الزورق العائم
01-10-2001, 01:12 PM
عندما تذرف الدموع على اميركا ايها السفير
بسم الله الرحمن الرحيم
في مقابلة أجراها مقدم مشهور لأحد برامج قناة الأخبار التابعة لـ "بي بي سي" مع سفير عربي، صرح هذا الأخير أنه لن يذرف دموعه لو اختفت حركة طالبان عن خريطة الحياة السياسية في أفغانستان، وأضاف قائلا :" إن هذا نظام لن يقوم أحد بندبه لو ذهب، كما أني لن أذرف دموعا لو اختفى أسامة بن لادن".
ظننت إلى وقت قريب أن عددا من عصابات المال والسلاح والسياسة في أمريكا والكيان الصهيوني مع شركائهم في باقي دول الغرب لا يهنأ لهم عيش حتى يعمموا صور الدمار في العراق والقصف في فلسطين والخراب في أفغانستان وتمتد في سائر بلاد العالم الإسلامي. تصورت أن الأمر مقصور على هؤلاء، لكن تبين غير ذلك!، قريب من هذا المشهد، ما أباح به أحد الكتاب السياسيين من اليهود الأمريكان أنه لما كتب مقالا يدعو فيه إلى تعميم تجربة قنبلة حماة من طرف نظام حافظ الأسد عام 1982 على أفغانستان وغيرها من بلاد العالم الإسلامي "المتمردة "، اتصل به أحد المسؤولين الكبار في بلد عربي يهنئه على المقال، و"يبشره" أنه وزعه على عدد من حاشيته.
لا ليس فقط العصابة المتحكمة في أمريكا والصهاينة يروقها رؤية الدمار والخراب في العالم الإسلامي، بل هناك من بلاد العرب من يذرف الدموع على رابين ولا يذرفه على شعب طالبان! لا يندب لتسلط الكيان الصهيوني وعربدته في أرض الأقصى، ويلطم الخدود ويشق الجيوب إذا بقت طالبان ولم تٌمح من الخريطة؟!
أظن أن طالبان أحرجت الكثير من مسئولينا! وورطتهم مع شعوبهم، أحرجتهم لأنها لا ترفع علما للكيان الصهيوني ولم تخصص بناية فخمة لممثليه المعلن عنهم أو من هم في الخفاء، وأحرجتهم لأنها رفضت أن تطأ أرضها أقدام المارينز؟! وأحرجتهم لأن رجالها لا يعرفون من السياسة إلا ما تمليه عليهم تقاليد الشهامة والكرامة، ولا حظ لهم في التحضر الذي يفتخر به أمثال السفير العربي، أحرجتهم لأنهم قالوا بملء أفواههم لا لأمريكا، طالبان حكام "متخلفون بدائيون" لبلد هرم خرب، لكن قرار الحرب والسلم بأيديهم، ولا يملكه غيرهم، ولا تشاركهم قوات متعددة الجنسيات في حماية أنفسهم، ما باعوا أرضهم بما ومن فيها حماية لكراسيهم، وورطتهم مع شعوبهم لأنها حتى وإن "أساءت" التصرف السياسي لكنها تحكم بلدا مسلما، خلّص العالم من أوحال المعسكر الشيوعي، وحتى وإن عاندت وكابرت ولم تسلم بن لادن، أهذا مبرر لأن تٌزال من الخريطة؟
وما تفعل طالبان بدموعك يا سفير، احتفظ بها لخطيئتك! احتفظ بها لضحايا نيويورك وواشنطن، ومن يقتل من الأمريكان فحسب ! فهؤلاء هم الضحايا الذين يستأهلون الدموع وحدهم، وأما غيرهم من الأفغان فوحوش كاسرة لا حق لها في الحياة! الحق في الحياة منحة إلهية وهبة ربانية، فكيف لو كان ذلك بيدك أيها السفير أو بيد أمريكا؟!
ألهذا المستوى يبلغ بك الخذلان يا معالي السفير! ويوردك الحضيض! ألا يكفي ما شعب الأفغان فيه! وتريد محوهم أيضا من الخريطة، حتى لا يبق في هذا العالم إلا من افتضح ثم اصطلح على الخنوع!
أين اللغة الديبلوماسية يا سفير، على الأقل إن ضقت ذرعا بهم، فلا تخونك العبارات؟ هذه أمريكا ورغم الصدمة التي لا زالت تعيشها، لمّا تتجرأ بعد في التصريح بما بحت به. أين اللياقة والأعراف الدبلوماسية، أم أن شبح طالبان أفرغ جعبتك، ألهذه الدرجة أفزعتك طالبان؟
ولكن، على كلّ لست أنت الأول ولن تكون الأخير في سجل الخذلان، فقد سبقك غيرك وسيلحق بك آخرون، والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين!
