painter
07-03-2002, 02:21 AM
بقلم: زياد الصالح
لعل أبرز ما أحدثته التصريحات التي أدلى بها ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز الى الصحفي الامريكي المعروف توماس فريدمان ونشرتها صحيفة نيويورك تايمز، إنها أنتجت صدمة كانت مطلوبة وضرورية، ليس للواقع العربي الذي يمر في ظروف متداعية على كافة الصعد والميادين مع الأسف فقط، وانما للمجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية، التي باتت القطب الأوحد في العالم، لإبداء مزيد من الاهتمام بما يجري في الأراضي الفلسطينية من حمامات دم وأعمال عنف وتدمير، وهجمات عسكرية تواصل حكومة شارون انتهاجها بعناد وعنجهية، الأمر الذي يعرض المنطقة العربية الى أعلى درجات التوتر، ليس من اليسير السيطرة عليها واحتوائها مستقبلا.
وتكمن الأهمية السياسية في دعوة الأمير عبد الله، أنها تفصح لاول مرة في تأريخ الصراع العربي الإسرائيلي، عن وضوح في الرؤية العربية إزاء ما تشهده الأراضي الفلسطينية، ومستقبل الأوضاع في المنطقة، وتمثل الدعوة أيضا استجابة لمقتضيات التعايش السلمي الذي نادت به الامم المتحدة في ميثاقها الأساسي، وما تدعو إليه الأسرة الدولية في قراراتها، وما تصر عليه الولايات المتحدة الامريكية عبر مواقفها المعلنة على الأقل، وخاصة في أعقاب تفجيرات واشنطن ونيويورك في الحادي عشر من سبتمبر الماضي، التي عكست في جانب منها عن حجم الغضب إزاء السياسات الامريكية في المنطقة العربية، استغلته جماعات خارجة على القانون ووظفته لصالحها، كما اعترفت بذلك الأوساط السياسية والصحفية في واشنطن ذاتها.
فليس من المعقول ان تعلن الإدارة الامريكية الحرب على الإرهاب والإرهابيين في العالم، وتسعى الى إرساء تحالف دولي متين لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة كما تسميها، وتدعو الدول العربية الى الانضواء إليه، وترسل قواتها الى العديد من الدول والمناطق خارج حدودها، في أفغانستان والفلبين والصومال وتستعد لإرسال المزيد منها الى مناطق أخرى لاحقا، وهي ما تزال تغض الطرف عما يجري في فلسطين ، وتساوي بين معسكر الإرهاب الذي يقوده الجنرال شارون، وبين دعاة الحقوق المشروعة الذين ينشدون السلام ويبدون أقصى درجات المرونة والاستعداد للتفاوض والبحث عن أفضل الحلول والوسائل لتكريس الاستقرار وضمان مبادئ العدل والإنصاف لشعب سلبت حقوقه واحتلت أرضه ويناضل للحفاظ على البقية الباقية منها لإنشاء دولته المستقلة عليها.
وبالتأكيد.. فأن دعوة الأمير عبدالله التي جاءت في توقيت مناسب، ووسط حالة من الصمت العربي والاستخفاف الدولي بما يجري للشعب الفلسطيني، ستكون لها انعكاسات متباينة ومواقف مختلفة خصوصاً بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة بالدرجة الأولى، ودول أوربا وروسيا والصين والأسرة الدولية بعد ذلك، على اعتبار ان ولي العهد السعودي قد ضمن مسبقاً التأييد العربي لطروحاته التي باتت تشكل مبادرة تحظى بالتأييد الجماعي من الدول العربية والإسلامية ومساندة السلطة الفلسطينية، فالأمير العربي رمى الكرة الآن في الملعبين الإسرائيلي والأمريكي، وأصبح لزاماً على الطرفين ان يتعاملا مع المبادرة وكأنها حقيقة واقعة لابد من التعاطي معها بطريقة إيجابية، وإلا فأن المنطقة العربية ستكون على أبواب مرحلة خطيرة في تداعياتها وآثارها، وسيكون من المستحيل على الإدارة الامريكية النجاح في برنامجها العولمي ضمن ما تطلق عليه بالنظام الدولي الجديد، وتطالب الجميع بالانخراط فيه، ملوحة بمزاياه ونتائجه التي تقول عنها بأنها يكفلان حرية للشعوب واستقراراً وتقدماً لها بدون استثناء..!
