PDA

View Full Version : حسن الترابي


الغرضون
11-04-2001, 04:56 AM
عائلة الترابي من قرية شمال الخرطوم اسمها "ود الترابي" يعمل أهلها بزراعة الأرض، أما الدكتور حسن فقد ولد عام 1932 في مدينة كسلا - شرقي السودان - حيث كان أبوه الشيخ عبد الـلـه قاضياً في هذه المدينة، وكان رحمه الـلـه رجلاً فاضلاً عالماً يتمتع بسمعة طيبة بين الناس.
عمل الشيخ عبد الـلـه على تربية وتعليم ابنه منذ صغره، ويرجع سبب موقف الابن السلبي من كتب التفسير (وخاصة القرطبي) والحديث-التي يتحدث عنها بالنقد واللمز-إلـى حِرْص والده على تدريسها له.
كان الترابي الابن ذكياً ومتفوقاً على أقرانه، وكان في ثانوية "حنتوب" الأول في جميع فصول الدراسة، كما أنه كان متعدد المواهب، ومن هذه المواهب قدرته الفائقة على التمثيل والتي لا يزال أقرانه يتحدثون عنها، ويبدو أن الرجل السياسي لابد أن تكون عنده قدرة على التمثيل، ومن هنا نعلم لماذا كان بعض كبار قادة العالم ممثلين في مرحلة من مراحل سني عمرهم.
لم يكن للدكتور حسن الترابي صلة بالدعاة والجماعات الإسلامية طوال مراحل دراسته في ثانوية حنتوب، وفي كلية القانون - الخرطوم - التي تخرج منها عام 1955، وكذلك كان حاله خلال دراسته في بريطانيا عام 1955 - 1957 حيث حصل فيها على شهادة الماجستير في القانون، وخلال دراسته أيضاً في السوربون بباريس التي حصل منها على شهادة الدكتوراه في الحقوق الدستورية - كما يقال - عام 1962. لم يكن للترابي طوال هذه الفترة أنشطة إسلامية، الـلـهم إلا لقاءات له مع بعض الشخصيات الإسلامية التي كانت تتردد على كل من بريطانيا وفرنسا.
صلة الترابي مع الجماعات الإسلامية ومع الإخوان المسلمين بالذات ظهرت دفعة واحدة في عام 1964 من خلال مشاركته الفعالة في قيادة ثورة أكتوبر الشعبية ضد الحاكم العسكري - إبراهيم عبود - والتي انتهت بسقوط النظام العسكري وقيام حكم برلماني.
جماعة الإخوان المسلمين كانت قد بدأت نشاطها في السودان عام 1954، وفيها رجال مؤسسون أكبر من الترابي سناً وخبرة، فكيف تخلوا عن المسؤولية وقدموها لشخص لا تتوفر فيه شروط قيادة مثل هذه الجماعة؟ هل السبب عبقرية الترابي وذكاؤه المتقد، وكونه يحمل شهادة الدكتوراه في الحقوق، ربما لأن الناس في تلك المرحلة كان تفتنهم الوجاهة والألقاب العلمية.
من جهة أخرى: فإنني أستغرب تضخيم الإخوة السودانيين لثورة أكتوبر الشعبية، وتضخيم الإسلاميين لدور الترابي فيها، فما كان لهذه الثورة أن تنجح لولا تحرك الشارع السوداني على مختلف فئاته وأحزابه، وصدور بيانين: الأول عن إمام المهدية، والثاني عن إمام الختمية يدعمان الموقف الشعبي، وتأييد مجموعة مهمة من ضباط الجيش، ثم تنازل إبراهيم عبود أمام هذا الضغط الشعبي، ولم يكن دور الترابي كعميد لكلية القانون يختلف عن دور زعيم الحزب الشيوعي، وإلا فـلماذا لم يبرز اسم الشيخ محمد صالح عمر – أحد أقطاب جماعة الإخوان المسلمين-بمثل الزخم الذي برز فيه اسم الترابي، مع أنه كان له دور مهم في هذه الثورة، وتولى في حكومة سر الختم الخليفة التي تشكلت بعد سقوط عبود وزارة الثروة الحيوانية؟!.
أسس الترابي (1965 - 1969) بالتعاون مع بعض الجماعات الإسلامية حزباً سموه: "جبهة الميثاق الإسلامي"، وخاضت الجبهة انتخابات 1965، وحازت على سبعة مقاعد، وكانت هذه أول تجربة لهم في هذا المضمار.
