حارس السراب
31-05-2001, 03:48 PM
سلام مواطن عربي
وجهه لا يختلف كثيرا عن ملايين الوجوه
التي تلتقي بها في ارضنا العربية
***
قد يكون انت .. نعم انت
قد يكون جارك الذي تشاجرت معه بالأمس امام باب المنزل
لان اطفاله ازعجوك بلعب الطابة وقت الغذاء
قد يكون زميل عملك الشغف بالكره والذي يصدع رأسك
صباح كل يوم باسماء اللاعبين ونتائج الفرق
قد يكون صاحب الدكان الصغير الذي تقترض منه حاجيات العيال
ثم تعتذر منه وعلى وجهك مسحة من خجل
راجيا ان يؤجل استيفاء ما له حتى الاسبوع القادم
فيفهمك دون اطالة
وبقول لك وهو يغمغم .. ربك بيعدلها
***
سلام مواطن عربي ولد في عصر الهزيمة
ونشا مع جيل يشبهه يتغنى بالحرية التي قد لا يدرك كل معانيها
ويحلم بالنصر على الآعداء الذين لا يفقه من أين أتوا
وكيف اصبحوا اسيادا على أمته , التي تردد صباح مساء
اناشيد الحماس وتتغنى بالمجد والقوة
***
سلام لديه احلام كثيرة
اولها ان يجد منزلا ملائما لاسرته يقيها حر الصيف اللاهب
وقرّ الشتاء العاصف ...
وهو يعلم ان اسرته التي تزيد كل عامين ضيفا جديدا
تحمله أعباء ينوء بهاظهره الذي أثقلته الديون
والفواتير التي لا تنتهي لثلة ممن يحققون له
الحد الادنى من متطلبات الحياة
***
سلام يحلم بلقمة العيش التي لا تغمس في الذلة
ولا يتبعها تنغيص يزيل لذتها
يحلم بمدرسة لياسر وجامعة لإياد ووظيفة لعائشة وعريس للمياء
وهو يعلم ان تلك معجزات ..
وان زمن المعجزات لم يول بعد
***
اليس حياته هو اشبه بالمعجزة
كيف نشا وتربى وعاش وأبوه قد مات وهو في الثالثة
وامه التي أفنت عمرها لتنجو منه دفعت نور بصرها
على ماكينة الخياطة لتوفر له طعاما وبزة يرتديها
من يصدق ان سلام دخل الجامعة وتخرج منها
وقد كان دخول الجامعة حدثا غير عاديا حتى لابناء متوسطي الحال
في حيه الغافي على البحر
**
كانت امه سر توهجه ومن صنع العناد في روحه
وكانت اغانيها في الليالي الطوال وقود ايامه
فقاوم لآجل دمعاتها التي لم تكف
إنه يذكر جلستها التي لا تحول أمام النافذة الشرقية
بثوبها الأسود
الذي لا يذكر أنها غيرته أبدا
حتى حين بكى بين يديها وهو يحمل شهادته الجامعية
قالت له وهي تشهق .. سوف افعل ما تطلب لمرة واحدة فقط
ورأها لآول مرة في حياته ترتدي بلوفرا ماحلا لونه على ثوبها
القديم, حين خرجت معه ربما للمرة الآولى في حياتها
حدثته عن احلامها في ان يكون له بيت وأطفال تحملهم بين
ذراعيها قالت له اول ابنائك سيكون اسمه ياسر على اسم أبيك
وانحدرت دمعتين كبيرتين على صفحة وجهها الطيب
***
كان يعلم ان الاحلام ليس من السهل تحقيقها, وان ياسرا قد يطول
انتظاره لكنه وهو يعدها ليلمح ابتسامة الرضا على شفتيها
يجزم بانه سوف يحقق لها تلك الأمنية الوحيدة وإن تأخر أوانها
***
رحلت , بعد ذلك بشهور وعلى فمهما تلويحة رضاوتركت في قلبه
حسرة لن تزول
***
سلام يحمل أحلامه في صدره يفتش عن وطن يحتضنها
يداعب خد لمياء بجذل وهو يراها تركض لتلتقي به في المسافة
