PDA

View Full Version : لماذا يخاف الطغاة من الكتب؟


أبو يحى
19-01-2006, 01:46 AM
http://www.asharqalawsat.com/2003/07/20/images/books.182637.jpg
كاتبتان إيرانيتان نشرتا أعمالهما خارج البلاد:
في نهاية المطاف حياة المرأة صعبة في أي نظام تعيش فيه


أمير طاهري

* إن موضوع خوف أنظمة الطغيان من الكتب هو حقيقة معروفة. فقد كان ستالين يصر على أن يعطي موافقته الشخصية على قائمة الكتب التي تنشر في الاتحاد السوفياتي. وقد حاول الدكتاتور الشيوعي الصيني ماوتسي تونج أن يستبدل الكتب بكتابه الذي يسمى «الكتاب الأحمر الصغير». وأمر طاغية كوريا الشمالية كيم إيل سونج ذات مرة بأن يعتقل أي شخص يعثر في حوزته على أكثر من كتاب واحد. (لم يسمع بمقولة القديس أوغسطين الشهيرة : احذر من رجل له كتاب واحد فقط).

* من غرائب الامور لدى قلة من الناس أن الحياة في إيران منذ الثورة الخمينية تتميز بالصعوبة، على الأقل لأولئك الذين يرغبون أن يعيشوا حياتهم كأفراد بالمعنى الغربي للفردية أكثر مما يعيشونها كأعضاء في مجتمع واسع تحكمه قواعد صارمة تفرضها الدولة. وفي ذلك الإطار فإن الحياة تبدو أكثر صعوبة بالنسبة للنساء. تقول أزار نفيسي مؤلفة «قراءة لوليتا في طهران» إن انتماء الشخص «للجنس الخطأ» أي لجنس النساء يجعل الأمور أشد صعوبة من أي تصور.

إن كتاب نفيسي هو أحد الكتب التي ألفتها النساء الإيرانيات اللاتي تغيرت حياتهن وفي بعض الحالات تحطمت بمجيء نظام يقوده رجال الدين الشيعة وحلفاؤهم من اليساريين الثوريين. وقد أظهرت ناهد راشلين في روايتها «الأجنبي»، التي لقيت نجاحاً باهراً، كيف إن امرأة إيرانية يمكن أن تجد نفسها غريبة في بلدها. وتحكي أزار اريانبور في روايتها «الأسوار العالية» قصة أسرة واحدة حطمتها الثورة وتشتت أفرادها في جميع بقاع الأرض. هناك أيضاً رواية شهرنوش بارسيبور «نساء بلا رجال» حيث تبدو النساء أمام خيار واحد وهو ان تصير إحداهن روبوتاً يلبي قواعد وضعها آخرون أو تدمر حياتها في محاولة تمرد يائسة.

ومع ذلك فإن كتاب نفيسي يقتحم آفاقاً جديدة . وهذا جزئياً لأن نفيسي تنظر إلى الجحيم الذي هو الحياة في إيران الثورية بنوع من الحميميّة. وهي أيضاً تظهر بأنه حتى في أسوأ الأوضاع يستطيع المرء دائماً أن ينشئ جنة من السلام والتناغم عبر الأدب. وبذلك المعنى فإن نفيسي تعيد صدى راي برادبيري في «درجة 401 فهرنهايت» وهو كتاب عن حفظ الكتب في ظل نظام شمولي يتفانى في إبادة الكتب، وكتاب إيليا كانيتي «أوتو دافي» أو (فعل الإيمان) مع محاكم التفتيش وحرقها للكتب بوصفه الثيمة الأساسية.