كان الترابي في هذه المرحلة (1965 - 1969) زعيماً لجماعة الإخوان المسلمين، وفي الوقت نفسه لم يكن مقتنعاً بفكر الإخوان، لكنه ما كان يواجههم بما يكرهون، فإذا سألوه: لماذا لا نستشير الإخوان في مصر أو في البلاد العربية، قال لهم بكل دهاء: ظروفنا في السودان تختلف عن ظروف وأوضاع الإخوان في البلاد العربية، وكان بعضهم يقبل منه هذا الرد، أما البعض الآخر فقد كانت تراوده الشكوك - وهؤلاء قلة -، وآحاد من الإخوان كانوا يتخوفون من الأفكار العقدية المنحرفة التي يسمعونـها من الترابي، وتحول تعدد الآراء إلى تيارين داخل الإخوان، تحدث الدكتور عبد الوهاب الأفندي عن هذا الصراع في كتابه "ثورة الترابي، الإسلام والسلطة في السودان" فقال:
"ومثلما تميزت الحركة في هذه الفترة بالعديد من السمات الإيجابية، إلا أنـها عانت من بعض المشكلات؛ أبرز صور المعاناة تمثل في الصراع بين تياري العقل المفتوح (السياسيين)، والانكماشيين (التربويين)، وكانت الحركة قد شهدت تصاعداً واضحاً للصراع بين هذين التيارين، ابتداء من مؤتمر سنة 1954 وانتهاء بمؤتمر سنة 1969، والذي بدا واضحاً فيه أن تيار السياسيين قد كسب الصراع، وكانت مادة هذا الصراع هي رغبة السياسيين دخول المعترك السياسي بكل تعقيداته، وتطوير الحركة في هذا الاتجاه، في مقابل رغبة التربويين في التركيز على بناء الفرد وتربيته، مما كان يعني مزيداً من انكفاء الحركة على نفسها وتقليصاً لحضورها السياسي. مع هذا الصراع برزت إلى السطح ظاهرة الانسحاب إلى الظل، متمثلة في استقالة أكثر من زعيم للحركة من رموز تيار التربويين من مقعد القيادة، وانسحابه إلى الظل تحت ضغط الصراع المحتدم بين التيارين، إلا أنه كان واضحاً كذلك عند انفضاض مؤتمر 1969، أن الترابي قد حسم بصورة قاطعة قيادة الحركة لصالحه، بما أظهره من قدرات تنظيمية وتفوق فكري" اهـ.
الذي يهمني فيما نقلته عن الأفندي تأكيده بأن الترابي كان يقود صراعاً داخل الإخوان منذ الستينيات وأن هذا الصراع قد حسم لمصلحته، أما وصفه للتيار المخالف للترابي بأنه "انكماشي" وقوله عنهم: "في مقابل رغبة التربويين في التركيز على بناء الفرد وتربيته"، فهذه من قبيل جرأة الأخ الأفندي في قضايا تحتاج إلى دراسة وتمحيص قبل إطلاق الأحكام، والذي أعلمه أنه لا ينجح في ميادين العمل السياسي الإسلامي إلا الدعاة الذين تربوا تربية عالية، وهذا الذي ربى المصطفى أصحابه عليه، أما العمل السياسي من غير تربية وإعداد، فهذه هي ثمراته في السودان، ونحن نقرأ اليوم للأفندي نقداً شديداً لهم ولشيخهم الترابي الذي كان بالأمس معجباً به وبأسلوبه ومنهجه.
وأما قوله عن المخالفين للترابي: "مع هذا الصراع برزت إلى السطح ظاهرة الانسحاب إلى الظل، متمثلة في أكثر من زعيم للحركة من رموز تيار التربويين من مقعد القيادة، وانسحابه إلى الظل تحت ضغط الصراع المحتدم بين التيارين"، فهذا أيضاً من قبيل تفسير المريد المعجب بشيخه ومواقفه في كل قضية تتصل بخلافاته مع مريديه وبشكل أخص مع من يتمرد منهم على أفكاره وتعليماته.. وسيأتي الحديث عن مهارة الترابي في البطش بزملائه وأترابه الذين لا يؤمِّنون على كل ما يقول، ويتجرأون على مناقشته وبيان أخطائه .. وإنني من منطلق إعجابي بذكاء الأخ الأفندي أرجو منه أن يكون وقافاً عند حدود الـلـه، يتحرى معرفة الحلال من الحرام بأدلته، وعندي أمثلة أخرى على تجاوزاته الشرعية لا مجال لذكرها في هذا الموضع.
