لؤي سالم اقنيبر
22-08-2001, 04:18 PM
قصة ال"60" يوماً
لكل بداية نهاية ولكل قصة حكاية و حكايتي مع مصر حكاية من ألف حكاية...
بدايتها هنالك بالإسكندرية حيث لا أعرف أحداً في موطن مجهول .. نعم كانت مغامرةً وأحلى مغامرة ذكرياتها لا تحصى و مواقفها أجمل المواقف .. انتهت فجأةً وأنا من طلبت إنهائها .. فستين يومياً كافية لسيل من المغامرات ..
اليوم أجوب شوارع الإسكندرية .. أجوب شوارع المنشية .. حيث التجار و المحلات.. حيث الباعة الجوالون حيث الزحام .. الكل يخرج في الليل طلباً للسهر و المتعة .. والغريب أنه يمتد بهم السهر حتى الساعات الأولى من الفجر و الأغرب أنك تجد الكل في أعمالهم صباحاً .. لا يتخلفون.. لا يتأخرون .. هنا الأضواء والغناء والفنون دخلت مصادفةً إلى شارع ممتلئ بمحلات الذهب .. ما أن تمر بمحل حتى تسمع زغاريد النسوة معلنة عن أحلى الأحداث ياله من لحن جميل و ياله من منظر بديع .. يمر بجانبك بائع جوال يردد أجمل الألحان و يدفع عربيته الممتلئة بجميع الألوان والأصناف .. لا أحد يعرفني هنا و لا أتوقع أن ألتقي بأحد أعرفه .. ياله من بلد و ياله من جمال و ما أحلى ليالي الإسكندرية ..
انطلقت من هناك من بنغازي في حافلة تضم الكثير من الجنسيات .. هناك و على متنها تجار مصريون .. عائلة ليبية .. سعودي واحد.. و الباقي ركاب مصريون عدا فتاة ليبية متزوجة من مصري .. ركابها يدعون أنهم ليسوأ بتجار ولكنهم ( كلهم تجار) ، عند الحدود الليبية هناك محاذير كثيرة على البضائع .. أنزلوا كل ما في الحافلة من بضائع و صادروا منها ما صادروا . وأفرجوا عن الباقي .. والطرفة هنا أن ما أنزل في الحدود المصرية من بضائع كمية هائلة لا تصدق .. احترت حين رؤيتي لكل هذه البضائع التي هربت .. هل كنا و هذه البضائع في حافلة واحدة ؟؟ هل كان لنا متسع في الحافلة ؟؟ وأين هي الجيوب التي استطاعوا إخفاء كل هذه البضائع فيها؟؟ إجراءات روتينية في الحدود المصرية تريد حكمة إبراهيم وحيل إبليس .. مشاجرة كبيرة بين السعودي غريب الأطوار و الأمن
المصري كان مظلوماً .. و لكنه جلب المشاكل لنفسه .. وبعد علقة ساخنة .. أتموا إجراءاته و هاهو أمام القاعة يتحدث كأنه إمبراطور عصره و أنهم انهوا إجراءاته غصباً .. تشاجر مرةً أخرى مع أحد الركاب ثم نزل من الحافلة مدعياً أنه سيذهب وينتظر في القهوة .. فوقف غريمه المصري وبلسانهم المعهود و قال للجميع لا تزعجوه و إلا سيشتري القهوة .. غضب وتمتم بكلمات غريبة ثم غاب عنا قليلاً .. آه لقد اكشفني إنني ليبي و أنا أيضاً من فئته السامية و تحسر لأنه لم يعرفني قبلاً ..
لو تحدثنا عن الجمال فتتصدرها الطبيعة و على رأسها البحر .. يا له من منظر بديع و أنت تنزل الطريق إلى السلوم و صلنا إلى الإسكندرية .. والبحث عن أقرب هاتف للاتصال بخالد فلو علم أنني بحضوري و عدم اتصالي ستكون الطامة ..
