله إلا بهذه العمليات وذلك بسبب تشديد اليهود للإجراءات الأمنية وتواطؤ طواغبت الحكام معهم ومظاهرتهم على المجاهدين ؛ فلا يقول في مثل هذه الحال بتعطيل الجهاد امرؤ يفقه دين الله ويفقه عن الشرع مقاصده .
- لكن يجب أن تقدر الحاجة إلى ذلك بقدرها ، فما أمكن تحقيقه بغير هذه السبيل لا يرخص فيه بذلك ..
- كما يجب على المجاهدين قدر الإمكان استغلال وسائل العلم الحديثة في قتال أعداء الله من باب قوله تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) وذلك لإحداث أعظم نكاية بهم ، مع أقل الخسائر في صفوف المجاهدين ، فهم مسؤولون عمن ولوا أمره منهم ؛ خصوصاً تلك الخسائر التي تكون بأيدي المجاهدين أنفسهم.. - كما يجب عليهم التركيز على الأهداف العسكرية والأمنية ونحوها مما يحدث نكاية عظيمة في أعداء الله وأن يتجنبوا تعمد قتل الأطفال ونحوهم من غير المقاتلين أو غير المعينين على القتال بأي نوع من أنواع الإعانة ، إلا أن يقتلوا عرضا في التبييت أو التفجير ونحوه من أنواع القتال المشابهة التي لا يتمكن المجاهدون من تجنبهم فيها..
وقد استأنس كثير من أهل العلم لهذه العمليات بما روي عن أبي إسحاق السبيعي قال : سمعت رجلاً سأل البراء بن عازب : أرأيت لو أن رجلاً حمل على الكتيبة ، وهم ألف ، ألقى بيده إلى التهلكة ؟ قال البراء : لا ، ولكن التهلكة أن يصيب الرجل الذنب فيلقي بيده ، ويقول : لا توبة لي . قال : ولم ينكر أبو أيوب الأنصاري ، ولا أبو موسى الأشعري رضي الله عنهما أن يحمل الرجل وحده على العسكر الجرار ، ويثبت حتى يقتل .
وأيضا استأنسوا لها بقصة أبي أيوب في القسطنطينية حين حمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ، فصاح الناس : سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة ؟ فقام أبو أيوب . فقال : أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل إنما نزلت فينا معشر الأنصار ، لمّا أعز الله الإسلام وكثر ناصروه فقال بعضنا لبعض سراً ، دون رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أموالنا ضاعت وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم الآية .. الحديث . وهو في سنن الترمذي ورواه أبو داود .
وقد قال شيخ الإسلام : ( جوّز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين .. فإذا كان الرجل يفعل ما يعتقد أنه يقتل به لأجل مصلحة الجهاد ؛ مع أن قتله نفسه أعظم من قتله لغيره ؛ كان ما يفضي إلى قتل غيره لأجل مصلحة الدين التي لا تحصل إلا بذلك ، ودفع ضرر العدو المفسد للدين والدنيا الذي لا يندفع إلا بذلك أولى . ) اهـ.الفتاوى (28/ 540).
وجاء في السير الكبير لمحمد بن حسن الشيباني وشرحه لمحمد بن أحمد السرخسي ( 4/250) : ( ولو أن مسلما حمل على ألف رجل وحده فإن كان يطمع أن يظفر بهم أوينكأ فيهم فلا بأس بذلك ؛ لأنه يقصد بفعله النيل من العدو وقد فعل ذلك بين يدي رسول الله غير واحد من الأصحاب يوم أحد ، ولم ينكر ذلك عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشر بعضهم بالشهادة حين استأذن في ذلك ، وإن كان لا يطمع في نكاية فإنه يكره له هذا الصنيع ، لأنه يتلف نفسه في غير منفعة للمسلمين ، ولا نكاية فيه للمشركين .. إلى قوله فيشترط النكاية ظاهرا لإباحة الإقدام ، وإن كان لا يطمع في نكاية ولكنه يجرىء بذلك المسلمين عليهم حتى يظهر بفعله النكاية في العدو فلا بأس بذلك ، إن شاء الله تعالى ، لأنه لو كان على طمع من النكاية بفعله جاز الإقدام ، فكذلك إذا كان يطمع في النكاية فيهم بفعل غيره ، وكذلك إن كان في إرهاب العدو ، وإدخال الوهن عليهم بفعله فلا بأس به ؛ لأن هذا أفضل وجوه النكاية وفيه منفعة للمسلمين ) أهـ.
