PDA

View Full Version : إنهم يخنقون صوت بلال ..!!


عقلة بن عجلان
12-07-2003, 04:01 AM
مما يعرف عن الحكومة الموريتانية أنها لم تبن بيتا لله واحدا، خلال الأربعين عاما المنصرمة من عمر الدولة الموريتانية. ويوجد في العاصمة الموريتانية مسجد يدعوه أبناء البلد "مسجد السعودية" وآخر باسم "مسجد المغرب" وثالث باسم "مسجد قطر"..الخ عرفانا بالجميل من أبناء بلدنا لتلك البلدان الإسلامية التي رفعت منارات شامخة لبيوت الله في موريتانيا. لكن لا يوجد مسجد في موريتانيا بنته السلطة الموريتانية. وظل المسجد الموريتاني دوما منارة حرية وصوت حق في أجواء الزيف والتملق السائدة. وظل بيتا يبنيه الراغبون فيما عند الله، ويرتاده المتعرِّضون لنفحات الله، ويقوده الغيورون على دين الله. ومع كثافة النزوح إلى الحضر والتخلي عن حياة البداوة والترحال خلال العقدين المنصرمين، تكثف تشييد بيوت الله وتضاعف، وأسهمت هيئات إسلامية خيرية في تشييد المساجد في جميع أرجاء البلد، كما ساهمت في ذلك الحكومات العربية باستثناء الحكومة الموريتانية ..طبعا!!

وقد كانت القيادات الموريتانية السالفة على قدر من التواضع، جعلها تبتعد عن محاولة السيطرة على المساجد أو توجيهها، إقرارا ضمنيا بتقصيرها في بناء المساجد، واحتراما لمشاعر الشعب المؤمن الذي يريد المساجد منارات حق مستقلة عن كل وصاية..

لكن الرئيس الموريتاني الحالي معاوية ولد الطايع له فلسفته الخاصة في التعامل مع بيوت الله، وهي فلسفة لا يحكمها تواضع التقصير، ولا تقيدها مشاعر الشعب المسلم، بل يطبعها الاستهتار بحرمات الإسلام وبكرامة الإنسان. ففي عام 1989 اتخذ الرئيس ولد الطايع من أحد أكبر المساجد في العاصمة الموريتانية معسكر اعتقال – على غرار معسكرات الاعتقال النازية – فحشر فيه الآلاف من الزنوج الموريتانيين والسنغاليين رجالا ونساء وأطفالا، لعدة أيام دون ماء أو غذاء، فيه ينامون وفيه يبولون ويتغوطون.. وكانت تلك أول تجربة في تحويل المساجد إلى "مرافق عامة" على يد ولد الطايع، ليس بالمعنى اللغوي للمرافق، بل بالمعنى الدارج في اللهجة الموريتانية التي تسمي المراحيض "مرافق".. ولقد رأيتُ بأم عيني - يوم كنت طالبا بالمعهد التابع لذلك المسجد - تلك الألوف المؤلفة من المسلمين المظلومين يموتون عطشا، ويَستسقون فلا يُسقَون. وحينما بدأت أقدم لهم الماء من خزان المعهد، نهرني جنود معاوية، وزجروني تحت تهديد السلاح، وكالوا لي من الشتائم ما لا يتقنه غيرهم..

واليوم قرر الرئيس الموريتاني - التزاما ببنود اتفاقية التطبيع مع إسرائيل وترجيحا لها على مقتضيات الشرع ومشاعر الشعب - أن يحول كافة المساجد في موريتانيا إلى "مرافق عامة". وقد أمر الخالق سبحانه "أن ترفع ويذكر فيها اسمه" .. وللإنصاف فإن الرئيس معاوية قد لا يشجع الناس اليوم على إفراغ قاذوراتهم الحسية في المساجد كما فعل عام 1989، لكنه بدون ريب سيشجعهم على أن إفراغ قاذوراتهم المعنوية في المساجد، من نفاق وكذب وتجسس وتملق.. وهي لعمري أنتن من قاذورات الحس، وأولى أن يتم تنزيه بيوت الله عنها.