حركة طالبان وإن اختلفنا معها في تقدير الأمور الداخلية وأسلوب إدارة الحكم، لكنها بالتأكيد ليست أسوأ من أنظمة الحكم العربية، وقد ظلت مسألة أيهما أولى وأنسب لوضع المنطقة الآن، تسليم طالبان لأسامة إلى بلد ثالث لمحاكمته أو تخييره بين البقاء والمغادرة إلى أن تثبت الأدلة تورطه في العمليات الأخيرة (وهو نفس قرار الحركة) تجتاح الأوساط الإسلامية منذ الهجمات وإلى يومنا هذا، لكن لا أدري لماذا نتخندق في المضايق التي ينصبها غيرنا، وتفوتنا الأبعاد الاستراتيجية لما يحضر له الآن في مخابر ومراكز صناعة القرار الأمريكي، إننا نتجه بهذا إلى "شخصنة الصراع"!، لا أحد في علمي اعترض على أي وساطة إسلامية لتخفيف حدة التوتر، لكن أن تصرف الأنظار إلى حركة طالبان ونعتقد أن موقفها سواء بالتسليم أو بالامتناع سيغير خريطة التاريخ والصراع ، ويحفز العصابة المستفيدة والمستثمرة للأحداث لتغيير وجهتها والعدول عن المتاجرة والسمسرة بالمال والسلاح والأرواح فهذا تبسيط وتحجيم للحدث.
نظام طالبان خُطط للإطاحة به من فترة رئاسة كلينتون الثانية، وليس هذا وليد الأحداث الأخيرة، فمنطقة آسيا الوسطى ظلت في عداد المناطق خارج دائر الصراع العلني إلى وقت قريب، وقد آن أوانها وجاء دورها، ودعني أتساءل، هل يروق العصابة المتحكمة في أمريكا أن تظل منطقة على خريطة الكرة الأرضية خارج مجال نفوذها، بالأمس صنعت صدام واليوم ضخمت أسامة وطالبان كممرات ومناطق عبور لاجتياح كاسح لمصادر الثروة. و الحذر من عزل الأحداث عن خلفياتها وإخراجها من سياقها، وأن تستغل بعض المواقف لصالح تعزيز رؤى ومخططات غيرنا، و قد سألني أحد المفكرين الإسلاميين : هل من مصلحة الأمة بقاء طالبان في الحكم؟، فأجبته بأن هذا السؤال لا أشك في أنه صادر من غيور وحريص على مصلحة هذه الأمة، لكن ليس هذا أوانه، بل إن طرحه في هذه الفترة بمنأى عن خلفيات الأحداث ومجرياتها لهو أقرب إلى التخذيل والترجيف!
__________________
صلىالله على محمد
بسم الله الرحمن الرحيم
في مقابلة أجراها مقدم مشهور لأحد برامج قناة الأخبار التابعة لـ "بي بي سي" مع سفير عربي، صرح هذا الأخير أنه لن يذرف دموعه لو اختفت حركة طالبان عن خريطة الحياة السياسية في أفغانستان، وأضاف قائلا :" إن هذا نظام لن يقوم أحد بندبه لو ذهب، كما أني لن أذرف دموعا لو اختفى أسامة بن لادن".
ظننت إلى وقت قريب أن عددا من عصابات المال والسلاح والسياسة في أمريكا والكيان الصهيوني مع شركائهم في باقي دول الغرب لا يهنأ لهم عيش حتى يعمموا صور الدمار في العراق والقصف في فلسطين والخراب في أفغانستان وتمتد في سائر بلاد العالم الإسلامي. تصورت أن الأمر مقصور على هؤلاء، لكن تبين غير ذلك!، قريب من هذا المشهد، ما أباح به أحد الكتاب السياسيين من اليهود الأمريكان أنه لما كتب مقالا يدعو فيه إلى تعميم تجربة قنبلة حماة من طرف نظام حافظ الأسد عام 1982 على أفغانستان وغيرها من بلاد العالم الإسلامي "المتمردة "، اتصل به أحد المسؤولين الكبار في بلد عربي يهنئه على المقال، و"يبشره" أنه وزعه على عدد من حاشيته.
لا ليس فقط العصابة المتحكمة في أمريكا والصهاينة يروقها رؤية الدمار والخراب في العالم الإسلامي، بل هناك من بلاد العرب من يذرف الدموع على رابين ولا يذرفه على شعب طالبان! لا يندب لتسلط الكيان الصهيوني وعربدته في أرض الأقصى، ويلطم الخدود ويشق الجيوب إذا بقت طالبان ولم تٌمح من الخريطة؟!
