PDA

View Full Version : لأنه الحب...


فتو
30-03-2002, 01:22 AM
الفصل الأول : دموع ساخنة

كان سعيد مستلقيا على سريره وعيناه شاردتان تنظران إلى الفراغ ..صمت رهيب يحيط بغرفته لتتردد أنفاسه بصوت مسموع .. والظلام الدامس يحيط بالمكان ..

تنهد سعيد بقوة وأغمض عينيه محاولا أن يغطي جسمه بأكمله بالغطاء .. ضم ركبتيه إلى صدره وكأنه يحاول أن يبعث في جسده الدفء مع هذا الجو البارد ..صوت أنفاسه تتسارع بشكل ملحوظ .. كانت الدموع تتجمع عند مقلتي عينيه كعادته عندما يعيش موقفا مؤثرا .. لكنه أبدا لم يسمح لها أن تتجاوز حدود عينيه ..لكن في هذه المرة يبدو أن الأمر مختلفا .. فلأول مرة يضعف سعيد ويترك لدموعه العنان لتذرف وتسيل على خده .. حتى أنه دهش كثيرا عندما شعر بحرارة تلك الدموع وهي تلامس وجهه ..

لم يحاول أن يرفع يده ليمسح تلك الدموع وكأنه يخشى عليها من الضياع .. تمنى في تلك اللحظات لو كانت هي بجانبه لتمسحها بأصابعها الرقيقة ..كان متأكدا من أنها هي فقط التي تستطيع بحنانها أن تمنحه الطمأنينة .. وشعر بنبضات قلبه تخفق في عنف لتعكس مشاعر الحب والألم معا ..

رفع يده المرتجفة ليمس تلك الدموع الساخنة التي استكانت على خده بحذر ..ثم حاول أن يغمض جفنيه بقوة محاولا أن يهرب من أفكاره التي تحتويه ..كان يتمنى أن يخطفه النوم بسرعة ليعيش معها في عالم الأحلام بعيدا عن الألم .. وسمع صوته يهمس بشكل غير إرادي وكأنه يتحدث إليها لا إلى نفسه :

- أحـبك حنان ..

وبدأ عقله يسترجع الذكريات ..



* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *



الفصل الثاني : الحاجز
- تعلن الخطوط السعودية عن وصول رحلتها رقم 1023 والقادمة من جدة إلى الرياض .

تردد صوت المذيع الداخلي بالمطار بالعبارة السابقة للمرة الثانية في صالة الانتظار التي امتلأت بعدد كبير من المستقبلين الذين اصطفوا أمام بوابة المسافرين .. ومن بين المستقبلين كان هناك حسن الذي كان منتظرا وصول أخيه سعيد على متن الرحلة التي أعلن عنها قبل قليل .. ومن حسن حظه أن سعيد كان من أوائل الأشخاص الذين خرجوا من البوابة الرئيسية فاستقبله بين أحضانه مهنئا له على سلامة الوصول .. ثم تناول الحقيبة من يد سعيد وهو يقول بابتسامة :

- يكفي أن تستطيع حمل نفسك بعد هذه الرحلة ..

ابتسم سعيد وهو يهز كتفية .. قبل أن يتجها سوية نحو سيارة حسن .. وما أن انطلقت السيارة تشق طريقها نحو مدينة الرياض حتى سأل سعيد شقيقه بلهفة :

- كيف هي صحة والدي ؟؟

اختفت الابتسامة من على وجه حسن .. واكتست ملامحه بالجمود قبل أن يقول :

- إنه في المستشفى .. لكنه ما زال غاضبا من تصرفك المتهور ..

خفض سعيد عينه إلى موضع قدميه في حين تابع حسن قوله :

- ما كان ينبغي لك أن تتزوجها طالما أن والدك قد رفض ذلك ..

قال سعيد بضيق وهو يتحاشى النظر إلى وجه حسن :

- أعتقد أن اختيار زوجتي هو أمر يخصني وحدي .. إنها حياتي ومستقبلي .. وأنا بكل تأكيد سأبحث عن سعادتي .. إني أحبها يا حسن هل تفهم ذلك ؟؟

مط حسن شفتيه وهو يقول :

- أجل أفهم ذلك .. لقد استطاعت أن تملك قلبك فلم تعد ترى بعقلك ..

ثم عم الصمت بينهما .. وزاد حسن من سرعة السيارة وكأنه يريد الفرار من مواجهة ساخنة !



* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *



الفصل الثالث : اتركيه لنا
كانت حنان تجلس صامتة على طاولة الطعام دون أن تتناول شيئا .. وبجوارها كانت تجلس والدتها التي قالت لها بضيق :

- لماذا لا تأكلين ؟

أجابتها حنان بصوت شاحب دون أن ترفع بصرها :

- إني أفكر بسعيد وماذا سيفعل مع والده المريض بالفشل الكلوي ..

تنهدت والدتها قبل أن تقول :

- اسمعي يا حنان .. إنه ليس ذنبك .. لقد تزوجك وهو يعلم أن والده غير موافق .. وهو أخفى عليك هذه الحقيقة .. وعليه أن يتحمل مسئولية قراره ..

ظهر التأثر على وجه حنان وهي تقول :

- ولكني أحبه يا أمي .. وأخشى أن يؤثروا عليه .. إن أهله يكرهوني الآن .. يعتقدون أنني سرقته منهم .. يريدون مني أن أتخلى عنه بسهولة ..