فالمطلوب من إدارة الرئيس بوش ليس إبداء مشاعر طيبة وارتياح أعلامي لمبادرة الأمير عبدالله، كما جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الامريكية ريتشارد باوتشر في معرض تعليقه على أصداء المبادرة في الأوساط الرسمية في واشنطن، وانما العمل على إنجاز مستلزمات نجاحها، وهذا يستدعي منها ممارسة ضغوط على الجنرال شارون لوقف مشاريعه العدوانية على الفلسطينيين ، وإلزام حكومته بالتقيد بحلول تؤمن الحقوق المشروعة لهم في إعلان دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، وهي حقوق سبق للأمم المتحدة والمجتمع الدولي الاعتراف بها في سلسلة قرارات لم يجف حبرها بعد.
وليس مطلوباً من واشنطن أيضاً ان تقابل هذه المبادرة بإيجابية على الصعيد الإعلامي فقط، وتصفها بأنها مهمة وحيوية، بل هي مطالبة بتجسيد هذا القبول بخطوات ملموسة وواضحة، سواء على صعيد علاقاتها مع اسرائيل أو من خلال مسؤوليتها كطرف أساسي في رعاية المفاوضات السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وسحب دعمها وتأييدها للجنرال شارون الذي تؤكد جميع المؤشرات انه يعيش أيامه السياسية الأخيرة في أعقاب فشل برنامجه التصفوي للقضية الفلسطينية، وعجزه عن تنفيذ اجندته الليكودية التي لوح بها خلال حملته الانتخابية التي أوصلته الى رئاسة الحكومة الإسرائيلية.
فشارون كما أوضحت وقائع العام الأول من وجوده على راس الحكم في اسرائيل يعاني من مأزق داخلي حتى مع حزبه الذي بدأ ينشط لإحلال نتنياهو بدلاً عنه، لتفادي السقوط الذي ينتظر الليكود في حال استمرار شارون في زعامته، فيما انطلقت أصوات مؤثرة من قطاعات مهمة في اسرائيل، من ضمنها الآلة العسكرية، تبدي مخاوفها من سياساته الراهنة ومخاطرها على مستقبل اسرائيل.
ويعيش شارون أيضا أزمة مع دول الاتحاد الأوربي التي كانت الى أمد قصير الداعمة الأساسية لإسرائيل على صعيد التمويل والتبرع والمساندة السياسية، فالزيارات التي قام بها المبعوثون الأوربيون الى المنطقة، واطلاعهم عن كثب على ما يجري في الأراضي الفلسطينية، أوجدا موقفاً اوربياً جامعاً يتسم بالموضوعية ويدعو الى ضرورة وقف الهجمات الإسرائيلية وكبح جماح شارون التدميري للسلام، والعودة الى مائدة المفاوضات ليأخذ كل طرف حقوقه بعيداً عن القوة والتهديد.
وعلى الصعيد الإقليمي لإسرائيل أي العربي فان السياسات التي اتبعها شارون منذ وصوله الى السلطة، ومحاولاته المحمومة للقضاء على السلطة الفلسطينية ، والاستعداء على الدول العربية حتى تلك التي لها علاقات دبلوماسية أو تجارية مع اسرائيل، خلقت أجواء معيقة بعثرت كل الجهود التي بذلتها الحكومات الإسرائيلية التي سبقته، على صعيد التطبيع وطي صفحات الماضي.
أن الفرصة أصبحت سانحة الآن أمام صناع القرار الامريكي ونظرائهم في اسرائيل للتجاوب مع المبادرة السعودية التي لوح بها الأمير عبدالله ، باعتبارها تمثل إرادة عربية تطمح الى السلام العادل وتثبيت أسسه على دعائم ثابتة بدون لف أو غموض، وهذا يتطلب من واشنطن تقييم مواقفها السابقة واستيعاب الرسالة وما تضمنته من أفكار ورؤى وحاجات، والتعاطي معها بقدر من الاهتمام ينقلها الى التطبيق العملي بلا تلكوء، خصوصاً وان جولة نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني للمنطقة على الأبواب، ويمكن استثمارها بما يؤدي الى إيجاد صيغة ملزمة تجاه الحكومة الإسرائيلية على الاستجابة والرضوخ لمضامين الرسالة المبادرة، وإلا فانه سيكون من العسير على المسؤول الامريكي الذي يسعى الى حشد التأييد لسياسات بلاده في مواجهة العراق، النجاح في مهمته التي تبني عليها واشنطن أمالاً عريضة.
