تسجيل الدخول

View Full Version : * أدب الـــنـــفـــس *


صدى الحق
23-09-2000, 12:32 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

‏مجانبة الكبر والإعجاب الفصل الأول في مجانبة الكبر والإعجاب ‏:‏ لأنهما يسلبان الفضائل ‏,‏ ويكسبان الرذائل ‏.
‏ وليس لمن استوليا عليه إصغاء لنصح ‏,‏ ولا قبول لتأديب ‏;‏ لأن الكبر يكون بالمنزلة ‏,‏ والعجب يكون بالفضيلة ‏.‏
فالمتكبر يجل نفسه عن رتبة المتعلمين ‏,‏ والمعجب يستكثر فضله عن استزادة المتأدبين ‏.
‏ فلذلك وجب تقديم القول فيهما بإبانة ما يكسبانه من ذم ‏,‏ ويوجبانه من لوم ‏.‏ ‏

‏فنقول ‏:‏ أما الكبر فيكسب المقت ويلهي عن التألف ويوغر صدور الإخوان ‏,‏ وحسبك بذلك سوءا عن استقصاء ذمه ‏.
‏ ولذلك ‏{‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس أنهاك عن الشرك بالله والكبر ‏,‏ فإن الله يحتجب منهما ‏}‏ ‏.‏
وقال أزدشير بن بابك ‏:‏ ما الكبر إلا فضل حمق لم يدر صاحبه أين يذهب به فيصرفه إلى الكبر ‏.
‏ وما أشبه ما قال بالحق ‏.‏ ‏

‏وحكي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير نظر إلى المهلب بن أبي صفرة وعليه حلة يسحبها ويمشي الخيلاء فقال ‏:‏ يا أبا عبد الله ‏,‏ ما هذه المشية التي يبغضها ‏الله ورسوله ‏؟‏ فقال المهلب ‏:‏ أما تعرفني ‏؟‏ فقال ‏:‏ بل أعرفك ‏,‏ أولك نطفة مذرة ‏,‏ وآخرك جيفة قذرة ‏,‏ وحشوك فيما بين ذلك بول وعذرة ‏.
‏ فأخذ ابن عوف هذا الكلام فنظمه شعرا فقال ‏:‏

‏عجبت من معجب بصورته ‏*** ‏وكان بالأمس نطفة مذره ‏
‏وفي غد بعد حسن صورته ‏*** ‏يصير في اللحد جيفة قذره ‏
‏وهو على تيهه ونخوته ‏*** ‏ما بين ثوبيه يحمل العذره ‏

وقد كان المهلب أفضل من أن يخدع نفسه بهذا الجواب غير الصواب ‏,‏ ولكنها زلة من زلات الاسترسال ‏,‏ وخطيئة من خطايا الإدلال ‏.‏ ‏

‏فأما الحمق الصريح ‏,‏ والجهل القبيح ‏,‏ فهو ما حكي عن نافع بن جبير بن مطعم أنه جلس في حلقة العلاء بن عبد الرحمن الخرقي وهو يقرئ الناس ‏,‏ فلما فرغ قال ‏:‏ أتدرون لم جلست إليكم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ جلست لتسمع ‏.‏
قال ‏:‏ لا ولكني أردت أن أتواضع لله بالجلوس إليكم ‏.‏ فهل يرجى من هذا فضل أو ينفع فيه عذل ‏!‏ وقد قال ابن المعتز ‏:‏ لما عرف أهل النقص حالهم عند ذوي الكمال استعانوا بالكبر ليعظم صغيرا ‏,‏ ويرفع حقيرا ‏,‏ وليس بفاعل ‏.‏ ‏

‏وأما الإعجاب فيخفي المحاسن ويظهر المساوئ ويكسب المذام ويصد عن الفضائل ‏.‏ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ ‏{‏ إن العجب ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ‏}‏ ‏.
‏ وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ‏:‏ الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب ‏.
‏ وقال بزرجمهر ‏:‏ النعمة التي لا يحسد صاحبها عليها التواضع ‏,‏ والبلاء الذي لا يرحم صاحبه منه العجب ‏.‏

المصدر

كتاب ‏أدب الدنيا والدين