في الإسكندرية وتحديداً بالدخلية مصنع الحديد و الصلب .. أٌقامته شركة يابانية
مصنع ضخم و نظام إدارته مميز .. أقمت بالمدينة العلمية في "عزبة سعد" هنالك كثيرون قدموا من بلدان مختلفة بقصد التدريب . ميرزو الطاجكستاني . طيب القلب و المعشر . رومانسي بهيلولا .. كم كانت الأيام معه جميلة يوم سفره لم أودعه لمعرفتي بأنه لا لقاء بيننا ثانية .. كان يكره مصر وأهل مصر نظافةً وسلوكاً .. لكنه عاشق للطبيعة للأهرامات و لشط الإبراهيمية .. محمود الأردني شاب بسيط جداً .. يحب الأشجار و الحدائق .. ورالف و ستيفن الألمانيان و سيل من الأرق والإرهاق بدا عليهما جراء رحلة اعتبراها رحلة من رحلات السندباد ..
ثالثهم فر سريعاً قبل مضي شهر واحد معنا .. جلال التركي .. أهبل .. مجنون من الخمر إلى النساء .. ولكن قلبه طيب ومعشره حسن .. يحب في تركيا فتاةً تكبره قبل مجيئه قالت له أنها ستتزوج ولكنها تحبه هو.. مدلل لأبعد الحدود . أيمن الأردني مغرور . سعودي الأصل .. كثير العلاقات .. غريب التصرفات ولكن ذكرياتي معه جميلة لأبعد الحدود ..
حوار مع أحد الزملاء بالشركة حول ليبيا .الشعب. الحصار. الوعي القومي . لم نصل في هذا الحوار إلا لنقطة واحدة و هي أن حالة بلادي اليوم تشابه أيام جمال عبد الناصر .. قال لي أنهم كانوا متحمسين وهو ممن كانوا يهتفون لعبد الناصر في الشوارع ..
وحين وفاته جن جنونه .. كيف ستحيى مصر ؟؟ وحين أتاهم السادات كان نعمة من السماء شعركم كان ساذجاً .. نقم على كل لحظة مرة به.. الكل يكره زمن عبد الناصر .. لا وجود للناصريين .. و يتعاطفون مع الشعب الليبي ويتمنون أن تحل كافة مشاكله السياسية ..
لم أتصور يوماً أن تكون مصر بهذه الحلاوة و أن يكون شعبها مسلم وطيب . الابتسامة لا تغادر الوجوه.. إنهم ليسوأ كمصريين ليبيا . هناك شحاذون .. نصابون و لكن كل بلد سياحية لا تخلوا من هذه الفئات يميز المصري أخلاقه و نعومته و لسانه الذي يلين به الحجر و يميز أهل الإسكندرية طيبة القلب ..
ذهبت للقاهرة .. أعجبتني الأهرامات .. عظمت البناء .. غموض و ألغاز.. شموخ أبوالهول .. جمال خوفو و خفرع .. عطور زهرة اللوتس .. تجعلك تسرح في الخيال لتشاهد حضارة هي أم الحضارات و تقنية و علم نصله اليوم و قد وصلوه في تلك الأعوام .. يا لها من قصة و أنت تشاهد المتاحف تشاهد الآثار .. آثار بصمات تنبهنا بعظمة الخالق وإرادة المخلوق ..
تنساب المياه لتشاهد نهر النيل .. ذلك الذي هو سبب الحضارات لا شيء أحلى من النيل سوى المزارع و الحقول و التي انتشرت حوله و حول ترعه لتشكل أجمل اللوحات .. دمنهور ورحلة مع محمود إلى الذي ألح علينا الحضور
لمنزله لبلدته .. ذهبنا إلى ذلك البلد الهادئ الجميل بعيداً عن ضوضاء المدينة ضوضاء الإسكندرية ولكن خاتمة المشوار أن طلب منا مضيفنا حق ضيافته لنا .. لا تسأل كم كان هذا موقفاً صعباً يمر و أنت لا تدري ماذا تفعل .
في القاهرة ليلة من الليالي و ككل الليالي يأتي آلاف العرسان إلى ميدان الجيزة ليصوروا .. الكثير من العرسان حولي و كثير من أضواء الكاميرات و الأحلى من ذلك الكل سعيد مبتهج .