وعليه فمن قال أن هذه العمليات عمليات انتحارية لا أصل لها من الشرع ؛ فقد أخطأ وتسرع وحجّر بابا في الجهاد واسعا .
ومن فتح أبوابها على مصراعيها دون القيود أو الضوابط التي ذكرها أهل العلم ؛ فقد تعجّل وتابع الحماس والعاطفة في فتواه لا الدليل الشرعي ..
والخلاصة أنها عمليات جهادية بطولية ممدوحة ـ بشروطها المذكورة ـ ترهب أعداء الله وتحدث النكاية فيهم ولو بعد حين ، وقد لا يستغني عنها المجاهدون في بعض الأحوال خشية تعطيل الجهاد خصوصا في ظل اتفاقيات الاستسلام وقرارات الأمم الملحدة التي تقضي بتحريم القتال وتجريم الجهاد وتعده من الإرهاب الممنوع ؛ وتنص على التعاون الأمني والتآمر الفعلي بين كافة الدول على الجهاد والمجاهدين ..
وفي خاتمة كلامي هذا أجد من الضرورة تذكير القائمين على مثل هذه العمليات بما يلي :
عليهم بتقوى الله وتحري مرضاته سبحانه بجهادهم وأن تكون غايتهم في الجهاد أن يقاتلوا في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا .
أن يكون قتالهم تحت راية إسلامية واضحة لا جاهلية ولا عُمّية .
وأن يتجنبوا كل ما يسخط الله ويغضبه إذ أن الله ينصر من ينصره ويخذل من يحاربه ؛ وهم يعرفون أن كثيرا ممن يواجه اليهود اليوم في فلسطين لا يرجون لله وقارا حيث يجاهرون بمسبة الله ودينه ونبيه ، ويظنون مع ذلك أنهم برميهم اليهود بالحجارة مجاهدون محاربون لليهود !! وهم في الحقيقة كفرة محاربون لله عز وجل .. وأمثال هؤلاء لا ينصرهم الله ولا يدفع بهم عدوا ؛ بل بهم يستجلب غضب الله وخذلانه ، وهم من أعظم أسباب ذل الأمة وتسلط أحفاد القردة والخنازير عليها واحتلالهم لأرضها ومقدساتها ؛ فيجب مع جهاد اليهود أن يجاهد باطل هؤلاء وكفرهم ويدعون إلى التوبة والرجوع إلى الدين الحق ؛ فإن أصروا على كفرهم وحربهم للدين فلا فرق ساعتها بينهم وبين اليهود بل هم شر من اليهود وأولى بالجهاد منهم .. نقول هذا ونحن مطلعون مباشرة على الواقع متصلون بإخواننا في فلسطين ولا نقوله من أبراج عاجية بعيدة عن ساحات الجهاد ؛ ولذلك فنحن من أولى الناس في المصارحة والمناصحة لأهل فلسطين فيه ، ولا يضرنا معه شغب المخالفين أو تشنيع الشانئين الذين لا يقودهم الدليل الشرعي والنصح لدين الله وللمسلمين ؛ وإنما يقودهم الحماس الأجوف والمصالح الدنيوية ويحرصون على التصدر باختيار الفتاوى التي تناسب السياسات أوالظروف ويرضى عنها العوام و الطغام ..
وعلى كل حال فإن لي في هذا الباب كلاما مفصلا ضمن أجوبتي لبعض الأسئلة التي وردت علي وأنا في سجن سواقة وهي منشورة فليراجعها من شاء ، فقد رددت فيها على من جعلوها من الانتحار المحرم وأيضا على من أباحوها مطلقا دون ضوابط ، وأوضحت فساد استدلالات الفريقين وإطلاقاتهم .. وهذا الذي ذكرته هنا هو ملخصها..
أسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعز أولياءه ويستعملنا في طاعته ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أخوك
أبو محمد المقدسي