بين عتبة البيت والممر المفضي اليه
***
حين يطول ليله وتحمله الهموم بعيدا تدنوا منه زوجته
محاولة التخفيف عنه يبتسم في ود حين تسأله: يا أبا ياسر
هل من خطب .. يمد يده فيربت على رأسها بحنان لا تقلقي
هموم صغيرة .. كانت الهموم الكبيرة لا تزوره الا نادرا
لانه تعود على التحدي ولان طبيعه روحه ترى في الحياة
قسوة طبيعية كتبت على من يعيش ليبلوها
ولانه كان يعلم ان افضل ما يقدمه لاسرته ان عزّ عليه
ما يهدى .. الطمأنينة التي تحمل الأمل الى الغد
الذي قد يكون أجمل
***
كانت تسليته الوحيدة القراءة التي يجد لها وقتا
بعد ان ينتهي نهاره ويؤمن احتياجات البيت
كان قارئا نهما لكن لم يكن يتوفر بسهولة على الكتب
فالطعام أهم ..
وكان صديقة صالح صاحب محل الكتب القريب من بيته
خير سند له فهو يعيره الصحف ليقرأهاويهديه بين وقت وآخر
كتابا قيما وجده بين مئات الكتب التي يحويها دكانه الغريب
***
لم يتح الوقت لسلام أن يقرا في فترة الدراسة الجامعية
ولم يلتحق بأي من النشاطات التي ينهمك فيها الطلاب
الذين يٌؤمن لهم كل شيى من أسرهم
لكنه كان يعمل في عدة أنشطة داخل الجامعة وخارجها
ليعين نفسه وامه على الحياة
كان يمر في بعض الأوقات بتجمعات الطلاب فيقف
حين يسمع خطابا حماسيا عن قضية فلسطين
وكان يصغي مرهفا للحورات التي تدور في الكافتيريا
التي يعمل بها بين الطلاب
تلك التي تشرح كثيرا من الرؤى المتباينة حولها
ولم يكن وقته يسمح له بأكثر من ذلك
***
استيقظ سلام لاول مرة في ذلك اليوم الآسود من عام 1982م
على خبر الاجتياح الاسرائيلي للبنان .. هزه النبأ
ربما لآنه لم يكن يتصور ان تحتل عاصمة اخرى للعرب
ربما لانه كان يعتقد ان هزائم العرب انتهت بانتصار
1973م الذي سمع عنه بعد ذلك الكثير مما ينتقص منه
لكنه ظل في وجدانه اول انتصار يعلن نهاية ضعف أمته العربية
وبداية زمن الانتصارات !..
***
تابع سلام بكل جوارحه نتائج ذلك الاجتياح وكان يشعر انه سوف
يستيظ ذات يوم على وقع المارشالات العسكرية تعلن تقدم العرب
لاستعادة ما فقدوه ..
لم يكن يعلم ضحالة ما يعرف ولا تلك الطلاسم التي تحكم الامر كله
حتى أفاق على خروج المقاتلين الفلسطينين من بيروت
دون سلاح .. في مشهدأدمى قلبه وهز فؤاده
فغادرته سكينته , ولم تعد ..
***
لم يكن سلام يعتقد بعد ذلك الخوف الذي انتابه انه قد يروع
بأكثر من ذلك لكن في يوم الجمعة الخامس عشر من شهر سبتمبر 1982
بدات الآخبار تنقل أوصافا لواحدة من أبشع المجازر في التأريخ
الحديث (صبرا وشاتيلا)
كانت الصور من البشاعة بحيث أبقت العالم في ذهول شهور بعدها
***
كانت تلك الكارثة الزلزال الذي تحرك في قلب سلام
وفي ساعات معدودة تمدد السواد في كل روحه
تسرب في مسامه سكن خلاياه .. عشش في كل زاويه وتناثر
كلابة حديد مصهور في مساماته
كان يشعر إنه مسئول بشكل أو آخر عن تلك الصور المرعبة
وان هؤلاء اللذين شوهت جثثهم وقطعت اوصالهم لا يمكن أن يكونوا
جزءا من واقع لايمت له بصلة ..