مرسي أبو العباس كان محطتي .. جئته زائراً في مولد الرسول الكريم (( صلعم )) الأضواء .. الغناء .. الألعاب البهلوانية .. شيوخاً .. نساءا و رجالاً الكل يأتي للاحتفال .. تمسح الناس بالضريح .. وعدم مبالاتهم بحرمة المسجد يجعلك تقف موقف الذهول .. هناك و خلف المسجد مكتب المأذون الشرعي والكل اختار المناسبة لتكون مراسم زواجه .. فما أن تمر بجانب المكتب حتى تسمع الزغاريد و دق الدفوف لآلاف العرسان .
السيد قناوي أحد الإداريين بالشركة .. أديب و كاتب .. داخل الشركة كان صديقاً و أخاً .. أعجب بما أكتب وطلب مني الذهاب معه لأتعرف على الأديب الكاتب نجيب محفوظ .. كان الملتقى في مقهى سانت ستيفنو .. كتاب و كاتبات .. يجتمعون كل اثنين و أربعاء من كل أسبوع ليلتقوا بالكاتب الكبير .. كان يجلس وسط الحشد المجتمع .. مستمع جيد وناقد لاذع … جلست جانبه مرات عديدة تحاورنا و تناقشنا في أمور عدة .. الكل في الشارع المصري ينتقده بعد حصوله على جائزة نوبل للأدب ولكن حين تناقشت و إياه فيما كتب و ما ترتب عليه من تكفيره كان رده فوق مستوى تفكير الشارع المصري و العربي و حتى بالتأكيد تفكيري لأننا ننظر للإبداع من زاوية ضيقة .. ونخلط أمور الدنيا و الدين .. ولكم كان احترامه للدين و كلماته عن تقوى الله واضحة جلية .. الكتاب المتواجدين في ذلك المكان كانوا يتحدثون يتناقشون .. وينظرون على أنهم عيون على سير المجتمع … يحللون المواقف … يتدارسون الكلمات .. يتبادلون الآراء … وكأنهم يعيشون في كوكب غير كوكبنا الأرضي … كانت الأيام بينهم لا تنسى .
تعرفت أثناء حضوري لدورة متقدمة للكمبيوتر على العديد من الطلبة المصريين .. أن الطالب المصري شغوف للتعلم مثابر مجد .. يتحدى واقعة و ظروفه ليحسن من مستواه العلمي و يطور من تفكيره … انتقلت في تلك الفترة من بيوت الطلبة بالمدينة العلمية إلى شقة مفروشة أجرتها في سيدي جابر الشيخ بالإسكندرية .. كانت واسعة نظيفة مرتبة تمتلكها سيدة مصرية تسكن في الطابق الثاني .. ابنتها طالبة ثانوية عامة .. زوجها محامي يشتغل في ليبيا … المكان هنا هادئ مريح لا يزعجك إلا دقات باب لسائل عن تقديم أي مساعدة تذكر .. لعلم الجميع أن هذه الشقة تؤجر للسواح فقط ..
غادرت الإسكندرية متجهاً إلى دمياط .. ماراً بطنطا وتشتهر طنطا بوجود مقام للسيد بدوي مكان مزدحم ضوضاء الكل يتحدث و الكل يمشي .. دمياط مدينة ريفية .. تشتهر بصناعة الخشب قضيت فيها يومين لأتعرف على طبيعة و سلوك أهلها انتقلت إلى رأس البر و تحديداً إلى نادي المهندسين .. حيث الطبيعة الفاتنة هناك يلتقي النهر بالبحر و نظراً لارتفاع منسوب النهر فالنهر حلو و البحر مالح .. فسبحان الله .. خلود النيل سفينة .. سياحية تجوب بك النهر طولاً و عرضاً و تقدم أشهى المأكولات البحرية .. من دمياط انتقلت إلى بورسعيد المدينة السياحية والتي بها أحلى و أغلى البضائع .. وعند خروجك من المدينة توجد هيئة جمارك فالبضائع الموجودة غير مدعومة من الدولة .. عبرت قناة السويس وغادرت أفريقيا لأحط في آسيا و رجعت مسرعاً إلى بورسعيد لأعود مباشرة بعد رحلة طويلة إلى شقتي بالإسكندرية .. سيل من السهرات .. وآلاف الذكريات .. قصص و حكايات .. تركتها خلفي .. لأتجه إلى بلادي إلى أهلي وأصحابي .. قاطعاً عهداً على نفسي بأن أكرر رحلتي إلى مصر .