وما دامت التحضيرات قائمة على قدم وساق لعقد القمة العربية في العاصمة اللبنانية نهاية مارس الحالي، فان الفرصة تبدو متاحة أمام الإدارة الامريكية اكثر من أي وقت مضى، للتعامل مع دعوة الأمير عبدالله بجدية تضمن رفع الحصارات التي تضربها اسرائيل على المدن والقيادات الفلسطينية ووقف الهجمات العسكرية وإلغاء الإجراءات الامنية، والإعلان الصريح من جانب الحكومة الإسرائيلية بنبذ العنف والعودة الى طاولة المفاوضات مع التزامها بالاتفاقيات التي جرت مع الجانب الفلسطيني في أوقات سابقة، والقبول المسبق بإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، وعدم التدخل في شؤونها وتفكيك المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة باعتبارها بؤر توتر وتهديد لعملية السلام والأمن.
ان الاجتماع المقبل للرؤساء والقادة العربي في بيروت، سيكون حاسماً في تحديد مستقبل العلاقات العربية الامريكية التي تترنح حالياً تحت وطأة مشكلات فقدان الثقة المتبادلة وغياب الحياد والنزاهة لدى الجانب الامريكي إزاء القضية الفلسطينية، الأمر الذي يفرض استحقاقات متقابلة تتطلب من واشنطن ان تتخذ هي الأخرى مبادرة تتفق مع منطلقات دعوة الأمير عبدالله وتلتقي معها، بما يلبي الحاجة الى حل دائم وعادل للشعب الفلسطيني وتطلعاته المشروعة، ويؤمن استقرارً في المنطقة وسلاماً يعم الجميع، وبعكس ذلك فان الولايات المتحدة الامريكية ستجد نفسها اكثر عزلة من السابق، واكثر تورطاً في أزمات ومآزق لاحقة، وبالتالي فان جميع جهودها على صعيد تطوير علاقاتها وتوسيع تعاونها مع الدول العربية وسعيها الى بناء تحالف دولي لمواجهة الإرهاب، سيكون مصيره الانهيار.
لقد أطلق الأمير عبدالله مبادرة تستحق موقفاً مسؤولاً وتجاوباً مطلوباً من الإدارة الامريكية، وعليها ألا تفوت هذه الفرصة الثمينة، وإلا فإنها ستكون وحدها الخاسرة، ومثل هذه الخسارات لا يمكن تعويضها فيما بعد، فهل ستتحرك أم تظل أسيرة لحالة التفرج وانتظار المجهول!؟
* نائب المدير الإقليمي للإتحاد العالمي للإعلام وإستطلاعات الرأي- لندن.
لعل أبرز ما أحدثته التصريحات التي أدلى بها ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز الى الصحفي الامريكي المعروف توماس فريدمان ونشرتها صحيفة نيويورك تايمز، إنها أنتجت صدمة كانت مطلوبة وضرورية، ليس للواقع العربي الذي يمر في ظروف متداعية على كافة الصعد والميادين مع الأسف فقط، وانما للمجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية، التي باتت القطب الأوحد في العالم، لإبداء مزيد من الاهتمام بما يجري في الأراضي الفلسطينية من حمامات دم وأعمال عنف وتدمير، وهجمات عسكرية تواصل حكومة شارون انتهاجها بعناد وعنجهية، الأمر الذي يعرض المنطقة العربية الى أعلى درجات التوتر، ليس من اليسير السيطرة عليها واحتوائها مستقبلا.
وتكمن الأهمية السياسية في دعوة الأمير عبد الله، أنها تفصح لاول مرة في تأريخ الصراع العربي الإسرائيلي، عن وضوح في الرؤية العربية إزاء ما تشهده الأراضي الفلسطينية، ومستقبل الأوضاع في المنطقة، وتمثل الدعوة أيضا استجابة لمقتضيات التعايش السلمي الذي نادت به الامم المتحدة في ميثاقها الأساسي، وما تدعو إليه الأسرة الدولية في قراراتها، وما تصر عليه الولايات المتحدة الامريكية عبر مواقفها المعلنة على الأقل، وخاصة في أعقاب تفجيرات واشنطن ونيويورك في الحادي عشر من سبتمبر الماضي، التي عكست في جانب منها عن حجم الغضب إزاء السياسات الامريكية في المنطقة العربية، استغلته جماعات خارجة على القانون ووظفته لصالحها، كما اعترفت بذلك الأوساط السياسية والصحفية في واشنطن ذاتها.