وان جهله ليس ذريعة له ولا لغيره
ان كانت هذه النهاية
جاءت من تراكم طبيعي لشر لم يحاول أحدا أبدا أن يوقفه
***
ترى هل كانت نفس سلام مختلفة عن باقي البشر
هل كان سياسيا او مفكرا او داعية لحقوق الانسان
***
كل ذلك كان بعيدا عن سلام
لانه عاش في سلام مع روحه اولا
ومع مجتمعه ثانيا ومع اسرته ثالثا
***
لكن قدرته على التجاوز التي كانت تصبغ حياته في ما مضى
تجمدت ولربما ترمدت بعد كا ما رأى
فاندفع محاولا ان يفهم
قبل أن يأخذ الجنون عقله فلا يرجع
***
زادت حيرة سلام كلما تعمق في الفهم
كان كل شىء رماديا كانت الصور متراكبة
والاراء متضاربة والمسافة بين كل اللذين يناصرون
فلسطين والذين يؤيدونها والذين يموتون فدائها
واسعة ومهولة ..
****
كان كل الذين اصطلوا بالهجير اعداء في كل شىء
لكنهم يذيعون الحب ويتحدثون عن التقارب
ويغنون التكامل ويهيمون بوحدة المصير
***
سلام يعيش حيرته مع كتاب يقرأه ومع كل تأريخ يغوص فيه
ومع كل مناسبة تحمل الى عقله ضوء جديدا
وهو يفتح الأبواب المغلقة ليدخل النور الى بصيرته
**
ويخاف .. يخاف من ان يمر وقت طويل قبل ان يفهم
مالذي يجري
ويخاف .. يخاف من أن ينتهي حاله الى ما انتهي اليه
الذين سبقوه ..
ويرتعد حين يفكر في ان ياسر او اياد أو عائشة او لمياء
يمكن ان يصيبهم مكروه كالذي يضرب كل يوم
***
سلام قرر أن يفهم
وأعد العدة لكي يصل الى اجابة لكل الأسئلة التي تحيره
واقسم ان لا يرى في اشلاء شاب لم يبلغ الحلم
وطفلة تدرج الى ايامها الأولى
وأم ثكلى تصرخ بجنون داعية اياها للنصرة
مشهدا عابرا .. يدلف منه للنسيان
مخدرا .. ومغيبا .. ومسوقا الى فناء معنوي
***
سلام يبدا خطواته لاستعادة السلام
وسيلته : البحث والأسئلة
طريقه : الاصرار والعمل
حاديه : الضمير والشرف
حلمه : التنوير والنصرة
***
هو ذا يمضي في طريقه وفي عينيه بريق جديد
هادىء .. لكنه يضىء
حارس السراب
***
-----------------------------------------------
"من عيوب الذاكرة العربية أن تسجل تواريخ الأحداث
كبيرة أو صغيرة, دون أن تستخلص العبر والنتائج المستفادة
من هذه الأحداث
فالذاكرةالعربية تسجل تأريخ قيام اسرائيل
وتأريخ مذبحة دير ياسين ومذبحة بحر البقر وتل الزعتر
وحريق القدس ..