1994 م
لكل بداية نهاية ولكل قصة حكاية و حكايتي مع مصر حكاية من ألف حكاية...
بدايتها هنالك بالإسكندرية حيث لا أعرف أحداً في موطن مجهول .. نعم كانت مغامرةً وأحلى مغامرة ذكرياتها لا تحصى و مواقفها أجمل المواقف .. انتهت فجأةً وأنا من طلبت إنهائها .. فستين يومياً كافية لسيل من المغامرات ..
اليوم أجوب شوارع الإسكندرية .. أجوب شوارع المنشية .. حيث التجار و المحلات.. حيث الباعة الجوالون حيث الزحام .. الكل يخرج في الليل طلباً للسهر و المتعة .. والغريب أنه يمتد بهم السهر حتى الساعات الأولى من الفجر و الأغرب أنك تجد الكل في أعمالهم صباحاً .. لا يتخلفون.. لا يتأخرون .. هنا الأضواء والغناء والفنون دخلت مصادفةً إلى شارع ممتلئ بمحلات الذهب .. ما أن تمر بمحل حتى تسمع زغاريد النسوة معلنة عن أحلى الأحداث ياله من لحن جميل و ياله من منظر بديع .. يمر بجانبك بائع جوال يردد أجمل الألحان و يدفع عربيته الممتلئة بجميع الألوان والأصناف .. لا أحد يعرفني هنا و لا أتوقع أن ألتقي بأحد أعرفه .. ياله من بلد و ياله من جمال و ما أحلى ليالي الإسكندرية ..
انطلقت من هناك من بنغازي في حافلة تضم الكثير من الجنسيات .. هناك و على متنها تجار مصريون .. عائلة ليبية .. سعودي واحد.. و الباقي ركاب مصريون عدا فتاة ليبية متزوجة من مصري .. ركابها يدعون أنهم ليسوأ بتجار ولكنهم ( كلهم تجار) ، عند الحدود الليبية هناك محاذير كثيرة على البضائع .. أنزلوا كل ما في الحافلة من بضائع و صادروا منها ما صادروا . وأفرجوا عن الباقي .. والطرفة هنا أن ما أنزل في الحدود المصرية من بضائع كمية هائلة لا تصدق .. احترت حين رؤيتي لكل هذه البضائع التي هربت .. هل كنا و هذه البضائع في حافلة واحدة ؟؟ هل كان لنا متسع في الحافلة ؟؟ وأين هي الجيوب التي استطاعوا إخفاء كل هذه البضائع فيها؟؟ إجراءات روتينية في الحدود المصرية تريد حكمة إبراهيم وحيل إبليس .. مشاجرة كبيرة بين السعودي غريب الأطوار و الأمن
المصري كان مظلوماً .. و لكنه جلب المشاكل لنفسه .. وبعد علقة ساخنة .. أتموا إجراءاته و هاهو أمام القاعة يتحدث كأنه إمبراطور عصره و أنهم انهوا إجراءاته غصباً .. تشاجر مرةً أخرى مع أحد الركاب ثم نزل من الحافلة مدعياً أنه سيذهب وينتظر في القهوة .. فوقف غريمه المصري وبلسانهم المعهود و قال للجميع لا تزعجوه و إلا سيشتري القهوة .. غضب وتمتم بكلمات غريبة ثم غاب عنا قليلاً .. آه لقد اكشفني إنني ليبي و أنا أيضاً من فئته السامية و تحسر لأنه لم يعرفني قبلاً ..
لو تحدثنا عن الجمال فتتصدرها الطبيعة و على رأسها البحر .. يا له من منظر بديع و أنت تنزل الطريق إلى السلوم و صلنا إلى الإسكندرية .. والبحث عن أقرب هاتف للاتصال بخالد فلو علم أنني بحضوري و عدم اتصالي ستكون الطامة ..