يبدأ كتاب نفيسي في عام 1995 بعد وقت وجيز من استقالتها من منصبها كبروفيسور مساعد في الأدب الإنجليزي بإحدى جامعات طهران. بعد أن استقالت نفيسي لأنه لم يعد يسمح لها بتدريس كتابها المفضلين بما فيهم فلاديمير نابكوف وف. سكوت فيتزجيرالد وجين أوستن، وجدت نفسها «غارقة في اليأس»، فهي لا تستطيع أن تحيا دون أن تشارك الآخرين متعة الأدب. وهكذا قررت أن تدعو بعض طلابها القدامى إلى منزلها لإنشاء مجموعة قراءة لدراسة الكتب المفضلة. وقد تجنب العديد من طلابها القدامى الاستجابة للدعوة خوفاً من ان التعرض لمشاكل مع الشرطة الدينية السرية. وكانوا متخوفين أكثر لأن كل الروايات التي تريد نفيسي أن تشاركهم قراءتها هي لكتاب اميركيين أو إنجليز في وقت كان فيه الملالي يعتبرون الغرب هو التجسيد الحي للشيطان. ولكن قلة منهن خاطرن بالانضمام إلى مجموعة نفيسي «التخريبية» المحبة للآداب. وقد كانت لقاءات المجموعة «التخريبية» تعقد في غرفة المعيشة بمنزل نفيسي. وهناك كن يخلعن «الحجاب» الإلزامي الذي يكرهنه ويتخلصن من الثياب الخارجية الطويلة التي تجبر النساء الإيرانيات على ارتدائها حتى في حر الصيف ويتمتعن بقراءة الكتب واحتساء القهوة التركية ويقرأن الحظ لبعضهن البعض. وتكتب نفيسي «سريعاً أدركنا أن غرفة المعيشة (الحياة) كانت بالفعل كذلك. ففي تلك الغرفة المتواضعة بدأنا نعيش مرة أخرى». وأخيراً ، أجبرت نفيسي على الذهاب إلى المنفى في الولايات المتحدة حيث تستطيع أن تستأنف نشاطها المهني كبروفيسور للأدب الإنجليزي الحديث. ولكن من الواضح أنها ما زالت تحن إلى إيران وإلى تلك الجلسات السرية لقراءة الكتب التي كان يمكن أن تعيقها في أي لحظة وحدات من كتيبة الأخلاق التي أنشأها الملالي لشن هجمات على البيوت وسكانها بحثاً عن مشروبات كحولية ولعب الورق والكتب الممنوعة وأشرطة الفيديو والموسيقى.

تتمتع نفيسي بمزاج مرح ذي قدرة صاعقة لأنه دائماً مخفف ومقيد. إنها لا تحتاج لأن تصب السخرية على الملالي فكل ما تحتاجه هو أن تلاحظ أفعالهم وتستمتع لكلماتهم في علاقتها مع الواقع المعاش.

يكتسب الكتاب أهمية خاصة لأنه يظهر أن الروايات التي يكتبها كتاب ينتمون إلى ثقافات مختلفة وبلدان قصية قد يكون لها أثر مباشر على مجموعة من نساء الطبقة الوسطى الشابات في طهران. وبهذا المعنى فإن «قراءة لوليتا في طهران» هو ترنيمة اجلال للإمكانيات الإبداعية للأدب أكثر مما هو عمل نقدي آخر لنظام يفتقد للمصداقية.

يمكن أن يقرأ كتاب نفيسي على ثلاثة مستويات. الأول بوصفه يوميات حلوة ومريرة في الوقت نفسه، والثاني كرواية تتحرك ببطء تحمل رجع صدى كلود سايمون. أما المستوى الثالث الممكن من القراءة فهو قراءتها كسلسلة من المحاضرات حول الأدب مزودة بملاحظات حول الحياة في إيران اليوم.

بالنسبة لكاتب هذه السطور فإن أكثر القراءات إمتاعاً هي القراءة الثالثة.

لقد قدمت نفيسي بعض التأملات الأصيلة عن رواياتها المفضلة خصوصاً «لوليتا» للكاتب نابوكوف. وبالنسبة لمعظم القراء فإن لوليتا، المرأة ـ الطفلة، هي ملاك ـ شيطان قامت عمداً بإغواء الرجل المضطرب بروفيسور الأدب هومبيرت هومبيرت.