لكن هذه الذاكرة لا اقول أنها عجزت عن فهم هذه الأحداث
أو انها لا تملك القدرة على التفكير
كي ترد بما يجب عليها .. وإنما تكاسلت عن استخلاص عبرها
في الوقت الذي يردس أعداؤنا كل صغائر وكبائر تأريخهم
وتأريخ الأخرين لاستفادة منه في المستقبل "*
-----
* من مقدمة كتاب مذبحة المخيمات لمحمد جلاء ادريس
وجهه لا يختلف كثيرا عن ملايين الوجوه
التي تلتقي بها في ارضنا العربية
***
قد يكون انت .. نعم انت
قد يكون جارك الذي تشاجرت معه بالأمس امام باب المنزل
لان اطفاله ازعجوك بلعب الطابة وقت الغذاء
قد يكون زميل عملك الشغف بالكره والذي يصدع رأسك
صباح كل يوم باسماء اللاعبين ونتائج الفرق
قد يكون صاحب الدكان الصغير الذي تقترض منه حاجيات العيال
ثم تعتذر منه وعلى وجهك مسحة من خجل
راجيا ان يؤجل استيفاء ما له حتى الاسبوع القادم
فيفهمك دون اطالة
وبقول لك وهو يغمغم .. ربك بيعدلها
***
سلام مواطن عربي ولد في عصر الهزيمة
ونشا مع جيل يشبهه يتغنى بالحرية التي قد لا يدرك كل معانيها
ويحلم بالنصر على الآعداء الذين لا يفقه من أين أتوا
وكيف اصبحوا اسيادا على أمته , التي تردد صباح مساء
اناشيد الحماس وتتغنى بالمجد والقوة
***
سلام لديه احلام كثيرة
اولها ان يجد منزلا ملائما لاسرته يقيها حر الصيف اللاهب
وقرّ الشتاء العاصف ...
وهو يعلم ان اسرته التي تزيد كل عامين ضيفا جديدا
تحمله أعباء ينوء بهاظهره الذي أثقلته الديون
والفواتير التي لا تنتهي لثلة ممن يحققون له
الحد الادنى من متطلبات الحياة
***
سلام يحلم بلقمة العيش التي لا تغمس في الذلة
ولا يتبعها تنغيص يزيل لذتها
يحلم بمدرسة لياسر وجامعة لإياد ووظيفة لعائشة وعريس للمياء
وهو يعلم ان تلك معجزات ..
وان زمن المعجزات لم يول بعد
***
اليس حياته هو اشبه بالمعجزة
كيف نشا وتربى وعاش وأبوه قد مات وهو في الثالثة
وامه التي أفنت عمرها لتنجو منه دفعت نور بصرها
على ماكينة الخياطة لتوفر له طعاما وبزة يرتديها
من يصدق ان سلام دخل الجامعة وتخرج منها
وقد كان دخول الجامعة حدثا غير عاديا حتى لابناء متوسطي الحال
في حيه الغافي على البحر
**
كانت امه سر توهجه ومن صنع العناد في روحه
وكانت اغانيها في الليالي الطوال وقود ايامه
فقاوم لآجل دمعاتها التي لم تكف
إنه يذكر جلستها التي لا تحول أمام النافذة الشرقية
بثوبها الأسود
الذي لا يذكر أنها غيرته أبدا
حتى حين بكى بين يديها وهو يحمل شهادته الجامعية
قالت له وهي تشهق .. سوف افعل ما تطلب لمرة واحدة فقط
ورأها لآول مرة في حياته ترتدي بلوفرا ماحلا لونه على ثوبها
القديم, حين خرجت معه ربما للمرة الآولى في حياتها
حدثته عن احلامها في ان يكون له بيت وأطفال تحملهم بين
ذراعيها قالت له اول ابنائك سيكون اسمه ياسر على اسم أبيك
وانحدرت دمعتين كبيرتين على صفحة وجهها الطيب
***
كان يعلم ان الاحلام ليس من السهل تحقيقها, وان ياسرا قد يطول
انتظاره لكنه وهو يعدها ليلمح ابتسامة الرضا على شفتيها
يجزم بانه سوف يحقق لها تلك الأمنية الوحيدة وإن تأخر أوانها
***
رحلت , بعد ذلك بشهور وعلى فمهما تلويحة رضاوتركت في قلبه
حسرة لن تزول
***
سلام يحمل أحلامه في صدره يفتش عن وطن يحتضنها
يداعب خد لمياء بجذل وهو يراها تركض لتلتقي به في المسافة
بين عتبة البيت والممر المفضي اليه
***
حين يطول ليله وتحمله الهموم بعيدا تدنوا منه زوجته
محاولة التخفيف عنه يبتسم في ود حين تسأله: يا أبا ياسر
هل من خطب .. يمد يده فيربت على رأسها بحنان لا تقلقي
هموم صغيرة .. كانت الهموم الكبيرة لا تزوره الا نادرا
لانه تعود على التحدي ولان طبيعه روحه ترى في الحياة
قسوة طبيعية كتبت على من يعيش ليبلوها
ولانه كان يعلم ان افضل ما يقدمه لاسرته ان عزّ عليه
ما يهدى .. الطمأنينة التي تحمل الأمل الى الغد
الذي قد يكون أجمل
***
كانت تسليته الوحيدة القراءة التي يجد لها وقتا
بعد ان ينتهي نهاره ويؤمن احتياجات البيت
كان قارئا نهما لكن لم يكن يتوفر بسهولة على الكتب
فالطعام أهم ..