تعليق: كان الترابي وحواريوه يديرون تنظيم الإخوان المسلمين منذ بداية انقلاب مايو 1969، ومما رفع من شعبيته في أوساط التنظيم دخوله السجن، لاسيما وأن الإنسان العادي يصبح بطلاً في أعين محبيه عندما يدخل السجن، فكيف بمن هو في وزن حسن الترابي؟!.
ومن منطلق معرفتي لبعض الإخوة الذين نشطوا في الصلح والحرب أقول: لم تكن هناك دراسة شرعية لحكم التمرد الذي شاركوا فيه في جزيرة "أبا"، ولا لحكم المشاركة في جبهة وطنية من أجل استعادة الوضع الديموقراطي، ولا لحكم تكوين "ميليشيا" في ليبيا والدخول في قتال مع الجيش السوداني عام 1976 من أجل إسقاط النظام، ولا لحكم التعاون مع النظامين: السعودي والليبي مع أن معمر القذافي كان قد أسفر عن وجهه وأعلن حرباً لا هوادة فيها ضد السنة النبوية، وضد كل من يدافع عنها من العلماء والدعاة، وقتل عدداً منهم. وأنا هنا أضرب مثالين على ذلك:
الأول: التقيت عام 1973 مع الأخ المسؤول عن جماعة الترابي في الجبهة الوطنية، وخلاصة ما سمعته منه: الجبهة الوطنية إنجاز رائع عجزت الجماعات الإسلامية في البلدان العربية عن صنع مثيل له، والأحزاب والهيئات المشاركة فيها مقتنعة بوجوب تحكيم الشريعة الإسلامية عندما يتم لنا إسقاط النظام العسكري، وفضلاً عن هذا وذاك كان الأخ يشعر بأن زملاءه في الجبهة الوطنية أقرب إليه وأهم عنده من قادةٍ ودعاةٍ في البلاد العربية، وعندما سألته عن شرعية تعاونـهم مع كل من السعودية وليبيا استخف بي لأنني - حسب رأيه - رجلٌ متخلف ولا علم لي بالسياسة والتحالفات، بقي أن يعلم القارئ الكريم أن هذا السياسي المثقف اختلف مع شيخه ولم يعد له أي دور لا في الدعوة ولا في السياسة وأصبح مشغولاً بأعماله الخاصة.
الثاني: زرت أحد القادة التاريخيين للإخوان في السودان، وكان يعيش في المنفى، وسألته عما سمعته عن أمر هذه المصالحة، فأجاب: سمعت بخبرها كما سمعت أنت وغيرك، وفهمت منه - بطريقة لا تخلو من تحفظ - أن الترابي لم يستشر قيادة الجماعة، وعندما دعي أجاب وأبرم وحده الاتفاق مع النظام.
انفرط عقد الجبهة الوطنية بعد هذه المصالحة التي لم تحقق هدفها في عودة النظام الديموقراطي، وجرَّ الترابي إخوان السودان وراءه ليصبحوا جزءاً هامشياً من النظام العسكري الذي خرجوا عليه بسبب مروقه من الدين، وكانوا يعتبرون زعيمه طاغوتاً من الطواغيت.
وأسند نميري للترابي حقيبة وزارة العدل، وبموجب هذه الحقيبة أصبح المدعي العام الاشتراكي، ولهذه الوظيفة تبعاتـها المؤسفة، ومن ذلك أن الذين يعارضون النظام أو يخرجون عليه، لابد وأن تحال ملفاتـهم إلى الجهة التي يتولى الترابي رئاستها.
والأشد مرارة أن الترابي أصبح الأمين العام المساعد للاتحاد الاشتراكي (اسم الحزب الحاكم)، وأصبح أصحابه من الإخوان أعضاء في هذا الحزب، عفواً قارئي الكريم هذه هي الحقيقة أبسطها بين يديك لتعلم انتهازية الرجل وتناقضاته، ومع ذلك فإن أصحابه عندما يقوِّمون هذه المرحلة يعتبرون مواقف الترابي قمة شاهقة في النضوج والعطاء؛وعموماً ها نحن ننتظر ما ستسفر عنه الأيام بشأن تداعيات الخلاف بين البشير وحسن الترابي .. وكما قال الشاعر العربي:إن غدا لناظره قريب!!!