فليس من المعقول ان تعلن الإدارة الامريكية الحرب على الإرهاب والإرهابيين في العالم، وتسعى الى إرساء تحالف دولي متين لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة كما تسميها، وتدعو الدول العربية الى الانضواء إليه، وترسل قواتها الى العديد من الدول والمناطق خارج حدودها، في أفغانستان والفلبين والصومال وتستعد لإرسال المزيد منها الى مناطق أخرى لاحقا، وهي ما تزال تغض الطرف عما يجري في فلسطين ، وتساوي بين معسكر الإرهاب الذي يقوده الجنرال شارون، وبين دعاة الحقوق المشروعة الذين ينشدون السلام ويبدون أقصى درجات المرونة والاستعداد للتفاوض والبحث عن أفضل الحلول والوسائل لتكريس الاستقرار وضمان مبادئ العدل والإنصاف لشعب سلبت حقوقه واحتلت أرضه ويناضل للحفاظ على البقية الباقية منها لإنشاء دولته المستقلة عليها.
وبالتأكيد.. فأن دعوة الأمير عبدالله التي جاءت في توقيت مناسب، ووسط حالة من الصمت العربي والاستخفاف الدولي بما يجري للشعب الفلسطيني، ستكون لها انعكاسات متباينة ومواقف مختلفة خصوصاً بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة بالدرجة الأولى، ودول أوربا وروسيا والصين والأسرة الدولية بعد ذلك، على اعتبار ان ولي العهد السعودي قد ضمن مسبقاً التأييد العربي لطروحاته التي باتت تشكل مبادرة تحظى بالتأييد الجماعي من الدول العربية والإسلامية ومساندة السلطة الفلسطينية، فالأمير العربي رمى الكرة الآن في الملعبين الإسرائيلي والأمريكي، وأصبح لزاماً على الطرفين ان يتعاملا مع المبادرة وكأنها حقيقة واقعة لابد من التعاطي معها بطريقة إيجابية، وإلا فأن المنطقة العربية ستكون على أبواب مرحلة خطيرة في تداعياتها وآثارها، وسيكون من المستحيل على الإدارة الامريكية النجاح في برنامجها العولمي ضمن ما تطلق عليه بالنظام الدولي الجديد، وتطالب الجميع بالانخراط فيه، ملوحة بمزاياه ونتائجه التي تقول عنها بأنها يكفلان حرية للشعوب واستقراراً وتقدماً لها بدون استثناء..!
فالمطلوب من إدارة الرئيس بوش ليس إبداء مشاعر طيبة وارتياح أعلامي لمبادرة الأمير عبدالله، كما جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الامريكية ريتشارد باوتشر في معرض تعليقه على أصداء المبادرة في الأوساط الرسمية في واشنطن، وانما العمل على إنجاز مستلزمات نجاحها، وهذا يستدعي منها ممارسة ضغوط على الجنرال شارون لوقف مشاريعه العدوانية على الفلسطينيين ، وإلزام حكومته بالتقيد بحلول تؤمن الحقوق المشروعة لهم في إعلان دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، وهي حقوق سبق للأمم المتحدة والمجتمع الدولي الاعتراف بها في سلسلة قرارات لم يجف حبرها بعد.
وليس مطلوباً من واشنطن أيضاً ان تقابل هذه المبادرة بإيجابية على الصعيد الإعلامي فقط، وتصفها بأنها مهمة وحيوية، بل هي مطالبة بتجسيد هذا القبول بخطوات ملموسة وواضحة، سواء على صعيد علاقاتها مع اسرائيل أو من خلال مسؤوليتها كطرف أساسي في رعاية المفاوضات السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وسحب دعمها وتأييدها للجنرال شارون الذي تؤكد جميع المؤشرات انه يعيش أيامه السياسية الأخيرة في أعقاب فشل برنامجه التصفوي للقضية الفلسطينية، وعجزه عن تنفيذ اجندته الليكودية التي لوح بها خلال حملته الانتخابية التي أوصلته الى رئاسة الحكومة الإسرائيلية.
فشارون كما أوضحت وقائع العام الأول من وجوده على راس الحكم في اسرائيل يعاني من مأزق داخلي حتى مع حزبه الذي بدأ ينشط لإحلال نتنياهو بدلاً عنه، لتفادي السقوط الذي ينتظر الليكود في حال استمرار شارون في زعامته، فيما انطلقت أصوات مؤثرة من قطاعات مهمة في اسرائيل، من ضمنها الآلة العسكرية، تبدي مخاوفها من سياساته الراهنة ومخاطرها على مستقبل اسرائيل.
ويعيش شارون أيضا أزمة مع دول الاتحاد الأوربي التي كانت الى أمد قصير الداعمة الأساسية لإسرائيل على صعيد التمويل والتبرع والمساندة السياسية، فالزيارات التي قام بها المبعوثون الأوربيون الى المنطقة، واطلاعهم عن كثب على ما يجري في الأراضي الفلسطينية، أوجدا موقفاً اوربياً جامعاً يتسم بالموضوعية ويدعو الى ضرورة وقف الهجمات الإسرائيلية وكبح جماح شارون التدميري للسلام، والعودة الى مائدة المفاوضات ليأخذ كل طرف حقوقه بعيداً عن القوة والتهديد.