وكان صديقة صالح صاحب محل الكتب القريب من بيته
خير سند له فهو يعيره الصحف ليقرأهاويهديه بين وقت وآخر
كتابا قيما وجده بين مئات الكتب التي يحويها دكانه الغريب
***
لم يتح الوقت لسلام أن يقرا في فترة الدراسة الجامعية
ولم يلتحق بأي من النشاطات التي ينهمك فيها الطلاب
الذين يٌؤمن لهم كل شيى من أسرهم
لكنه كان يعمل في عدة أنشطة داخل الجامعة وخارجها
ليعين نفسه وامه على الحياة
كان يمر في بعض الأوقات بتجمعات الطلاب فيقف
حين يسمع خطابا حماسيا عن قضية فلسطين
وكان يصغي مرهفا للحورات التي تدور في الكافتيريا
التي يعمل بها بين الطلاب
تلك التي تشرح كثيرا من الرؤى المتباينة حولها
ولم يكن وقته يسمح له بأكثر من ذلك
***
استيقظ سلام لاول مرة في ذلك اليوم الآسود من عام 1982م
على خبر الاجتياح الاسرائيلي للبنان .. هزه النبأ
ربما لآنه لم يكن يتصور ان تحتل عاصمة اخرى للعرب
ربما لانه كان يعتقد ان هزائم العرب انتهت بانتصار
1973م الذي سمع عنه بعد ذلك الكثير مما ينتقص منه
لكنه ظل في وجدانه اول انتصار يعلن نهاية ضعف أمته العربية
وبداية زمن الانتصارات !..
***
تابع سلام بكل جوارحه نتائج ذلك الاجتياح وكان يشعر انه سوف
يستيظ ذات يوم على وقع المارشالات العسكرية تعلن تقدم العرب
لاستعادة ما فقدوه ..
لم يكن يعلم ضحالة ما يعرف ولا تلك الطلاسم التي تحكم الامر كله
حتى أفاق على خروج المقاتلين الفلسطينين من بيروت
دون سلاح .. في مشهدأدمى قلبه وهز فؤاده
فغادرته سكينته , ولم تعد ..
***
لم يكن سلام يعتقد بعد ذلك الخوف الذي انتابه انه قد يروع
بأكثر من ذلك لكن في يوم الجمعة الخامس عشر من شهر سبتمبر 1982
بدات الآخبار تنقل أوصافا لواحدة من أبشع المجازر في التأريخ
الحديث (صبرا وشاتيلا)
كانت الصور من البشاعة بحيث أبقت العالم في ذهول شهور بعدها
***
كانت تلك الكارثة الزلزال الذي تحرك في قلب سلام
وفي ساعات معدودة تمدد السواد في كل روحه
تسرب في مسامه سكن خلاياه .. عشش في كل زاويه وتناثر
كلابة حديد مصهور في مساماته
كان يشعر إنه مسئول بشكل أو آخر عن تلك الصور المرعبة
وان هؤلاء اللذين شوهت جثثهم وقطعت اوصالهم لا يمكن أن يكونوا
جزءا من واقع لايمت له بصلة ..
