عقلة بن عجلان
02-09-2003, 01:08 PM
محمود بكري
لم تمض أيام معدودة علي الفتوي التي أعدها الدكتور نبوي محمد العش عضو لجنة الفتوي بالأزهر الشريف، والتي أفتي فيها بحرمة التعامل مع مجلس الحكم العراقي لكونة 'صنيعة أمريكية' تم تشكيله بقرار من الحاكم الأمريكي للعراق، حتي التقي السفير الأمريكي بالقاهرة علي عجل مع شيخ الأزهر يوم الأربعاء الماضي .. حيث فوجئت كافة الأوساط السياسية والإعلامية بالدكتور طنطاوي وهو يعلن بعد لقاء السفير عن إلغاء الفتوي، وتوجيه الاتهامات للدكتور نبوي محمد العش بأنه خرج عن حدوده، وتجاوز مسئولياته عندما أفتي في أمور سياسية .. وساق مبررات واهية تلغي دور الأزهر ولجانه حين زعم أنه لا يستطيع أن يتدخل في شئون العراق، لأن له علماءه الذين يتفهمون ظروفه، ويستطيعون أن يقرروا الموقف من شئونه الخاصة والعامة.
هكذا بجرة قلم يحاول شيخ الأزهر القضاء علي الدور العالمي الذي عرف به الأزهر الشريف طوال تاريخه .. بل وأطلق شيخ الأزهر بعضا من العبارات التي تكرس الاعتراف بمجلس الحكم العراقي، والذي أعلنه الاحتلال الأمريكي، ولايزال يسبغ عليه حمايته، ويحركه حسب مشيئته.
'الأسبوع' رصدت تفاعلات فتوي لجنة الأزهر داخل الدوائر الأمريكية، وسألت العلماء عن رأي شيخ الأزهر، وتقصت الرأي القانوني في مجلس فاقد لشرعيته .. وليس أكثر من أداة في يد الاحتلال.
'الأسبوع'
بينما كانت الإدارة الأمريكية تكثف من ضغوطاتها علي الحكومة المصرية للاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي العراقي الذي عينه الحاكم الأمريكي للعراق، هبت من قلب العاصمة المصرية، وبالتحديد من قلب الأزهر الشريف 'عاصفة مدوية' انطلقت دون مقدمات.. ثم سرعان ما امتد لهيبها ليصيب دوائر الشر في واشنطن وتل أبيب بالدوار، ويدفعها نحو الجنون، الأمر الذي انعكس علي ردود فعلها العشوائية، التي راحت تهدد وتتوعد، وسط حالة من الارتباك والفوضي أحدثتها فتوي الأزهر بعدم مشروعية الاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي في العراق، وتحرم التعامل معه، وتري في التعامل معه تعاونا مباشرا مع أعداء الإسلام.
وما أن تلقفت وسائل الإعلام فتوي لجنة الفتوي بالأزهر الشريف التي أعدها الشيخ نبوي محمد العش، حتي راحت الإدارة الأمريكية تجري اتصالاتها مع مصر لمعرفة أبعاد هذه الفتوي، التي تعني فرض حصار شامل علي المخطط الأمريكي بتنصيب عملاء ومأجورين يديرون سياساته بالوكالة.
علي الفور بعثت واشنطن بمذكرة طرحت من خلالها عدة أسئلة علي المسئولين المصريين:
أولها: هل تمثل فتوي لجنة الأزهر الرأي الرسمي لمؤسسة الأزهر الدينية؟
وثانيها: هل يمثل هذا الرأي وجهة نظر الحكومة المصرية؟
وطلبت المذكرة الأمريكية من الحكومة المصرية تقديم رد عاجل علي أسئلتها، خاصة بعد القلق الشديد الذي أحدثته فتوي لجنة الأزهر لدي دوائر الخارجية الأمريكية، ومجلس الأمن القومي الأمريكي، حيث أبدت اهتماما شديدا بمحتواها، وما تضمنته من دعوات.