وعلى الصعيد الإقليمي لإسرائيل أي العربي فان السياسات التي اتبعها شارون منذ وصوله الى السلطة، ومحاولاته المحمومة للقضاء على السلطة الفلسطينية ، والاستعداء على الدول العربية حتى تلك التي لها علاقات دبلوماسية أو تجارية مع اسرائيل، خلقت أجواء معيقة بعثرت كل الجهود التي بذلتها الحكومات الإسرائيلية التي سبقته، على صعيد التطبيع وطي صفحات الماضي.
أن الفرصة أصبحت سانحة الآن أمام صناع القرار الامريكي ونظرائهم في اسرائيل للتجاوب مع المبادرة السعودية التي لوح بها الأمير عبدالله ، باعتبارها تمثل إرادة عربية تطمح الى السلام العادل وتثبيت أسسه على دعائم ثابتة بدون لف أو غموض، وهذا يتطلب من واشنطن تقييم مواقفها السابقة واستيعاب الرسالة وما تضمنته من أفكار ورؤى وحاجات، والتعاطي معها بقدر من الاهتمام ينقلها الى التطبيق العملي بلا تلكوء، خصوصاً وان جولة نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني للمنطقة على الأبواب، ويمكن استثمارها بما يؤدي الى إيجاد صيغة ملزمة تجاه الحكومة الإسرائيلية على الاستجابة والرضوخ لمضامين الرسالة المبادرة، وإلا فانه سيكون من العسير على المسؤول الامريكي الذي يسعى الى حشد التأييد لسياسات بلاده في مواجهة العراق، النجاح في مهمته التي تبني عليها واشنطن أمالاً عريضة.
وما دامت التحضيرات قائمة على قدم وساق لعقد القمة العربية في العاصمة اللبنانية نهاية مارس الحالي، فان الفرصة تبدو متاحة أمام الإدارة الامريكية اكثر من أي وقت مضى، للتعامل مع دعوة الأمير عبدالله بجدية تضمن رفع الحصارات التي تضربها اسرائيل على المدن والقيادات الفلسطينية ووقف الهجمات العسكرية وإلغاء الإجراءات الامنية، والإعلان الصريح من جانب الحكومة الإسرائيلية بنبذ العنف والعودة الى طاولة المفاوضات مع التزامها بالاتفاقيات التي جرت مع الجانب الفلسطيني في أوقات سابقة، والقبول المسبق بإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، وعدم التدخل في شؤونها وتفكيك المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة باعتبارها بؤر توتر وتهديد لعملية السلام والأمن.
ان الاجتماع المقبل للرؤساء والقادة العربي في بيروت، سيكون حاسماً في تحديد مستقبل العلاقات العربية الامريكية التي تترنح حالياً تحت وطأة مشكلات فقدان الثقة المتبادلة وغياب الحياد والنزاهة لدى الجانب الامريكي إزاء القضية الفلسطينية، الأمر الذي يفرض استحقاقات متقابلة تتطلب من واشنطن ان تتخذ هي الأخرى مبادرة تتفق مع منطلقات دعوة الأمير عبدالله وتلتقي معها، بما يلبي الحاجة الى حل دائم وعادل للشعب الفلسطيني وتطلعاته المشروعة، ويؤمن استقرارً في المنطقة وسلاماً يعم الجميع، وبعكس ذلك فان الولايات المتحدة الامريكية ستجد نفسها اكثر عزلة من السابق، واكثر تورطاً في أزمات ومآزق لاحقة، وبالتالي فان جميع جهودها على صعيد تطوير علاقاتها وتوسيع تعاونها مع الدول العربية وسعيها الى بناء تحالف دولي لمواجهة الإرهاب، سيكون مصيره الانهيار.
لقد أطلق الأمير عبدالله مبادرة تستحق موقفاً مسؤولاً وتجاوباً مطلوباً من الإدارة الامريكية، وعليها ألا تفوت هذه الفرصة الثمينة، وإلا فإنها ستكون وحدها الخاسرة، ومثل هذه الخسارات لا يمكن تعويضها فيما بعد، فهل ستتحرك أم تظل أسيرة لحالة التفرج وانتظار المجهول!؟
* نائب المدير الإقليمي للإتحاد العالمي للإعلام وإستطلاعات الرأي- لندن.