وان جهله ليس ذريعة له ولا لغيره
ان كانت هذه النهاية
جاءت من تراكم طبيعي لشر لم يحاول أحدا أبدا أن يوقفه
***
ترى هل كانت نفس سلام مختلفة عن باقي البشر
هل كان سياسيا او مفكرا او داعية لحقوق الانسان
***
كل ذلك كان بعيدا عن سلام
لانه عاش في سلام مع روحه اولا
ومع مجتمعه ثانيا ومع اسرته ثالثا
***
لكن قدرته على التجاوز التي كانت تصبغ حياته في ما مضى
تجمدت ولربما ترمدت بعد كا ما رأى
فاندفع محاولا ان يفهم
قبل أن يأخذ الجنون عقله فلا يرجع
***
زادت حيرة سلام كلما تعمق في الفهم
كان كل شىء رماديا كانت الصور متراكبة
والاراء متضاربة والمسافة بين كل اللذين يناصرون
فلسطين والذين يؤيدونها والذين يموتون فدائها
واسعة ومهولة ..
****
كان كل الذين اصطلوا بالهجير اعداء في كل شىء
لكنهم يذيعون الحب ويتحدثون عن التقارب
ويغنون التكامل ويهيمون بوحدة المصير
***
سلام يعيش حيرته مع كتاب يقرأه ومع كل تأريخ يغوص فيه
ومع كل مناسبة تحمل الى عقله ضوء جديدا
وهو يفتح الأبواب المغلقة ليدخل النور الى بصيرته
**
ويخاف .. يخاف من ان يمر وقت طويل قبل ان يفهم
مالذي يجري
ويخاف .. يخاف من أن ينتهي حاله الى ما انتهي اليه
الذين سبقوه ..
ويرتعد حين يفكر في ان ياسر او اياد أو عائشة او لمياء
يمكن ان يصيبهم مكروه كالذي يضرب كل يوم
***
سلام قرر أن يفهم
وأعد العدة لكي يصل الى اجابة لكل الأسئلة التي تحيره
واقسم ان لا يرى في اشلاء شاب لم يبلغ الحلم
وطفلة تدرج الى ايامها الأولى
وأم ثكلى تصرخ بجنون داعية اياها للنصرة
مشهدا عابرا .. يدلف منه للنسيان
مخدرا .. ومغيبا .. ومسوقا الى فناء معنوي
***
سلام يبدا خطواته لاستعادة السلام
وسيلته : البحث والأسئلة
طريقه : الاصرار والعمل
حاديه : الضمير والشرف
حلمه : التنوير والنصرة
***
هو ذا يمضي في طريقه وفي عينيه بريق جديد
هادىء .. لكنه يضىء
حارس السراب
***
-----------------------------------------------
"من عيوب الذاكرة العربية أن تسجل تواريخ الأحداث
كبيرة أو صغيرة, دون أن تستخلص العبر والنتائج المستفادة
من هذه الأحداث
فالذاكرةالعربية تسجل تأريخ قيام اسرائيل
وتأريخ مذبحة دير ياسين ومذبحة بحر البقر وتل الزعتر
وحريق القدس ..
لكن هذه الذاكرة لا اقول أنها عجزت عن فهم هذه الأحداث
أو انها لا تملك القدرة على التفكير
كي ترد بما يجب عليها .. وإنما تكاسلت عن استخلاص عبرها
في الوقت الذي يردس أعداؤنا كل صغائر وكبائر تأريخهم
وتأريخ الأخرين لاستفادة منه في المستقبل "*
-----
* من مقدمة كتاب مذبحة المخيمات لمحمد جلاء ادريس