في الإسكندرية وتحديداً بالدخلية مصنع الحديد و الصلب .. أٌقامته شركة يابانية
مصنع ضخم و نظام إدارته مميز .. أقمت بالمدينة العلمية في "عزبة سعد" هنالك كثيرون قدموا من بلدان مختلفة بقصد التدريب . ميرزو الطاجكستاني . طيب القلب و المعشر . رومانسي بهيلولا .. كم كانت الأيام معه جميلة يوم سفره لم أودعه لمعرفتي بأنه لا لقاء بيننا ثانية .. كان يكره مصر وأهل مصر نظافةً وسلوكاً .. لكنه عاشق للطبيعة للأهرامات و لشط الإبراهيمية .. محمود الأردني شاب بسيط جداً .. يحب الأشجار و الحدائق .. ورالف و ستيفن الألمانيان و سيل من الأرق والإرهاق بدا عليهما جراء رحلة اعتبراها رحلة من رحلات السندباد ..
ثالثهم فر سريعاً قبل مضي شهر واحد معنا .. جلال التركي .. أهبل .. مجنون من الخمر إلى النساء .. ولكن قلبه طيب ومعشره حسن .. يحب في تركيا فتاةً تكبره قبل مجيئه قالت له أنها ستتزوج ولكنها تحبه هو.. مدلل لأبعد الحدود . أيمن الأردني مغرور . سعودي الأصل .. كثير العلاقات .. غريب التصرفات ولكن ذكرياتي معه جميلة لأبعد الحدود ..
حوار مع أحد الزملاء بالشركة حول ليبيا .الشعب. الحصار. الوعي القومي . لم نصل في هذا الحوار إلا لنقطة واحدة و هي أن حالة بلادي اليوم تشابه أيام جمال عبد الناصر .. قال لي أنهم كانوا متحمسين وهو ممن كانوا يهتفون لعبد الناصر في الشوارع ..
وحين وفاته جن جنونه .. كيف ستحيى مصر ؟؟ وحين أتاهم السادات كان نعمة من السماء شعركم كان ساذجاً .. نقم على كل لحظة مرة به.. الكل يكره زمن عبد الناصر .. لا وجود للناصريين .. و يتعاطفون مع الشعب الليبي ويتمنون أن تحل كافة مشاكله السياسية ..
لم أتصور يوماً أن تكون مصر بهذه الحلاوة و أن يكون شعبها مسلم وطيب . الابتسامة لا تغادر الوجوه.. إنهم ليسوأ كمصريين ليبيا . هناك شحاذون .. نصابون و لكن كل بلد سياحية لا تخلوا من هذه الفئات يميز المصري أخلاقه و نعومته و لسانه الذي يلين به الحجر و يميز أهل الإسكندرية طيبة القلب ..
ذهبت للقاهرة .. أعجبتني الأهرامات .. عظمت البناء .. غموض و ألغاز.. شموخ أبوالهول .. جمال خوفو و خفرع .. عطور زهرة اللوتس .. تجعلك تسرح في الخيال لتشاهد حضارة هي أم الحضارات و تقنية و علم نصله اليوم و قد وصلوه في تلك الأعوام .. يا لها من قصة و أنت تشاهد المتاحف تشاهد الآثار .. آثار بصمات تنبهنا بعظمة الخالق وإرادة المخلوق ..
تنساب المياه لتشاهد نهر النيل .. ذلك الذي هو سبب الحضارات لا شيء أحلى من النيل سوى المزارع و الحقول و التي انتشرت حوله و حول ترعه لتشكل أجمل اللوحات .. دمنهور ورحلة مع محمود إلى الذي ألح علينا الحضور
لمنزله لبلدته .. ذهبنا إلى ذلك البلد الهادئ الجميل بعيداً عن ضوضاء المدينة ضوضاء الإسكندرية ولكن خاتمة المشوار أن طلب منا مضيفنا حق ضيافته لنا .. لا تسأل كم كان هذا موقفاً صعباً يمر و أنت لا تدري ماذا تفعل .
في القاهرة ليلة من الليالي و ككل الليالي يأتي آلاف العرسان إلى ميدان الجيزة ليصوروا .. الكثير من العرسان حولي و كثير من أضواء الكاميرات و الأحلى من ذلك الكل سعيد مبتهج .