إن القانون الجديد يجعل المساجد "مرافق"، ويجعل الأئمة متملقين، والمؤذنين جواسيس، كل همهم رفع التقارير إلى كبيرهم في هذه الصنعة، وزير الثقافة والتوجيه الإسلامي. وليس من ريب أن الرئيس ولد الطايع - بهذا القانون الجديد - يمنع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، ويسعى في خرابها. وخراب المساجد هو منع الناس من تعلم الحقيقة فيها وعبادة ربهم فيها بحرية، موحدين له، نابذين ما عداه من أوثان بشرية وحجرية. وقد قال الخالق سبحانه: "فمن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين. لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم".

إنها مؤامرة خطيرة يتعين على أهل الخير من بناة المساجد ودعاتها، وعلى المصلين الذين تعلقت قلوبهم بالمساجد، أن يأخذوا العدة لإفشالها، وهي مؤامرة متوقعة من أي حاكم يبلغ من الاستهتار بالدين وبالأمة أن يصادق شارون، ويتخذه من دون الله وليا ونصيرا. وتمثل هذه المؤامرة على المساجد بندا ثابتا في كل اتفاقية مع الدولة اليهودية. ولإفشال هذه المؤامرة على بيوت الله نقترح – بعد الاستعانة بالله العزيز القادر – الخطوات الآتية:

أولا: حرص بناة المساجد ورعاتها من أهل الخير الموريتانيين وغيرهم على أن لا يتعاونوا مع السلطة الموريتانية، ولا يسلموا إليها أي مسجد، وإلا فإنهم بذلك يضعون أموال الأوقاف والصدقات الجارية في أيدي حفنة من اللصوص ورجال المافيا، ويقدمون بيوت الله إلى من يخربها بدلا ممن يعمِرها. فالواجب على أهل الخير هؤلاء أن يسلموا كل مسجد بنوه إلى أيدي من يحبون الله ورسوله، ويدركون أمانة المنبر ورسالة المسجد. وبذلك تخيب مساعي السلطة الموريتانية في تخريب بيوت الله، وتفشل الوزارة التي يقودها من باعوا دينهم بدنيا غيرهم في تنفيذ هذه الخطة الأثيمة.

ثانيا: تمسُّك جماعة المسجد في كل حي بإمامها الذي عرفت فيه العلم والورع والصدع بالحق، ورفضها لأي إمام معين أو مفروض عليها. وهذا الذي تقتضيه السنة النبوية، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن "يؤم الرجل قوما وهم له كارهون" (رواه الترمذي 2/191 والبيهقي 3/128 وابن ماجه 1/311 وابن أبي شيبة 1/357 وابن خزيمة 3/11 ، وحسنه الحافظ العراقي كما حكى عنه الشوكاني في نيل الأوطار 3/217). وفي رواية: "أيما رجل أمَّ قوما وهم له كارهون لم تُجاوز صلاته أُذنَه" أي لم تقبل منه (المقدسي: الأحاديث المختارة 3/42 وقال محققه: إسناده حسن). وفي رواية أخرى أن ذلك الإمام ملعون، وأن صلاته مردوة عليه. فهل يرضى مسلم بالصلاة خلف إمام ملعون وصلاته باطلة؟!

