شفاف الجوهر
30-09-2002, 05:39 PM
الأطلال
للدكتور ابراهيم ناجي
هذه قصة حب عاثر، التقيا وتحابّا، ثم انتهت القصة بأنها هي صارت أطلال جسد، وصار هو أطلال روح، وهذه الملحمة تسجل وقائعها كما حدثت.
بهذه الكلمات، يقدم الشاعر ابراهيم ناجي لملحمته الشعرية "الأطلال"، والتي يضمها ديوانه "ليالي القاهرة" الذي صدر سنة 1951.
ولقد ظلت الأطلال عملاً شعرياً لا يعرفه إلا الخاصة من الدارسين وشداة الأدب ومتتبعي الشعر، حتى أتيح لبعض مقاطعها أن تصل إلى أسماع الملايين على متن صوت أم كلثوم وعند ذلك ذاعت شهرتها وتناقلتها الألسنة والأسماع، وأصبحت أشهر ما تعيه ذاكرة العامة من شعر ناجي.
والمتأمل في شعر ناجي، أول ما يطالعه هذا الطابع الحزين القاتم، والذي يضفي على قصائده مسحة من الأسى والشحوب، ويحمل هذا الطابع كل سمات الحزن والانطواء والوجد والهيام والهروب والانطلاق والتمرد والتعلق بالطبيعة والتشبث بالحب.
وفي ملحمته الشعرية "الأطلال" كما يسميها، تطالعنا أيضاً خصائص فن ناجي وشاعريته: روح شعري شفاف، وصياغة بيانية مشرقة، وتعبير آسر بالصورة الشعرية المتنامية والمتآزرة وخيال مجنح، يصل بالتجربة الشعرية إلى آفاق وتخوم لم تقتحم من قبل، وقدرة خارقة على التصوير والتجسيد والتجسيم، وموسيقى شعرية تعتصر وجدان الملتقي وهو يطالع مقاطع القصيدة، ويتنقل بين روافدها المتجمعة، ويستمع إلى صوت الشاعر الأسيان المفجوع في مواجهة إرادة القدر.
والأطلال صورة صادقة الملامح لقصة الحب المأساوية، الدامية الختام .. تتماوج مقاطعها بكل ما في قصص الحب، من تذكر ولوعة وحسرة، ومواقف انطلاق وصبوة وغفلة عن فعل الزمان وتبدل الأيام، وافتتان بالحب ذلك الذي يرقى بالإنسان إلى عالم أسمى وأسنى، فيدمن الرقي والطموح نحو سماء غير منظورة ، ويلتقي الحبيبان في قمتهما المنفردة، ويبوحان بسريهما، ويران الناس من تحتهما ظلالاً في السفوح، وفجأة يتغير الحال، وتنقلب الأمور رأساً على عقب فتتبدد أحلام العاشق ومطامحه وأشواقه وتصوراته، ويصبح الحبيبان في غمضة عين منفيين في فيافي الحياة، وصحرائها يواجهان الأشواك والصخور، والجدب والظلام والحظوظ السود والليل الضرير، وتملأ الهواجس نفس العاشق، وتتحاور معه الكائنات. ماذا عليه لو نسي أو تناسى؟ ماذا عليه لو ودع هذا الغرام اليائس وهذا الحب القاتم المدمر؟ وتهمس الريح في أذينه بنصحها: إن من حوله القلوب والنساء بعدد الرمل، فليتخير ما يشاء، وليبدأ من جديد صفحة حبه الجديد.
لكن الشاعر العاشق لا يستمع إلى هذا كله، ولا يفتح له نوافذ قلبه، محتضن لقضائه، مستسلم للنهاية الأليمة الفاجعة.
وإليكم بعضاً من أبيات هذه الملحمة :
يا فؤادي رحم الله الهوى …. كان صرحاً من خيال فهوى
أسقني واشرب على أطلاله …. وارو عني طالما الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبراً …. وحديثاً من أحاديث الجوى
وبساطاً من ندامى حلم …. هم تواروا أبداً وهو انطوى
يا رياحاُ ليس يهدأ عصفها …. نضب الزيت ومصباحي انطفا
وأنا أقتات من وهم عفا …. وأفي العمر لناس ما وفى
كم تقلبت على خنجره …. لا الهوى مال ولا الجفن غفا
وإذا القلب – على غفرانه - …. كلما غار به النصل عفا
يا غراماً كان مني في دمي …. قدراً كالموت أو في طعمه
ما قضينا ساعة في عرسه …. وقضينا العمر في مأتمه
ما انتزاعي دمعة من عينه …. واغتصابي بسمة من فمه
ليت شعري أين منه مهربي …. أين يمضي هارب من دمه؟
لست أنساك وقد ناديتني …. بفم عذب المناداة رقيق
ويد تمتد نحوي كيدٍ …. من خلال الموج مدّت لغريق
آه يا قبلة أقدامي إذا …. شكت الأقدام أشواك الطريق
وبريقاً يظمأ الساري له …. أين في عينيك ذيّاك البريق؟
إخواني هذا شرح موجز لعمل أدبي قام به أحد أبرز عناصر الشعر العربي في العصر الحديث وهو الدكتور إبراهيم ناجي حيث تناولت أهم إنجازاته الشعرية وهي قصيدة الأطلال. أرجو أن أكون قد وفقت في هذا السرد.