وكان السفير الإسرائيلي في واشنطن هو أول من أبلغ الخارجية الأمريكية بهذه الفتوي، حيث نبه وبشكل عاجل كلا من وزير الخارجية الأمريكي كولن باول ومستشارة الأمن القومي الأمريكي كونداليزا رايس بصدور رأي ديني قاطع من الأزهر الشريف، يعتبر أن مجلس الحكم العراقي فاقد للشرعية الدينية والدنيوية.
وفق المعلومات.. فقد أرسل السفير الإسرائيلي بواشنطن مع نص الفتوي تعريفا مختصرا بالأزهر الشريف.. أشار فيه إلي أن الأزهر هو أكبر مؤسسة دينية في الشرق الأوسط، وأنه يحظي باحترام وقدسية كبيرة لدي المسلمين في مختلف أرجاء العالم، وأنه يعادل في مرتبته 'الفاتيكان' بالنسبة للعالم المسيحي، وأن الآراء الدينية التي يبديها الأزهر تكون دائما محل احترام وتقدير من كل المسلمين، إلا أن الأزهر كمؤسسة دينية في مصر لا يتمتع بالاستقلال الكامل في مواجهة السلطة السياسية، وأن القيادة السياسية المصرية تتدخل في بعض الأحيان من أجل تغيير بعض الآراء الدينية، التي قد تسبب إزعاجا للسياسة الداخلية أو الخارجية لمصر.
وأشارت المذكرة التي رفعها السفير الإسرائيلي للجهات الأمريكية الرسمية إلي أن هناك لجنة معنية بإبداء الآراء الدينية، يطلق عليها 'لجنة الفتوي'، وتعد من أخطر لجان الأزهر، حيث إن القائمين عليها يعدون من رجال الدين الأصوليين الذين يعتمدون علي الأفكار الدينية المتشددة من خلال الآراء الدينية التي أبديت في مناسبات مختلفة وأن هذه اللجنة كانت لها دائما مواقف معادية تجاه إسرائيل.
وفق المعلومات.. فإن السفارة الإسرائيلية هي التي تولت ترجمة فتوي الأزهر إلي اللغة الانجليزية، ثم توالي إبلاغ الخارجية الأمريكية.. بهذه الفتوي من جهات متعددة بالشرق الأوسط، كان أهمها السفارة الأمريكية في مصر، والجامعة الأمريكية بالقاهرة.
وعلي عجل، نقلت الفتوي إلي الكونجرس والبيت الأبيض، حيث راحت لجان متعددة تعقد سلسلة من الاجتماعات الفورية لتأجيج النار علي مصر، قادتها مجموعات الضغط الصهيونية مثل: 'إيباك المجد للرب المنظمة الأمريكية الخيرية منظمة أصدقاء إسرائيل'.. حيث لوحظ أن هذه المنظمات تحركت علي الفور في اتجاه الخارجية والكونجرس والبيت الأبيض، فيما راح العديد من قيادات هذه المنظمات يرتبون بالفعل للقاءات مهمة مع عدد كبير من مسئولي الإدارة الأمريكية.
في اللقاءات الأولية التي عقدت مع بعض أعضاء الكونجرس، وبعض خبراء الخارجية الأمريكية جرت مشاورات بشأن إدراج 'مؤسسة الأزهر الدينية' في مصر ضمن 'المؤسسات الإرهابية' في العالم، ما لم تصدر مصر بيانا عاجلا ينفي صدور هذه الفتوي من أي مؤسسة في داخل مصر، معتبرة أن رفضها إصدار مثل هذه الفتوي يعني موافقتها علي ما جاء فيها من ألفاظ وعبارات تحرم تماما علي الدول العربية والإسلامية التعامل مع مجلس الحكم العراقي.
وشددت تلك اللقاءات علي ضرورة أن تتخذ الحكومة المصرية قرارا عاجلا بإحالة الذين شاركوا في هذه الفتوي إلي جهات المساءلة القانونية في داخل مصر، بصفتهم يحضون علي انتشار الإرهاب والعنف في داخل العراق، وأن تتخذ الحكومة المصرية في ذات الإطار.. أيضا قرارا بتغيير قيادات مؤسسة الأزهر الحالية بعد أن تعددت آراؤهم الدينية المتشددة، والتي لا تبعث علي التفاؤل في دور هذه المؤسسة في دعم الأمن والاستقرار في المنطقة.