مرسي أبو العباس كان محطتي .. جئته زائراً في مولد الرسول الكريم (( صلعم )) الأضواء .. الغناء .. الألعاب البهلوانية .. شيوخاً .. نساءا و رجالاً الكل يأتي للاحتفال .. تمسح الناس بالضريح .. وعدم مبالاتهم بحرمة المسجد يجعلك تقف موقف الذهول .. هناك و خلف المسجد مكتب المأذون الشرعي والكل اختار المناسبة لتكون مراسم زواجه .. فما أن تمر بجانب المكتب حتى تسمع الزغاريد و دق الدفوف لآلاف العرسان .
السيد قناوي أحد الإداريين بالشركة .. أديب و كاتب .. داخل الشركة كان صديقاً و أخاً .. أعجب بما أكتب وطلب مني الذهاب معه لأتعرف على الأديب الكاتب نجيب محفوظ .. كان الملتقى في مقهى سانت ستيفنو .. كتاب و كاتبات .. يجتمعون كل اثنين و أربعاء من كل أسبوع ليلتقوا بالكاتب الكبير .. كان يجلس وسط الحشد المجتمع .. مستمع جيد وناقد لاذع … جلست جانبه مرات عديدة تحاورنا و تناقشنا في أمور عدة .. الكل في الشارع المصري ينتقده بعد حصوله على جائزة نوبل للأدب ولكن حين تناقشت و إياه فيما كتب و ما ترتب عليه من تكفيره كان رده فوق مستوى تفكير الشارع المصري و العربي و حتى بالتأكيد تفكيري لأننا ننظر للإبداع من زاوية ضيقة .. ونخلط أمور الدنيا و الدين .. ولكم كان احترامه للدين و كلماته عن تقوى الله واضحة جلية .. الكتاب المتواجدين في ذلك المكان كانوا يتحدثون يتناقشون .. وينظرون على أنهم عيون على سير المجتمع … يحللون المواقف … يتدارسون الكلمات .. يتبادلون الآراء … وكأنهم يعيشون في كوكب غير كوكبنا الأرضي … كانت الأيام بينهم لا تنسى .
تعرفت أثناء حضوري لدورة متقدمة للكمبيوتر على العديد من الطلبة المصريين .. أن الطالب المصري شغوف للتعلم مثابر مجد .. يتحدى واقعة و ظروفه ليحسن من مستواه العلمي و يطور من تفكيره … انتقلت في تلك الفترة من بيوت الطلبة بالمدينة العلمية إلى شقة مفروشة أجرتها في سيدي جابر الشيخ بالإسكندرية .. كانت واسعة نظيفة مرتبة تمتلكها سيدة مصرية تسكن في الطابق الثاني .. ابنتها طالبة ثانوية عامة .. زوجها محامي يشتغل في ليبيا … المكان هنا هادئ مريح لا يزعجك إلا دقات باب لسائل عن تقديم أي مساعدة تذكر .. لعلم الجميع أن هذه الشقة تؤجر للسواح فقط ..
غادرت الإسكندرية متجهاً إلى دمياط .. ماراً بطنطا وتشتهر طنطا بوجود مقام للسيد بدوي مكان مزدحم ضوضاء الكل يتحدث و الكل يمشي .. دمياط مدينة ريفية .. تشتهر بصناعة الخشب قضيت فيها يومين لأتعرف على طبيعة و سلوك أهلها انتقلت إلى رأس البر و تحديداً إلى نادي المهندسين .. حيث الطبيعة الفاتنة هناك يلتقي النهر بالبحر و نظراً لارتفاع منسوب النهر فالنهر حلو و البحر مالح .. فسبحان الله .. خلود النيل سفينة .. سياحية تجوب بك النهر طولاً و عرضاً و تقدم أشهى المأكولات البحرية .. من دمياط انتقلت إلى بورسعيد المدينة السياحية والتي بها أحلى و أغلى البضائع .. وعند خروجك من المدينة توجد هيئة جمارك فالبضائع الموجودة غير مدعومة من الدولة .. عبرت قناة السويس وغادرت أفريقيا لأحط في آسيا و رجعت مسرعاً إلى بورسعيد لأعود مباشرة بعد رحلة طويلة إلى شقتي بالإسكندرية .. سيل من السهرات .. وآلاف الذكريات .. قصص و حكايات .. تركتها خلفي .. لأتجه إلى بلادي إلى أهلي وأصحابي .. قاطعاً عهداً على نفسي بأن أكرر رحلتي إلى مصر .
1994 م