وتحياتي لكم …
للدكتور ابراهيم ناجي
هذه قصة حب عاثر، التقيا وتحابّا، ثم انتهت القصة بأنها هي صارت أطلال جسد، وصار هو أطلال روح، وهذه الملحمة تسجل وقائعها كما حدثت.
بهذه الكلمات، يقدم الشاعر ابراهيم ناجي لملحمته الشعرية "الأطلال"، والتي يضمها ديوانه "ليالي القاهرة" الذي صدر سنة 1951.
ولقد ظلت الأطلال عملاً شعرياً لا يعرفه إلا الخاصة من الدارسين وشداة الأدب ومتتبعي الشعر، حتى أتيح لبعض مقاطعها أن تصل إلى أسماع الملايين على متن صوت أم كلثوم وعند ذلك ذاعت شهرتها وتناقلتها الألسنة والأسماع، وأصبحت أشهر ما تعيه ذاكرة العامة من شعر ناجي.
والمتأمل في شعر ناجي، أول ما يطالعه هذا الطابع الحزين القاتم، والذي يضفي على قصائده مسحة من الأسى والشحوب، ويحمل هذا الطابع كل سمات الحزن والانطواء والوجد والهيام والهروب والانطلاق والتمرد والتعلق بالطبيعة والتشبث بالحب.
وفي ملحمته الشعرية "الأطلال" كما يسميها، تطالعنا أيضاً خصائص فن ناجي وشاعريته: روح شعري شفاف، وصياغة بيانية مشرقة، وتعبير آسر بالصورة الشعرية المتنامية والمتآزرة وخيال مجنح، يصل بالتجربة الشعرية إلى آفاق وتخوم لم تقتحم من قبل، وقدرة خارقة على التصوير والتجسيد والتجسيم، وموسيقى شعرية تعتصر وجدان الملتقي وهو يطالع مقاطع القصيدة، ويتنقل بين روافدها المتجمعة، ويستمع إلى صوت الشاعر الأسيان المفجوع في مواجهة إرادة القدر.
والأطلال صورة صادقة الملامح لقصة الحب المأساوية، الدامية الختام .. تتماوج مقاطعها بكل ما في قصص الحب، من تذكر ولوعة وحسرة، ومواقف انطلاق وصبوة وغفلة عن فعل الزمان وتبدل الأيام، وافتتان بالحب ذلك الذي يرقى بالإنسان إلى عالم أسمى وأسنى، فيدمن الرقي والطموح نحو سماء غير منظورة ، ويلتقي الحبيبان في قمتهما المنفردة، ويبوحان بسريهما، ويران الناس من تحتهما ظلالاً في السفوح، وفجأة يتغير الحال، وتنقلب الأمور رأساً على عقب فتتبدد أحلام العاشق ومطامحه وأشواقه وتصوراته، ويصبح الحبيبان في غمضة عين منفيين في فيافي الحياة، وصحرائها يواجهان الأشواك والصخور، والجدب والظلام والحظوظ السود والليل الضرير، وتملأ الهواجس نفس العاشق، وتتحاور معه الكائنات. ماذا عليه لو نسي أو تناسى؟ ماذا عليه لو ودع هذا الغرام اليائس وهذا الحب القاتم المدمر؟ وتهمس الريح في أذينه بنصحها: إن من حوله القلوب والنساء بعدد الرمل، فليتخير ما يشاء، وليبدأ من جديد صفحة حبه الجديد.
لكن الشاعر العاشق لا يستمع إلى هذا كله، ولا يفتح له نوافذ قلبه، محتضن لقضائه، مستسلم للنهاية الأليمة الفاجعة.
وإليكم بعضاً من أبيات هذه الملحمة :
يا فؤادي رحم الله الهوى …. كان صرحاً من خيال فهوى
أسقني واشرب على أطلاله …. وارو عني طالما الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبراً …. وحديثاً من أحاديث الجوى
وبساطاً من ندامى حلم …. هم تواروا أبداً وهو انطوى
يا رياحاُ ليس يهدأ عصفها …. نضب الزيت ومصباحي انطفا
وأنا أقتات من وهم عفا …. وأفي العمر لناس ما وفى
كم تقلبت على خنجره …. لا الهوى مال ولا الجفن غفا
وإذا القلب – على غفرانه - …. كلما غار به النصل عفا
يا غراماً كان مني في دمي …. قدراً كالموت أو في طعمه
ما قضينا ساعة في عرسه …. وقضينا العمر في مأتمه
ما انتزاعي دمعة من عينه …. واغتصابي بسمة من فمه
ليت شعري أين منه مهربي …. أين يمضي هارب من دمه؟
لست أنساك وقد ناديتني …. بفم عذب المناداة رقيق
ويد تمتد نحوي كيدٍ …. من خلال الموج مدّت لغريق
آه يا قبلة أقدامي إذا …. شكت الأقدام أشواك الطريق
وبريقاً يظمأ الساري له …. أين في عينيك ذيّاك البريق؟
إخواني هذا شرح موجز لعمل أدبي قام به أحد أبرز عناصر الشعر العربي في العصر الحديث وهو الدكتور إبراهيم ناجي حيث تناولت أهم إنجازاته الشعرية وهي قصيدة الأطلال. أرجو أن أكون قد وفقت في هذا السرد.
وتحياتي لكم …