إلي ذلك.. أرسلت الدوائر الرسمية في الأمن القومي الأمريكي توضيحا إلي الخارجية الأمريكية، بالنظر لما لها من سابق خبرة وتعامل مع المؤسسات الدينية في الشرق الأوسط، مثل الأزهر حول ما إذا كان من حق مؤسسة الأزهر الدينية الافتاء وابداء الرأي في المسائل السياسية، وهل التعامل مع مجلس الحكم العراقي يحتاج إلي رأي ديني من مؤسسة الأزهر؟.. وطلب جهاز الأمن القومي الأمريكي أيضا إفادته بالمرجعية الدينية والمصادر التي اعتمد عليها الأزهر في بناء رأيه الديني في عدم التعامل مع مجلس الحكم العراقي.
وقد أحال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأوسط وليام بيرنز هذه التساؤلات إلي أحد مراكز الدراسات والبحوث التابعة للخارجية الأمريكية، حيث تشكلت مجموعة عمل من خبراء الخارجية الأمريكية لمتابعة كافة المواقع الدينية علي شبكة الإنترنت، وذلك لإحصاء كل التفسيرات الدينية والسياسية التي قد يدلي بها بعض رجال الدين الإسلامي إزاء هذه الفتوي.
وكان أحد مسئولي الخارجية الأمريكية قد عبر في اتصالات أجراها مع بعض المسئولين المصريين عن رفضه لأن يتدخل الأزهر في المسائل السياسية، واعتبر أن التعامل أو عدم التعامل مع مجلس الحكم العراقي هي مسألة سياسية بحتة، ولا تخضع بأي معيار للشروط الدينية، وأن هذه الفتوي تضر بالدين الإسلامي أكثر مما تفيده حسب زعمه لأن ذلك من وجهة نظر هذا المسئول يعبر عن نزعته الشمولية التسلطية في كل الآراء الدينية.
في السياق ذاته.. فإنه.. وفي إطار التحركات التمهيدية في الكونجرس الأمريكي، فقد استهدفت الاتصالات التي تمت بين جماعات الضغط اليهودية وأعضاء الكونجرس إثارة هذه المسألة للمناقشة، وإدراجها كموضوع رسمي في إحدي لجان الكونجرس المعنية بمناقشة السياسة الخارجية، إلا أن بعض أعضاء الكونجرس طلبوا التريث في اتخاذ أي إجراء أو قرار، فيما رأي البعض أن هذه الفتوي، أو الرأي الديني قد تعبر عن رأي شخصي لصاحبها، ولا تعبر عن رأي المؤسسة الدينية.
وأشار الخبير الأمريكي لشئون العلاقات الدينية في الشرق الأوسط البروفيسور 'مايكل داينهازر' في لقاء عقده بمكتبه في الكونجرس الأمريكي حيث يعد أحد خبراء لجنة العلاقات الخارجية، ومستشار رئيس الكونجرس في مسائل الشرق الأوسط مع شخصيات عربية زائرة للكونجرس هذه الأيام، أنه لا يعتقد أن مصر تصل إلي هذه الدرجة من الاختلاف في المصالح مع الولايات المتحدة، ويري أنه حتي لو كان هذا الرأي صحيحا، وصادرا من مؤسسة الأزهر التي لها أعلي تقدير في العالم، وتعبر عن وجهة نظر رسمية.. فإنه لن يكون لديه شك في أن الحكومة المصرية هي التي أوعزت للأزهر بإصدار مثل هذا الرأي، وفي هذا التوقيت الذي يزور فيه وفد من مجلس الحكم الانتقالي العديد من البلدان العربية.