ثالثا: تمسك الأئمة الشرعيين الذين اختارتهم جماعات المساجد من قبلُ، ورضيهم أصحاب الوقف وعامة الناس، بحقهم – بل بواجبهم- في إمامة المساجد، فهم ليسوا موظفين تابعين للوظيفة العمومية، ولا يتلقون رواتب من الدولة، ولا تربطهم بالحكومة أي روابط قانونية. وإنما هم قادة للجماعة التي اختارتهم، وشركاء لأصحاب الوقف الذين ارتضوهم مشرفين على وقفهم. وليس ما ورد في القانون الجديد من الحديث عن مكافآت مالية للأئمة من وزارة التوجيه الإسلامي سوى خدعة هزيلة، فأي رابط يربطهم بالوزارة؟ ليسوا موظفين فيها، ولا متعاقدين معها. إضافة إلى أن الوزارة المسكينة ذات ميزانية شحيحة، نصفها لراتب الوزير ونصفها الباقي مكافآت له على تقاريره السرية عن المتحدثين في المساجد. وقد كانت الوزراة إلى عهد قريب تدفع لبعض الأئمة راتبا بقيمة ألفي أوقية.. نعم ألفي أوقية فقط.. صدق أو لا تصدق!!

رابعا: إصرار الأئمة وجماعة المسجد من خلفهم على أن يظل المنبر منارة خير ومكان تعليم وتوجيه، وأن يظل مفتوحا أمام كل ذي لسان صدق وسمت خير، من الدعاة المخلصين والعلماء العاملين، الذين يقولون بالحق ويقومون به، لا يخافون في الله لومة لائم. وحري بجماعة المسجد والمصلين فيه أن يمهدوا الطريق ويوطئوا المنابر لمن يعلِّم الناس الخير، فقد روى الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلُّون على معلِّم الناس الخير" (سنن الترمذي 5/50 ومجمع الزوائد 1/124) وإنه لشرف ومغنم لأي مؤمن أن يكون معينا لمن يعلم الناس الخير. فإذا جاء من لا يرجو لله وقارا، وأراد الوقوف في وجه الذين يعلمون الناس الخير، أو إيقافهم عن رسالتهم، فما على جماعة المسجد والمصلين فيه سوى التصدي له، وإيقافه عند حده.

لقد كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يصلي في مسجد بُنيَ من الطوب، وأُسقف بجريد النخل، فإذا جاء المطر سجد وسجد أصحابه في الماء والطين.. ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "جاءت سحابة فأمطرت، وأقيمت الصلاة، فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطين ظاهرا حتى رأيت الطين في أرنبته وجبهته" (صحيح البخاري 2/716) ومع ذلك فقد كان ذلك المسجد مركز حياة المجتمع، ومكان التداول في الشأن العام من أمور السياسية والسلم والحرب..الخ، ومن ذلك المسجد المتواضع البناء، المرتبط بوحي السماء، انطلقت رسالة نور وهداية للعالمين، وانهدت عروش الظلمة المستكبرين من الأكاسرة والقياصرة، ونشأت دول وحضارات دامت مئات السنين..

وبذلك ندرك أن المسجد ليس السقف والجدران والزخرفة، وإنما المسجد صوت الحق، وصيحة الإيمان، ومأوى التائبين، وآهات الخاشعين. فإذا تجرد من هذه الصفات فقد انهدَّت أركانه، مهما شمخ بنيانه، على نحو ما اشتكى منه الفيلسوف الشاعر محمد إقبال في قوله:

منائركم علتْ في كل ساحٍ ومسجدكم من العُبَّاد خالِ

وجلجلة الأذان بكل حـيٍّ ولكن أين صوتٌ من بلالِ؟

إن القيادة الموريتانية تحادّ الله وسوله بتعطيل الشرع المنزل، وارتكاب المظالم، وانتهاك الحرمات، وإراقة الدماء، واستعباد الأحرار.. فلم لا نكون نحن قادرين على تعطيل قانون بشري جائر، صيغ طاعة لشارون، وتقربا إليه، وموالاة له؟!

إنهم يخنقون صوت بلال استرضاء لشارون، فهل يرضى بذلك أو يسكت عليه مسلم يحب الله ورسوله؟!.



http://www.alasr.ws/index.cfm?fuseaction=content&contentID=4282&categoryID=16