أظن أن طالبان أحرجت الكثير من مسئولينا! وورطتهم مع شعوبهم، أحرجتهم لأنها لا ترفع علما للكيان الصهيوني ولم تخصص بناية فخمة لممثليه المعلن عنهم أو من هم في الخفاء، وأحرجتهم لأنها رفضت أن تطأ أرضها أقدام المارينز؟! وأحرجتهم لأن رجالها لا يعرفون من السياسة إلا ما تمليه عليهم تقاليد الشهامة والكرامة، ولا حظ لهم في التحضر الذي يفتخر به أمثال السفير العربي، أحرجتهم لأنهم قالوا بملء أفواههم لا لأمريكا، طالبان حكام "متخلفون بدائيون" لبلد هرم خرب، لكن قرار الحرب والسلم بأيديهم، ولا يملكه غيرهم، ولا تشاركهم قوات متعددة الجنسيات في حماية أنفسهم، ما باعوا أرضهم بما ومن فيها حماية لكراسيهم، وورطتهم مع شعوبهم لأنها حتى وإن "أساءت" التصرف السياسي لكنها تحكم بلدا مسلما، خلّص العالم من أوحال المعسكر الشيوعي، وحتى وإن عاندت وكابرت ولم تسلم بن لادن، أهذا مبرر لأن تٌزال من الخريطة؟
وما تفعل طالبان بدموعك يا سفير، احتفظ بها لخطيئتك! احتفظ بها لضحايا نيويورك وواشنطن، ومن يقتل من الأمريكان فحسب ! فهؤلاء هم الضحايا الذين يستأهلون الدموع وحدهم، وأما غيرهم من الأفغان فوحوش كاسرة لا حق لها في الحياة! الحق في الحياة منحة إلهية وهبة ربانية، فكيف لو كان ذلك بيدك أيها السفير أو بيد أمريكا؟!
ألهذا المستوى يبلغ بك الخذلان يا معالي السفير! ويوردك الحضيض! ألا يكفي ما شعب الأفغان فيه! وتريد محوهم أيضا من الخريطة، حتى لا يبق في هذا العالم إلا من افتضح ثم اصطلح على الخنوع!
أين اللغة الديبلوماسية يا سفير، على الأقل إن ضقت ذرعا بهم، فلا تخونك العبارات؟ هذه أمريكا ورغم الصدمة التي لا زالت تعيشها، لمّا تتجرأ بعد في التصريح بما بحت به. أين اللياقة والأعراف الدبلوماسية، أم أن شبح طالبان أفرغ جعبتك، ألهذه الدرجة أفزعتك طالبان؟
ولكن، على كلّ لست أنت الأول ولن تكون الأخير في سجل الخذلان، فقد سبقك غيرك وسيلحق بك آخرون، والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين!
حركة طالبان وإن اختلفنا معها في تقدير الأمور الداخلية وأسلوب إدارة الحكم، لكنها بالتأكيد ليست أسوأ من أنظمة الحكم العربية، وقد ظلت مسألة أيهما أولى وأنسب لوضع المنطقة الآن، تسليم طالبان لأسامة إلى بلد ثالث لمحاكمته أو تخييره بين البقاء والمغادرة إلى أن تثبت الأدلة تورطه في العمليات الأخيرة (وهو نفس قرار الحركة) تجتاح الأوساط الإسلامية منذ الهجمات وإلى يومنا هذا، لكن لا أدري لماذا نتخندق في المضايق التي ينصبها غيرنا، وتفوتنا الأبعاد الاستراتيجية لما يحضر له الآن في مخابر ومراكز صناعة القرار الأمريكي، إننا نتجه بهذا إلى "شخصنة الصراع"!، لا أحد في علمي اعترض على أي وساطة إسلامية لتخفيف حدة التوتر، لكن أن تصرف الأنظار إلى حركة طالبان ونعتقد أن موقفها سواء بالتسليم أو بالامتناع سيغير خريطة التاريخ والصراع ، ويحفز العصابة المستفيدة والمستثمرة للأحداث لتغيير وجهتها والعدول عن المتاجرة والسمسرة بالمال والسلاح والأرواح فهذا تبسيط وتحجيم للحدث.
نظام طالبان خُطط للإطاحة به من فترة رئاسة كلينتون الثانية، وليس هذا وليد الأحداث الأخيرة، فمنطقة آسيا الوسطى ظلت في عداد المناطق خارج دائر الصراع العلني إلى وقت قريب، وقد آن أوانها وجاء دورها، ودعني أتساءل، هل يروق العصابة المتحكمة في أمريكا أن تظل منطقة على خريطة الكرة الأرضية خارج مجال نفوذها، بالأمس صنعت صدام واليوم ضخمت أسامة وطالبان كممرات ومناطق عبور لاجتياح كاسح لمصادر الثروة. و الحذر من عزل الأحداث عن خلفياتها وإخراجها من سياقها، وأن تستغل بعض المواقف لصالح تعزيز رؤى ومخططات غيرنا، و قد سألني أحد المفكرين الإسلاميين : هل من مصلحة الأمة بقاء طالبان في الحكم؟، فأجبته بأن هذا السؤال لا أشك في أنه صادر من غيور وحريص على مصلحة هذه الأمة، لكن ليس هذا أوانه، بل إن طرحه في هذه الفترة بمنأى عن خلفيات الأحداث ومجرياتها لهو أقرب إلى التخذيل والترجيف!
__________________
صلىالله على محمد