وأوضح 'داينهازر' الذي نقل رؤيته للعديد من السفارات العربية في واشنطن أن المعني السياسي لهذا الرأي الديني في حالة صحته وإقراره الرسمي من الأزهر، هو أن مصر تريد أن تحرج الولايات المتحدة في العراق، وأن ذلك لابد أن تكون له تبعات ورد فعل أمريكي قوي علي السياسة المصرية.. غير أنه أعرب عن شكه في أن تكون هذه الفتوي رسمية، وتعبر عن رأي الأزهر، لأن ذلك سيؤدي إلي تشجيع الجماعات الإرهابية علي القيام بعمليات قوية ومؤثرة ضد القوات الأمريكية، وأن هذه الفتوي يمكن أن تدخل في إطار تشجيع أعمال العنف والإرهاب في المنطقة، وأنه من واجب مصر أن تقف إلي جانب دعم القوات الأمريكية في العراق، ودعم هذا المجلس الذي يتولي زمام السلطة، لأن هذا يمثل مرحلة انتقالية نحو الانتقال للسلطة المنتخبة من الشعب.
في ذات الوقت.. تفيد المعلومات الدبلوماسية أن خبراء الخارجية الأمريكية يعكفون علي تحليل هذه الفتوي، في حين أن الحكومة المصرية لم تقم حتي الآن بأي رد علي الاستفسار الأمريكي ب 'هل هذه الفتوي صحيحة وصادرة من الأزهر وتعبر عن رأيه' هذا بالطبع قبل إلغاء شيخ الأزهر لفتوي لجنة الأزهر يوم الأربعاء الماضي.
وبحسب التقارير، فإنه ما أثار خبراء الخارجية الأمريكية بشأن الفتوي تم تحديده في عدد من الأمور:
1 نزع الشرعية عن مجلس الحكم الانتقالي.
2 تحريم التعامل معه لكونه مفروضا بقوة الاحتلال الأمريكي علي العراقيين.
3 عدم جواز التعامل مع الدول التي تتعامل مع مجلس الحكم العراقي، لكونها تتعامل مع أعداء الإسلام.
وقد فسرت التحليلات الأمريكية كلمة 'الفتوي' علي أنها 'رأي ديني قوي ملزم لكل المسلمين' جاءت في عبارات متشددة لتؤكد أن الولايات المتحدة وشعبها وقواتها هم 'أعداء الله' و'أعداء الإسلام' وأن هذه العبارات 'تحديدا' يجب أن يتم الاحتجاج إزاءها بشدة، وأن الاحتجاج لا يوجه فقط إلي مؤسسة الأزهر، بل وإلي الحكومة المصرية، التي هي إحدي الدول الصديقة، بالإضافة إلي أنها تتلقي مليارات الدولارات سنويا من أجل معاونتها علي النهوض اقتصاديا، ثم تأتي إحدي مؤسساتها، وبغض النظر عن كونها دينية، أم سياسية، وبغض النظر عن كون هذه الفتوي، تمثل رأيا شخصيا لصاحبها أو رأي مؤسسة الأزهر تأتي هذه المؤسسة، أو هذا المسئول الديني ليؤكد أن الدولة التي تنفق في بلاده ملايين الدولارات عدوة الله والإسلام، لأن هذا المسئول الديني بهذه الفتوي، يدعو المنظمات الإرهابية بشكل غير مباشر إلي تأييد العمليات الإرهابية ضد القوات الأمريكية.
كما ركزت التحليلات الأولية لخبراء الخارجية الأمريكية علي أن هذه الفتوي بناها هذا المسئول الديني بناء علي استشهاد له من الكتاب المقدس للمسلمين 'القرآن'، وهو ما يمنحها مصداقية وتأثيرا كبيرا لدي هؤلاء المسلمين، وأن هذا الاستشهاد يقصد الآيات القرآنية تؤكد في معانيها علي ضرورة العداء بين المسلمين وغيرهم، وبالتالي فإن هذا الاستشهاد، أو الفتوي في عمومها تأتي في أوقات غير متلائمة لبناء علاقات ذات طبيعة جديدة بين العالمين الإسلامي والغربي.