ومع نهاية عبارتها كان رنين الهاتف يتردد في المكان .. فنهضت حنان من مقعدها وتناولت سماعة الهاتف وهي تقول :

- أهلا ، مساء الخير ؟

كانت تتمنى أن تسمع صوت زوجها سعيد يطمئنها بوصوله لمدينة الرياض بالسلامة .. لكن المتحدث كان شخصا آخر .. إنها شروق أخت سعيد .. وكانت تقول بغضب :

- عن أي خير تتحدثين عنه !! اسمعيني جيدا .. إن والدنا مريض ونخشى أن يؤثر غضبه على سعيد على حياته .. لا أدرى كيف أقنعتي سعيد بالزواج منك .. ولكنها بالتأكيد كانت خدعة متقنة منك لم يفطن لها أخي ..

شعرت حنان بالألم يعتصر قلبها وهي تقول بصوت لا يكاد يسمع :

- إني أحبه ..

بدأ صوت شروق يرتفع وقد اكتست نبرات صوتها بالغضب وهي تقول :

- إن كنت تحبينه فعلا فابتعدي عنه .. إن والده سيموت وهو غاضب عليه .. هل تفهمين ؟؟ أم أنك مجردة من الأحاسيس والمشاعر .. فكري جيدا حتى لا تندمي ..

ثم قطعت شروق الاتصال .. وظلت حنان ممسكة بسماعة الهاتف للحظات دون أن تتحرك .. فقط اغرورقت عيناها بالدموع وهي حائرة ماذا تفعل ..



* * * * * * * * * * * * * * * * * * * *



الفصل الرابع : على السرير الأبيض
عندما دخل سعيد إلى غرفة والده أسرع ينحني نحوه ليقبل يده باحترام .. ورغم أن صحة والده جيدة إلا أنه تجاهل تماما وجود سعيد وكأنه غير موجود .. فقط نظر إلى حسن الذي دخل برفقة سعيد وهو يسأله بصوت مجهد :

- كيف تسير أمور الشركة يا حسن ؟ هل كل شيء على ما يرام ؟

أسرع حسن يجلس إلى جوار والده على حافة السرير واحتضن يد والده وهو يقول :

- لا تشغل بالك بهذه الأمور يا أبي .. لقد جاء سعيد معي يريد أن يطمئن عليك ..

رفع الأب بصره إلى وجه سعيد للحظة سريعة قبل أن ترجع مع صوته المبحوح إلى حسن قائلا :

- لا بأس يبدو أنني أشعر بالإرهاق وأحتاج للنوم قليلا ..

شعر سعيد بالألم يعتصر قلبه وهو يشاهد تجاهل والده له .. كان يعلم أن هذا التصرف هو تعبير عن عدم الرضا لما فعل .. وهنا لم يتمالك سعيد نفسه وقال :

- أبي أرجوك لا تكن قاسيا علي هكذا أنا ابنك ..

أغمض والده عينيه قائلا :

- أعتقد أنني قلت أنني أريد أن أنام ..

توقف سعيد برهة ينظر لوالده ولا يدري ماذا يفعل .. ثم تنهد بقوة وغادر المكان بسرعة دون كلام .. وخرج حسن حلفه بعد أن أطمئن على والده .. لكن أي منهما لم يلحظ تلك الدمعة الصامتة التي أعلنت تمردها لتفلت من عين أبيهما ..



* * * * * * * * * * * * * * * * * * * *



الفصل الخامس : إنه الحب
كانت شروق أخت سعيد تقدم الشاي لزوجها وهي تقول له :

- لقد تحدثت إليها وقلت لها صراحة أن تتركه ..

تناول زوجها كوب الشاي منها وهو يبتسم لها بحب قبل أن يقول :

- لا أدري ما هي المشكلة طالما هو يحبها وهي تحبه ؟

شعر بأن زوجته تضايقت من سؤاله .. لكنها أجابت :

- اسمع يا فيصل .. لقد كان أبي يرغب في أن يتزوج سعيد من ابنة عمتي رغد .. لقد اتفق مع شقيقته على ذلك منذ فترة طويلة .. وكان سعيد يعلم بذلك ولم يرفض .. ثم فجأة بعد كل ذلك نجده قد تزوج من فتاة لا نعرفها .. هل ترى أن هذا أمر بسيط ؟

اعتدل فيصل في مقعده ووضع الكوب على المنضدة التي أمامه وقال :

- أريد أن أسألك سؤالا واحدا فقط .. لو أخبركم سعيد بأنه يريد الزواج من حنان هل كنتم ستقبلون برأيه ؟؟ أقصد تحديدا والدك ..

أجابت شروق بسرعة بصوت استنكاري :

- بالطبع لا ..

ابتسم فيصل وهو يسترخي في مقعده قائلا :

- إذا لماذا تلومينه على تصرفه .. لقد اختار الفتاة التي يرغب العيش معها .. هذا كل شيء ..

قالت شروق باعتراض :

- ولكنه في المقابل خسر محبة والده وعمته وأخوته .. وأهله عموما ..

سكت فيصل برهة مفكرا .. ثم قال :

- لا يوجد حب بدون تضحية .. ولكن من التهور أن تكون التضحية بحب آخر !!