لكن نفيسي ترى لوليتا كضحية لمجتمع يحول النساء إلى أدوات للمتعة. وبالنسبة لها فإن لوليتا تمثل رمزاً لتمرد لا مفر منه ضد المجتمع الأمريكي ذي النزعة الاستهلاكية الطاغية والمادية.

إن وضع لوليتا المراهقة الأميركية والرمز الجنسي التي تتمتع بحريات لا حدود لها جنباً إلى جنب مع الطالبات الإيرانيات اللاتي يمتلكن قدراً ضئيلاً من الحرية لهو عنصر فعال.

فنحن نجد الاثنين ضحايا وذلك ببساطة لأنهم من «الجيندر (النوع) الخطأ». وفي نهاية المطاف فإن حياة المرأة صعبة في أي نظام تعيش فيه. ترفض نفيسي تحويل الدين إلى آيديولوجيا سياسية. وبالنسبة لها فإن الدين يكون حقيقياً فقط إذا تأسس على تفكير شخصي عميق دون أن يصحبه نوع من الاستعراض العلني . لكن، في إيران، فإن ما يهم هو المظهر. وما دمت تبدي «المظهر الديني الصحيح» يمكنك أن تعتقد في ما تشاء وتفعل ما تريد. ورسالة النظام هي: اكذب على الآخرين لأنك ستنتهي إلى أن تكذب على نفسك أيضاً.

حاز كتاب نفيسي على إعجاب واسع بين النقاد في الولايات المتحدة وبريطانيا كما اختير للترجمة إلى الفرنسية والألمانية. ولا شك أن ترجمة عربية للكتاب ستحظى بقراء عديدين حتى لو كان ذلك فقط بسبب أن العديد من النساء العربيات والرجال سيتعاطفون مع معاناة نفيسي وطلابها.

كتاب مرجانة ساترابي يتناول هو الآخر النساء الإيرانيات. لكننا في هذه المرة نلتقي ببنات في عمر الطفولة والمراهقة.

إن كتاب ساترابي الذي نشر أولاً في فرنسا في العام الماضي لكنه الآن على رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة وبريطانيا يحكي قصة مرجانة كلها بصور الكرتون، وهو مسلسل هزلي في شكل عمل أدبي.

تلتقي عائلة مرجانة اليسارية عشية الثورة التي أطاحت بالشاه وأتت بآية الله روح الله الخميني وحلفائه الشيوعيين إلى السلطة عام 1979. ولقد شعر العديد من عائلة ساترابي بالسعادة وهم يرون ذهاب الشاه، وقد كان شعور والد مرجانة طاغياً يدعمه اعتقاده الغريب بأن الشيوعية تشارك في العديد من أهداف الإسلام التي أتى بها الخميني.

وقد تعرضت مرجانة الصغيرة لمحاولات مكثفة من عمليات غسل الدماغ من جانب والديها اللذين أصرا على التمسك بأوهامهما حول عدالة الثورة. لكن مرجانة كانت فيلسوفة صغيرة وتعرف أفضل من ذلك. وحينما أجبرت على ارتداء غطاء الرأس الخميني الذي فرض بنص القانون بعد الثورة بقليل أدركت حالاً أن هناك خطأ ما. فحقيقة أن الجو حار وغطاء الرأس الثوري لا يحتمل أقنع مرجانة الصغيرة سريعاً أن هناك خطأ ما في العالم المثالي الذي يرغب ذويها الشيوعيين في خلقه بمساعدة الملالي.

إن سخرية ساترابي اللاذعة تجعلك تواصل قلب الصفحات فيما تتابع روايتها الهزلية كفيلم مشوق . فتقنياتها الفنية ممتازة وشخصياتها الكرتونية حقيقية للغاية لدرجة أن المرء بعد 10 صفحات من بداية الرواية يشعر بأنها لبشر حقيقيين ذوي مشاعر حقيقية .