لم تمض أيام معدودة علي الفتوي التي أعدها الدكتور نبوي محمد العش عضو لجنة الفتوي بالأزهر الشريف، والتي أفتي فيها بحرمة التعامل مع مجلس الحكم العراقي لكونة 'صنيعة أمريكية' تم تشكيله بقرار من الحاكم الأمريكي للعراق، حتي التقي السفير الأمريكي بالقاهرة علي عجل مع شيخ الأزهر يوم الأربعاء الماضي .. حيث فوجئت كافة الأوساط السياسية والإعلامية بالدكتور طنطاوي وهو يعلن بعد لقاء السفير عن إلغاء الفتوي، وتوجيه الاتهامات للدكتور نبوي محمد العش بأنه خرج عن حدوده، وتجاوز مسئولياته عندما أفتي في أمور سياسية .. وساق مبررات واهية تلغي دور الأزهر ولجانه حين زعم أنه لا يستطيع أن يتدخل في شئون العراق، لأن له علماءه الذين يتفهمون ظروفه، ويستطيعون أن يقرروا الموقف من شئونه الخاصة والعامة.
هكذا بجرة قلم يحاول شيخ الأزهر القضاء علي الدور العالمي الذي عرف به الأزهر الشريف طوال تاريخه .. بل وأطلق شيخ الأزهر بعضا من العبارات التي تكرس الاعتراف بمجلس الحكم العراقي، والذي أعلنه الاحتلال الأمريكي، ولايزال يسبغ عليه حمايته، ويحركه حسب مشيئته.
'الأسبوع' رصدت تفاعلات فتوي لجنة الأزهر داخل الدوائر الأمريكية، وسألت العلماء عن رأي شيخ الأزهر، وتقصت الرأي القانوني في مجلس فاقد لشرعيته .. وليس أكثر من أداة في يد الاحتلال.
'الأسبوع'
بينما كانت الإدارة الأمريكية تكثف من ضغوطاتها علي الحكومة المصرية للاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي العراقي الذي عينه الحاكم الأمريكي للعراق، هبت من قلب العاصمة المصرية، وبالتحديد من قلب الأزهر الشريف 'عاصفة مدوية' انطلقت دون مقدمات.. ثم سرعان ما امتد لهيبها ليصيب دوائر الشر في واشنطن وتل أبيب بالدوار، ويدفعها نحو الجنون، الأمر الذي انعكس علي ردود فعلها العشوائية، التي راحت تهدد وتتوعد، وسط حالة من الارتباك والفوضي أحدثتها فتوي الأزهر بعدم مشروعية الاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي في العراق، وتحرم التعامل معه، وتري في التعامل معه تعاونا مباشرا مع أعداء الإسلام.
وما أن تلقفت وسائل الإعلام فتوي لجنة الفتوي بالأزهر الشريف التي أعدها الشيخ نبوي محمد العش، حتي راحت الإدارة الأمريكية تجري اتصالاتها مع مصر لمعرفة أبعاد هذه الفتوي، التي تعني فرض حصار شامل علي المخطط الأمريكي بتنصيب عملاء ومأجورين يديرون سياساته بالوكالة.
علي الفور بعثت واشنطن بمذكرة طرحت من خلالها عدة أسئلة علي المسئولين المصريين:
أولها: هل تمثل فتوي لجنة الأزهر الرأي الرسمي لمؤسسة الأزهر الدينية؟
وثانيها: هل يمثل هذا الرأي وجهة نظر الحكومة المصرية؟
وطلبت المذكرة الأمريكية من الحكومة المصرية تقديم رد عاجل علي أسئلتها، خاصة بعد القلق الشديد الذي أحدثته فتوي لجنة الأزهر لدي دوائر الخارجية الأمريكية، ومجلس الأمن القومي الأمريكي، حيث أبدت اهتماما شديدا بمحتواها، وما تضمنته من دعوات.
وكان السفير الإسرائيلي في واشنطن هو أول من أبلغ الخارجية الأمريكية بهذه الفتوي، حيث نبه وبشكل عاجل كلا من وزير الخارجية الأمريكي كولن باول ومستشارة الأمن القومي الأمريكي كونداليزا رايس بصدور رأي ديني قاطع من الأزهر الشريف، يعتبر أن مجلس الحكم العراقي فاقد للشرعية الدينية والدنيوية.
وفق المعلومات.. فقد أرسل السفير الإسرائيلي بواشنطن مع نص الفتوي تعريفا مختصرا بالأزهر الشريف.. أشار فيه إلي أن الأزهر هو أكبر مؤسسة دينية في الشرق الأوسط، وأنه يحظي باحترام وقدسية كبيرة لدي المسلمين في مختلف أرجاء العالم، وأنه يعادل في مرتبته 'الفاتيكان' بالنسبة للعالم المسيحي، وأن الآراء الدينية التي يبديها الأزهر تكون دائما محل احترام وتقدير من كل المسلمين، إلا أن الأزهر كمؤسسة دينية في مصر لا يتمتع بالاستقلال الكامل في مواجهة السلطة السياسية، وأن القيادة السياسية المصرية تتدخل في بعض الأحيان من أجل تغيير بعض الآراء الدينية، التي قد تسبب إزعاجا للسياسة الداخلية أو الخارجية لمصر.
وأشارت المذكرة التي رفعها السفير الإسرائيلي للجهات الأمريكية الرسمية إلي أن هناك لجنة معنية بإبداء الآراء الدينية، يطلق عليها 'لجنة الفتوي'، وتعد من أخطر لجان الأزهر، حيث إن القائمين عليها يعدون من رجال الدين الأصوليين الذين يعتمدون علي الأفكار الدينية المتشددة من خلال الآراء الدينية التي أبديت في مناسبات مختلفة وأن هذه اللجنة كانت لها دائما مواقف معادية تجاه إسرائيل.
وفق المعلومات.. فإن السفارة الإسرائيلية هي التي تولت ترجمة فتوي الأزهر إلي اللغة الانجليزية، ثم توالي إبلاغ الخارجية الأمريكية.. بهذه الفتوي من جهات متعددة بالشرق الأوسط، كان أهمها السفارة الأمريكية في مصر، والجامعة الأمريكية بالقاهرة.
وعلي عجل، نقلت الفتوي إلي الكونجرس والبيت الأبيض، حيث راحت لجان متعددة تعقد سلسلة من الاجتماعات الفورية لتأجيج النار علي مصر، قادتها مجموعات الضغط الصهيونية مثل: 'إيباك المجد للرب المنظمة الأمريكية الخيرية منظمة أصدقاء إسرائيل'.. حيث لوحظ أن هذه المنظمات تحركت علي الفور في اتجاه الخارجية والكونجرس والبيت الأبيض، فيما راح العديد من قيادات هذه المنظمات يرتبون بالفعل للقاءات مهمة مع عدد كبير من مسئولي الإدارة الأمريكية.
في اللقاءات الأولية التي عقدت مع بعض أعضاء الكونجرس، وبعض خبراء الخارجية الأمريكية جرت مشاورات بشأن إدراج 'مؤسسة الأزهر الدينية' في مصر ضمن 'المؤسسات الإرهابية' في العالم، ما لم تصدر مصر بيانا عاجلا ينفي صدور هذه الفتوي من أي مؤسسة في داخل مصر، معتبرة أن رفضها إصدار مثل هذه الفتوي يعني موافقتها علي ما جاء فيها من ألفاظ وعبارات تحرم تماما علي الدول العربية والإسلامية التعامل مع مجلس الحكم العراقي.
وشددت تلك اللقاءات علي ضرورة أن تتخذ الحكومة المصرية قرارا عاجلا بإحالة الذين شاركوا في هذه الفتوي إلي جهات المساءلة القانونية في داخل مصر، بصفتهم يحضون علي انتشار الإرهاب والعنف في داخل العراق، وأن تتخذ الحكومة المصرية في ذات الإطار.. أيضا قرارا بتغيير قيادات مؤسسة الأزهر الحالية بعد أن تعددت آراؤهم الدينية المتشددة، والتي لا تبعث علي التفاؤل في دور هذه المؤسسة في دعم الأمن والاستقرار في المنطقة.