تفوقت ساترابي أيضاً في كتابة الحوار لشخصياتها وهو حوار يكشف عن اعمق الأفكار بطرق بسيطة لكنها مؤثرة.

يقترب عمل ساترابي من مسرح العبث كما يتميز بنبرة سريالية . وهي تهزأ بمحاولات السياسيين فرض هويات مزيفة واعتباطية على البشر الحقيقيين. فهي كطفلة خلال حكم الشاه قيل لها أنها من سلالة آرية نقية وأن الإمبراطورية الفارسية العظيمة التي كانت عاصمتها بيرسيبولي كانت ذات يوم مركز العالم. وعندما استولى الملالي على السلطة قالوا لها إن كل ما كان الشاه قد قاله هو محض هراء وأن الآريين القدماء كانوا جهلة ومتوحشين حتى جاء الإسلام وجلب الاستنارة لهم. ثم طلب منها بعد ذلك أن تعتبر الجزيرة العربية البعيدة وطنها الديني والثقافي وأن تتعلم أسماء عظماء العرب في التاريخ بدلاً عن عظماء الآريين الذين كان قد قدمهم الشاه.

لا تصدر مرجانة أي حكم على النظامين اللذين حطما طفولتها وأجبراها في نهاية الأمر على الفرار للمنفى في فرنسا. ولها وجهة نظر تراجيدية حول الوضع الإنساني وهي: إن قدرنا هو أن نعاني في أي زمان وأي مكان نعيش فيه، وبالتالي فإن العلاج الأنجع هو في إصدار ضحكة وبقدر ما تكون الضحكة أكبر بقدر ما يكون ذلك أفضل.

إن نفيسي وساترابي هن اثنين فقط من بين عشرات الروائيين والشعراء الإيرانيين الذين يكتبون الآن مباشرة بلغات أجنبية، وغالباً بالإنجليزية والفرنسية. والسبب الأساسي هو أنهم لا يستطيعون نشر أعمالهم في إيران نفسها. وقد وضعت وزارة التوجيه الإسلامي والثقافي في طهران عام 1994 قائمة سوداء للكتب تحتوي على 2800 عنوان كتاب و750 إسم كاتب بما في ذلك العديد من أشهر الشعراء والروائيين الإيرانيين الأحياء. في ذلك الوقــــــت كان حجة الإسلام محمد خاتمي هو الوزير المسؤول. وبعد 7 سنوات من ذلك صار خاتمي رئيساً للجمهورية وارتفع عدد قائمة الكتب المحظورة حتى تجاوز الـ6000 كتاب وإذا لم تحدث إعادة نظر في تلك السياسة القمعية فإن القائمة لا شك ستزداد أكثر. لكن ليس هناك طريقة تستـــــــطيع بها الجمهورية الإسلامية أن توقف الإبداع الأدبي الذي يمارسه الإيرانيون. ففي العام الماضي وحده أصدر الناشرون الإيرانيون في أوربا والولايات المتحدة أكثر من 800 كتاب جديد وهو ما يبلغ نحو ربع الكتب التي صدرت في إيران نفسها. وقد ترجمت أيضاً أعمال الكتاب الإيرانيين الذين يكتبون بالإنجليزية والفرنسية والألمانية وغيرها من اللغات إلى اللغة الفارسية وهربت إلى داخل إيران. وقد حققت ترجمة باللغة الفارسية لـ«بيرسيبوليس» نجاحاً باهراً في إيران وصارت تتقاذفها الأيدي كالكيك الساخن إلى جانب القنبلة هاري بوتر و«اتباع العنقاء» آخر عمل ضخم في سلسلة أعمال الكاتبة البريطانية ج.ك. رولينغ.

وكما لاحظت نفيسي بجفاء أنه «لا شيء يستطيع أن يوقف الأدب لأن الأدب هو الحياة».