إلي ذلك.. أرسلت الدوائر الرسمية في الأمن القومي الأمريكي توضيحا إلي الخارجية الأمريكية، بالنظر لما لها من سابق خبرة وتعامل مع المؤسسات الدينية في الشرق الأوسط، مثل الأزهر حول ما إذا كان من حق مؤسسة الأزهر الدينية الافتاء وابداء الرأي في المسائل السياسية، وهل التعامل مع مجلس الحكم العراقي يحتاج إلي رأي ديني من مؤسسة الأزهر؟.. وطلب جهاز الأمن القومي الأمريكي أيضا إفادته بالمرجعية الدينية والمصادر التي اعتمد عليها الأزهر في بناء رأيه الديني في عدم التعامل مع مجلس الحكم العراقي.
وقد أحال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأوسط وليام بيرنز هذه التساؤلات إلي أحد مراكز الدراسات والبحوث التابعة للخارجية الأمريكية، حيث تشكلت مجموعة عمل من خبراء الخارجية الأمريكية لمتابعة كافة المواقع الدينية علي شبكة الإنترنت، وذلك لإحصاء كل التفسيرات الدينية والسياسية التي قد يدلي بها بعض رجال الدين الإسلامي إزاء هذه الفتوي.
وكان أحد مسئولي الخارجية الأمريكية قد عبر في اتصالات أجراها مع بعض المسئولين المصريين عن رفضه لأن يتدخل الأزهر في المسائل السياسية، واعتبر أن التعامل أو عدم التعامل مع مجلس الحكم العراقي هي مسألة سياسية بحتة، ولا تخضع بأي معيار للشروط الدينية، وأن هذه الفتوي تضر بالدين الإسلامي أكثر مما تفيده حسب زعمه لأن ذلك من وجهة نظر هذا المسئول يعبر عن نزعته الشمولية التسلطية في كل الآراء الدينية.
في السياق ذاته.. فإنه.. وفي إطار التحركات التمهيدية في الكونجرس الأمريكي، فقد استهدفت الاتصالات التي تمت بين جماعات الضغط اليهودية وأعضاء الكونجرس إثارة هذه المسألة للمناقشة، وإدراجها كموضوع رسمي في إحدي لجان الكونجرس المعنية بمناقشة السياسة الخارجية، إلا أن بعض أعضاء الكونجرس طلبوا التريث في اتخاذ أي إجراء أو قرار، فيما رأي البعض أن هذه الفتوي، أو الرأي الديني قد تعبر عن رأي شخصي لصاحبها، ولا تعبر عن رأي المؤسسة الدينية.
وأشار الخبير الأمريكي لشئون العلاقات الدينية في الشرق الأوسط البروفيسور 'مايكل داينهازر' في لقاء عقده بمكتبه في الكونجرس الأمريكي حيث يعد أحد خبراء لجنة العلاقات الخارجية، ومستشار رئيس الكونجرس في مسائل الشرق الأوسط مع شخصيات عربية زائرة للكونجرس هذه الأيام، أنه لا يعتقد أن مصر تصل إلي هذه الدرجة من الاختلاف في المصالح مع الولايات المتحدة، ويري أنه حتي لو كان هذا الرأي صحيحا، وصادرا من مؤسسة الأزهر التي لها أعلي تقدير في العالم، وتعبر عن وجهة نظر رسمية.. فإنه لن يكون لديه شك في أن الحكومة المصرية هي التي أوعزت للأزهر بإصدار مثل هذا الرأي، وفي هذا التوقيت الذي يزور فيه وفد من مجلس الحكم الانتقالي العديد من البلدان العربية.
وأوضح 'داينهازر' الذي نقل رؤيته للعديد من السفارات العربية في واشنطن أن المعني السياسي لهذا الرأي الديني في حالة صحته وإقراره الرسمي من الأزهر، هو أن مصر تريد أن تحرج الولايات المتحدة في العراق، وأن ذلك لابد أن تكون له تبعات ورد فعل أمريكي قوي علي السياسة المصرية.. غير أنه أعرب عن شكه في أن تكون هذه الفتوي رسمية، وتعبر عن رأي الأزهر، لأن ذلك سيؤدي إلي تشجيع الجماعات الإرهابية علي القيام بعمليات قوية ومؤثرة ضد القوات الأمريكية، وأن هذه الفتوي يمكن أن تدخل في إطار تشجيع أعمال العنف والإرهاب في المنطقة، وأنه من واجب مصر أن تقف إلي جانب دعم القوات الأمريكية في العراق، ودعم هذا المجلس الذي يتولي زمام السلطة، لأن هذا يمثل مرحلة انتقالية نحو الانتقال للسلطة المنتخبة من الشعب.
في ذات الوقت.. تفيد المعلومات الدبلوماسية أن خبراء الخارجية الأمريكية يعكفون علي تحليل هذه الفتوي، في حين أن الحكومة المصرية لم تقم حتي الآن بأي رد علي الاستفسار الأمريكي ب 'هل هذه الفتوي صحيحة وصادرة من الأزهر وتعبر عن رأيه' هذا بالطبع قبل إلغاء شيخ الأزهر لفتوي لجنة الأزهر يوم الأربعاء الماضي.
وبحسب التقارير، فإنه ما أثار خبراء الخارجية الأمريكية بشأن الفتوي تم تحديده في عدد من الأمور:
1 نزع الشرعية عن مجلس الحكم الانتقالي.
2 تحريم التعامل معه لكونه مفروضا بقوة الاحتلال الأمريكي علي العراقيين.
3 عدم جواز التعامل مع الدول التي تتعامل مع مجلس الحكم العراقي، لكونها تتعامل مع أعداء الإسلام.
وقد فسرت التحليلات الأمريكية كلمة 'الفتوي' علي أنها 'رأي ديني قوي ملزم لكل المسلمين' جاءت في عبارات متشددة لتؤكد أن الولايات المتحدة وشعبها وقواتها هم 'أعداء الله' و'أعداء الإسلام' وأن هذه العبارات 'تحديدا' يجب أن يتم الاحتجاج إزاءها بشدة، وأن الاحتجاج لا يوجه فقط إلي مؤسسة الأزهر، بل وإلي الحكومة المصرية، التي هي إحدي الدول الصديقة، بالإضافة إلي أنها تتلقي مليارات الدولارات سنويا من أجل معاونتها علي النهوض اقتصاديا، ثم تأتي إحدي مؤسساتها، وبغض النظر عن كونها دينية، أم سياسية، وبغض النظر عن كون هذه الفتوي، تمثل رأيا شخصيا لصاحبها أو رأي مؤسسة الأزهر تأتي هذه المؤسسة، أو هذا المسئول الديني ليؤكد أن الدولة التي تنفق في بلاده ملايين الدولارات عدوة الله والإسلام، لأن هذا المسئول الديني بهذه الفتوي، يدعو المنظمات الإرهابية بشكل غير مباشر إلي تأييد العمليات الإرهابية ضد القوات الأمريكية.
كما ركزت التحليلات الأولية لخبراء الخارجية الأمريكية علي أن هذه الفتوي بناها هذا المسئول الديني بناء علي استشهاد له من الكتاب المقدس للمسلمين 'القرآن'، وهو ما يمنحها مصداقية وتأثيرا كبيرا لدي هؤلاء المسلمين، وأن هذا الاستشهاد يقصد الآيات القرآنية تؤكد في معانيها علي ضرورة العداء بين المسلمين وغيرهم، وبالتالي فإن هذا الاستشهاد، أو الفتوي في عمومها تأتي في أوقات غير متلائمة لبناء علاقات ذات طبيعة جديدة بين العالمين الإسلامي والغربي.